أبحاث

فريديريك أنجلز تاريخه وحياته.

بيدر ميديا.."

اي مشعل للفكر قد انطفا
اي قلب توقف عن الخفقان!

في 5 اغسطس (اب) 1895 توفي فريديريك انجلز في لندن. لقد كان انجلز بعد صديقة كارل ماركس (المتوفي في 1883) ابرز عالم و مرب للبروليتاريا المعاصرة في العالم المتمدن باسره. و منذ ان جمع المصير كارل ماركس و فريديريك انجلز اصبح عمل حياة الصديقين عملا مشتركا. و لذا لاجل ادراك ما صنعه فريديريك انجلز في سبيل البروليتاريا ينبغي ان نفهم بوضوح الدور الذي اضطلع به مذهب ماركس و نشاطه في تطوير الحركة العمالية المعاصرة. لقد كان ماركس و انجلز اولى من بينا ان الطبقة العاملة تولد بالضرورة مع مطالبها من النظام الاقتصادي الحالي الذي مع البرجوازية يخلق و ينظم البروليتاريا بصورة حتمية. و بينا ايضا ان ليست المحاولات الطيبة التي يقوم بها هؤلاء او اولائك الاشخاص الكرماء هي التي ستحرر الجنس البشري من البلايا التي تضغط عليه في الوقت الحاضر بل النضال الطبقي التي تخوضه البروليتاريا المنظمة. و قد كان ماركس و انجلز اولى من برهنا في مؤلفاتهما العلمية على ان الاشتراكية ليست ضربا من تخيلات الحالمين بل هي الهدف النهائي و النتيجة الضرورية لتطور القوى المنتجة في المجتمع المعاصر. ان كل التاريخ المكتوب حتى ايامنا هذه قد كان تاريخ نضال الطبقات و تعاقب سيطرة و انتصارات طبقات اجتماعية على طبقات اخرى. و هذه الحالة ستدوم ما دامت اسس نضال الطبقات و السيطرة الطبقية قائمة – اي ما دامت الملكية الخاصة و الانتاج الاجتماعي الفوضوي قائمة. ان مصالح البروليتاريا تتطلب تدمير هذه الاسس فينبغي اذن ان يوجه ضدها نضال العمال المنظمين الواعي الطبقي. و الحال ان كل نضال طبقي هو نضال سياسي.

ان كل البروليتاريا المناضلة في سبيل انعتاقها قد استوعبت الان اراء ماركس و انحلز هذه. و لكن عندما ساهما الصديقان في السنوات الاربعين بالمنشورات الاشتراكية و الحركات الاجتماعية في عصرهما بدت هذه المفاهيم جديدة تماما. فعديدين حينذاك كان الناس الموهوبون او غير الموهوبين الشرفاء او غير الشرفاء الذين كانوا لا يرون تضاد مصالح البرجوازية و البروليتاريا نظرا لانسياقهم في غمرة النضال في سبيل الحرية السياسية و ضد استبداد الملوك و البوليس و رجال الدين. بل ان هؤلاء الناس كانوا لا يقرون بالفكرة القائلة ان في وسع العمال ان يعملوا كقوة اجتماعية مستقلة. و من جهة اخرى كان عدد كبير من الحالمين و من الحالمين ذوي العبقرية احيانا يعتقدون بانه يكفي اقناع الحكام و الطبقات السائدة بجور النظام الاجتماعي القائم من اجل اقامة السلام و الرفاه الشاملين على الارض. و كانوا يحلمون باشتراكية لا صراع من اجلها. و اخيرا كان جميع اشتراكيي ذلك الحين تقريبا و اصدقاء الطبقة العاملة بوجه عام لا يرون في البروليتاريا سوى قرحة و كانوا يرون في رعب ان هذه القرحة تكبر بقدر ما كانت الصناعة تتطور.. و لذا كانوا يسعون وراء جميع الوسائل لاجل وقف تطور الصناعة و البروليتاريا لاجل وقف “دولاب التاريخ”. و على نقيض الخوف العام الذي يستثيره تطور البروليتاريا كان ماركس و انجلز يضعان كل املهما في نموها المتواصل. فكلما ازداد عدد البروليتاريين تعاظمت قوتهم بوصفهم طبقة ثورية و اقتربت الاشتراكية و اصبحت ممكنة. على هذا النحو يمكن التعبير ببضع كلمات عن ماثر ماركس و انجلز ازاء الطبقة العاملة: لقد علماها ان تعرف نفسها و احلا العلم محل الاوهام.

