مقالات

جدوى عرائض الاحتجاج من الغارديان إلى أسانج.

بيدر ميديا.."

جدوى عرائض الاحتجاج من الغارديان إلى أسانج

هيفاء زنكنة

 

عريضتان تم تداولهما في الأسبوع الماضي عبر كل أنواع التواصل الاجتماعي. رافقهما طلب التوقيع بسرعة لتحقيق الغرض من العريضتين. كانت العريضة الأولى احتجاجا على موقف صحيفة «الغارديان» البريطانية التي نشرت نعي رئيس أساقفة جنوب أفريقيا ديزموند توتو (في 26/12/2021) المعروف بنضاله الدؤوب ضد الاضطهاد والعنصرية بجميع أنواعها، وضد ممارسة الفصل العنصري على وجه الخصوص. ومع ذلك، اختارت الصحيفة حذف انتقادات توتو المتكررة لسياسات الفصل العنصري الإسرائيلية التي شبهها بسياسة النظام العنصري في جنوب أفريقيا سابقا. ذكرت العريضة أن الحذف لم يكن سهوا بل سياسة متعمدة. مما يفتح الباب أمام افتراض أن صحيفة « الغارديان» ترى الآن أن أي إشارة إلى طابع الفصل العنصري للسياسات الإسرائيلية معاد للسامية. ويقود إلى خلاصة منطقية تنص على «أن وجهة نظر الصحيفة الآن هي أن ديزموند توتو، الذي رأى أن القمع الإسرائيلي للفلسطينيين كان أسوأ من الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (كما كتب لصحيفتك في عام 2002) كان معاديًا للسامية». طالبت العريضة بتصحيح التحريف وتقديم اعتذار لعائلة توتو ولقراء الصحيفة. فهل نجحت العريضة التي وقعها آلاف الناس وممثلو منظمات حقوقية، بضمنها يهودية مناهضة للنظام الصهيوني العنصري، وأخرى تمثل اليهود داخل حزب العمال، تزامنا مع رسالة وجهتها منظمة «حملة التضامن الفلسطينية» إلى الغارديان، في تحقيق ما هدفت إليه؟ وهل لأسلوب توقيع العرائض أو الالتماس العام، كأسلوب ضغط مجتمعي لتغيير سياسة ما، فائدة تُرجى أم أنه مضيعة للوقت وامتصاص للنقمة والغضب؟
كان رد فعل الصحيفة سريعا إذ قامت بنشر مقال يتناول دعم توتو لحقوق الفلسطينيين كما أعادت نشر التعليقات المحذوفة على مقالها، واعترفت بشكل خاص بأنه ما كان ينبغي حذفها، إلا أنها لم تعتذر، كما لم تنشر الرسالة الموقعة من قبل أكثر من 30 شخصية بارزة بما في ذلك العديد من الذين كانوا نشطين في النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. رحبت « حملة تضامن فلسطين» بنشر المقال وتنفيذ طلبها الرئيسي وهو إعادة نشر التعليقات، وفي الوقت نفسه كتبت الى الصحيفة ثانية مطالبة إياها بتجنب ما حدث مستقبلا جراء الخضوع للوبي الصهيوني. يدل تراجع الصحيفة، وهي من الصحف المؤثرة عالميا، أن استخدام مستويات متعددة، من ضمنها توقيع العرائض وكتابة الرسائل والتعليقات، يضمن حراكا شعبيا مؤثرا وقوة ضغط لا يستهان بها سياسيا، إن تم إجراؤها بشكل صحيح. صحيح أنها قد لا تؤدي دائما إلى تحقيق النتائج المتوخاة كلها بل جزء منها أو لا تحقق شيئا أحيانا، إلا أن مجرد الاطلاع على فحواها ومتابعتها وحث الآخرين على المشاركة هو سيرورة توعية وتنظيم، في داخل البلد الواحد أو عابرة للحدود، للتعبير عن حق الفرد في التغيير السياسي والمجتمعي.

