سينما

مهرجان الجونة السينمائي أثار زوابع داخلية لكنه حقق نجاحا دوليا.

بيدر ميديا.."

مهرجان الجونة السينمائي أثار زوابع داخلية لكنه حقق نجاحا دوليا

 

حسام عاصي

الجونة – «القدس العربي» : بالرغم من تعرضه لضغوطات وتهديدات شتى، منح مهرجان الجونة السينمائي، جائزة أفضل فيلم عربي روائي طويل لفيلم المخرج المصري عمر الزهيري «ريش» الذي أثار زوبعة من الجدل تخطت ساحة المهرجان إلى مواقع التواصل الاجتماعي والشارع المصري وصولاً إلى البرلمان هناك، بعد عرضه يوم الثلاثاء الماضي واتهامه من قبل بعض الفنانين المصريين، الذين شاهدوا عرضه الأول، بالإساءة إلى سمعة مصر بسبب مشاهد الفقر التي يقدمها.
من المفارقات أن الفيلم كان سباقاً في حصد أول جائزة تكريم للسينما المصرية في مهرجان كان وهي جائزة أسبوعي النقاد الكبرى، فضلاً عن منح المجلة العالمية «فاريتي» جائزة أفضل موهبة شرق أوسطية للزهيري.
لكن مناهضيه وصفوا ذلك التكريم بالـ «مؤامرة» ضد مصر، بينما تقدم أحد المحامين على إثره بدعوى لإلغاء مهرجان الجونة، وهي الثانية من نوعها، إذ أن الدعوى الأولى لإلغاء المهرجان قدمها محام آخر بعد ليلة افتتاحه، وذلك بسبب الأزياء التي ارتدتها نجماته على البساط الأحمر، والتي وُصفت باللا أخلاقية والمخالفة للأعراف المصرية.
وفي حديث مع منتج الفيلم، محمد حفظي، الذي يترأس أيضا مهرجان القاهرة، أنكر أن الفنانين كانوا وراء الحملة، مصراً على أن بعض الجهات قامت بتضخيمها في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لأسباب غير مفهومة. «أنا أيضاً لدي حس وطني ولو شعرت أن هناك أي إساءة لمصر في الفيلم لما قمت بإنتاجه.»
الغريب هو أن الفيلم خيالي وسريالي ومجرد من المكان والزمان، حتى أنه لم يمنح شخصياته أسماءً، ويحكي قصة امرأة فقيرة تضطر إلى الخروج من بيتها لأول مرة لتبحث عن لقمة العيش لعائلتها بعد أن دخل زوجها قفص ساحر وخرج منه دجاجة.
الفيلم لا ينتقد الحكومة المصرية أو يتذمر من الواقع المصري، بعكس منافسيه الفيلمين اللبنانيين «كوستا برافا» لمونيا عقل، التي تتناول أزمة النفايات في لبنان من خلال قصة عائلة تنقلب حياتها رأسا علي عقب عندما تقرر الحكومة إقامة مكب نفايات أمام بيتها في الجبال اللبنانية. الفيلم الآخر هو «البحر أمامكم» لإيلي داغر، الذي يتناول الإنهيار الاقتصادي في بلده من خلال قصة فتاة لبنانية تحاول التأقلم مع واقع مر في بيروت المهجورة بعد عودتها من فرنسا. ومع ذلك لم يثر الفيلمان أي جدل أو تذمر في لبنان.
وفي حديث مع مؤسس الجونة، سميح سويرس، قال لي إن هدف الحملة ضد الفيلم ليس الفيلم نفسه وإنما المهرجان. «هذه ليست وطنية وإنما إدعاء بالوطنية. لو كانوا فعلا وطنيين ويغارون على مصر لما قاموا بالترويج لفيلم يسيء لمصر كما يدعون. الدافع هنا هو الغيرة والحسد. وسوف يستمرون بالافتراء واختلاق الحجج لاستهداف هذا المشروع كما فعلوا من قبل مع مشاريع أسرتي الأخرى.»
سميح قام بتأسيس المهرجان قبل خمس أعوام مع أخيه نجيب، ليصبح أول مهرجان غير حكومي في العالم العربي ما يعتبر ثورة ثقافية وفنية في المنطقة. لكن لكل ثورة ثمن. «الثمن هو أن تواجه حقد وعداء من يؤمنون باحتكار الحكومة للمشاريع الثقافية» يقول سويرس. «ولو لم ينجح المهرجان لما قاموا بكل هذه الشوشرة. فقد زادت حدة معركتهم بسبب نجاح المهرجان.»

