شعر

هَذَيان حُمَّى الاِنتِخابات.

بيدر ميديا.."

هَذَيان حُمَّى الاِنتِخابات
يَحيَى غَازِي الأَمِيرِيّ
مَشاهِد انتِخابيَّة فِي بلَدٍ تتقاذفهُ الأعاصير
مَشهد رَقم (1)
جمع مِنْ الناسِ فِي حَلقاتٍ، خطابات وَحوارات بَينهُم تَدور.
صوتُ رَجُل أربعينيٍّ يتَحدثُ بإنفِعال:
كيفَ سَتردُّ حقوقُ المظلوم
وَالظالِمُ هو رأسُ النِّظام
وَهوَ الحارسُ وَالقاضِي وَالمُشرعُ وَالحاكِمُ وَالقانون
كالكابوس يَجثمُ عَلَى الصدرِ
بالبطشِ وَالخداعِ واَلتَّزويرِ .

رَجلٌ أجشُّ الصوتِ حديثهُ كالهتافِ يدويِّ بَيْنَ الجموع ؛ أَيها الناس :
رائِحةُ النتانَة أَضحتْ تزكمُ الأنوف
منذُ سنواتٍ خلت طَفحتْ
فوقَ السَّطوح
فصخرةُ الجَميل (عَبعُوب)
الذائعة الصيت
تَستقر بالعمقِ
تُغلقُ مجاري الصَّرف

امرأةٌ تَتَوشحُ السَّواد تحملُ عَلَى كتفِها طِفلةً صَغيرةً ،تَنبري بالحَديثِ بصوتٍ مُرتفع:
كيفَ تَكون الانتخابات نَزِيهةً وَشَفافةً،
ودمُ أبني وَ (800) شهيد ضحايا اِنتفاضة الوطن
لَمْ تَجف بَعد
السلاحِ المُنفلت
بكل أنواعه
كاتِم الصوتِ
بنادقِ الموتِ المُؤجَّرةَ
العُبواتِ اللاصِقةِ النّاسِفَةِ
تَجوب الطرُقات
بيدِ المافياتِ وَالعصابات.
مَشهد رَقم (2)  قاعةٌ فارهةٌ لأحدى مَقراتِ حِزبٍ سياسيّ (يجلسُ عَلَى المَنصة فوقَ كرسي ذهبي قائدُ الحزب ببدلتهِ السوداءِ الفاخرةِ وربطةُ عنق ارجوانية اللون، وهو يداعبُ بسبابة كفه اليمين أرنَبة أنفه) والذي يُمثل كتلةً سياسيَّة كبيرة الثقل بالعمليَّةِ السياسيَّةِ ، تُحيطُ بهِ ثلة من الرجال المُكلفين بِحمايته وَهم بأقصى دَرجات اليقظة وَالحذر..
صَوت (مهوال بعقال فوقَ رأسه)  يَقطعُ خطاب القائد …بصوتٍ جَهوري يهز أرجاء القاعة:
(قائدنا أبو القانون
أبو الكلفات
ياسيف المجرب بالشدايد
رُوح بفالك وأحنا رجالك
بزود أنزامط بيك)
القاعة تَضج بالهتافِ (عَلي وَياك عَلي)

مَشهد رَقم (3)
تجمعٌ انتخابيّ لقائمةٍ تُمثلُ شيخَ قبيلةٍ وَقائدٍ كبيرٍ بالسُّلطةِ وَالدولة ، يتَرجلُ القائِدُ وَحمايتهُ مِنْ سياراتِهم المُصفحةِ الفاخِرة، أمامَ حشدٍ كبيرٍ من الرجالِ والنساءِ واِلأطفال ،  فِيما (رَجلٌ تجاوز الستّيِن مِنْ العُمر) بانَ عَلَى مُحياه جور السِّنين،ينتصبُ كالتمثال الحجري واقفاً وَعَلَى جانبيه وَخلفه عِدة مئاتٍ من عوائِل النازحين وَ المهجرين من ديارههم، يَرومُ أن يُخاطبَ حشدَ المسؤولينَ القادميِنَ اليهم.
جابَ الوجوه التي أمامه بثقةٍ بعينيه
أَيُّها القادة،
باسمِ جموع النازحين خولت أن أُخاطِبكم:
نَحنُ – مَعشر المهجرين والنازحين- ضَحايا {أخوَّةُ يوسف}
سَبعِ سنواتٍ عجافٍ شديدةُ الوجَعِ مضتْ
وَنَحنُ بَيْنَ العراءِ وَالجوعِ وَالذلِّ
نَعيشُ بالقبور
وأنتُم أيُّها القادة مِنْ أبهى القاعاتِ الفارهةِ
وأفخَمِ القصور
تزفونَ لنا فِي كلِّ مناسبةٍ حُلو الوُعود
نُتابعها كَمن يركضُ وراءَ سّراب الصحراء
نَصيبنا منها التَعب
ولهِيب حَر القَيظ
وَزمهرير الشِّتاء
وأَوحال المَطر
وَعواصف الرمل وَالتراب
عام بَعدَ عام يرافِقُنا الجَهل وَالمَرض وَفقدان الأَمان.
أيُّها السّادةُ القادَة يا أصحاب الفَخامة والسّيادة :
كَفى مِنْ مَعسولِ الكلام
أما يكفي مِنْ الضحكِ عَلَى الذقون باسم القانون؟
أما كفاكم ما جمعتم مِنْ ثروةٍ هائلةٍ مِنْ السحتِ الحَرام؟
كَفى وعوداً لَقد فُقتُم (سَجاح)* فِي الكَذِبِ وَالخِداع!
الشَيخ القائد يَركب (الجسكارة) وهو في قمةِ الانزعاج
رجالُ الحِماية تَستلمُ الإشارةَ وتَضعُ حداً لرأسِ المُتحدِث
الذِي تَهاوى صَريعاً
مضرجاً بدمه
صُراخ وَعَويلُ الصبيَّةِ وَالنِسّوة
تَعالى إلى كَبدِ السَّماء

