مقالات

مواقف الحزب الشيوعي العراقي إزاء القضية الفلسطينية

بيدر ميديا ..

كاظم حبيب

 

 

 

مواقف الحزب الشيوعي العراقي إزاء القضية الفلسطينية

 

[دور عصبة مكافحة الصهيونية في مكافحة النشاط الصهيوني بالعراق]

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرست

الفصل الأول: مواقف الحزب الشيوعي العراقي إزاء القضية الفلسطينية  1

الفصل الثاني: موقف يهود العراق وعصبة مكافحة الصهيونية من قضية فلسطين والتقسيم 15

الفصل الثالث: قانون إسقاط الجنسية العراقية عن يهود العراق  18

 

أذار/مارس 2021

 

بدلاً من المقدمة

 

هذه دراسة مكثفة عن عدة مسائل جوهرية أمل أن يجد القراء والقارئات ما يساعد على فهم موقف الحزب الشيوعي العراقي والحكومات العراقية المتعاقبة من القضية الفلسطينية ومن اليهود والصهيونية خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين:

 

  • موقف الحزب الشيوعي العراقي من القضية الفلسطينية منذ الأربعينيات من القرن العشرين.
  • ) موقف الحزب الشيوعي العراقي المناهض للصهيونية باعتباره فكراً قومياً شوفينياً متطرفاً.
  • موقف الحزب الشيوعي العراقي من قانون إسقاط الجنسية عن يهود العراق.
  • الموقف الفعلي للحكومات العراقية الملكية المتعاقبة من يهود العراق والصهيونية.
  • من تآمر على إخراج اليهود العراقيين من العراق وتقديمهم هدية لإسرائيل.

 

أعيد نشر هذا الكراس بمناسبة الذكرى السنوية السابعة والثمانية لميلاد الحزب الشيوعي العراقي (31/03/1934). وسبب هذا النشر يرتبط ببروز بعض الأصوات النشاز ومحاولات مستمرة لتشويه مواقف لا تشوبها شائبة للحزب الشيوعي العراقي في واحدة من أهم القضايا القومية والديمقراطية العربية والعراقية، قضية فلسطين والشعب الفلسطيني وحقه في العودة وفي تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة على أرض وطنه في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس، أي إلى جانب حل الدولتين، كما جاء في البرنامج الذي أقره الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الثامن:

دعم كفاح الشعب العربي الفلسطيني لنيل كافة حقوقه الوطنية المشروعة بما فيها تقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة على أرض وطنه.  

 

 

 

 

 

الفصل الأول

مواقف الحزب الشيوعي العراقي إزاء القضية الفلسطينية

 

 

ابتداءً تبنى الحزب الشيوعي العراقي وبتوجيه مباشر من فهد موقفاً صائباً من القضية الفلسطينية حتى بعد قرار التقسيم الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1947 بفترة غير وجيزة. وكانت هذه السياسة منسجمة في حينها مع قرارات وسياسات الأممية الشيوعية في الموقف من فلسطين ومن الصهيونية العالمية وعلاقتها بالاستعمار، وكذلك مع مواقف الحزب وتقاليده النضالية في التضامن مع حركة التحرر العربية ومقاومة الاستعمار والصهيونية. وغالباً ما وجهت الاتهامات للحزب الشيوعي العراقي بشأن الموقف من القضايا القومية، ومنها قضية فلسطين. ويمكن تصنيف أولئك العرب الذين كانوا أو ما زالوا يوجهون تلك الاتهامات للحزب إلى مجموعتين:

الأولى: وتشكل الغالبية العظمى من السكان العرب الذين على غير اطلاع فعلي على سياسات ومواقف وشعارات الحزب الشيوعي العراقي بهذا الصدد ومن مصادر الحزب الشيوعي العراقي.

والثانية: وتشكل الأقلية التي هي على اطلاع بمواقف الحزب الشيوعي وتعرف حقاً جوهر سياسات ومواقف الحزب إزاء القضايا العربية، ومنها قضية فلسطين، ولكنها مع ذلك تشن حملة ظالمة ضده بسبب مواقفها القومية الشوفينية ومعادية للحزب الشيوعي العراقي، وبالتالي، يصعب إقناع المجموعة الأخيرة برأي آخر غير ما تردده، إذ أنها ملتزمة بمواقفها ولا تريد تبديلها مهما وضعتها أمام حقائق سياسات ومواقف الحزب الشيوعي من القضايا العربية أو مواقف اليسار الديمقراطي العراقي عموماً، وبشكل خاص إزاء قضية فلسطين.

