مجتمع

ما العلاقة بين اللا شعور والإبداع ؟

بيدر ميديا.."

سؤال قد‮ ‬يراودك

ما العلاقة بين اللا شعور والإبداع ؟

علي‮ ‬الوردي

الإبداع ليس كله مما‮ ‬يدركه الإنسان نتيجة وعيه القاصد أو تفكيره المنظم‮. ‬لا شك أن التفكير المنظم ضروري‮ ‬للإبداع ولكنه لا‮ ‬يكفي‮ ‬وحده في‮ ‬ذلك،‮ ‬فمهما حاول المفكر أن‮ ‬يصل إلى فكرة جديدة شعر بالعجز ما لم‮ ‬يسعفه اللاشعور بلمحاته الخاطفة التي‮ ‬تنير له السبيل‮.‬
يقول الأستاذ سير بيرت في‮ ‬الطريقة التي‮ ‬يتوصل بها العباقرة والفنانون إلى القيام بإنجازاتهم الرائعة ما‮ ‬يأتي‮:‬
‮((‬إن الدراسات التي‮ ‬قام بها علماء التحليل النفسي‮ ‬على الأحلام وأحلام اليقظة قد ألقت جانباً‮ ‬كبيراً‮ ‬من الضوء على عمل العقل عند الفنان،‮ ‬فالعمل الانشائي‮ ‬الذي‮ ‬يقوم به الفنان‮ ‬يكون في‮ ‬الغالب ـ مثل حلم اليقظة ـ نتيجة عملية لا شعورية‮. ‬وما‮ ‬يبدو للعيان مجرد لمحة من الإلهام أو ميلاً‮ ‬إنشائياً‮ ‬فريداً،‮ ‬إذا أنت فحصته بدا لك في‮ ‬طبيعته المعقدة منبعثاً‮ ‬من ميول عدة،‮ ‬تعمل في‮ ‬الأعماق تحت سطح الشعور‮. ‬هذه الميول تستمر في‮ ‬عملها اللا شعوري‮ ‬ما بقيت مكبوتة،‮ ‬وتبقي‮ ‬آثارها بسيطة وغير مفهومة ما بقيت مصادرها خفية‮. ‬ولكن متى تحقق الناس أن العقل ـ حتى في‮ ‬مشكلاته العادية ـ‮ ‬يقوم بسلاسل من النشاط اللا شعوري،‮ ‬تكشفت لهم الغاز الانتاج الفني‮ ‬كل التكشف‮)).‬
وكذلك قال الأستاذ كنمير عند بحثه في‮ ‬العبقرية‮. ‬فالإبداع العبقري‮ ‬في‮ ‬رأيه هو‮ ((‬الطريق الغريب الذي‮ ‬تنصب منه الأفكار الجديدة والمكتشفات العجيبة على العبقري،‮ ‬من حين إلى حين،‮ ‬نابعة من معين مجهول لا‮ ‬يعرفه هو نفسه ولا‮ ‬يستطيع العقل الشعوري‮ ‬أن‮ ‬يدركه‮)).‬
لماذا؟
إن هذه العلاقة الوثيقة بين اللاشعور والإبداع تجعلنا نتساءل،‮ ‬ونلح في‮ ‬التساؤل،‮ ‬عن السبب فيها‮. ‬إنها مسألة دقيقة ومهمة‮. ‬وفي‮ ‬رأيي‮ ‬أننا لا نستطيع أن نفهم حلاً‮ ‬لها قبل أن نعرف شيئاً‮ ‬عن طبيعة الذاكرة في‮ ‬الإنسان‮. ‬فما‮ ‬يحدث للمبدع قد‮ ‬يحدث لأي‮ ‬واحد منا حين نحاول أن نتذكر شيئاً،‮ ‬فنحن كلما أجهدنا أنفسنا في‮ ‬أن نتذكر شيئاً‮ ‬نريده صعب علينا أمره،‮ ‬ولكننا لا نكاد نهمله ونغفل عنه حتى‮ ‬يأتينا فجأة كاللمح الخاطف‮.‬
ومشكلة الذاكرة،‮ ‬بوجه عام،‮ ‬ليست بالمشكلة الهينة،‮ ‬فقد حاول العلماء الكشف عن أسرارها ردحاً‮ ‬طويلاً‮ ‬من الزمن من دون جدوى‮. ‬وبقي‮ ‬قسم من العلماء،‮ ‬حتى‮ ‬يومنا هذا،‮ ‬يعدون الذاكرة لغزاً‮ ‬غير مفهوم‮. ‬وفي‮ ‬الآونة الأخيرة جاءتنا الصحف بخبر ظهور اكتشاف مهم في‮ ‬شأن الذاكرة على‮ ‬يد عالم روسي‮ ‬اسمه الدكتور بلومنفلد‮. ‬فقد قام هذا العالم ببعض التجارب المختبرية على الخلايا الحية،‮ ‬لا سيما تلك التي‮ ‬توجد في‮ ‬أنسجة المخ ونخاع العظام،‮ ‬فوجد أنها تحتوي‮ ‬على خواص