لذا ينبغي ان يعرف كل عامل من العمال اسم انجلز و حياته. و لهذا يترتب علينا في كتابنا هذا – الذي يهدف كما تهدف جميع منشوراتنا الى ايقاظ الوعي الطبقي لدى العمال الروس – ان نرسم حياة و نشاط فريديريك انجلز احد مربي البروليتاريا المعاصرة العظيمين. ولد انجلز عام 1820 في بارمن وهي مدينة من اقليم ريناني تابع لمملكة بروسيا. و كان والده صاحب مصنع. و في 1838 اضطر انجلز لاسباب عائلية و قبل ان ينهي دراسته الثانوية لان يعمل مستخدما في مؤسسة تجارية في مدينة بريمن. و لكن الاعمال التجارية لم تمنع انجلز قط من العمل على تثقيف نفسه علميا و سياسيا. فمنذ ما كان في المدرسة الثانوية حقد على الاوتوقراطية و على تعسف الدواوينية (البيروقراطية). و قد دفعته دراساته الفلسفية الى ابعد من ذلك. فقد كان مذهب هيغل في ذلك الحين مسيطرا على الفلسفة الالمانية و اصبح انجلزمن اتباعه. و مع ان هيغل نفسه كان معجبا بالدولة البروسية الاتوقراطية التي كان يخدمها بوصفه استاذا في جامعة برلين فقد كان مذهبه مع ذلك ثوريا. ان ايمان هيغل بالعقل البشري و حقوقه و مبدا الفلسفة الهيغلية الاساسي الذي يعتبر العالم في حركة تفاعل دائمة عن التحول و التطور قد قاد تلامذة الفيلسوف البرليني الذين كانوا لا يريدون ان يقرروا قبول الواقع الى التفكير بان النضال افسه ضد هذا الواقع و ضد الظلم القائم و الشر السائد هو من صلب القانون العام للتطور الدائم. اذا كان كل شيء يتطور و اذا كانت مؤسسات تقوم مقام اخرى فلماذا تدوم الى الابد اوتوقراطية ملك بروسيا او قيصر روسيا و لماذا يدوم ثراء اقلية ضئيلة جدا على حساب الاكثرية الساحقة و لماذا تدوم سيطرة البرجوازية على الشعب؟ كانت فلسفة هيغل تعالج تطور العقل و الافكار: لقد كانت مثالية تجعل تطور الطبيعة و الانسان و علاقات الناس الاجتماعية ناجمة عن تطور العقل. و قد احتفظ ماركس و انجلز بفكرة هيغل حول حركة التطور الدائم و لكنهما طرحا وجهة النظر المثالية المفروضة سلفا. فبالاستناد الى الحياة لاحظا ان ليس تطور العقل هو الذي يفسر تطور الطبيعة بل ان الامر على العكس تماما فيجب ان نعيد منشا العقل الى الطبيعة الى المادة… و خلافا لهيغل و الهيغليين الاخرين كان ماركس و انجلز ماديين. و في اتخاذهما عن العالم و الانسانية مفهوما ماديا لاحظا انه كما ان الاسباب المادية هي في اساس جميع ظاهرات الطبيعة كذلك تطور المجتمع البشري مشروط بتطور القوى المادية المنتجة. ان علاقات الناس فيما بينهم خلال انتاج الاشياء الضرورية لسد حاجات الانسان ترتبط بتطور القوى المنتجة. و في هذه العلاقات نجد التفسير لجميع ظاهرات الحياة الاجتماعية و المطامح و الافكار و القوانين البشرية. ان تطور القوى المنتجة يخلق علاقات اجتماعية ترتكز على الملكية الخاصة، و لكننا نرى اليوم كيف ان تطور القوى المنتجة نفسه ينتزع الملكية من الاكثرية ليحصرها في ايدي اقلية ضئيلة.. انه يلغي الملكية اساس النظام الاجتماعي المعاصر و يسير من نفسه نحو الهدف الذي وضعه الاشتراكيون نصب عيونهم. اما الامر الهام فهو ان يدرك هؤلاء الاشتراكيون اية قوة اجتماعية لها بحكم وضعها في المجتمع المعاصر مصلحة في تحقيق الاشتراكية حتى يبثوا في هذه القوة وعي مصالحها و رسالتها التاريخية. هذه القوة انما هي البروليتاريا. لقد تعرف انجلز على البروليتاريا في انجلترا في مركز الصناعة الانجليزية في منشستر حيث اقام سنة 1842 مستخدما في مؤسسة تجارية كان ابوه مسهما فيها. فان انجلز لم يكتف بعمل بسيط في مكتب المصنع بل زار الاحياء القذرة حيث كان يقطن العمال و حيث استطاع ان يرى بام عينه كل بؤسهم و بلاياهم. و لم يكتف بملاحظاته الشخصية بل قرا ايضا كل ما سجله الغير من قبله