في بداية العقد الثالث من القرن العشرين حين بدأت أفكار الديمقراطية والاشتراكية تدخل العراق كانت هناك مجموعة صغيرة من الشباب التي حملت راية هذه الأفكار، إنها جماعة حسين الرحال. ولم تكن المسائل واضحة في فكر ونشاط هذه المجموعة، سواء كان ذلك بالنسبة للقضايا العربية والدولية أم بالنسبة للقضايا الداخلية. فالوعي السياسي والاجتماعي كان حينذاك ما يزال ضعيفاً، وكان العراق ينهض لتوه من سبات الدولة العثمانية العميق والطويل الذي فرضه الحكام الأتراك على تركيا عموماً وعلى بقية أجزاء الإمبراطورية الخاضعة لها خصوصاً. وكان الاهتمام ببعض القضايا الداخلية أكثر بكثير من القضايا العربية والدولية، وهو أمر مفهوم أيضاً. ولكن هذا الموقف لم يستمر طويلاً. وإذا كان الاهتمام بقضية الوحدة العربية والقضية القومية محدوداً، فأن هذا القول لا ينطبق بأي حال على القضية الفلسطينية، والذي أشرنا إليه في مكان آخر، والذي تجلى في الموقف من زيارة ألفريد موند إلى بغداد في شباط عام 1928، إذ كان الماركسيون في مقدمة المتظاهرين ومن الداعين إليها والمشاركين في تنظيمها[1]. وإذا كان هذا موقف جماعة الرحال ببغداد، فأن الحلقات الماركسية الأخرى، سواء ببغداد أم في الناصرية والبصرة اتخذت مواقف واضحة تماماً إزاء هذه القضايا، ولا يخل بهذه المواقف السليمة بروز اختلاف في صيغة الحل الذي يطرحه الشيوعيون إزاء قضية العمل العربي المشترك مع بعض الأحزاب والقوى الأخرى حينذاك. ففي الوقت الذي طرحت القوى القومية شعار الوحدة، وكان أمر الوحدة العربية وما يزال حتى يومنا هذا بعيداً كل البعد عن الواقع الممكن، كما كان بعيداً كل البعد عن الممارسات السياسية الفعلية لرافعي هذا الشعار أنفسهم وهم في السلطة، فأن الحزب الشيوعي العراقي قد طرح في وقت مناسب موضوع العمل التضامني المشترك بين الشعوب العربية، إضافة إلى رفعه شعار الاتحاد بين الدول العربية باعتباره الخطوة الأولى والضرورية الممكنة نسبياً التي في مقدورها أن تدفع وتنضج تدريجاً قضية الوحدة العربية المنشودة. وكان الحزب الشيوعي، ابتداءًً من العدد الثاني من جريدته “كفاح الشعب” في عام 1935، قد بدأ بنشر سلسلة مقالات عن القضايا العربية وقضية فلسطين على نحو خاص والنضال ضد الصهيونية والاستعمار ومن أجل الاستقلال والسيادة الوطنية. ونظم الحزب، بالرغم من الهجوم الذي كانت تشنه الحكومة العراقية على الشيوعيين والديمقراطيين في أعقاب فشل انقلاب بكر صدقي، مظاهرة حاشدة بتاريخ 16 تموز/يوليو 1937 ضد مقررات اللجنة الملكية البريطانية التي شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في الإضرابات التي عمت فلسطين في عام 1936[2]. وجاءت اللجنة إلى بغداد لشرح وجهة نظرها واستطلاع الرأي العام، إضافة إلى الترويج للفكرة الصهيونية بتأسيس دولة يهودية في فلسطين. وانعكست مواقف الحزب الصائبة في سياساته وبرامجه إزاء القضايا العربية، سواء أكان ذلك في المؤتمر الوطني الأول للحزب أم فيما بعد. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية نشط فهد بشكل أوسع لصالح القضية الفلسطينية وضد الصهيونية. وعندما طرح بعض الشيوعيين من يهود ومسلمين أعضاء في إحدى خلايا الحزب ببغداد مقترحاً بتكوين منظمة تعمل على فضح أهداف الصهيونية[3]، على غرار ما حصل في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ومصر، تبنى فهد هذه الفكرة وشجع الشيوعيين والديمقراطيين اليهود وغير اليهود على السعي لتشكيل عصبة مكافحة الصهيونية بالعراق، حيث بدأ العمل من أجل ذلك وشكلت هيئة مؤسسة قامت بوضع نظام داخلي وبرنامج عمل لهذه المنظمة السياسية غير الحكومية وغير الحزبية. وساهم فهد في الإشراف على وثائق العصبة من خلال الفراكسيون الحزبي الذي كان يقود نشاط الشيوعيين في العصبة. وقُدم الطلب إلى وزارة الداخلية بتاريخ 12/9/1945. وفي “21/11/1945 قدم فهد مذكرة إلى رئيس الدولة العراقية وإلى البرلمان العراقي وإلى رؤساء الدول الكبرى والعربية أوضح فيها “أن الحكومة تدعي مناصرة عرب فلسطين ضد الصهيونية لكن هذه المناصرة غير ملموسة لدى الشعب العراقي بل ما هو ملموس عكس ذلك تماماً”[4]. وقد حاول فهد في هذه المذكرة وفي سلسلة المقالات التي كتبها عن القضية الفلسطينية فضح طبيعة الصهيونية باعتبارها حركة سياسية عنصرية تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من وطنهم، وأنها حركة متشابكة في أهدافها مع الأهداف الاستعمارية ومناهضة لحركات التحرر الوطني وحركة الشعب الفلسطيني. وإزاء نشاط العصبة وحصول تأييد سياسي واسع لها وبروز أشكال مماثلة لها في بلدان أخرى وجدت وزارة الداخلية نفسها مضطرة للموافقة على طلب العصبة في الحصول على إجازة عمل رسمية بتاريخ 16 آذار/مارت 1946، كما أجبرت بعد ذلك بوقت قصير على الموافقة على إصدار “عصبة مكافحة الصهيونية” جريدة سياسية يومية باسم “العصبة”، إذ صدر عددها الأول بتاريخ 7 نيسان/إبريل 1946 [5]. أي بعد ستة شهور من تقديم طلب الحصول على إجازة العمل الرسمي، وأصبح مديرها المسؤول محمد حسين أبو العيس، كما أصبح رئيس عصبة مكافحة الصهيونية يوسف هارون زلخة، وانتخب يعقوب المصري سكرتيراً للعصبة. والأشخاص الثلاثة كانوا من كوادر الحزب الشيوعي العراقي. وخلال هذه الفترة توسع نشاط الشيوعيين والديمقراطيين اليهود وغير اليهود الأعضاء في العصبة في فضح الصهيونية وتعميق الإحساس بخطرها على فلسطين. وكان موقف الحزب ينسجم تماماً مع موقف الأممية الثالثة وأحزابها الشيوعية والعمالية إزاء تحديد طبيعة الصهيونية وأغراضها. وكان للشيوعيين العراقيين والعرب دورهم الإيجابي في تحديد هذه الطبيعة خلال فترة وجود الكومنترن[6] وما بعدها.

  • وحصد الحزب الشيوعي العراقي، الذي وقف مساندا الحركة الديمقراطية المناهضة للصهيونية ودافع عن عصبة مكافحة الصهيونية ومدها بالدعم والكوادر النشيطة، نتائج متباينة باتجاهين مختلفين، خاصة بعد أن مارست الشرطة القسوة الشديدة والعنف والأسلحة النارية لقمع مظاهرة 28/حزيران يونيو 1946، مما تسببت في استشهاد عضو الحزب الشيوعي العراقي وعضو عصبة مكافحة الصهيونية، شاؤول طويق فيها، وهو مواطن عراقي يهودي، وجرح عدد كبير من المشاركين في تلك المظاهرة، كما سحبت إجازة عمل عصبة مكافحة الصهيونية وأوقفت صحيفتها “العصبة” عن الصدور. ويمكن بلورة تلك النتائج، سواء الإيجابية منها أم السلبية، على النحو الآتي:
  • إبراز الموقف السليم للحزب الشيوعي العراقي من القضية الفلسطينية ومن الصهيونية، وبالتالي، استطاع الحزب كسب احترام وتأييد جمهرة واسعة من الناس المهتمين بالسياسة وبالقضايا العربية، كما وضعت الحزب في مواقع متقدمة في نضاله من أجل القضايا العربية الأساسية والتضامن العربي.
  • كشفت عن طبيعة الصهيونية العالمية والأهداف التي كانت تتوخاها منذ تأسيسها في عام 1897 من قبل اليهودي الصهيوني تيودور هرتسل (1860-1904م).
  • فضحت طبيعة وسياسات الحكومات العراقية المتعاقبة إزاء القضايا العربية، وخاصة قضية فلسطين وإهمالها مساندة الشعب الفلسطيني في نضاله العادل من خلال مواقفها المناهضة لنشاط العصبة ومنع عقد مهرجاناتها أو تظاهراتها أو غلق صحيفتها الرسمية وإيقاف إصدار كراساتها التثقيفية المناهضة للصهيونية.
  • وبلورت في الوقت نفسه الفارق الذي لا يجوز نسيانه بين اليهودية كدين وبين اليهود، باعتبارهم أتباعا لتلك الديانة المعترف بها من جانب الإسلام والمسلمين من جهة، وبين الصهيونية كحركة سياسية شوفينية وعنصرية معادية للشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية ومتحالفة مع الإمبريالية العالمية.

وتمكن الحزب من كسب عدد كبير من اليهود والعرب وغير العرب من المواطنين العراقيين إلى جانب هذه الحركة وزجهم في النضال الديمقراطي، إضافة إلى كسب مجموعات جيدة منهم إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي وفي صفوفه.

وجني الحزب في الوقت نفسه كره ونقمة الحركة الصهيونية العالمية التي كانت تتابع الحركات المعادية لها، وخاصة تلك النشاطات التي كان يساهم بها اليهود انتصاراً لقضية العرب العادلة في فلسطين، وانتصاراً لهم كمواطنين عراقيين يعيشون بالعراق، إضافة إلى كره الاستعمار البريطاني وممثليه بالعراق، وكره الحكومة العراقية التي كانت تدعي دفاعها عن فلسطين، في وقت كانت الدلائل تشير إلى وجود تواطؤ ضد الشعب الفلسطيني تمثله قيادة النخبة السياسية الحاكمة بالعراق. ولا شك في أن التاريخ سيميط اللثام عن الكثير من المعلومات والوثائق التي تؤكد أكثر فأكثر مثل هذا الاتهام لا بالنسبة للعراق فحسب، بل وبالنسبة للعديد من حكام الدول العربية حينذاك.