استخدام مستويات متعددة، من ضمنها توقيع العرائض وكتابة الرسائل والتعليقات، يضمن حراكا شعبيا مؤثرا وقوة ضغط لا يستهان بها سياسيا، إن تم إجراؤها بشكل صحيح

العريضة الثانية ألتي تستحق وصفها بأنها عابرة للقارات، هي الداعية إلى إطلاق سراح الصحافي جوليان أسانج. والمعنونة «حرروا جوليان أسانج قبل فوات الأوان. قم بالتوقيع على وقف تسليم المطلوبين للولايات المتحدة الأمريكية». تهدف العريضة إلى منع مأسسة سابقة قانونية ستؤدي إلى تسليم صحافي غير أمريكي فضح جرائم الحرب الأمريكية إلى الحكومة الأمريكية. والمعروف أن أسانج، مؤسس ويكيليكس، قد نشر ملايين الوثائق السرية ألتي كشفت جرائم أمريكا أثناء غزو واحتلال أفغانستان والعراق، وبعدها. وهو معتقل ببريطانيا، حاليا، إلا أن أمريكا تطالب بتسليمه إليها ليواجه عقوبة السجن 175 عامًا وإعدامًا محتملًا. وكانت المحكمة العليا في لندن قد حكمت في 10 ديسمبر/ كانون الثاني 2021 لصالح الإدارة الأمريكية بتسليم أسانج بناء على تأكيدات تلقتها من أمريكا حول ضمان سلامته. استأنف فريق الدفاع عن أسانج الحكم استنادا إلى هذه النقطة هذه المرة.
إلى جانب كل تصريحات المنظمات الحقوقية الدولية، والشخصيات العالمية، ومنتديات الصحافة المتضامنة مع أسانج، باعتباره صحافيا لم يرتكب أية جريمة بل مارس عمله، وفق حرية التعبير، في إطلاع الرأي العام على جرائم حرب ارتكبتها الحكومات المضللة له، بات للعريضة الملتمسة إطلاق سراحه مكانتها. إذ وقعها حتى العاشر من آب (أغسطس) 2021، حين تم تقديمها إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية 619،900 توقيع، جنبًا إلى جنب مع أكثر من 570.000 موقع على الالتماس للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) في 15 يناير 2021. وهي أكبر عريضة قُدمت إلى المحكمة الجنائية الدولية على الإطلاق منذ إنشائها، هادفة إلى إطلاق سراح أسانج والتحقيق في حالات التعذيب النفسي التي تعرض لها. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد حددت التعذيب النفسي بأنه يشكل «جريمة ضد الإنسانية». وتدفع العريضة، أيضا، بمقاضاة «الموظفين الحكوميين» من المملكة المتحدة والسويد والإكوادور وأستراليا، الذين يُزعم مشاركتهم في خلق وضع أخضع أسانج عن عمد للتعذيب النفسي، على الرغم من التصريحات العلنية التي أدلى بها المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب والتي خلصت إلى أن جوليان أسانج قد تعرض لمعاملة قاسية ومهينة، أدت إلى حالة تعذيب نفسي تم التحقق منه على النحو المحدد في تنفيذ الاتفاق المعترف به دوليًا.
يُحذر كُتاب العريضة من أن السماح بتسليم جوليان أسانج، بسبب نشره وثائق من أجل الصالح العام، «من شأنه أن يضع كل امرأة وطفل ورجل في المجتمع الغربي تحت حكم استبدادي خارج الحدود الإقليمية للولايات المتحدة. يثبت التاريخ أن هذا يؤدي دائمًا إلى الديكتاتورية الوحشية التالية التي ستغتال أو تَعدم أو تُسكِت بشكل دائم أي شخص ينشر دليلايفضح إجرام «السلطات».
لقد أثبتت الأيام الأخيرة أن لحملات الضغط، بضمنها توقيع العرائض، حظها من النجاح كما في حملة التضامن مع فلسطين، فهل ستنجح أصوات مئات الآلاف من الموقعين على عريضة الصحافي أسانج، في إيقاف تسليمه إلى شرطي العالم أمريكا؟ سترينا الأسابيع المقبلة النتيجة، وهي وإن لن تحقق المطالب، ستؤكد أن أسانج ليس إنسانا فريدا من نوعه في الدول الامبريالية، بل هناك المزيد من أمثاله يتكاثرون في بطن الوحش، خصوصاً وأن أمثاله يتمتعون بدعم عابر للأوطان والتيارات السياسية على إختلافها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com