عن حالة الطبقة العاملة الانجليزية و درس درسا دقيقا جميع الوثائق الرسمية التي تمكن من الرجوع اليها. ان كتابه “حالة الطبقة العاملة في انجلترا” الذي صدر سنة 1845 كان ثمرة تلك الدراسات و تلك الملاحظات. و لقد ذكرنا انفا الماثرة الرئيسية التي حققها انجلز في مؤلفه “حالة الطبقة العاملة في انجلترا”. كثيرا كان عدد الذين تحدثوا حتى قبل انجلز عن آلام البورليتاريا و اكدوا ضرورة مساعدتها. اما انجلز فكان اول من اثبت ان البروليتاريا ليست فقط الطبقة التي تتالم بل ان الحالة الاقتصادية المخزية التي تعانيها البروليتاريا هي التي تدفع بها الى الامام دفعا لا يرد و تحفزها الى النضال في سبيل تحررها النهائي. و الحال ان البروليتاريا المناضلة ستساعد نفسها بنفسها. ان الحركة السياسية للطبقة العاملة ستقود حتما العمال الى ان يدركوا ان ليس ابدا من مخرج امامهم غير طريق الاشتراكية. و الاشتراكية من جهة اخرى لن تصبح قوة الا عندما تصبح الهدف لنضال الطبقة العاملة السياسية. هذه هي الافكار الاساسية في كتاب انجلز عن حالة الطبقة العاملة في انجلترا وهي افكار مقبولة اليوم لدى مجموع البروليتاريا التي تفكر و تناضل و لكنها كانت جديدة كل الجدة في ذلك الحين. ان هذه الافكار قد عرضت في هذا الكتاب المصوغ باسلوب اخاذ و الحافل باصدق المشاهد و اشدها اثارة للرعب عن بؤس البروليتاريا الانجليزية. لقد كان هذا الكتاب صك اتهام رهيب ضد الراسمالية و البرجوازية. و كان الاثر الذي احدثه عظيما. ففي كل مكان كانوا يستشهدون بكتاب انجلز بوصفه خير صورة عن حالة البروليتاريا المعاصرة. و فعلا لم يظهر لا قبل سنة 1845 و لا بعدها عرض حقيقي اخاذ الى هذا الحد لشقاء الطبقة العاملة. لم يصبح انجلز اشتراكيا الا في انجلترا. ففي منشستر اقام علاقات مع اعضاء حركة العمال الانجليزية في ذلك الوقت و اخذ يكتب في المنشورات الاشتراكية الانجليزية. و عند عودته الى المانيا في 1844 و اثناء مروره بباريس تعرف على ماركس. و كان يراسله منذ بعض الحين. ففي باريس و و بتاثير الاشتراكيين الفرنسيين و الحياة الفرنسية كان ماركس قد غدا ايضا اشتراكيا. و هناك كتب الصديقان معا “العائلة المقدسة او انتقاد النقاد”. و هذا الكتاب الذي كتب ماركس القسم الاكبر منه و الذي صدر قبل سنة من صدور كتاب : “حالة الطبقة العاملة في انجلترا” يضع الاسس لهذه الاشتراكية المادية الثورية التي عرضنا انفا افكارها الرئيسية. و “العائلة المقدسة” هي تسمية هزلية للاخوين الفيلسوفين باور و اتباعهما. فهؤلاء السادة كانوا يبشرون بالانتقاد الذي يضع نفسه فوق كل اعتبار فوق الاحزاب و فوق السياسة و الذي ينكر كل نشاط عملي و يكتفي بالتامل “من وجهة نظر انتقادية” في العالم الذي يحيط به و في الت تتطور فيه. ان هذين السيدين باور كانا ينظران الى البروليتاريا “من عل” معتبرينها جماعة مجردة من كل تفكير انتقادي. لقد وقف ماركس و انجلز موقفا حازما ضد هذا الاتجاه الضار و الاخرق. و باسم الشخصية الانسانية الفعلية اي العالم الذي تظلمه الطبقات الحاكمة و الدولة طالبا لا بالتامل بل بالنضال في سبيل تنظيم افضل للمجتمع. و هما بالطبع لا يريان الا في البروليتاريا القوة التي لها مصلحة في خوض هذا النضال و التي هي قادرة على خوضه. و قبل نشر كتاب “العائلة المقدسة” نشر انجلز في مجلة ماركس و روغه “الحولية الفرنسية الالمانية” “دراسات انتقادية حول الاقتصاد السياسي” حلل فيها من وجهة نظر الاشتراكية الوقائع الاساسية في النظام الاقتصادي المعاصر الناجمة حتما عن سيطرة الملكية الخاصة. ان صلات ماركس بانجلز قد دفعت الاول بدون جدال الى الاهتمام بالاقتصاد السياسي هذا العلم الذي قامت مؤلفاته بثورة كاملة فيه.