دأب فهد على فضح سياسات الحكومة العراقية إزاء الشعب الفلسطيني من جهة، وإزاء الصهيونية من جهة أخرى، مستخدماً صحافة الحزب وصحافة وأدبيات عصبة مكافحة الصهيونية وأينما تسنى له نشر مقالاته في هذا الصدد أو عبر المذكرات التي كان يوجهها إلى رئيس الحكومة العراقية ويعممها لإحراج مواقف الحكومة العراقية عربياً ودولياً. ففي المذكرة التي وجهها فهد إلى رئيس مجلس الوزراء العراقي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، باعتباره سكرتيراً عاماً للحزب الشيوعي العراقي، كتب يقول:

“موقف الحكومة تجاه الصهيونية: تدعي الحكومة القائمة أنها تناصر عرب فلسطين ضد الصهيونية لكن الشعب العراقي لا يلمس هذه المناصرة واختباراته اليومية تبرهن على ان الحكومة العراقية تمنع الشعب العراقي من مناصرة عرب فلسطين، تمنعه من مكافحة الصهيونية. وبهذا تسهل على الصهاينة وعلى القوى الرجعية -الاستعمار وغيره – السير بخططهم .. أن الحكومة منعت وتمنع الشعب العراقي من إقامة اجتماع في سبيل فلسطين، إنها منعت عصبة مكافحة الصهيونية من إقامة اجتماع في يوم وعد بلفور الأسود، إنها احتلت نقابات العمال في ذلك اليوم لكي لا يجتمع العمال فيها، إنها منعت المظاهرات في سبيل فلسطين، لكنها سمحت للأوباش بالاعتداء على اليهود وسكب المواد المحرقة عليهم وهم يمشون في الشوارع. وبدلاً من أن تعاقب الأوباش المعتدين حمتهم وأقامت شرطتها الدعوى على المشتكين لأنهم ادعوا أن الأوباش رموهم بمحلول التيزاب بينما كان ما رموهم به هو “محلول الزرنيخ” واتهمت المشتكين بأنهم عكروا صفو الأمن، … هذا منطق أناس يدعون أنهم يناصرون عرب فلسطين.

أن الحكومة العراقية تحاول أن تخفي المسؤولين الحقيقيين عن نكبة شعبنا العربي في فلسطين، تريد أن تستر الاستعمار البريطاني المسؤول الأول، أن تخفي الصهيونية، باعتبارها تمثل مصالح الشركات اليهودية الكبرى في بريطانيا وأمريكا فتظهر اليهود العرب الذين لا صلة تربطهم بالصهيونية الاستعمارية والذين عشنا وإياهم أجيالاً عديدة دون أي تصادم بيننا كأنهم المسؤولون فتوجه النقمة ضدهم. إن الشعب العراقي يريد من الحكومة القائمة أن تقلل من ادعاءاتها حول مساعدة فلسطين وأن تسمح له بأن يكافح الصهيونية في البلاد العربية نفسها وأن يمنعها من تثبيت أقدامها فيها”[7].       

  • لم يكن الكره الذي توجه من جانب الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية والحكومة العراقية اعتيادياً وعاماً إزاء الحزب الشيوعي العراقي وقائده فهد، بل كان ملموساً وموجهاً لشن حملة دامية ضد الحزب من أجل تصفيته واعتقال قادة الحزب وعصبة مكافحة الصهيونية انتقاما منه بسبب النشاطات الواسعة الفكرية منها والسياسية ضد الاستعمار والصهيونية وفضح الحكومة في مواقفها إزاء القضية الفلسطينية وإزاء الصهيونية. إذ ركز فهد، وهو على رأس الحزب الشيوعي العراقي في نضاله من أجل القضية الفلسطينية، على شعارات أساسية واضحة جداً كانت مرفوضة من قبل تلك الدول والأطراف، وهي:
  • منح الشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ورفع الحماية البريطانية عنه.
  • إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
  • التضامن مع الشعب الفلسطيني لمواجهة المؤامرات التي تستهدف وطنه، وفضح أهداف العنصرية والعدوانية في الحركة الصهيونية.
  • تعبئة الرأي العام العراقي والعربي إلى جانب الشعب الفلسطيني من خلال النشاط الفكري والسياسي.
  • محاولة كسب المزيد من اليهود إلى جانب الحركات المعادية للصهيونية في سائر أرجاء العالم العربي.
  • فضح طبيعة الحركة الصهيونية وأهدافها في فلسطين والمنطقة العربية وتحالفاتها الدولية التي اعتبرها مناهضة لحركات التحرر والمرتبطة عضوياً بالرأسمال المالي العالمي وأهدافهما المشتركة.

لقد كانت عصبة مكافحة الصهيونية ونشاطها وفعاليتها الواسعة شوكة في عين حكام العراق، مما دفع إلى التفتيش عن الحجج، مهما كانت واهية، لسحب إجازتها وإيقاف نشرها العلني وزج القائمين عليها والنشطين منهم في السجون. ورغم فشل أكثر من محاولة للحكم على قياديي الحركة من خلال المحاكم العراقية التي تمتعت في فترات معينة ببعض الحرية والاستقلالية النسبية، بسبب وجود عناصر ديمقراطية نزيهة على رأس البعض من تلك المحاكم، لجأت الحكومة إلى إصدار قرار وزاري بحلها، متجاوزة الدستور والقوانين العراقية. ثم قدمت أغلب قياديي العصبة إلى المحاكمة، بعد ربط قضيتهم بقضية الحزب الشيوعي العراقي ونشاطه السياسي ودور رفاقه في قيادة ونشاط العصبة.

كان الحزب الشيوعي العراقي، وكذلك فهد، مقتنعين بأن موقف الاتحاد السوفييتي سيكون إلى جانب الشعب الفلسطيني بسبب عدالة قضيته والعداء المستحكم بين الشيوعية والصهيونية بسبب طبيعتهما المتناقضة تماماً، وبسبب معرفة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي بأساليب ومناورات القوى الإمبريالية والصهيونية، وهو الموقف الذي تجلى في مؤتمرات الأممية الشيوعية منذ تأسيسها وأحاديث لينين عنها. ولهذا لم يكن هناك أي تناقض بين موقف الحزب وموقف الأممية الشيوعية وأحزابها المختلفة. لذلك فوجئ الحزب وفهد بموقف السوفييت في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بالموافقة على قرار تقسيم فلسطين في عام 1947 ولم يجدا تبريراً له.

لقد كتب فهد العديد من المقالات التي يكشف فيها عن طبيعة الصهيونية العالمية مستلهماً فكر الأممية الشيوعية وقناعاته الذاتية بالعلاقة القائمة بين الإمبريالية والصهيونية على الصعيد العالمي، إضافة إلى العلاقات المهمة التي كانت قد نشأت ليس بين الصهيونية وبريطانيا فحسب، بل بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، وكان يرى فيها خطراً أساسياً على حركة التحرر العربية، إذ أن الولايات المتحدة كانت تريد أن تجعل منها أداة لها في المنطقة. ويمكن لبعض المقتطفات المهمة في هذا الصدد أن تؤكد موقف فهد الواضح من الصهيونية ورفضه لمحاولات التقسيم التي كانت تسعى إليها الصهيونية العالمية. كتب فهد عن طبيعة الصهيونية في جريدة “العصبة” في عام 1946 يقول: “إننا في الحقيقة لا نرى في الفاشية والصهيونية سوى توأمين لبغي واحد، هي العنصرية محظية الاستعمار. إن الفاشية والصهيونية تنهجان خطين منحرفين يلتقي طرفاهما وتتشابه أهدافهما، وكل منهما نصبت نفسها منقذة وحامية لعنصرها، فالأولى بذرت الكره العنصري ونشرت الخوف والفوضى في أنحاء المعمورة وورطت شعوبها وأولعت بهم نار حرب عالمية لم تتخلص أمة من شرورها. والثانية الصهيونية بذرت الكره العنصري ونشرت الخوف والفتن والإرهاب في البلاد العربية وغررت بمئات الألوف من أبناء قومها وجاءت تحرقهم على مذبح أطماعها وأطماع أسيادها المستعمرون الإنكليز والأمريكان، فتشعل بهم نيران الاضطرابات في البلاد العربية. وقد كان من أعمالها أن حولت فلسطيننا إلى جحيم لا ينطفئ سعيره ولا تجف فيه الدموع والدماء وتهددت الأقطار العربية بأخطارها وبأخطار القضاء على كيانها القومي جراء بقاء وتثبيت النفوذ الاستعماري فيها وجراء المشاكل العنصرية التي تحاول إثارتها”[8].

