مقالات

لغز «آخر اليهود»: كيف تحول مؤتي كهانا إلى «جيمس بوند» إسرائيلي.

بيدر ميديا.."

لغز «آخر اليهود»: كيف تحول مؤتي كهانا إلى «جيمس بوند» إسرائيلي

مريم مشتاوي

لم يعد يعني الرأي العام العالمي كثيراً تدمير هذا البلد أو ذاك. ليس مهماً أن يسود الخراب وتحتل الأصوليات المتناحرة المشهد السياسي وتبتلع الفضاء العام.
يبدو أن هناك أخبارا أكثر إثارة وسط هذا الخراب. وسائل الإعلام ليست بريئة من الترويج لهذه النوعية من الأخبار الهوليودية في طبيعتها، التي لا ننفي أنها قد تكون صحيحة في بعض جوانبها. ما معنى نجاة عائلة أو فرد من مقتلة جماعية أمام تفكك بلد وتشرد أهله؟
لماذا تركز هذه القصص الإخبارية على خلفية هوياتية محددة؟ هل هي الصدفة أن هناك دائما ناجيا وحيدا «يهوديا» في البلاد التي انهكتها الحروب؟
ألا يحق لنا نحن معشر المتابعين السؤال ببراءة: لماذا هذه القصص دون غيرها هي ما يهتم به الإعلام اليوم؟
بالطبع لسنا سذجاً لنقبل بكل فرضيات نظرية المؤامرة، لكن أليس مملا تكرار سيناريو «الناجي الأخير»؟ هل هي للسبق الصحافي فقط؟ هل هي محاولة لترسبخ مظلومية طائفة أو ديانة محددة دون غيرها؟
لماذا لم نسمع على سبيل المثال قصصاً لعودة فلسطينيين نجوا من المجازر، التي ارتكبتها عصابات الهاجاناه إلى الأحياء التي هجروا منها قبل عقود مثل الحي اليوناني، والتكفورية، والوعرية، والبقعة الفوقا، والبقعة التحتا، والدجانية، والنمامرة؟!
بالطبع من غير المألوف أن نسمع قصصا موازية عن نضالات الفلسطينيين ضد الاحتلال في وسائل الإعلام العالمية. حتى هروب الأسرى الستة من سجن جلبوع تم اعتباره عملاً تخريبياً ضد القانون. كما لو أن الإحتلال دولة قانون!
سأورد ثلاث قصص حظيت بتغطية الإعلام العربي والعالمي، كان بطلها الأوحد رجل الأعمال الأمريكي الإسرائيلي مؤتي كهانا، الذي تفوق على «جيمس بوند « في فاعليته الخارقة في جلب اليهود من سوريا واليمن وأفغانستان إلى إسرائيل.

القصة الأولى من أفغانستان:

نشرت مؤخراً قناة «فرانس 24 « على موقعها الإلكتروني خبراً حول إجلاء «آخر يهودي» في أفغانستان من البلاد بعد استيلاء طالبان على السلطة. وقد كشف الخبر عن مغادرة مواطن أفغاني ينتمي الى الطائفة اليهودية في أفغانستان بعد الإنسحاب الأمريكي، وفق ما أفاد رجل أعمال إسرائيلي أمريكي ساعد في عملية إجلائه. وقال مؤتي كهانا – تذكروا هذا الأسم جيدا- الذي يدير شركة أمن خاصة إن زيبولون سيمنتوف بدأ رحلة الخروج من أفغانستان الى «بلد مجاور». ومنذ عقود يرفض سيمنتوف مغادرة أفغانستان، حيث شهد الغزو السوفياتي والحرب الأهلية الدامية وحكم طالبان أواخر التسعينيات ومن ثم غزو الولايات المتحدة.
وبما أنه سبق وأن اختبر نظام طالبان بين عامي 1996 و2001، كان سيمنتوف متردداً في المغادرة حين وصل فريق أمني تابع لكاهانا قبل 10 أيام من بدء رحلة الخروج.
يروي كهانا أنه شرح لسيمنتوف الخطر الذي يتهدده بالقتل على يد جماعة خراسان في تنظيم الدولة الإسلامية «في ذلك الوقت لم يكن يريد المغادرة». يستعيد كهانا تلك اللحظة «لكنه أصغى، وأظن أنه توصل الى القرار وحده». إلا أن سيمنتوف سأل كهانا إن كان بإمكانه أن يصطحب معه «صديقه المفضل وأولاده» لذا فقد رافقه في رحلة الخروج من أفغانستان 29 شخصاً من جيرانه.
ولد سيمنتوف في خمسينيات القرن الماضي في مدينة هرات الغربية.
وقد انتقل الى كابول خلال الغزو السوفياتي أوائل الثمانينيات، بسبب الاستقرار النسبي في العاصمة آنذاك. ومع مرور السنين غادر جميع أقاربه أفغانستان بما في ذلك زوجته وابنتاه. لكن سيمنتوف بقي على الرغم من محاولة طالبان دفعه لاعتناق الإسلام وسجنه أربع مرات. وواصل سيمنتوف الاحتفال برأس السنة اليهودية ويوم كيبور في الكنيس اليهودي الوحيد في كابول. كان قد صرح لوكالة فرانس برس خلال مقابلة في وقت سابق «لقد قاومت وجعلت دين موسى مدعاة للفخر هنا».
هكذا صرح صحافيون أن سيمنتوف تاجر سجاد عرف بمقايضته الصحافيين الذين يزورونه ليدفعوا له 500 دولار مقابل اللقاء معه. ثم يعلق آخر «حتى لا نظلمه فقط طلب مرة 200 دولار فقط».

