مقالات

قصة منجم ومصانع عكاشات للفوسفات: ماذا تريد ضباع أحزاب ومليشيات الفساد أن تفعل ببقاياه اليوم؟ 

بيدر ميديا.."

قصة منجم ومصانع عكاشات للفوسفات: ماذا تريد ضباع أحزاب ومليشيات الفساد أن تفعل ببقاياه اليوم؟ 

علاء اللامي*

التدمير المنهجي والمقصود أميركيا وحكوميا للصناعة العراقية مستمر! ذكرني التقرير والتحقيق الذي نشر قبل أيام عن مشروع عكاشات لاستخراج الفوسفات وتصنيعه في الصحراء الغربية العراقية، والتسريبات التي أفادت بأن هناك خططا لبيع وإنهاء وجود المشروع، ذكرني ذلك بما قاله لي الأستاذ فؤاد قاسم الأمير ببغداد خلال لقائي به في الشهر الماضي. فقد حدثني الأمير طويلا وبحزن وحرقة عن ذكرياته في العمل والتأسيس في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لهذا المشروع الواعد والاستراتيجي في الصناعة العراقية، والذي كان هو الأب الفعلي والتنفيذي له. الأستاذ الأمير حكى لي عن ظروف عمله في تلك الصحراء القاسية مع ثلة من المهندسين والعمال الشجعان حيث سكن هو وعائلته مع زميل آخر وعائلته في كرفان صغير (عائلتان في كرفان واحد)، وكيف أنهم استعملوا مخلفات المياه المستعلمة المدورة في المشروع لمدِّ شبكة للري بالتقطير لأول مرة في العراق وربما في الشرق الأوسط واستفادوا منها في غرس حزام أخضر يحتوي على قرابة ربع مليون شجرة في موقع العمل الذي سيتحول إلى مدينة صغيرة وجميلة بمرافق كاملة وعلى امتداد أجزاء من الطريق الصحراوي المؤدي إليه.

كان نظام الحكم الذي جاء به الانقلاب البعثي في 17 تموز 1968، ينظر كعادته إلى جميع العراقيين خارج حزبه كمتهمين حتى ينتموا إلى حزبه ويصفقوا لرئيسه، ولهذا، وحين باشر النظام بوضع خطط تأسس مشروع عكاشات في نهاية السبعينات، جمع له كوادر وموظفين وعمالا من المشكوك بولائهم أو المتهمين بالانتماء إلى أحزاب وقوى معارضة أو المستقلين سياسيا، فكان إرسالهم إلى المشروع في قلب الصحراء العراقية أشبه بعقوبة النفي. وحتى المسؤولون الكبار من البعثيين الذين انتدبوا لإدارة المشروع كانوا ينظرون إلى تكليفهم كعقوبة.

كانت مخابرات النظام حاضرة هناك، وكانت تنظر إلى الكادر أو الموظف الذي يصلي ويؤدي طقوسه الدينية كعضو محتمل أو أكيد في الأحزاب الإسلامية التي بدأت النشاط آنذاك، وإذا لم يكن يصلي فكان يُنظَر إليه كشيوعي محتمل أو يساري. ولكن العمل استمر بحماس، وحقق المشروع نتائج مذهلة فاقت التوقعات وتصاعد الإنتاج خلال السنوات اللاحقة حتى فاق مليون طن سنويا، وأصبح الهدف هو أن يحتل العراق المركز الأول عالميا في إنتاج الفوسفات والمشتقات الأخرى منه، وشعرت حكومة البعث بجدية المشروع فقررت الاستغناء عن الكوادر والموظفين المشكوك بولائهم الحزبي فنقلت بعضهم إلى ميادين إدارية مختلفة وأحالت بعض آخر إلى التقاعد واستبدلتهم بموظفين بعثيين وهنا انخفض الإنتاج بشكل هائل حتى بلغ عشرين بالمائة من انتاجه السابق، فعادت السلطات تتوسل بالموظفين والكوادر الهندسية والعلمية التي أبعدتها أن تعود إلى العمل وإدارة المشروع.

ثم جاءت سلسلة حروب ومغامرات النظام السابق بعد تولي صدام ومجموعته الحكم في بداية الثمانيات، التي انتهت إلى كوارث ما يزال العراقيون يدفعون ثمنها من استقلال بلادهم وثرواته حتى اليوم، فتعرقل العمل في هذا المشروع. ثم جاءت مرحلة الاحتلال وما نجم عنها من تخريب ممنهج للصناعة والزراعة والتعليم والصحة وكل مجلات الحياة وأهلمت وبيعت مشاريع كثيرة لتتحول إلى مولات ومشاريع استهلاكية لا قيمة لها وتوقف عمل المنجم ومصانعه نهائيا مع تمرد داعش التكفيري، وها هو موضوع منجم عكاشات يثار مجددا مع تكاثر التصريحات والتسريبات عن موجة خصخصة وبيع لمصانع ومؤسسات القطاع العام العراقية بعد تشكيل الحكومة القادمة تحت شعار أو حجة ترميم وإطلاق الصناعة العراقية بعد ثمانية عشر عاما من الاحتلال الأميركي.