وبصدد المصالح المشتركة والعلاقة التحالفية بين الصهيونية والإمبريالية الأمريكية كتب فهد يقول: “إن المصالح الأمريكية الناشئة في البلاد العربية ورؤوس أموالها المستثمرة بالاشتراك مع الرأسمال الصهيوني في فلسطين، ووعد الصهاينة بتوظيف رؤوس أموال أمريكية كبيرة جداً وتطلع أمريكا لاستخلاف الإمبريالزم البريطاني في فلسطين واتخاذها قاعدة لحماية مصالحها في البلاد العربية، كل هذه حملت الولايات المتحدة على استخدام نفوذها كاحتياطي للصهيونية”[9].

ولم ينس فهد، وهو يسجل وثيقة الميثاق الوطني للحزب الشيوعي العراقي أن يثبت مسالتين مهمتين بشأن القضية الفلسطينية والطبيعة العدوانية للصهيونية، حين أشار فيه إلى:

” 13- (أ) نناضل في سبيل التقارب والتعاون السياسي بين الشعوب العربية، بين أحزابها وجماعاتها السياسية الديمقراطية من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية لفلسطين والأقطار العربية المستعمرة والمحمية، ومن أجل استكمال استقلال العراق وسوريا ولبنان ومصر، ضد الصهيونية وضد الدول المستعمرة مباشرة أو عن طريق المعاهدات والانتداب والحماية للبلاد العربية، وضد محاولات اعتداءات استعمارية جديدة وضد تثبيت النفوذ الأجنبي باي شكل كان في البلاد العربية.               

15- نناضل في سبيل التعاون الاقتصادي بين الأقطار العربية من أجل المحافظة على ثروات بلادنا واستخدامها …، وضد الهجوم الصهيوني الاقتصادي”[10].

إذن كان موقف الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد حتى صدور قرار تقسيم فلسطين واضحاً لا غبار عليه بأي حال من الأحوال، بل يمكن القول بأنه كان من أنشط القوى السياسية العراقية الواعية التي وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني. وفي عام 1947 صدر قرار مجلس الأمن الدولي بالموافقة على تقسيم فلسطين بين العرب واليهود بحجة أن العيش المشترك بين اليهود والعرب لم يعد ممكناً وأن لليهود حق في العيش في دولة مستقلة في قسم من الأراضي الفلسطينية، اي الموافقة على إقامة دولتين على أرض فلسطين. ولم يكن القرار ذاته غير عادل وجائر فحسب، بل وكان غير عادل في تقسيم مساحة الأرض بين الأكثرية العربية والأقلية اليهودية لصالح الأقلية. إذ بلغت حصة اليهود، وهم أقلية، 56،5% من أخصب الأراضي الفلسطينية، في حين كانت حصة عرب فلسطين 43،5%، وهم الغالبية العظمى من سكان فلسطين[11]. وكان الاتحاد السوفييتي من الدول الدائمة العضوية التي وافقت على هذا القرار. وسبب هذا الموقف إشكالاً وارتباكاً عند الشيوعيين العراقيين وعند بقية الشيوعيين في العالم العربي. وكان الإشكال أكبر عند الشيوعيين اليهود بالعراق الذين وقفوا بحزم ضد إقامة دولة عبرية على أرض فلسطين وساندوا قيام دولة واحدة على هذه الأرض. ويشير حنا بطاطو إلى أن الشيوعيين اليهود كانوا قبل صدور هذا القرار قد وجهوا التماساً إلى يوسف ستالين يرجونه فيه الوقوف بوجه محاولات تقسيم فلسطين، حيث ورد في البيان المؤرخ في 29 أيار/مايس 1946، أي قبل منع العصبة من مزاولة أعمالها، جاء فيه:

“إننا نتضرع إليكم، أيها الرفيق ستالين، أن تؤيدوا قضية فلسطين عندما تطرح أمام الأمم المتحدة … لا التباس في حق شعب فلسطين العربي بالاستقلال، وقضيتهم لا علاقة لها بمأزق اليهود المُقتلعين. إننا واثقون من أن حكومتكم، التي تعتمد مبادئها وسياستها الخارجية على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، ستقف إلى جانب العرب في محنتهم”[12].   

أشرت إلى أن الشيوعيين العراقيين لم يغيروا موقفهم من القضية الفلسطينية بمجرد صدور قرار التقسيم وموافقة الاتحاد السوفييتي عليه. وكان فهد أول من استقبل هذا الموقف بالاستغراب. وعلى هذا الموقف توجد الكثير من الأدلة الواضحة. كتب زكي خيري يقول: “كان الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه يثقف أعضاءه وجماهيره ضد الوطن القومي لليهود وضد الصهيونية التي نمت وترعرعت تحت رعاية الإمبريالية. وكان تثقيفه هذا يسترشد بالماركسية اللينينية التي كانت تدين الصهيونية باعتبارها حركة انشقاقية تعزل العمال اليهود عن سائر العمال الذين يتعايشون معهم في بلدانهم وتضعهم تحت هيمنة رأسمالييهم. وكان استيطان اليهود في فلسطين يعني في الوقت ذاته اغتصاب الأرض من أصحابها الشرعيين الذين عمروها بدمائهم وعرقهم طوال أربعة عشر قرناً ولم يهجروا أراضيهم في فلسطين إلا بالإكراه. فبعد كل ذلك كيف يقدم الاتحاد السوفييتي على اعتبار المستوطنين اليهود من مختلف الأمم شعباً له الحق في تقرير المصير بما فيه إقامة دولة منفصلة على أرض الشعب الفلسطيني العربي المغتصبة بقوة السلاح البريطاني والانتداب البريطاني؟! حتى فهد لم يجد جواباً لهذا التساؤل! وقد جاءني على انفراد وسرني دهشته من ذلك قائلاً: – لا أدري كيف اعترف الاتحاد السوفييتي بدولة اليهود! وفيما بعد كتب فهد رسالة للحزب صرح فيها بصورة قاطعة أن المستوطنين اليهود جماعة من الناس لهم حقوق معينة باعتبارهم أقلية وليسوا شعباً يستحق تقرير المصير وإقامة دولة بأي حال من الأحوال. وقد جاءت هذه الرسالة بعد أن غير الحزب موقفه بما يتوافق مع رأي الاتحاد السوفييتي وصدرت خارج السجن وثائق حزبية تبرر الموقف السوفييتي تبريراً إيديولوجياً”[13].

وجاء في الرسالة التي كتبها فهد من سجنه في الكوت ووجهها إلى قيادة التنظيم خارج السجن، حول قرار التقسيم ما يلي:

“أما عن قضية فلسطين فلم نتوصل إلى أكثر مما توصلتم إليه عدا شيء واحد هو ذكركم لقومية يهودية في فلسطين فهذا ربما كان غير صحيح فكل ما في الأمر أن الاتحاد ربما قال بوجوب الأخذ بنظر الاعتبار بضع مئات الألوف من اليهود الذين سبق وأصبحوا من سكان فلسطين فهذا لا يعني أنهم قومية، فهذا لا يعني عدم الاهتمام بهم ومع هذا فليست هذه النقطة جوهرية بالموضوع. فموقف الاتحاد جاء نتيجة محتمة للأوضاع والمؤامرات والمشاريع الاستعمارية المنوي تحقيقها في البلاد العربية وفي العالم، فالمهم في الموضوع هو وجوب إلغاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبية عن فلسطين وتشكيل دولة ديمقراطية مستقلة حل صحيح للقضية ومن واجبنا أن نعمل لهذا حتى الأخير ولكن إذا لا يمكن ذلك بسبب مواقف رجال الحكومات العربية ومؤامراتهم مع الجهات الاستعمارية فهذا لا يعني أننا نفضل حلا آخر على الحل الصحيح ونرى من الأوفق أن تتصلوا بإخواننا في سوريا وفلسطين وتستطلعوا رأيهم في تعيين الموقف”[14].