و من سنة 1845 الى 1847 عاش انجلز في بروكسال و باريس رابطا دراسته العلمية بالنشاط العملي بين العمال الالمان في هاتين المدينتين. و في تلك الفترة اقام ماركس و انجلز علاقات مع المنظة الالمانية السرية المسماة “عصبة الشيوعيين” التي عهدت لهما بعرض المبادئ الاساسية للاشتراكية التي صاغاها. و هكذا صدرا في سنة 1848 بيانهما المشهور: “بيان الحزب الشيوعي”. ان هذا الكتيب يساوي المجلدات الضخمة: فروحه ما تزال حتى ايامنا تنفذ الى مجموع البروليتاريا المنظمة المناضلة في العالم المتمدن و تحركها.

اما ثورة 1848 التي اندلعت اولا في فرنسا ثم امتدت الى البلدان الاخرى في اوروبا الغربية فقد جعلت ماركس و انجلز يقرران العودة الى بلادهما. و هناك في بروسيا الرينانية قاما على راس الجريدة الديمقراطية “الجريدة الرينانية الجديدة” التي كانت تصدر في مدينة كولونيا. و كان الصديقان روح جميع المساعي الثورية الديمقراطية في بروسيا الرينانية. و قد دافعا باقصى القوة و العزم عن مصالح الشعب و الحرية ضد القوى الرجعية. غير ان الغلبة كانت لهذه القوى الرجعية كما هو معلوم. فعطلت “الجريدة الرينانية الجديدة”. و لما كان ماركس قد فقد جنسيته البروسية اثناء هجرته فقد طرد. اما انجلز فقد اشترك في انتفاضة الشعب المسلحة و اشتراك في ثلاث معارك من اجل الحرية. و بعد هزيمة الثوار هرب الى لندن عن طريق سويسرا.

كذلك جاء ماركس و اقام في لندن اما انجلز فقد عاد بعد حين مستخدما من جديد ثم شريكا في المؤسسة التجارية نفسها في منشستر حيث كان قد اشتغل في السنوات الاربعين. و حتى سنة 1870 عاشا انجلز في منشستر و ماركس في لندن. و لكن هذا لم يكن يمنعهما من ان تكون وحدة افكارهما و ثيقة اشد الوثوق. فكانا يتراسلان كل يوم تقريبا. و في هذه المراسلات كان يطالع الصديق صديقه باراءه و معلوماته. و كانا يتابعان معا صياغة الاشتراكية العلمية. و في سنة 1870 اقام انجلز في لندن مواصلا مع ماركس حياتهما الفكرية المشتركة الزاخرة بنشاط شديد حتى عام 1883 عام وفاة ماركس. و قد كانت ثمرة هذا العمل بالنسبة لماركس – كتابه: “راس المال”، اعظم مؤلف في الاقتصاد السياسي في عصرنا. و كانت بالنسبة لانجلز عددا من المؤلفات الكبيرة و الصغيرة. كان ماركس يعمل في تحليل الظاهرات المعقدة في الاقتصاد الراسمالي. و كان انجلز يعرض في مؤلفاته باسلوب واضح و جدلي في كثير من الاحيان اعم القضايا العلمية و مختلف وقائع الماضي و الحاضر ضمن اتجاه المفهوم المادي للتاريخ لدى ماركس و نظريته الاقتصادية. و بين مؤلفات انجلز هذه نذكر كتابه الجدلي “ضد دوهرنغ” (الذي حلل فيه اهم قضايا الفلسفة و العلوم الطبيعية و الاجتماعية) و كتابه “اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة” و” لودفيغ فيورباخ” و مقالا حول السياسة الخارجية للحكومة الروسية و المقالات الرائعة حول مسالة السكن و اخيرا مقالين موجزين عن التطور الاقتصادي في روسيا و لكنهما ذا قيمة كبيرة (“فريديريك انجلز يكتب عن روسيا”). و قد توفي ماركس قبل ان يتمكن من انجاز مؤلفه العظيم عن راس المال. اما مسودة المخطوطة فكانت جاهزة. و هكذا قام انجلز بالعبء الثقيل بعد وفاته صديقه فنقح و اصدر المجلدين الثاني و الثالث من “راس المال”: فقد نشر المجلد الثاني في 1885 و الثالث في 1894 (و لم يتوافر له الوقت لتحضير المجلد الرابع). و لقد اضطر لبذل مجهود كبير جدا لتحضير و اصدار المجلدين المذكورين. و قد لاحظ الاشتراكي – الديمقراطي النمساوي ادلر بحق ان انجلز باصداره المجلدين الثاني و الثالث من “راس المال” قد نصب لصديقه العبقري اثرا جليلا كتب عليه دونما قصد باحرف لا تمحى اسمه الخاص الى جانب اسم ماركس. فان هذين المجلدين من “راس المال” هما بالفعل عمل ماركس و انجلز المشترك. ان الاساطير القديمة تروي امثلة مؤثرة عن الصداقة و بوسع البروليتاريا الاوروبية ان تقول ان علمها قد خلقه عالمان و مناضلان تفوق علاقتهما الشخصية ما ترويه جميع اساطير الاقدمين البالغة الاثر عن الصداقة بين الناس. ان انجلز قد وضع نفسه دائما – و حقا من حيث الاساس – بعد مرتبة ماركس. و قد كتب لاحد اصدقائه القدماء يقول: “لقد كنت دائما ثاني عازف على الكمان بجانب ماركس”. لقد كان حبه لماركس حيا، وتكريمه لذكراه، ميتا، لا حد لهما. فهذا المناضل الصارم و المفكر الشديد كان يتمتع بروح محبة على نحو عميق.

