مقالات

موقفنا الغريب من هاري وميغان .

بيدر ميديا ..

صادق الطائي .

موقفنا الغريب من هاري وميغان .

أثارت مقابلة دوق ودوقة ساسكس، الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل التلفزيونية مع المذيعة الأمريكية الشهيرة أوبرا وينفري، موجة كبيرة من ردود الأفعال على مستوى العالم، وقد شبهها البعض بأنها أشبه بالزلزال الذي ضرب حياة العائلة المالكة في المملكة المتحدة، نتيجة المعلومات التي كشف عنها الزوجان الملكيان.
الآراء تباينت بين المتلقين في مختلف دول العالم، وتراوحت بين متعاطف مع ميغان ماركل وما تعرضت له من ضغوط في القصر الملكي، ومشكك في روايتها، واعتبر البعض الأمر مجرد مبالغات يقف وراءها نوع من الابتزاز لقصر باكنغهام، ومحاولة فرض وضع لا تقبل به العائلة المالكة البريطانية.
لكن المفارقة كانت في ردود أفعال المجتمعات العربية والشرق أوسطية، وبشكل خاص من نساء هذه المجتمعات، اللواتي تنمرن بشكل كبير على ميغان ماركل ووصفنها بأقبح الأوصاف، وسأحاول أن أقدم قراءة سريعة لهذا الموقف الغريب.
في البدء لابد من تقديم لقطة سريعة للحدث، لمن لم تتسن له متابعة الموضوع، والأمر ببساطة هو أحد مشاكل، أو فضائح العائلات الملكية في أوروبا، وهي عديدة وكثيرة الحصول، والتي يمكن أن تعتاش عليها الجرائد الصفراء المتخصصة بصحافة الفضائح، لكن هذه المرة كانت القنبلة مدوية بشكل أكبر.
المقابلة التلفزيونية بثتها قناة ((CBS الأمريكية يوم الأحد 7 آذار/مارس الجاري، وأعيد بثها في بريطانيا يوم الاثنين، حيث شاهدها قرابة 11 مليون شخص، وقد وصفتها وسائل إعلام بريطانية، بأن لها وقع الصاعقة على العائلة الملكية في بريطانيا. كما قالت بعض وسائل الإعلام البريطانية؛ بأنه كان لها وقع «مدمر» و»غير متوقع». ونصحت صحيفة «ديلي تلغراف» الأسرة الملكية بارتداء «سترة واقية من الرصاص» لحماية نفسها من هذه التصريحات. ومكمن الخطورة في هذه المقابلة هو اتهام العائلة المالكة بالسلوك العنصري تجاه ميغان وابنها ارشي بسبب توقع لون المولود، واحتمالية ان يكون أسمر اللون، لذلك أبلغت عائلة ساسكس الملكية بحجب اللقب والامتيازات الملكية عن الأمير الطفل قبل ولادته.

اصطف الضحايا ضد ضحية تمييز عنصري وتنمروا عليها، هذا الأمر لا يمكن أن يوصف إلا بأنه غريب حقا