وفي كانون الأول/ديسمبر 1947، أي بعد أيام من صدور قرار التقسيم أصدر الحزب نشرة داخلية موجهة إلى كافة رفاق الحزب جاء فيها بشأن الموضوع ما يلي:

“لقد وفر موقف الاتحاد السوفييتي بخصوص التقسيم للصحف المرتزقة ومأجوري الإمبريالية فرصة لا التشهير بالاتحاد السوفييتي فقط، بل أيضاً بالحركة الشيوعية في البلدان العربية. ولذلك، فأنه يجب على الحزب الشيوعي تحديد موقفه من القضية الفلسطينية حسب الخطوط التي انتمى إليها والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

  1. إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية، ومزيفة بالنسبة إلى الجماهير اليهودية.
  2. إن الهجرة اليهودية … لا تحل مشكلات اليهود المقتلعين من أوروبا، بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية … واستمرارها بشكلها الحالي … يهدد السكان الأصليين في حياتهم وحريتهم،
  3. إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم … يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب … .
  4. إن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يتحدد إلا من قبل الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة دول أخرى …
  5. إن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة ….

إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جدياً على آمال السلام في الشرق الأوسط.

لكل هذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم”[15].     

ويشير حنا بطاطو أيضاً إلى أن فهد قد وقف ضد الموقف الذي أرسله، كما هو مشاع ومعروف، يوسف إسماعيل حول قرار التقسيم والذي يتجاوز الموضوعية والحقائق التاريخية، وطلب من الرفيق السجين الذي كان يقرأ تلك الرسالة بالتوقف عن الاستمرار بقراءتها، باعتبارها رسالة غير موضوعية وذات اتهامات غير مبررة للأحزاب الشيوعية العربية.[16] 

إذن الدراسة المتأنية للموقف تسمح لنا بالقول، بأن الحزب الشيوعي لم يكن مجبراً على اتخاذ نفس الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي كدولة وكحزب إزاء القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، إذ كان يملك موقفاً صحيحاً وعادلاً إزاء كل القوميات والأقليات القومية والأديان في فلسطين أولاً، ويمتلك، كحزب شيوعي مستقل في بلد مستقل، كل الحق في أن يتخذ الموقف الوطني والقومي الصحيح الذي يمس مصالح شعبه أو الشعوب العربية، ومنها الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى. ومن هنا كان إصرار فهد في البقاء على موقف الحزب الصحيح إزاء القضية الفلسطينية وذلك بإقامة دولة ديمقراطية مستقلة يتمتع فيها الجميع بالمساواة سليماً ومنسجماً مع توجهاته العامة. وكان فهد في هذا الموقف واضحاً، كما كان في الوقت نفسه واضحاً عندما أشار إلى ضرورة استطلاع رأي وموقف الحزبين الشقيقين في كل من سوريا وفلسطين من المسألة والتشاور معهما بشأن الموقف. ولكن بعض الكوادر القيادية الشيوعية كان لها موقف آخر من هذه القضية، وخاصة أولئك الذين كانوا خارج الوطن، كما أن هؤلاء قد أثروا بهذا القدر أو ذاك على موقف الداخل، ومنهم زكي خيري، حيث كتب يقول، حول تبرير القبول بقرار التقسيم، ما يلي: “وكان لي شخصياً دور معين في هذا التبرير بعد خروجي من السجن. وكان الجذر الفكري لموقفي هذا هو الاعتقاد بأن كل موقف سياسي يتخذه الاتحاد السوفييتي هو موقف مبدئي وما علينا إلا أن نبحث عن هذا الأساس المبدئي لنفهمه وندافع عنه. وإذا لم نجد ما يبرر ذلك صراحة في التعاليم الماركسية اللينينية كان يأتي دور التأويل والتفسير المؤدي إلى التبرير. فكنا نخضع الإيديولوجيا للسياسة بدل العكس. وكان هذا هو نفس الجذر الفكري لأخطاء الحركة الشيوعية العالمية في المدة الأخيرة حيث كان المنظرون يبررون مواقف السياسيين. ولهذا الخلل الفكري علاقة بالاعتقاد بمعصومية القيادة السوفييتية وفي البدء معصومية ستالين وفيما بعد معصومية “القيادة الجماعية” التي لا يمكن أن يأتيها الخطأ. رغم ما جاء في رسالة لينين إلى أنيسه أرماند يقول فيها عن إنجلز زميل ماركس في عمله: أنه لا يعتقد بأن إنجلز كان معصوماً من الخطأ. وفي العديد من المناسبات كان يشير إلى ارتكاب السلطة أخطاء خرقاء وأن تكن أقل خراقة من أخطاء الدول الرأسمالية. ولكننا كنا نمر بهذه الأخطاء مرّ الكرام ولم نمارس النقد لأساتذتنا الأكثر تمرساً وخبرة وعلماً كما ينبغي للتلامذة الشيوعيين أن يفعلوا إزاء أساتذتهم وكما يقتضي الواجب الأممي”[17].    

لم تأت موافقة الحزب على قرار التقسيم عن قناعة تامة، بل صدر عن قناعة أخرى، أي لا بد ان تكون لدى السوفييت مبررات واقعية لمثل هذه الموافقة على قرار التقسيم، وبالتالي يفرض الموقف الأممي الموافقة عليه أيضاً.[18] وبمعنى آخر فرض الواقع نفسه عملياً على الجميع، ولكنه أكد أن قيام دولة لليهود في القسم الذي خصص لليهود وعدم قيام دولة عربية في القسم الذي خصص للعرب سيؤدي إلى ضياع فلسطين كلها، ولهذا فأن القبول بإقامة دولة فلسطينية عربية على أرض فلسطين من ناحية كون القرار لم يعد قابلاً للتغيير مسألة منطقية وضرورة لا غنى عنها، حتى من منطلق ومنطق الرفض لقرار التقسيم. فالنظر إلى موقف الحزب من قرار التقسيم حينذاك يختلف عن النظر إليه في هذا اليوم. فعدم الموافقة على قرار التقسيم من جانب الحكومات العربية، التي لم تكن كلها مخلصة في رفضها لقرار التقسيم والتي لم تكن كلها مستعدة للقتال في سبيل قضية فلسطين أو في سبيل مجابهة القرار فعلياً، والتي كان بعضها متواطئاً حول القضية برمتها، قد أدت كلها إلى حرب غير متكافئة بسبب الإسناد غير المحدود الذي حصلت عليه القوى الصهيونية المحاربة بإسرائيل من قبل الدول الاستعمارية، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة، ولم تحصل على ما يقابله من دعم من الاتحاد السوفييتي ودول الديمقراطيات الشعبية حينذاك. كما لعبت خيانة العديد من الحكام العرب والأسلحة الفاسدة وغيرها دورها في تعطيل قدرة الكفاح العربية للوحدات العسكرية التي أرسلت إلى فلسطين، وساعدت على إنهاء الحرب لصالح إسرائيل. وبالتالي، قامت الدولة الإسرائيلية ولم تقم الدولة العربية الفلسطينية. والشعب الفلسطيني يحصد اليوم نتائج تلك السياسات والمواقف. واتخذت السلطات العراقية من موقف الحزب الشيوعي العراقي حجة لشن حملات ظالمة لتصفية الحزب الشيوعي العراقي، واتخذته مبرراً غير مباشر لتنفيذ جريمة الإعدام بحق فهد ورفاقه حازم وصارم، كما ساهمت بتأجيج الرأي العام العربي ضد الحزب، بحيث كانت الحملة لوقف عملية تنفيذ الإعدام بحق قادة الحزب الشيوعي العراقي فهد وحازم وصارم ومن ثم يهودا صديق وساسون دلال[19] في شباط من العام 1949 ضعيفة حقاً. ولكن هذا الموقف لم يفهم بالصورة الصحيحة ولم يلعب الحزب الشيوعي العراقي دوره المناسب ولم يمنح الفرصة الكافية في حينها لتوضيح موقفه من التقسيم. وفي حمى الصراع حينذاك اتخذ الأمر وكأن الحزب الشيوعي مع التقسيم وبقية القوى السياسية العربية ضد التقسيم. وهو أمر أساء كثيراً لعلاقة الحزب بالقوى القومية والإسلامية التي تلقفت الموقف لتبرير صراعها وكرهها الدائم للشيوعية والشيوعيين حينذاك، خاصة وأن الحركة الشيوعية العالمية كانت قد أيدت قرار التقسيم ووقفت إلى جانبه من منطلق معاناة اليهود في ألمانيا من عمليات الإبادة الجماعية في معتقلات النازية، رغم أن هذا لم يكن مبرراً أيضاً، إذ أن جريمة النازية البشعة ذات الخلفية العنصرية والمعادية لليهودية خصوصاً والسامية بشكل عام والقائمة على إيديولوجية مناهضة لكل الشعوب كانت قد توجهت بحقدها لا ضد اليهود والغجر والسلافيين فحسب، بل وضد الشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين والمسيحيين المناوئين للنازية أيضاً. ولا شك في أن موقف الحزب الشيوعي السوفييتي إزاء التقسيم حينذاك لم يكن سليماً، إذ كان في مقدوره الرفض وعرقلة التقسيم حينذاك لإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تجمع العرب من مسمين ومسيحيين واليهود سوية. كما أن الحجج التي قدمت حينذاك لم تكن موضوعية ولا مبررة للموافقة على قرار التقسيم. 

