مقالات

السلطة زهدا وإغراءً… بين المنصف المرزوقي وسيف الإسلام القذافي!

بيدر ميديا.."

السلطة زهدا وإغراءً… بين المنصف المرزوقي وسيف الإسلام القذافي!

 الطاهر الطويل

بصيص الأمل الذي فتحته الثورة التونسية في الظلام العربي الدامس منذ عشر سنوات، يحاول الرئيس قيس سعيد أن يطفئه اليوم، ليعود بالبلاد إلى سابق عهدها بإحكام القبضة الأمنية وإخراس الأصوات المعارضة والإجهاز على المؤسسات الدستورية. فلا غرابة إذنْ، أن تشهد مختلف المدن التونسية انتفاضات رافضة للديكتاتورية، مثلما حدث مطلع الأسبوع الجاري، لأن شعار «التوانسة» الدائم هو ما قاله شاعرهم الخالد أبو القاسم الشابي:
«إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر»
ومن العار أن يوجد خلف قضبان السجن إعلاميٌّ كفء، لمجرد أنه أدلى برأيه في سلوك الرئيس التونسي الحالي، وتُوجَّه له تهمٌ من العيار الثقيل: «المسّ بكرامة الجيش الوطني وسمعته» و»القيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء والاحترام الواجب لهم» و»انتقاد أعمال القيادة العامة والمسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس من كرامتهم» و»نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك.»
عامر عياد الذي ترك دفء البرامج الحوارية على قناة «الزيتونة» مُكرَهًا، ليذوق برودة الزنزانة، ذنبُه الوحيد أنه خاطب قيس سعيد بلُغة الشاعر أحمد مطر، من باب انتقاد سياسته الرعناء. فكان أن ضرب له الرئيس المهجُو موعدا مع المحكمة العسكرية يوم الخميس 25 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ تماما مثلما حصل مع النائب البرلماني عن «ائتلاف الكرامة» عبد اللطيف العلوي الذي انتقد «الانقلاب على الدستور» وتحدّث عن خلفيات تعيين امرأة رئيسة للحكومة، معتبرا أنه جرى استغلالها وإهانتها من طرف سلطة غير شرعية، وقُدّمت المرأة قُربانا لتبييض الانقلاب، حسب تعبيره.
هذا هو المشهد التونسي اليوم للأسف الشديد، مشهد شديد القتامة: اعتقالات ومحاكمات، وإخراس للأصوات المنتقِدة، وشلل في الحياة السياسية، وتراجع للنشاط الاقتصادي… ولكنّ الفعل المقاوم لا يفتُر، بل يعيش عنفوانه وحرارته، مستلهما روح «ثورة الياسمين» حتى لا يُقال عن التونسيين يوما «لماذا لم يدقّوا جدران الخزّان؟» وفق العبارة الشهيرة لغسان كنفاني في روايته «رجال في الشمس»!

«مَن يعارض السلطان مجرم أو مجنون»!