استقطاب أهم الأفلام العربية والعالمية

نجاح المهرجان نبع من استقطاب أهم الأفلام العربية والعالمية واستضافة أبرز النجوم العرب والعالميين، فضلاً عن تقديم الدعم لمشاريع عربية أنتجت أفلاماً وصلت إلى أهم المهرجانات الدولية مثل «صندانس» و«كان» و«فينيسيا» و»تورنتو» وفازت بجوائزها. مثل فيلم المصري علي العربي الوثائقي «كباتن الزعتري» الذي عرض في مهرجان «صندانس» للأفلام المستقلة و«كوستا برافا» الذي عرض في مهرجان «فينسيا» وفاز بجائزة «نتباك» في مهرجان «تورنتو» الدولي وجائزة الجمهور في مهرجان لندن.
كلا الفيلمين تُوجا بجوائز المهرجان في حفل اختتامه مساء الجمعة، إذ فاز «كباتن الزعتري» بجائزة أفضل فيلم عربي وثائقي طويل، بينما حصد «كوستا برافا» جائزتي الفيبريسي والجونة الخضراء.
كل الأفلام العربية الفائزة، فضلاً عن فيلم محمد دياب «أميرة» الذي شارك في منافسة الأفلام الروائية الطويلة هي من إنتاج وتوزيع حفظي، الذي لا يمكنه عرضها في مهرجان القاهرة لكونه رئيساً له، ما جعل الجونة المنصة المصرية الكبرى الوحيدة له لطرحها في مصر.
السؤال هو: هل كان «ريش» ليثير زوبعة استنكار لو عرض في مهرجان حكومي مثل «القاهرة» وهل كان ليتجرأ أي أحد على مناشدة الحكومة لإلغائه؟ حفظي لا يستبعد اشتعال جدل حول الفيلم لو عُرض في مهرجان القاهرة، لكنه يقر أن المهرجان لم يواجه أي مطالبة بإلغائه منذ تأسيسه، رغم أن حضوره يرتدون الأزياء الفاتنة على بساطه الأحمر. «تركيز الإعلام في تغطية مهرجان القاهرة هو على فعالياته السينمائية وليس الأزياء. والعكس هو الصحيح في حالة الجونة، رغم محاولة إدارته تغيير ذلك.»

عيوب التعامل مع الفنانين

فضلاً عن الهجوم الجماهيري على المهرجان لم تمنح السلطات المصرية تأشيرة دخول لبطل فيلم «أميرة» الممثل الفلسطيني العالمي، علي سليمان، بينما منعت ضيفه المخرج الفلسطيني سعيد زاغة من دخول البلاد وأعادته من حيث أتى بعد حجزه لمدة سبع ساعات في مطار القاهرة الدولي، ما دفع الممثل الكبير محمد بكري إلى التراجع عن حضور حفل تكريمه خشية منعه مثل سابقيه.
حرمان الفنانين الفلسطينيين من حضور المهرجان احتل عناوين الصحف العالمية، لكن الإعلام المصري والفنانين المصريين، الذين اتهموا فيلم ريش بالإساءة لسمعة مصر، لم يقوموا بحملة مماثلة للدفاع عن زملائهم الفلسطينيين أو عن سمعة مصر التي تلطخت في الإعلام العالمي، بل لم يذكر غياب الفنانين الفلسطينيين عن المهرجان لا في السوشيال ميديا ولا في الإعلام المصري.
وعندما استلمت والمنتجة الفلسطينية، مي عودة، جائزة تكريم محمد بكري في حفل الختام وناشدت الفنانين المصريين والعرب بالضغط على حكوماتهم من أجل فتح أبوابها أمام الفنانين الفلسطينيين، قوبلت بالتصفيق الحار من قبل الحضور، لكن تم إيقاف البث الحي على الفور. ومع ذلك لم تذكر تلك الحادثة في أي من وسائل الإعلام المصرية أو السوشيال ميديا.
لكن سميح سويرس يضع اللوم على إدارة المهرجان. «علينا أن نقوم بالترتيب مع أجهزة الأمن لدخول المدعوين العرب قبل ستة أشهر من المهرجان لأن البيروقراطية في مصر معقدة وتستغرق وقتاً طويلا، فهي أقدم بيروقراطية في العالم وما زالت بحاجة إلى تحديث. وأنا متأكد أنه لو منحنا السلطة وقتاً كافياً لدراسة كل حالة، لتفادينا جميع تلك الحالات.»
من المفارقات أن الهجوم على مهرجان الجونة والجدل الذي أشعله على كل المستويات أثبت أهمية وجود مهرجان غير حكومي مثله في العالم العربي وجعله محور اهتمام الإعلام والجمهور، وعزز من مكانته كأحد أكثر المناسبات الثقافية تأثيراً في مصر، إذ تخطى الحوار حول القيم الفنية للأفلام ومضمونها ساحة المهرجان ليصل إلى شتى طبقات المجتمع سواء في مواقع التواصل الإجتماعي أو نقاشات الشارع المصري. فإثارة حوار حول قضايا اجتماعية وسياسية وإنسانية تساهم في حراك المجتمعات هو ما يحلم به كل فنان.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com