كان قرار التقسيم خاطئاً بالأساس، وبالتالي، كانت الموافقة عليه خاطئة أيضاً. وهذا التقدير يختلف عن مسألة أخرى هي الأمر الواقع الذي وضع مجلس الأمن الدولي العالم كله أمامه، فقرار تقسيم فلسطين، وليست كل قرارات مجلس الأمن الدولي كانت صائبة، كما ليس مطلوبا منا الموافقة على كل ما يصدره مجلس الأمن بغض النظر عن مدى قدرتنا على مواجهته أو إفشال تحقيقه. والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية عربية ديمقراطية على القسم الذي خصص للعرب كان يحمل في طياته قبولاً بالأمر الواقع، ولكنه كان لا يعني بالضرورة قبولاً بقرار التقسيم. إذ لو كان قد تم ذلك لكان الأمر الآن مختلفاً. وربما لما استطاعت إسرائيل التهام أجزاء جديدة من ذلك القسم الذي خصص للعرب عبر الحروب المتتالية لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية لصالح إسرائيل. فالواقع الراهن على أرض فلسطين يقول أن إسرائيل تسيطر اليوم على 78 % من الأراضي الفلسطينية وفق حدود عام 1947 وأن الفلسطينيين لم يبق لهم سوى 22 % من تلك الأراضي، في قطاع غزة والضفة الغربية، كما أن إسرائيل تقيم عشرات المستوطنات الصهيونية في قطاع غزة والضفة الغربية وتريد انتزاع المزيد مما تبقى للعرب في فلسطين عام 1947. والفلسطينيون يناضلون اليوم من أجل إقامة دولتهم الوطنية على القسم المتبقي من فلسطين، أي على 22% من تلك الأراضي، وترفض إسرائيل ذلك حتى الوقت الحاضر، رغم التضحيات الغالية التي قدمها الشعب الفلسطيني في انتفاضة الحجارة. كان الأمر حينذاك يختلف تماماً عن الواقع الراهن الذي يجد العرب أنفسهم فيه. فبعضهم اليوم اعترف بوجود إسرائيل كدولة ويقيم البعض الآخر العلاقات الدبلوماسية معها، والبعض الثالث يقيم مع إسرائيل علاقات تجارية وعلمية واسعة نسبياً، وبعضهم الآخر يقيم علاقات اقتصادية وثقافية وسياحة مع الدولة العبرية التي ابتلعت المزيد من الأراضي الفلسطينية التي تضمنها قرار تقسيم فلسطين لعرب فلسطين حينذاك، والتي تشن يومياً الحرب ضد الشعب الفلسطيني وتقتل بشتى الأسلحة، بما فيها المحرمة دولياً، المزيد من البشر، كما أنها ما تزال تحتل أجزاءً من الأراضي العربية في كل من لبنان وسوريا كمزارع أبو شبعا والجولان. وتجد إسرائيل التأييد الكامل والدعم الواسع والمتواصل من جانب حليفها الإستراتيجي الدولي، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، في كل ما تقوم به من عمليات عسكرية تدميرية وقتل جماعي واغتيالات لقادة الحركة الوطنية الفلسطينية وإزالة دور السكن وتخريب المزارع في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو تلك التي تعتبر بيد السلطة الفلسطينية. ولا شك في أن قوى الإسلام السياسي المتطرفة وبعض القوى القومية الراديكالية تمارس سياسات غير عقلانية وانتقد عمليات انتحارية تساهم في تعقيد الوضع في فلسطين وتعطي الحجة لإسرائيل بمزيد من تدمير البيوت والمزارع وقتل الناس. إن العمليات الانتحارية باسم الجهاد خطيئة كبرى تمارسها القوى السياسية في فلسطين وتمارسها قوى الإسلام السياسي المتطرفة بشكل عام، سواء في فلسطين أم في مواقع مختلفة بما في ذلك العراق في الوقت الحاضر أم في السعودية أم في لبنان وفي غيرها. 

 

الفصل الثاني

مواقف يهود العراق وعصبة مكافحة الصهيونية من قضية فلسطين والتقسيم

 

 

لقد كان موقف عصبة مكافحة الصهيونية ونشاطها ضد الصهيونية صائباً وصادقاً في آن واحد[20]. ولم يكن في مقدور العصبة أن تنهض دون تبن ودعم مباشرين من الحزب الشيوعي العراقي، الذي وجد فيها، بسبب وجود أكثرية يهودية عراقية فيها، أداة مهمة لمحاربة الحركة الصهيونية بالعراق وفي الخارج، كما أنها كانت أداة مهمة للتثقيف ضد الفكر القومي السلفي المتعصب الذي تمثله الصهيونية من جهة، ومن أجل تعزيز التآخي بين المواطنين من مسلمين ويهود ومسيحيين وغيرهم من المواطنين بالعراق من جهة أخرى. واستطاعت العصبة خلال فترة وجيزة القيام بعملية تعبئة واسعة ضد الصهيونية وفضح مشاريعها[21]. فاجتماعاتها التثقيفية اليومية والأسبوعية والكراسات التي أصدرتها خلال فترة وجيزة ساهمت في تلك الاتجاهات الوطنية المنشودة، وهذا العمل بالذات هو الذي أغاظ القوى المناهضة وجمهرة من النخبة الحاكمة العراقية حينذاك. إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية بتهجير اليهود العراقيين قسراً كان قراراً ظالماً وجائراً ومسانداً لقرار التقسيم من الناحية العملية. لقد دفع عشرات ألوف اليهود بالقوة والقسر إلى ترك وطنهم العراق، كما حصل ذلك في بقية الأقطار العربية، الذي عاشوا فيه ألاف السنين، تماماً كما فعلت ذلك الحكومة اليمينية الشوفينية بإسرائيل حين طردت عشرات ألاف العرب من وطنهم فلسطين إلى الشتات العربي والدولي. وإذا كان اليهود قد استوطنوا اليوم في إسرائيل، فأن العرب الذين هجروا ما زالوا يعانون مرارة العيش في المخيمات الفقيرة والبائسة بانتظار العودة إلى وطنهم الذي لا يجوز، بأي عرف ولا يمكن لأي مستبد أن يحرمهم منه.