غير أن «الانتصار يتطلب الصبر» كما قال المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق في حلقة جديدة من برنامج «الجانب الآخر» بثتها قناة «الجزيرة» الفضائية الأسبوع الماضي.
كانت حلقة مميزة جدا، لاعتبارين اثنين، من جهة شخصية الرجل ورمزيته ومواقفه وكلامه الطافح بالحِكم، ومن جهة ثانية الإعداد الجيد والسيناريو الذي وُضع للحلقة وطريقة إنجازها الفني.
من بين العبارات العميقة التي وردت على لسان المرزوقي «مَن يعارض السلطان هو مجرم أو مجنون» في عُرف الأنظمة الشمولية، وكذلك قوله «نحن لا نستطيع أن نعيش في بلداننا، ولا نستطيع أن نعيش بدون بلداننا.» ويوضح أن المرء يحيا مُمزَّقا، فحين يكون في وطنه يحلم بالهجرة نحو الخارج، وعندما يجد نفسه في الخارج يكون الشيء الوحيد الذي يحلم به هو العودة الى الوطن!
برنامج «الجزيرة» كشف أن الثقافة الحقوقية جعلت المنصف المرزوقي مؤمنا بوحدة «العائلة البشرية» حيث يوازي بين البعد المحلي والكوني، ويؤكد أنه عروبي حتى النخاع، وملتزم بوطنيته التونسية. وتقوم فلسفته في الحياة على القاعدة التالية: «التعامل الأساسي مع البشر هو احترام الإنسان، والثروة الحقيقية لأي شخص هي الكرامة.»
«الجانب الآخر» توقف عند مختلف المحطات لمسار الضيف المميَّز، بدءا من طفولته في قرية «دوز» في الجنوب التونسي، مرورا بدراسته في «المدرسة الصادقية» الشهيرة التي تأسست عام 1875، في عاصمة البلاد، وتخرج منها العديد من الساسة التونسيين؛ ثم مواصلته الدراسة الجامعية في فرنسا، حيث تلقّى تحصيلا علميا في الطب؛ وصولاً إلى النضال السياسي الذي تَوَّجَهُ رئيسًا للدولة عقب «ثورة الياسمين» سنة 2011.
استحضر المرزوقي مُلاحقة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة للمُعارضين، مشيرا إلى أن والده كان واحدا منهم، ما جعله يفرّ بجلده إلى المغرب.
سألت الإعلامية علا الفارس، صاحبة البرنامج، ضيفها لماذا قبِل تسلّم جائزة الطب من يد بورقيبة، رغم كونه كان معارضا له، ورغم أن الرئيس الأسبق شرّد عائلته، فأجاب بأن الهدف كان هو تجاوز تلك المرحلة، لأن غايته هي مصلحة الشعب، أي أن تؤدي الجائزة إلى حدوث تغيير إيجابي في الصحة العمومية والتأثير على السياسة الصحية، وهو ما حصل فعلا، خاصة في قضية إعاقة الأطفال.
وقبل ذلك، تذكّر الجائزة التي منحتها له الهند وهو طالب يدرس في جامعة فرنسية، مكافأةً له عن بحث خصصه للتمييز بين القوة والعنف؛ «مِن المُفيد للعرب أن يتخلّوا عن فكرة القوة كعنف، ويركّزوا على قوة القيم والقوانين والمؤسسات والتقاليد والإيمان»؛ يقول المرزوقي.
سُئل عن الفرق بين الرئيسين الراحلين زين العابدين بنعلي والحبيب بورقيبة، فأجاب: كالفرق بين السماء والأرض «لم أكن أحبّ بورقيبة، لكنني أحترمه. أما بنعلي فلم أكن أحبه ولا أحترمه.» والسبب، كما يقول، أن الثاني كان ذا عقلية بوليسية من الدرجة العاشرة، يمكن أن يورّط معارضيه في قضية جنسية أو قضية مخدرات… عانى معه شخصيا السجن والملاحقة والحصار داخل بيته لمدة خمس سنوات، كما عانى معه الشعبُ صنوفًا من التعذيب والإذلال وسرقة خيرات البلاد وغرس مخالب الدولة العميقة فيها.
رحلة ممتعة رافقنا فيها علا الفارس الوافدة حديثا على قناة «الجزيرة» بعد تجارب تلفزيونية مميزة، مع شخصية استثنائية ذات مبادئ. ولولا بعض الأخطاء اللغوية الطفيفة التي شوشت على قراءة التعليق، لارتقت الحلقة إلى مراتب «الكمال» الإعلامي.

تحريف القرآن على الطريقة «القذافية»!

حاول سيف الإسلام القذافي، ابن القائد الليبي الراحل، أن يسرق أضواء وسائل الإعلام، فأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وذهبت الكاميرات إليه وهو يقدّم ترشيحه رسميًّا، مع أنه يجرّ وراءه ملفات من الملاحقات القضائية لم تطو بعد، لا سيما على مستوى «المحكمة الجنائية الدولية».
وحاول تمرير عدة رسائل، أولها الاستمرار على نهج أبيه من خلال التشبّه به في شكل اللباس ولونه؛ وثانيها محاولة اللعب على البعد الديني لاستمالة الناخبين، حين استهل أول ظهور إعلامي له بترديده الآية الكريمة: «ربّنا افتحْ بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين» (الأعراف، 89) لكنه أضاف إليها آية غير موجودة في القرآن بهذه الصيغة: «والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.» ويبدو أن سيف الإسلام التبس عليه الأمر، فقام بدمج الآية رقم 21 من سورة يوسف «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون» مع الآية رقم 32 من سورة التوبة «ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.»
قد لا يتذكر الليبيون قصة الأصابع المبتورة التي وقّع بها سيف الإسلام على طلب الترشح للانتخابات الرئاسية، وإن كانت مرتبطة بأحداث الثورة على والده زمن «الربيع العربي 2011» ولكنهم يتذكرون جيدا أن الشاب الذي صار اليوم كهلا ذا لحية غزاها بعض الشيب، نعتهم خلال الانتفاضة إياها بـ»الجرذان» اقتداء بعبارة والده الشهيرة، ووعد بسحقهم جميعا. وها هو اليوم يستجدي أصواتهم، ليكون زعيما عليهم مثل أبيه الذي شهد نهاية مغرقة في «التراجيديا»!

 كاتب من المغرب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com