بعد حركة 1848 – 1849 لم يتجل نشاط ماركس و انجلز في المنفى في ميدان العلم فقط. فقد اسس ماركس في سنة 1864 “جمعية الشغيلة العالمية” التي امن قيادتها مدة عشر سنوات. و كذلك اسهم انجلز بقسط نشيط في شؤونها. اما “الجمعية العالمية” التي كانت حسب فكرة ماركس توحد البروليتاريين من جميع البلدان فقد كان نشاطها ذا اهمية كبرى في تطور الحركة العمالية. و مع ان هذه الجمعية قد حلت في السنوات السبعين فان الدول التوحيدي الذي قام به ماركس و انجلز لم يتوقف بل خلافا لذلك نستطيع القول بان دورهما كمرشدين فكريين للحركة العمالية كان يتعاظم دائما لان الحركة نفسها كانت تتطور دونما توقف. و بعد وفاة ماركس اصبح انجلز وحده المستشار و المرشد للاشتراكيين الاوروبيين. و اليه كان ياتي لطلب النصائح و الارشادات الاشتراكيون الالمان الذين لم تنفك قوتهم تنمو نموا سريعا رعم الاضطهادات الحكومية و كذلك ممثلوا البلدان المتاخرة: الاسبانيون و الرومانيون و الروس الذي كان عليهم ان ينتصروا و يزنوا خطاهم الاولى. فقد كانوا جميعا ينهلون من الينبوع الدفاق ينبوع معارف الشيخ انجلز و تجربته.

ان ماركس و انجلز اللذين كانا يعرفان الروسية و يقران الادب بهذه اللغة كان يهتمان بروسيا اهتماما شديدا و يتبعان بعطف الحركة الثورية في هذه البلاد و يقيمون العلاقات مع الثوريين الروس. لقد كان كلاهما ديمقراطيا قبل ان يصبحا كلاهما اشتراكيا. و كان شعورهما الديمقراطي الذي يدفعهما الى الحقد على التعسف السياسي قويا الى الحد الاقصى. ان هذا الشعور السياسي الفطري بالاضافة الى فهم نظري عميق للعلاقة بين التعسف السياسي و الطغيان الاقتصادي، و الى تجربة غنية في الحياة، كل هذا جعل ماركس و انجلز يتمتعان بحس مرهف في الميدان السياسي بالذات. و لذا فان النضال البطولي الذي كانت تقوم به حفنة قليلة من من الثوريين الروس ضد الحكومة القيصرية الكلية الجبروت قد لا قى اشد ما يكون من العطف في قلب كل من هذين الثوريين المجربين. و عكسا لذلك فان محاولة الاعراض باسم منافع اقتصادية مزعومة عن اهم المهمات و اكثرها الحاحا الموضوعة امام الثوريين الروس و نعني بها الظفر بالحرية السياسية ان هذه المحاولة كانت تبدو لهما بطبيعة الحال شيئا مشتبها فيه بل كانا يعتبرانها بكل بساطة خيانة لقضية الثورة الاجتماعية الجليلة. “ان تحرير البروليتاريا يجب ان يكون من عمل البروليتاريا نفسها”. هذا ما علمه دائما ماركس و انجلز. و لكن لكي تناضل البروليتاريا في سبيل تحررها الاقتصادي يجب عليها ان تظفر ببعض الحقوق السياسية. و من جهة اخرى كان ماركس و انجلز يريان بوضوح ان الثورة السياسية في روسيا ستكون لها اهمية عظيمة بالنسبة للحركة العمالية في اوروبا الغربية ايضا. فان روسيا الاوتوقراطية كانت دائما حصن الرجعية الاوروبية كلها. ان وضع روسيا الدولي الملائم الى اقصى حد و الناشئ عن حرب سنة 1870 التي بذرت الخلاف بين المانيا و فرنسا مدة طويلة قد زاد زيادة لا تقبل الجدل من اهمية روسيا الاوتوقراطية بوصفها قوة رجعية. فقط روسيا حرة لا تعود في حاجة لا الى اضطهاد البولونيين و الفنلنديين و الالمان و الارمن و غيرهم من الشعوب الصغيرة و لا الى العمل دائما على تحريض المانيا و فرنسا احداهما على الاخرى ستتيح لاوروبا المعاصرة ان تتنفس الصعداء اخيرا من اعباء الحرب و ستضعف جميع العناصر الرجعية في اوروبا و تزيد قوة الطبقة العاملة الاوروبية. و لهذا السبب و في سبيل نجاح الحركة العمالية في الغرب ايضا كان انجلز يرغب رغبة حارة في ان تقوم الحرية السياسية في روسيا. لقد فقد الثوريون الروس في شخصه خير صديق لهم.