  • وخلال فترة نشاط العصبة نشأت علاقات غير ودية بينها وبين الأحزاب الوطنية الأخرى التي أجيز عملها الرسمي حينذاك، وخاصة حزب الاتحاد الوطني وحزب الشعب والحزب الوطني الديمقراطي، دع عنك حزب الاستقلال، الذي كانت له سياسات مناهضة لليهود وضد استمرار وجودهم بالعراق. وكان السبب وراء تلك العلاقات غير الودية يكمن في النقاط التالية:
  • التشابك بين النشاط الديمقراطي السياسي العام والنشاط الحزبي للعصبة، إذ أن الأحزاب الأخرى قد اعتبرت العصبة إحدى منظمات الحزب أو إحدى المنظمات التابعة للحزب.
  • تبني العصبة لسياسات الحزب الشيوعي العراقي والترويج لها في نشاط العصبة أو قيام أعضاء العصبة وأعضاء حزب التحرر الوطني بالترويج لسياسة وشعارات الحزب في نشاطات وفعاليات بقية الأحزاب، إذ كان ذلك يلقى معارضة شديدة من جانب قادة تلك الأحزاب. وقد تجلى ذلك في المقالات التي نشرت في صحافة الأحزاب الأخرى، ومنها المقالات التي نشرتها الرأي العام التي كان يصدرها الشاعر محمد مهدي الجواهري حينذاك والتي وجهت أصابع الاتهام لحزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية بالتخريب والإساءة لاجتماعات ومهرجانات الأحزاب الأخرى. وكتبت المقالات تحت عنوان: أعصبة لمكافحة الصهيونية أم لمكافحة الوطنية؟ أحزب للتحرر أم للتخريب؟[22].

ويفترض هنا الإشارة إلى أن أغلب اليهود الذين عملوا في العصبة، كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي، وكانوا قبل ذاك أعضاء في وحدة النضال التي حلت نفسها والتحقت بالحزب الشيوعي العراقي، وكانت لهؤلاء علاقات مختلفة مع كوادر وأعضاء الأحزاب الأخرى.

ويشير عادل المصري في هذا المجال إلى أن مناضلي العصبة، وكذلك مناضلي حزب التحرر الوطني وفي ظل المنافسة الحزبية حينذاك ودور الحزب الشيوعي العراقي في كسب قاعدة الأحزاب الأخرى إلى نشاطاته وشعاراته يمكن أن يكونوا قد ارتكبوا أخطاء سياسية في العلاقة مع الأحزاب الأخرى[23]،. وكانت كل هذه الأخطاء تجير على الحزب، وهو أمر لا يخلو من صواب، بسبب أن قادة هذه المنظمة وفراكسيون الحزب العامل فيها وكذلك حزب التحرر الوطني كانوا من الشيوعيين، كما كانوا على اتصال وثيق ويومي بالمكتب السياسي وبفهد مباشرة. وكانت تكتيكات العمل اليومي تقرر من جانب الفراكسيون. ويشير يعقوب المصري في هذا الصدد إلى أن العصبة لم يكن في مقدورها أن تستغني عن دور فهد، إذ كتب يقول: “وكان الرفيق فهد يوجه نشاطاتها وأحياناً يكتب في صحيفتها، ويعمل جاهداً على تنسيق نشاطها مع الحركة الوطنية وأحزابها ومع الحركة العمالية ومع الحركة المعادية للصهيونية عربياً وعالمياً. وللرفيق فهد خبرة في هذا المجال لا يمكن الاستغناء عنها”[24].    

  • لقد كان شعار الجبهة ضاغطاً كبيراً على الحزب، وبالتالي على الشيوعيين العراقيين أينما عملوا، وكان الحزب يسعى إلى فرضه على القوى السياسية الأخرى من خلال العمل في قواعد تلك الأحزاب وإقناعها بالقبول بالشعار وبالضغط على قياداتها للموافقة على تشكيل الجبهة وفق منظور الحزب لها، وهو ما اصطدم بمعارضة القوى السياسية التقدمية والديمقراطية الأخرى في مسألتين، وهما:
  • كانت تعتقد بان الحزب يسعى إلى فرض الجبهة التي يريدها على بقية الأحزاب بما فيها قيادته لها، خاصة وأن كراس الجبهة الذي أصدره حسين محمد الشبيبي يصب بهذا المجرى، وهو ما كانت ترفضه الأحزاب الأخرى؛

محاولة فرض قيام الجبهة من خلال تشديد ضغط قواعدها عليها، وهو ما كانت تراه مخالفاً لقواعد العمل بين الأحزاب السياسية التي تعمل في صفوف المعارضة.

ويمكن القول بأن القوى التقدمية والديمقراطية كانت على حق بالنسبة إلى هاتين المسألتين، إذ لا يجوز الدخول في اجتماعات أحزاب أخرى وفرض شعارات الحزب الأخر على اجتماعاتها مما يقود إلى توترات لا طائل منها وتسيء إلى العلاقات في ما بين قادة تلك الأحزاب. رغم أن من حق كل حزب التثقيف بسياساته وصحافته واجتماعاته الخاصة والعامة، فأن الأساليب التي اتبعها الحزب الشيوعي إزاء حلفاء الحزب الطبيعيين لم تكن صحيحةً. ولكن، كما يبدو لنا، بأن فهد، وهو المسؤول عن تلك التكتيكات مباشرة، لم يجد أمامه طريقاً أخر للضغط على الأحزاب الأخرى من أجل إقناعها بالموافقة على تشكيل الجبهة التي كان يشعر بضرورة قيامها لتخليص العراق من المحنة التي كان يعيش فيها حينذاك. إلا أن هذا التكتيك الخاطئ لم ينجح وساهم في تعميق الفجوة بين القوى السياسية العراقية التي تعرضت لذلك التدخل. 

 

[1]  سباهي، عزيز. عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق. الجزء الأول. منشورات الثقافة الجديدة. دمشق. 2002. ص 377-378

حبيب، كاظم د. الداوودي، زهدي د. فهد والحركة الوطنية بالعراق. دار الكنوز الأدبية. بيروت. 2003. ص 329.

[2]  الراوي، عبد اللطيف د. عصبة مكافحة الصهيونية في العراق 1945-1946، دمشق-دار وهران.  1986. ص 14.

[3]  المصدر السابق نفسه. راجع في هذا الكتاب الإجابات التي قدمها عادل (يعقوب) المصري عن أسئلة الدكتور عبد اللطيف الراوي حول العصبة. وكان عادل المصري قد انتخب سكرتيراً للعصبة. ص 227-236.

[4]  المصدر السابق نفسه. ص 15.

[5]  المصدر السابق نفسه. ص 24.

[6]  الكومنترن: الأممية الشيوعية، مصطلح مكون من كلمتين The Communist International (Comintern) أعلن عن تأسيس الكومنترن في المؤتمر الأول للأممية الشيوعية الذي عقد في موسكو بتاريخ 4/03/1919 بمبادرة من لينين والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي بعد أن كان قد نشب الخلاف بين أحزاب الأممية الثانية وتفاقم في عام 1916. أصبح الحزب الشيوعي العراق عضوا في الأممية الشيوعية، الأممية الثالثة، في المؤتمر السابع للأممية في عام 1935، أي بعد تأسيسه. جرى حل الكومنترن حين كان المؤتمر تحت قيادة جوزيف ستالين، وكان أمينه العام جيورجي ديمتروف في عام 1943.     

[7]  فهد. كتابات الرفيق فهد. من وثائق الحزب الشيوعي العراقي، دار الفارابي-بيروت، الطريق الجديد-بغداد، 1976. ص 320/321.