القصة الثانية من سوريا:

ذكرت جريدة «المدينة» السعودية في تاريخ 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وكذلك مواقع الكترونية سورية معارضة خبراً منقولاً عن صحيفة «ذا جويش كرونيكل» البريطانية بأنه لم يبق يهود في حلب، وأن رجل الأعمال اليهودي الأمريكي «مؤتي كهانا» -لاحظوا أن له «قرص في كل عرس» – المعروف بـ»نشاطاته الإنسانية» هو الذي قام بمبادرة ترحيل آخر العائلات اليهودية من حلب.
من بين الذين تم إنقاذهم يهودية في الثامنة والثمانين من العمر، وابنتاها، وقد تم استيعابهم في عسقلان في إسرائيل. أما الإبنة الثالثة وزوجها المسلم وأولادهم الثلاثة فلم تتم الموافقة على هجرتهم إلى إسرائيل بسبب اعتناقها الإسلام.
ويقول كهانا: «لم يكن أبناء العائلة الحلبية يريدون الخروج من منزلهم.
فقد كان الخروج خطيراً جداً. وكي نخرجهم كان يجب أن نخيفهم.
بناء على هذا الوضع توجه ثلاثة رجال في أحد الأيام إلى منزل العائلة اليهودية التي أطلق عليها اسم عائلة «الحلبي» ودقوا على الباب وصرخوا قائلين: إنهم سيمهلونهم بضع دقائق كي يحزموا حاجياتهم قبل أن يتم أخذهم من هناك. يومها ارتدت النسوة «حجابا» ودخلن إلى حافلة صغيرة كانت في الانتظار.
وخلال السفر أدركن بعد أن تسلمن جوازات سفر سورية أنهن في طريقهن إلى الولايات المتحدة. توجهت الحافلة إلى تركيا، ولم يتوقفوا في الطريق، فقد كان بحوزتهم طعام كاف. لكنهم اضطروا للتوقف على حاجز فجائي أقامته جبهة النصرة. وبعد 36 ساعة تمكنوا من الوصول إلى تركيا، حيث نزلوا في منزل مأجور في أسطنبول. هناك قابلوا كهانا، والذي صرح في حينه: لقد أنقذت آخر النساء اليهوديات من حلب، وهذا مؤثر بالنسبة لي. وذكرت الصحيفة أن النساء أردن الالتحاق بأبناء عائلتهن في الولايات المتحدة بيد أن كهانا أقنعهن بأن إسرائيل أكثر أماناً بالنسبة لهن. يقول: «لقد قلت لهن أن من الأسهل عليهن الوصول إلى إسرائيل، وأنني أيضا إسرائيلي، وأؤمن بأنك إذا كانت يهودياً، فيجب أن تهاجر إلى إسرائيل».
القصة الثالثة والأخيرة من اليمن، الذي تسيطر على عاصمته ميليشيا الحوثي، المدعومة من إيران. فقد كشف موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية ومواقع الكترونية يمنية في وقت سابق من العام الماضي عن وصول عشرات اليمنيين إلى إسرائيل. وذلك ​في عملية انقاذ سرية قامت بها الوكالة اليهودية.
وجاء في مقال للكاتب اليمني جلال حنداد عن هذه الظاهرة: «رحيل آخر يهود اليمن الى اسرائيل مؤشر يثير الهلع لمرحلة مقبلة سيعيشها اليمنيون.
هؤلاء اليهود دمهم يمني وهويتهم الوطنية والتاريخية يمنية، هم من طينة هذا التراب الذي أكل سواعد أجدادنا حين شيدوا ممالكهم القديمة.
بدا اليمن فعلياً يفقد التنوع والتعايش المجتمعي بين الديانات والمذاهب والنظريات، لصالح إعادة فرز طائفي عصبوي ينال من واحدية الهوية اليمنية». بالطبع مسألة الهويات الطائفية والدينية شديدة الحساسية، وتفريغ سوريا أو اليمن أو العراق أي بلد عربي أو مسلم من التنوع مصلحة إسرائيلية واستراتيجية بعيدة المدى لتكريس يهودية الدولة، بما يسلب الفلسطيني أي حقوق مستقبلية داخل الخط الأخضر.
في يوميات الحزن العادي يقول محمود درويش: تنمية الذاكرة الإسرائيلية مكرسة لغرض سياسي محدد: الإلحاح على الإسرائيلي بأنه دائم التعرض للإبادة. وأن العودة إلى «أرض إسرائيل» والصمود فيها هو الأمان التاريخي والسياسي الوحيد وتعميق الدعوى الصهيونية على فلسطين.
ربما لهذا السبب كان مؤتي كهانا يتنقل بين تركيا وباكستان ودول عربية أخرى لإنقاذ «آخر اليهود» وجلبهم إلى إسرائيل مصحوباً بتغطية إعلامية ممنهجة. ويبقى السؤال، إذا كانت إسرائيل تمتلك تأثيرها على وسائل الإعلام العالمية، ما الذي يدعو وسائل إعلام عربية لتكون شاهد زور وتساهم في أسطرة «آخر اليهود» في الأرض الخراب؟!

*كاتبة لبنانية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com