أما النقطة الثانية الخطيرة التي تمحورت حولها الاتهامات التي طرحت في المقابلة فكانت في قول ميغان ماركل، إنها وجدت الحياة الملكية صعبة للغاية لدرجة أنها «لم تكن ترغب في البقاء على قيد الحياة» في بعض الأحيان، وإنها عندما لجأت للمؤسسة الملكية طلبا للمساعدة، لم تحصل عليها. ورفضت ميغان ماركل وزوجها الأمير هاري تحديد اسم عضو العائلة المالكة صاحب السلوك العنصري، إذ رفضت ميغان الكشف عن الاسم قائلة «أعتقد أن ذلك سيضر بهم كثيرا». رد قصر باكنغهام الملكي جاء بعد يومين من بث المقابلة التلفزيونية، على أثر اجتماعات شارك فيها كبار أفراد العائلة المالكة، وقال بيان القصر «تشعر الأسرة بأكملها بالحزن، لمعرفة المدى الكامل لصعوبة السنوات القليلة الماضية بالنسبة لهاري وميغان». وأضاف «القضايا التي أثيرت، لاسيما تلك المتعلقة بالعرق، مثيرة للقلق. وفي حين أن بعض الذاكرات قد تتباين، فإنه سيتم أخذها بجدية بالغة وستتناولها الأسرة بخصوصية».
ردود الأفعال العراقية، والعربية، والشرق أوسطية جاءت مفاجئة ومليئة بما يمكن أن نضع عليها العشرات من علامات التعجب وعلامات الاستفهام، إذ يمكن أن نصف رد الفعل الغالب على منصات التواصل الاجتماعي، تجاه المقابلة التلفزيونية الملكية بأنها كانت تحمل نوعا من التنمر تجاه ميغان ماركل. كما كان لافتا تناول قصة سلوك بعض أفراد العائلة المالكة بتعاطف صفحاتنا في منصات التواصل الاجتماعي مع العنصري، واتهام الضحية بأنها تستحق ما حصل لها، لأنها لم تصن النعمة التي حصلت عليها بالزواج من أمير، ولم تبحث ردود أفعال الكثير من المعلقات والمعلقين العرب والشرقيين بطريقة منطقية عن أسباب المشكلة، أو احتمالية صدق، أو كذب الاتهامات، بل تم القفز مباشرة إلى التنمر على شكل ولون بشرة ميغان ماركل. السخرية الجارحة كانت في الغالب تأتي في تعليقات نساء شرقيات، وتذكرنا بالحملة التي حصلت قبل سنوات عندما تم الإعلان عن خبر زواج الأمير هاري من الممثلة الأمريكية المطلقة السمراء ميغان ماركل، إذ انهالت حينذاك التعليقات العنصرية الساخرة من لون بشرة الداخلة الجديدة للعائلة المالكة البريطانية. وقد علّق أحد الاصدقاء في صفحته في الفيسبوك على حملة التنمر على ميغان ماركل بقوله «على الرغم من الانفتاح على العالم، وأكثرية التعليقات تأتي من أشخاص يعيشون في دول الغرب، وقد اختلطوا، وتعلموا، ولطالما تغنوا بقيم الغرب، إلا أنهم وفي لحظة فارقة أظهروا نوازعهم العنصرية، والسبب الرئيسي لكل هذا اللغو هو لون البشرة لا غير، والتركيز على سؤال عنصري واحد مفاده، كيف يمكن أن تخدع هذه السوداء الأمير الاشقر؟». إذن نحن إزاء مشكلة حقيقة يمكن توصيفها بأنها تعكس تصرفات الشرقي، الذي يعاني من العنصرية في الغرب، الذي يعيش فيه، وبمجرد أن تأتيه الفرصة يخلع عنه ثوب الحمل ليتحول إلى ذئب ينهش الضحية التي أمامه، كما أن بعض المشتغلين في حقل التحليل النفسي، عزوا الأمر إلى نوع من تجليات الشعور بالنقص، فإن المرأة الشرقية السمراء، التي تعيش في الغرب تمارس شعورا بالنقص الحاد عندما تهاجم ميغان التي تصفها بانها «زرقاء» أو «ام السحورة» التي أخذت الأمير الوسيم وأخرجته من عائلته، ودمرته ودمرت عائلته بسبب أنانيتها. كما انصبت تعليقات بعض الرجال الشرقيين في هجوم واضح على الأمير هاري، الذي وصفوه بأنه بات «خرقة» بيد هذه «السوداء» التي تبعها وترك تراث عائلته المالكة، وهي في نظرهم، ليست سوى ممثلة أمريكية فاشلة ومطلقة، ولا تستحق كل هذا العناء، بل توقع البعض أن هذه الزيجة مكتوب عليها الفشل لا محالة بسبب الاختلاف بين الأمير وزوجته، وتناسوا وقائع ملكية من التاريخ القريب لقصر باكنغهام، وهي تنازل عم الملكة الحالية اليزابيث الثانية عن عرش بريطانيا عام 1936، وتمسكه بزوجته الأمريكية المطلقة الليدي واليس سمبسون، ليتحولا من الملك إدوارد الثامن وزوجته إلى دوق ودوقة وندسور، وعاشا معا حتى آخر يوم في حياته عندما مات في حضنها في منفاه الباريسي عام 1972.
البعض برر عدم تعاطفه مع ميغان ماركل لكونها «ممثلة» حسب قولهم، لذلك فهي على الأغلب كاذبة ومدعية، وقد مثلت دور الضحية، وهاجموها بضراوة، كما أشار البعض إلى أن سبب هجوم العرب والشرقيين على ميغان، لأنها كسرت القواعد المحافظة، وخرجت عن طوع العائلة المالكة، لكن هذا السبب غير مقنع أيضا، خصوصا إذا قارنا موجة التعاطف العنيفة مع والدة هاري الأميرة ديانا سبنسر، إبان أزمتها مع العائلة المالكة ووفاتها بحادث السيارة الشهير، مع العلم أن للأميرة ديانا مغامراتها العاطفية، التي كسرت نمط العائلة المالكة المحافظة أيضا، لكن يبدو أن التعاطف معها كونها إنكليزية ثرية بيضاء، بينما ميغان أمريكية سمراء البشرة أو من عرق مختلط.
رد الفعل البريطاني الشعبي كان مفهوما، أو يمكن وصفه بأنه متسق مع السياقات المنطقية للحدث، إذ سلطت تقارير متعددة لقناة (BBC) الأولى الضوء على ردود أفعال البريطانيين من أماكن مختلفة وأعمار مختلفة، فرأينا آراء الجاليات الافريقية والكاريبية من سكان حي بريكستون، كانت متعاطفة مع ميغان، بينما كانت وجهة نظر البريطانيين البيض ممن تجاوزت أعمارهم الخامسة والثلاثين سلبية تجاه ميغان، إذ اعتبروها مجرد باحثة عن الشهرة وتسيء لرمز الأمة البريطانية «الأسرة الملكية» وقد تصدر هاشتاغ «حفظ الله الملكة» تعليقات البريطانيين المنتمين لحزب المحافظين، من ساسة ونواب في مجلس العموم. ردود الأفعال تلك كانت منطقية ومفهومة، أما مواقفنا، عندما اصطف الضحايا ضد ضحية تمييز عنصري وتنمروا عليها، فهي التي لا يمكن أن توصف إلا بأنها غريبة حقا.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com