[8]  الصافي، عبد الرزاق، كفاحنا ضد الصهيونية، منشورات طريق الشعب 12، بغداد-مطبعة الرواد، 1977،

ص 29. 

[9]  المصدر السابق نفسه. ص 30/31.

[10]  فهد. كتابات فهد. مصدر سابق. الميثاق الوطني. ص 136/137. 

[11]  بطاطو، حنا د. العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية. الحزب الشيوعي العراقي. الكتاب الثاني. ترجمة عفيف الرزَّاز، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1990، ص 255.

[12]  المصدر السابق نفسه. ص 256.

[13]  خيري، زكي، صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم. ستوكهولم 1994، ص 137.

[14]  الراوي، عبد اللطيف د. عصبة مكافحة الصهيونية بالعراق، مصدر سابق، ص 232/233.

[15]  بطاطو، حنا د. العراق. الكتاب الثاني. مصر سابق. ص 257. 

[16]  المصدر السابق نفسه. ص 259/260.

[17]  خيري، زكي. صدى السنين .. . مصدر سابق. ص 137/138.

ومن الجدير بالملاحظة إن زكي خيري غالباً ما كان، وعلى مدى عقود كثيرة، يستخدم كتابات ماركس وإنجلز ولينين، وقبل ذاك ستالين للمحاجة باعتبارها القول الصدق التي لا يأتيها الباطل أبداً. وكثيراً ما دخل بصراعات حادة مع رفاقه في الحزب وفي القيادة بسبب هذا الأسلوب الذي مارسه في الحوار. لقد كان الرفيق زكي خيري غالباً ما يتناطح بالمقولات المجتزأة من سياقها التاريخي لكلاسيكيي الماركسية ليبرهن على قضايا حوارية آنية. ك. حبيب

[18] يشير الكاتب الشيوعي المخضرم عزيز سباهي في كتابه الموسوم “عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي” الجزء الأول، إلى الملاحظة التالية: “ليس واضحاً كيف جرى تبني الحزب الشيوعي العراقي لهذا التقرير وطبعه كتقرير باسم “ضوء على القضية الفلسطينية في آب 1948 (المقصود هنا التقرير الذي صدر في باريس والموقع من قبل “اللجنة العربية الديمقراطية في باريس” والذي بحث في الموقف من القضية الفلسطينية وخرج بتأييد تقسيم فلسطين، ك. حبيب)، ومن الذي دفع بوجه خاص إلى نشره في تلك الأيام بالذات..” (ويرى عزبز سباهي، بعد أن يبعد المسؤولية عن يهودا إبراهيم صديق وعن إبراهيم شاؤول ويوسف زلوف، بأن المسؤول عن ذلك هو شريف الشيخ، حيث كتب يقول ما يلي: “إلا أنني أميل إلى اعتبار شريف الشيخ هو المحرك وراء نشر هذا التقرير، وكانت لجنة الطلاب التي أصدرت التقرير في باريس تتصل بالحزب الشيوعي العراقي من خلاله”، علماً بأن شريف الشيخ كان رئيساً لتحرير جريدة الأساس، جريدة الحزب الشيوعي العلنية حينذاك. راجع: عزيز سباهي. عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. مصدر سابق. ص 398. 

 

[19]  ملاحظة: لا بد هنا من الإشارة إلى أن المناضل الشيوعي، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الذي أعدم في شباط من العام 1949 مع قادة الحزب أعضاء المكتب السياسي ويوسف سلمان يوسف وزكي بسيم وحسين محمد الشبيبي، كان قد اعترف في التحقيقات الجنائية وتحت التعذيب واشار إلى ان المسؤول الأول عن الحزب حينذاك هو مالك سيف الذي انهار تحت التعذيب أيضاً. ومن هنا يأتي عدم ذكر يهودا صديق وساسون دلال ضمن شهداء الحزب. وهو تقليد غير صحيح إذ أنه كان أحد قادة الحزب أولاً، ثم انه كان ضحية الجلاد ثانياً، ويمكن أن تذكر هذه الحقيقة عنه ايضاً ثالثاً. يشير عزيز سباهي في كتابه عن يهودا صديق ما يلي: “في الحادي عشر من تشرين الثاني (1948، ك. حبيب) انهار يهودا صديق فجأة واعترف أمام المحققين أنه ليس هو المسؤول الأول عن الحزب، وأن مالك سيف هو الذي يشغل موقع المسؤولية الأولى. يبدو أن يعودا صديق قد انهار تحت وطأة التهديد بالموت. وبعد انهياره صار شاهداً على كل من يعرفه بل ودبر أمر إخراجه من التوقيف لبعض الوقت وسمح له بالذهاب إلى داره بع أن اشيع أنه فر من (التحقيقات الجنائية) وتركت له الفرصة ليتجول ببغداد بغية التعرف على مزيد من كوادر الحزب والبيوت.” راجع: سباهي، عزيز. عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. الجزء الأول. دمشق. منشورات الثقافة الجديدة. الطبعة الأولى. 2002. ص 406.   

[20]  كان الهجوم على العصبة هو البداية الفعلية للهجوم اللاحق على الحركة الوطنية العراقية ومحاولة الجهاز على الأجواء الديمقراطية التي أنعشتها فترة نهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على الفاشية والنازية والعسكرية اليابانية. ثم طلب الادعاء العام العراقي تقديم كوادر العصبة إلى المحاكمة بتهم مختلفة بما فيها تهمة التعاون مع الصهيونية العالمية. ولكن المحاكم لم تستطع حقاً إيجاد أي علاقة بين أعضاء العصبة والحركة الصهيونية الدولية، بل كانوا جميعاً من المعادين للصهيونية والداعين إلى قيام دولة فلسطينية موحدة في فلسطين. وبالتالي انبثقت “عبقرية” الحاكم العراقي حينذاك وأكد أن عصبة مكافحة الصهيونية تعني عصبة الكفاح لصالح الصهيونية. وقد أدين هذا التفسير من جانب محامي الدفاع وكثرة من اللغويين العرب، بمن فيهم الأستاذ الدكتور مصطفى جواد، حيث قيل في حينها، هل تعني عصبة مكافحة السل وعصبة مكافحة الجراد وعصبة مكافحة الأمية، عصبة لنشر السل وحماية الجراد ونشر الأمية، كما أشار إلى ذلك عادل المصري في ذكرياته التي أشير إليها سابقاً؟ لقد كان تفسير الحاكم ليس تعسفياً فحسب، بل مغالطة كبرى كان يريد منها إصدار الأحكام على كوادر العصبة بأي ثمن، إذ كانت تعليمات السلطة تقضي بذلك.    

[21]  خلال فترة وجيزة من عمر عصبة مكافحة الصهيونية أصدرت 51 عدداً من جريدتها “العصبة”، وكانت مقالاتها تهتم لا بالقضية الفلسطينية فحسب، بل وبالقضايا الوطنية المختلفة، ومنها النضال ضد الاستعمار ومن أجل الحريات الديمقراطية وضد التخلف والأمية ومن أجل تحرير المرأة، إضافة إلى فضح الصهيونية وعلاقاتها بالإمبريالية العالمية. وكان للعصبة ناد ومقر في كرادة مريم، وكانت تقيم اسبوعياً ندوة خاصة عن القضية الفلسطينية وكان الحضور يصل إلى عدة آلاف أحياناً غير قليلة، كما اقامت مسرحاً وساحة لممارسة الرياضة، كما يشير إلى ذلك يعقوب المصري، الذي كان سكرتيراً للعصبة، في مقابلة له مع د. زهدي الداودي في براغ بتاريخ 2/7/1982.      

[22]  الراوي، عبد اللطيف د. عصبة مكافحة الصهيونية بالعراق. مصدر سابق. ص 199-201.

[23]  المصدر السابق نفسه. ص 234/235.

[24]  المصدر السابق نفسه. ص 229.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com