الذكرى الخالدة للمناضل العظيم و لمربي البروليتاريا الكبير فيريديريك انجلز.

مصادر الماركسية الثلاثة و اقسامها المكونة الثلاثة

يثير مذهب ماركس في مجمل العالم المتمدن اشد العداء و الحقد لدى العلم البرجوازي كله (سواء الرسمي او الليبيرالي) اذ يرى في الماركسية ضربا من “بدعة ضارة”. ليس بالامكان توقع موقف اخر اذ لا يمكن ان يكون ثمة علم اجتماعي غير متحيز في مجتمع قائم على النضال الطبقي. فكل العلم الرسمي و الليبيرالي يدافع بصورة او باخرى عن العبودية الماجورة بينما الماركسية اعلنتها حربا لا هوادة فيها ضد هذه العبودية. ان تطلب علما غير متحيز في مجتمع قائم على العبودية الماجورة لمن السذاجة الصبيانية كان تطلب من الصناعيين عدم التحيز في مسالة ما اذا كان يجدر تخفيض ارباح الراسمال من اجل زيادة اجرة العمال.

و لكن ليس ذلك كل ما في الامر فان تاريخ الفلسفة و تاريخ العلم الاجتماعي يبينان بكل وضوح ان الماركسية لا تشبه “الانعزالية” بشيء بمعنى انها مذهب متحجر و منطو على نفسه قام بمعزل عن الطريق الرئيسي لتطور المدنية العالمية. بل بالعكس فان عبقرية ماركس كلها تتقوم بالضبط في كونه اجاب على الاسئلة التي طرحها الفكر الانساني التقدمي. و قد ولد مذهبه بوصفه التتمة المباشرة الفورية لمذاهب اعظم ممثلي الفلسفة و الاقتصاد السياسي و الاشتراكية.

ان مذهب ماركس لكلي الجبروت لانه صحيح. و هو متناسق و كامل و يعطي الناس مفهوما منسجما عن العالم لا يتفق مع اي ضرب من الاوهام و مع اية رجعية و مع اي دفاع عن الطغيان البرجوازي. وهو الوريث الشرعي لخير ما ابدعته الانسانية في القرن التاسع عشر: الفلسفة الالمانية و الاقتصاد السياسي الانجليزي و الاشتراكية الفرنسية.

و اننا سنتناول بايجاز مصادر الماركسية الثلاثة هذه التي هي في الوقت نفسه اقسامها المكونة الثلاثة. ان المادية هي فلسفة الماركسية. ففي غضون كل تاريخ اوروبا الحديث و لا سيما في اواخر القرن الثامن عشر، في فرنسا، حيث كان يجري نضال حاسم ضد كل نفايات القرون الوسطى، ضد الاقطاعية في المؤسسات و في الافكار كانت المادية الفلسفة الوحيدة المنسجمة الى النهاية و الامينة لجميع تعاليم العلوم الطبيعية و المعادية للاوهام و لتصنع التقوى الخ.. و لذا بذل اعداء الديمقراطية كل قواهم “لدحض” المادية لتقويضها للافتراء عليها و دافعوا عن شتى اشكال المثالية الفلسفية التي تؤول ابدا على نحو او اخر الى الدفاع عن الدين او الى نصرته.

و قد دافع ماركس و انجلز بكل حزم عن المادية الفلسفية و بينا مرار عديدة ما في جميع هذه الانحرافات عن هذا الاساس من اخطاء عميقة. ووجهات نظرهما معروضة باكثر ما يكون من الوضوح و التفاصيل في مؤلفي انجلز: “لودفيغ فويرباخ” و ” ضد دوهرنغ” اللذين هما على غرار “البيان الشيوعي” الكتابان المفضلان لدى كل عامل واع.