يرجح كثيرون أن هذه الحملة الراهنة قد تنتهي إلى بيع ما تبقى من سكراب المشاريع القطاع العام بسعر التراب لذوي النفوذ والسلطة والأوقاف الدينية التي أصبحت دويلات داخل الدولة في المنظومة الحاكمة الفاسدة حتى النخاع ودون نتيجة تذكر لمصلحة الدولة أو الشعب أو الصناعة العراقية. إن ترميم وتشغيل آلاف المصانع العراقية المعطلة هي مهمة المهمات ولكن المنظومة الحاكمة وبسبب من طبيعتها السياسية والطبقية والاجتماعية “كمنظومة حكم مكوناتية طائفية وعرقية هي أعجز من أن تقوم بهذه المهمة، وحتى القطاع الخاص الذي يمكن أن يقوم بدور كبير وضروري إلى جانب القطاع العام أو حتى بشكل مستقل في هذا الاتجاه فيستثمر في هذه المصانع ويعيد ترميمها ويستغلها في مجال إنتاجها نفسه بموجب عقود تسمى في العراق “عقود مساطحة” لمدة عشر سنوات أو عشرين سنة لا يمكنه أن يقوم بدوره في أجواء الفساد المستشري وغياب الدولة والسلطة والفوضى الاجتماعية السائدة ونقص الكهرباء والخدمات الكثيرة.

من تقرير صحافي مصور/ الرابط1 نعلم أن أكبر مناجم الفوسفات في العراق إلى “منطقة مهجورة”، بسبب إهمال الحكومات التي تنفذ مخططات الاحتلال الأميركي في تدمير الصناعة والزراعة في العراق. ويضيف التقرير أن سيطرة جهات مسلحة على المنطقة جعل منها منطقة مهجورة أكثر وخطرة!

قبل حرب الخليج الأولى عام 1991 كان العراق يصدر الفوسفات لدول شرق وشمال شرق آسيا ودول أوربية عدة، إلا أن يد الإهمال والإرهاب المتمثل بـ”الاحتلال الامريكي” ثم باجتياح تنظيم “داعش”، محافظة الأنبار، تسبب بتدمير البنى التحتية في المناجم“.

*وقد جرت محاولات خجولة لترميم وإعادة تأهيل مشروع عكاشات ومنجمه ومصانعه وإعادتها للإنتاج وتم “إعداد ملف استثماري لتأهيل الشركة ومعاملها، ويقول إحسان علي صالح معاون المدير العام للشركة العامة للفوسفات، إن “وزارة الصناعة والمعادن العراقية، رفضت الموافقة على عروض عدة لاستثمار المناجم من قبل شركة بريطانية، ورغم محاولات الشركة لاستحصال موافقة الوزارة، طوال الخمس سنوات الماضية، إلا أنها باءت بالفشل“..

ويكشف نائب رئيس هيئة استثمار الأنبار عبد اللطيف الحلبوسي عن سبب توقف عقد تأهيل مصانع الفوسفات الموقع بين وزارة الصناعة والمعادن، متمثلة بالشركة العامة للفوسفات مع الشركتين التشيكية والتركية في أبريل/ نيسان2020. فيقول إنه عائد إلى جائحة كورونا التي أوقف هذا النوع من المشاريع.

*. فيما قال مدير ناحية الوليد، عبد المنعم الطرموز، إن “المنشآت التابعة لوزارة الصناعة والمعادن في الانبار تعاني الإهمال بشكل كامل، وخاصة مناجم فوسفات عكاشات، المتوقفة عن العمل منذ سنة 2003 مع أن الواردات التي تأتي من المنجم في حال تشغيله، “لا تقل عن واردات تصدير النفط الذي تعتمده الحكومة العراقية في تمويل ميزانية الدولة”. ولتوخي الدقة، فالمعلومة الأخيرة غير صحيحة، إذْ أن عائدات منجم الفوسفات ومشتقاته لن تصل إلى ربع عائدات النفط، كما أكد لي الأستاذ فؤاد الأمير، ولكنها عائدات مهمة، والصناعة نفسها صناعة مركزية ولها أهميتها الفائقة في العديد من الصناعات الأخرى التي تعتمد على منتجاتها الزراعية وغيرها كالأسمدة.

ومن تقارير صحافية أخرى نشرت من قبل نعلم الآتي:

*يُصنف العراق قبل توقف انتاج عكاشات ثانيا، بعد المغرب الذي يملك أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم ومن نوعية جيدة، إذ يقدر الاحتياطي في صحراء العراق الغربية بأكثر من 10 مليارات طن؛ وهذا يعني أنه يحتفظ بما نسبته 9% من إجمالي الاحتياطي العالمي من هذه المادة.

*إن معامل المجمع الكيميائي -الذي أنشئ عام 1978 على مساحة 3 ملايين متر مربع بعقد أولي قيمته مليار دولار- يضم معامل لإنتاج الأسمدة الفوسفاتية كمنتج نهائي، ومنها معامل استخلاص الخامات من المنجم، وتركيز الخامات، وحمض الكبريتيك، وحمض الفسفوريك، ووحدات الخدمات الصناعية، ومعامل الأسمدة والأمونيا وأملاح الفلورين، ووحدة التداول.

*في أجواء الفساد والفلتان ينبغي على الوطنيين والاستقلاليين العراقيين من ذوي الاختصاص وغيرهم الوقوف ضد أية محاولات للتفريط بهذه الصناعات والثروات وسرقتها من قبل تماسيح الفساد في المنظومة الحاكمة كما سرقوا غيرها من مصانع وثروات هائلة.

*الرابط1 : تقرير مصور حول الموضوع لصفحة شفق:

https://shafaq.com/ar/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B4%D9%81%D9%82-%D9%86%D9%8A%D9%88%D8%B2-%D8%AA%D8%AA%D9%82%D8%B5%D9%89-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D9%85%D9%87%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%A9

الرابط2: الصناعة العراقية تعاني انهيار شبه تام:

https://www.alsumaria.tv/news/%D8%AE%D8%A7%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%A9/407086/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%86%D9%87%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%B4%D8%A8%D9%87-%D8%AA%D8%A7%D9%85

Re: مقال

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com