مَشهد رَقم (4)
تَجمعٌ كبير (لمجموعةٍ مِنْ الشبابِ المتظاهرين / مِنْ البنيِن وَالبنات)
أصواتٌ هادِرة مِنْ الجموعِ تَتَغني بشكلٍ جماعيٍّ بمَقطَعٍ مِنْ أغنية :
– {ما نسكت نسكت ليش}**
– على الباطل نرضى شلون يكذب ونصدك،
خلينا اِيد بايد هم شفنا الوحدة تصفك…)
يأخذ الحماس بمجموعة أخرى وهي تردد بصوت مهيب:
– {هيهات منا الذلة}
أحَدُ الشَّباب يَسألُ الجموع:ماذا تَتَوقعُون مِنْ نَتائجِ بَعْدَ الاِنتخابات:
هَلْ مُعافاةٌ وَشفاءٌ وَبِناء
أَمْ
المَزيد الجديد مِنْ الكربِ وِالبَلاءِ والشَقاء؟
فَلنا ايها الشَّبابُ نتائج (كارثية مُدمرة )  لتجاربِ أربعةِ دوراتٍ انتخابيَّةٍ ديمُقراطيَّة مُزيفة مُتتالية ، لَمْ نَزلْ نعيشُ هَولَ مآسيها.
يَنبري مِنْ بَين الحشدِ شابٌ لَفَحتْ الشمسُ وَجههُ يقاطعُ المُتحدثُ بصوتٍ رخيمٍ وهو يُلوحُ بيدهِ، يَسود المَكان الهدوء :
–  أَنا غَيرُ مُتفائلٍ بهذهِ الاِنتخاباتِ وَنتائِجها
سأوجزُ لَكمْ أبرزُ الأَسباب:
(هُنالِكَ تَدخلاتٌ كبيرةٌ فِي مراكزِ الاِنتخاباتِ وَالمحطات
اخبارٌ تُشير إِلى شِراءِ اعدادٍ كبيرةِ مِنْ بطاقاتِ النّاخبِين
القُوى السّياسيَّة الماسكة بزمامِ الأمور، تَمتلكُ سِلاحاً يُوازي ما تمتلكهُ الدولة بَل يَفوقُها،
وَلديها السَّطوةُ فِي سَلطةِ التَّعيينِ والتَّغييرِ بعمومِ المَناصب.
لِلأسف لَمْ نَتَوصَّلْ إلى قانون جديد يَحمي نَزاهة وشفافيَّة الِانتخابات، عدا دور مراقبة (القُضاة) للانتخابات.
اَلَّذِي يَحسِمُ النتائجَ هوَ المَال السياسيّ،وَ المالُ بيدِ الكُتل السياسية الحاكِمة،ففيه تُشترى الذمم.
لا تَتَوقعوا هُنالكَ دَورٌ كبيرٌ (للأممِ المُتحدة) فِي العمليَّةِ الاِنتخابيَّةِ فدورُها وفق القانون لا يزيدُ عَنْ دورِ المُراقب.

مَشهد رقم (5)
شابٌ أنيقُ المَظهرِ يفتحُ محفظةً جلديَّة  سَّوداء كانَ قد انتشلها بخفةٍ مِنِ رجلٍ كهلٍ فِي شارع (المكتبات) كان قد خرج للتوِ من بناية البنك، يَجد اللص فيها مبلغاً مِنْ المالِ ، وورقةً مكتوبةً بخطِ اليد ( قطعة أدبية) بعنوان ((مَهمومٌ بقطارِ العمِّ سَام )): ، اللصُّ بارعٌ بالسَّرقةِ وَ(التهكير) تعجبه القصيدة َيقرر نشرها ، يَدخلُ أكثر مِنْ موقعٍ فِي المنافذِ الإعلاميَّة (ويهكرها) وينشرُ بها نَص القصيدة بذاتِ العنوان وكامل النَّص.
كَثُرتْ وَكَبرَّت الهُمومُ وَالظنون
وَزادتْ المَظالِمُ وَالمِحَن
وانتشرَ عبر الأثير وَباء الفِتَن
كَيفَ سَتزُولُ أَوجاعُنا ؟
والداءُ مُنتشرٌ يَنخَرُ بالعَظمِ
مَريرة كالحنظلِّ تَجاربُنا
مَنذُ مُنتصفِ رَمَضان 1963 إلى الآن
كثيرٌ مِنْ الناسِ رَغمَ كُلِّ هذهِ التجارب
يَخدعها جَديد خطاب
أزلام قِطارِ العَمِّ سام
فَتجدد السَّير بالسرِ والبعض منها بالعلن
وَراءَ سراب الوعود .
تملكتني الحيرة، هَلْ اذهب للاِنتخاب؟
رَبّاه مَا هذا الاِمتِحان
هل ألتبس الأمر لهذا الحد
وأضحيت لا افرق بين الصالح والطالح؟
فَفِي كلِّ دورةٍ اِنتخابية يقال جاءَ الخلاص
وكُلَّ ما نحصلُ عَليه يَباب فِي يَباب***

كتبت في مملكة السويد /مالمو السادس من تشرين الأول 2021
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سَجاح : امرأةٌ تميميةٌ أدَّعت النبوّة ؛ وهي صاحبة مسيلمة الكذاب.
** أغنية ما نسكت نست ليش: غناء أحمد المصلاوي، كلمات قصي عيس، الحان :علي صابر .
*** اليباب : الخراب ، اليباب الخالي لاشيء فيه

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com