كهربائية مغناطيسية تشبه إلى حد بعيد تلك الخواص التي‮ ‬تتصف بها أجهزة اللاسلكي‮ ‬الدقيقة‮. ‬وقد أعلن العلماء أن هذا الاكتشاف قد‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى الكشف عن أسرار الذاكرة في‮ ‬الانسان‮. ‬ولعل الذاكرة ليست سوى عملية معقدة للتسجيل المغناطيسي‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬داخل المخ البشري‮ ‬على منوال ما‮ ‬يجري‮ ‬التسجيل المغناطيسي‮ ‬في‮ ‬العقول الالكترونية المعروفة.أعتقد أن هذا الاكتشاف العلمي‮ ‬ذو دلالة كبيرة في‮ ‬موضوع الإبداع‮. ‬فنحن نعرف أن أي‮ ‬إبداعاً‮ ‬لفكرة جديدة ليس سوى ربط أو تأليف بين فكرتين معروفتين سابقاً‮. ‬ومعنى هذا أن المبدع لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يخلق الشيء من عدم،‮ ‬بل هو‮ ‬يؤلفه من أشياء موجودة قبلاً،‮ ‬وليس له من فضل في‮ ‬ذلك سوى فضل الربط والتركيب‮.‬
اختبارات سابقة
وإذا علمنا،‮ ‬بالإضافة إلى ذلك،‮ ‬أن المخ‮ ‬يحتوي‮ ‬على ملايين الأفكار والذكريات التي‮ ‬اختزنها من اختباراته السابقة جاز لنا القول،‮ ‬إذن،‮ ‬إن الفكرة الجديدة هي‮ ‬نتاج عملية لا شعورية تجري‮ ‬في‮ ‬داخل المخ حيث تترابط بها فكرتان قديمتان كما تترابط المعلومات المختلفة المخزونة في‮ ‬العقل الالكتروني‮..‬قد‮ ‬يراود الذهن في‮ ‬هذا الصد سؤال آخر هو‮: ‬لماذا‮ ‬يصعب على المخ أن‮ ‬يقتنص الفكرة الجديدة في‮ ‬حالة الوعي‮ ‬والتفكير القاصد،‮ ‬بينما هو‮ ‬يقتنصها بسهولة عندما‮ ‬يغفو العقل الواعي‮ ‬أو‮ ‬يغفل عن نفسه؟يبدو أن العقل الواعي‮ ‬ذو طبيعة تحليلية لا تركيبية‮. ‬فهو‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يبحث ويفكر ويستقصي،‮ ‬إنما هو لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يبتكر إلا قليلاً‮. ‬ولعل السر في‮ ‬ذلك أن العقل الواعي‮ ‬ميال إلى التركيز والدقة في‮ ‬النظر‮. ‬فهو عندما‮ ‬يدرس أمراً‮ ‬ما‮ ‬يحاول التركيز على نقطة واحدة منه‮. ‬ولهذا فليس من السهل عليه أن‮ ‬يستوعب نقاطاً‮ ‬عدة من خلال نظرة واحدة‮. ‬فتراه عند البحث‮ ‬يجمع الأفكار ويستقصي‮ ‬دقائقها،‮ ‬ولكنه لا‮ ‬يقدر على الربط بين فكرتين متباعدتين منها.وهذا سبب ما نرى بين الحفاظ من عجز عن الفهم والإبداع‮. ‬فهم‮ ‬يكثرون من حفظ المعلومات ومن تكرارها والتمشدق بها،‮ ‬ولكنهم‮ ‬يظلون كالببغاء‮ ‬غير قادرين على استخلاص أية جدوى مما‮ ‬يحفظون‮. ‬وعلى العكس من ذلك الأذكياء الملهمون،‮ ‬إذ هم‮ ‬يدأبون على تفهم الأفكار المتنوعة ثم‮ ‬ينسونها‮. ‬ومعنى هذا أنهم‮ ‬يتركونها مخزونة في‮ ‬أغوار عقلهم الباطن،‮ ‬فتتفاعل هناك وتتشابك‮. ‬ولهذا نجدهم أبرع في‮ ‬الجواب وأقدر على حل المشكلات من أولئك الحفاظ‮ ((‬الدرّاخين‮)).‬

‮{ ‬من وثائق الصحفي‮ ‬سلام الشماع

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com