و لكن ماركس لم يتوقف عند مادية القرن الثامن عشر بل دفع الفلسفة خطوات الى الامام. فاغناها بمكتسبات الفلسفة الكلاسيكية الالمانية و لا سيما بمكتسبات مذهب هيغل الذي قاد بدوره الى مادية فويرباخ. و اهم هذه المكتسبات، الديالكتيك، اي نظرية التطور باكمل مظاهرها و اشدها عمقا و اكثرها بعدا عن ضيق الافق نظرية نسبية المعارف الانسانية التي تعكس المادة في تطورها الدائم. ان احدث اكتشافات العلوم الطبيعية – الراديوم و الالكترونات و تحول العناصر – قد اثبتت بشكل رائع صحة مادية ماركس الديالكتيكية رغم انف مذاهب الفلاسفة البرجوازيين و رغم رداتهم “الجديدة” نحو المثالية القديمة المهتزلة.

و لقد عمق ماركس المادية الفلسفية و طورها فانتهى بها الى نهايتها المنطقية ووسع نطاقها عن معرفة الطبيعة الى معرفة المجتمع البشري. ان مادية ماركس التاريخية كانت اكبر انتصار احرزه الفكر العلمي. فعلى اثر البلبلة و الاعتباط اللذين كانا سائدين حتى ذلك الحين في مفاهيم السياسة و التاريخ جاءت نظرية علمية روعة في التناسق و التجانس و الانسجام تبين كيف ينبثق و يتطور من شكل معين من التنظيم الاجتماعي و من جراء نمو القوى المنتجة شكل اخر ارفع – كيف تولد الراسمالية من الاقطاعية، مثلا.

و كما ان معرفة الانسان تعكس الطبيعة القائمة بصورة مستقلة عنه اي المادة في طريق التطور كذلك تعكس معرفة الانسان الاجتماعية (اي مختلف الاراء و المذاهب الفلسفية و الدينية و السياسية الخ.) نظام المجتمع الاقتصادي. ان المؤسسات السياسية تقوم كبناء فوقي على اساس اقتصادي. فاننا نرى مثلا كيف ان مختلف الاشكال السياسية للدول الاوروبية العصرية هي ادوات لتعزيز سيطرة البرجوازية على البروليتاريا.

ان فلسفة ماركس هي مادية فلسفية كاملة اعطت الانسانية و الطبقة العاملة بخاصة ادوات جبارة للمعرفة.

بعدما لاحظ ماركس ان النظام الاقتصادي يشكل الاساس الذي يقوم عليه البناء الفوقي السياسي اعار انتباهه اكثر ما اعاره لدراسة هذا النظام الاقتصادي. و مؤلف ماركس الرئيسي “راس المال” مكرس لدراسة النظام الاقتصادي في المجتمع الحديث اي الراسمالي.

لقد تكون الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ما قبل ماركس في انجلترا و كانت اكثر البلدان الراسمالية تطورا. فقد درس ادم سميث و دافيد ريكاردو النظام الاقتصادي فسجلا بداية نظرية القيمة- العمل. وواصل ماركس عملهما فاعطى هذه النظرية اساسا علميا خالصا و طورها بصورة منسجمة الى النهاية. و بين ان قيمة كل بضاعة مشروطة بوقت العمل الضروري اجتماعيا لانتاج هذه البضاعة.

و حيث كان الاقتصاديون البرجوازيون يرون علاقات بين الاشياء ( مبادلة بضاعة ببضاعة اخرى) اكتشف ماركس علاقات بين الناس. ان تبادل البضائع يعبر عن الصلة القائمة بواسطة السوق بين المنتجين المنفردين و المال (النقد) يعني ان هذه الصلة تزداد وثوقا جامعة في كل واحد لا يتجزا كل حياة المنتجين المنفردين الاقتصادية. و الراسمال يعني استمرار تطور هذه الصلة: فان قوة عمل الانسان تغدو بضاعة. فالاجير يبيع قوة عمله لمالك الارض و لصاحب المصنع و ادوات الانتاج. و العامل يستخدم قسما من يوم العمل لتغطية نفقات اعالته و اعالة اسرته (الاجرة) و يستخدم القسم الاخر للشغل مجانا خالقا للراسمالي القيمة الزائدة التي هي مصدر الربح مصدر اثراء للطبقة الراسمالية.

ان نظرية القيمة الزائدة تشكل حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية.

ان الراسمال الذي يخلقه عمل العامل ينيخ بثقله على العامل و يخرب صغار ارباب العمل و ينشئ جيشا من العاطلين عن العمل. و انتصار الانتاج الضخم و استخدام الالات يزدادان و الاستثمارات الفلاحية تقع في ربقة الراسمال النقدي و تنحط و يحل بها الخراب تحت وطاة تكنيكها المتاخر. ان اشكال هذا الانحطاط في الانتاج الصغير تختلف في الزراعة عنها في الصناعة و لكن الانحطاط نفسه واقع لا جدال فيه.

ان الراسمال اذ يتغلب على الانتاج الصغير يؤدي الى زيادة انتاجية العمل و الى خلق وضع احتكاري في صالح جمعيات الراسماليين الكبار. و صفة الانتاج الاجتماعية تزداد بروزا يوما بعد يوم. مئات الالاف و الملايين من العمال يجمعون في هياة اقتصادية متناسقة بينما قبضة من الراسماليين تستملك نتاج العمل المشترك. و تشتد فوضى الانتاج و الازمات و الركض المجنون وراء الاسواق و عدم ضمان العيش لسواد السكان.

ان النظام الراسمالي يزيد من تبعية العمال ازاء الراسمالي و يخلق في الوقت نفسه قدرة العمل الموحد الكبيرة. لقد تتبع ماركس تطور الراسمالية منذ عناصر الاقتصاد الراسمالي الاولية، التبادل البسيط، حتى اشكالها العليا، الانتاج الكبير.

و ان تجربة جميع البلدان الراسمالية القديمة منها و الجديدة تبين بوضوح و سنة بعد سنة صحة مذهب ماركس هذا لعدد متزايد من العمال.

لقد انتصرت الراسمالية في العالم باسره و لكن هذا الانتصار ليس سوى المقدمة لانتصار العمل على الراسمال.

عندما دك النظام الاقطاعي و راى المجتمع الراسمالي الحر النور تبين فورا ان هذه الحرية تعني نظاما جديدا لاضطهاد الشغيلة و استثمارهم. وفورا اخذت تنبثق شتى المذاهب الاشتراكية انعكاسا لهذا الاضطهاد و احتجاجا عليه. و لكن الاشتراكية البدائية كانت اشتراكية طوباوية فقد كانت تنتقد المجتمع الراسمالي و تشجعه و تلعنه و تحلم بازالته و تتخيل نظاما افضل و تسعى الى اقناع الاغنياء بان الاستثمار مناف للاخلاق.

و لكن الاشتراكية الطوباوية لم تكن بقادرة على الاشارة الى مخرج حقيقي. و لم تكن لتعرف كيف تفسر طبيعة العبودية الماجورة في ظل النظام الراسمالي و لا كيف تكتشف قوانين تطور الراسمالية و لا كيف تجد القوة الاجتماعية القادرة على ان تصير خالقة المجتمع الجديد.

غير ان الثورات العاصفة التي رافقت سقوط الاقطاعية، القنانة، في كل مكان من اوروبا و خاصة في فرنسا بينت بوضوح متزايد على الدوام ان النضال الطبقي هو اساس كل التطور و قوته المحركة.

فما من حرية سياسية تم انتزاعها من طبقة الاقطاعيين دون مقاومة يائسة. و ما من بلد راسمالي قام على اساس حر ديمقراطي الى هذا الحد او ذاك دون قيام نضال حتى الموت بين مختلف طبقات المجتمع الراسمالي.

و من عبقرية ماركس انه كان اول من استخلص هذا الاستنتاج الذي ينطوي عليه الترايخ العالمي و طبقه بصورة منسجمة الى النهاية. و هذا الاستنتاج هو مذهب النضال الطبقي.

لقد كان الناس و سيظلون ابدا في حقل السياسة اناسا سذجا يخدعهم الاخرون و يخدعون انفسهم ما لم يتعلموا استشفاف مصالح هذه الطبقات او تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الاخلاقية و الدينية و السياسية و الاجتماعية. فان انصار الاصلاحات و التحسينات سيكونان ابدا عرضة لخداع المدافعين عن الاوضاع القديمة طالما لم يدركوا ان قوى هذع الطبقات السائدة او تلك تدعم كل مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و اهتراء. فلكي نسحق مقاومة هذه الطبقات ليس ثمة سوى وسيلة واحدة هي ان نجد في نفس المجتمع الذي يحيط بنا القوى التي تستطيع – و ينبغي عليه بحكم وضعها الاجتماعي – ان تغدو القوة القادرة على تكنيس القديم و خلق الجديد ثم ان نثقف هذه القوى و ننظمها للنضال.

فقط مادية ماركس الفلسفية بينت للبروليتاريا الطريق الواجب سلوكه للخروج من العبودية الفكرية التي كانت تتخبط فيها حتى ذاك جميع الطبقات المظلومة. فقط نظرية ماركس الاقتصادية اوضحت وضع البروليتاريا الحقيقي في مجمل النظام الراسمالي.

ان المنظمات البروليتارية المستقلة تتكاثر في العالم باسره من امريكا الى اليابان و من اسوج افريقيا الجنوبية و البروليتاريا تتعلم و تتربى في غمرة نضالها الطبقي و تتحرر من اوهام المجتمع البرجوازي و تزداد تلاحما على الدوام و تتعلم كيف تقدر نجاحاتها حق قدرها و توطد قواها و تنمو بشكل لا مرد له.

لينين

خريف 1895

منشورات: دار صامد – تونس

نسخ: نضال الدائم

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com