مقالات

هل سينتفض الشعب من جديد ضد المتآمرين على حقوقه وحرياته؟

بيدر ميديا ..

كاظم حبيب

هل سينتفض الشعب من جديد ضد المتآمرين على حقوقه وحرياته؟

نحو إفشال مؤامرة إمرار تعديلات وقحة على قانون المحكمة الاتحادية

“إذا كانت الدكتاتورية حقيقة قائمة، تصبح الثورة واجباً”.

من رواية قطار الليل إلى لشبونة، أماديو پرادو

رغم كل الجهود والمساومات والتآمر والقتل والتغييب والفساد، رغم حرق الخيام وتشريد النشطاء والناشطات، رغم كل التدخل والدعم الإقليمي الفظ والدولي والمساومات، عجزت النخب السياسية الحاكمة الفاسدة حتى الآن على فرض الدولة الثيوقراطية “الإسلامية” و”الشيعية” كاملة عل شعب العراق. لم يأتِ هذا العجز دون الضحايا الكبيرة جداً والدماء الزكية التي قدمها شبيبة العراق وسالت لتروي أرض الرافدين الطيبة والمعطاءة، ورغم تعاظم أعداد الشهداء والجرحى والمعوقين وتزايد عدد المغتالين غدراً والمختطفين والمغيبين قسراً من النساء والرجال. هذا العجز جاء بفضل عدة عوامل جوهرية:

  • إن ما تسعى إليه القوى والأحزاب الإسلامية السياسية، الشيعية منها والسنية، يتناقض جملة وتفصيلاً مع طبيعة العصر وقوانين التطور الاجتماعي، ومع طبيعة الإنسان وحضارته المعاصرة وتنوعه القومي والديني والمذهبي والفلسفي والثقافي.
  • تنامي الوعي الإنسانوي والتنوير الفكر الاجتماعي لدى الإنسان العراقي رجلاً كان أم امرأة، وتزايد احتكاكه بثقافات العالم والمجتمعات المتقدمة وتأثير الحضارة الحديثة على الإنسان بعد تحرره من ربقة نظام البعث الدكتاتوري الفاشي، رغم كل المعوقات والعقبات التي وضعت وماتزال توضع في طريق منع المثقفات والمثقفين الديمقراطيين في التأثير المباشر والإيجابي على أبناء وبنات الشعب.
  • الفشل الكامل والفعلي للأحزاب والقوى الإسلامية السياسية والقومية الحاكمة عن تقديم النموذج الوطني الديمقراطي العادل في الحكم الذي يحقق للشعب إرادته ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحاجاته اليومية ويوفر العدالة الاجتماعية، بل مارست هذه النخب كل أشكال التمييز القومي والديني والمذهبي وضد المرأة، وتعمل على تكريس النيوليبرالية في السياسة الاقتصادية والمالية والإجهاز على حياة ومعيشة الفئات الكادحة والفقيرة والتلاعب بالعملة بما يحقق الربح المستمر للفئات المالية الطفيلية في بيع الدينار وفي شراء الدولار وعلى حساب الإنسان، إضافة إلى تكريس المحاصصة الطائفية والفساد الكامل في البلاد، وممارسة كل الموبقات التي تطرأ على بال الإنسان غير السَّوي، كما هو حال النخب الحاكمة.
  • رفض المزيد من بنات وأبناء الشعب العراقي التدخل الإقليمي والدولي المتفاقم في شؤون البلاد، والذي يتجلى ويتجسد بشكل خاص في الوجود الفعلي الإيراني، كشبه مستعمر جديد، في جميع مرافق الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والدينية والمذهبية، إضافة إلى التدخل العسكري التركي المتواصل، وتدخل بقية دول الجوار، ومن ثم استمرار الصراع الأمريكي-الإيراني المتفاقم على الأرض العراقية. ولم يكفٍ قادة إيران كل ذلك، بل أقاموا في العراق دولة عميقة مكونة من قيادات إيرانية-عراقية خسيسة وقاتلة عبر الميليشيات الطائفية المسلحة والحشد الشعبي والمكاتب الاقتصادية وفرق الموت والحسينيات الشيعية وقوى سنية مرتزقة ضمن النخب الحاكمة في البلاد، إذ كلها تسير على وفق رغبات إيران ومصالحها في العراق والمنطقة بهدف إقامة إمبراطورية فارسية جديدة في المنطقة، على حد أطماع علي خامنئي.
  • النهوض الثوري للشبيبة العراقية لثلاثة أسباب أدت مجتمعة إلى نشوء تحالف شبابي ذكوري ونسوي واسع سيتسع مستقبلاً تحت شعار أريد وطناً مستقلاً وأن أمارس حقوقي كاملة، وهي:
  • مجموعة من الشبيبة التي صُدمت من نهج وسياسات الأحزاب الإسلامية السياسية والقومية وخذلت بمواقفها منها، لاسيما الشيعية، التي اعتقدت بأنها ستنفذ أجندة وطنية وتستجيب لمصالح الشعب وتوفر العمل للعاطلين والخبز والخدمات للجائعين والفقراء والمعدمين ولم يتحقق ذلك، بل واصلت هذه النخب نهب المال العام بلا رحمة وسرقت حتى اللقمة من افواه جموع الجائعين أولاً، ثم تبعيتها المذلة لإيران بشكل خاص ثانياً. ومن هنا برز شعار “إيران برَّة برَّة… بغداد تبقى حُرة”.
  • مجموعة كبيرة من الخريجين والخريجات ممن لم يستطيعوا الحصول على فرصة عمل بل أصبحوا جزءاً من جيش العاطلين والعاطلات المتعاظم في البلاد، وهم بين مثقف أو مثقفة ومتعلم ومتعلمة، راغب وراغبة في الحصول على عمل والعيش بكرامة. وبدلاً من توفير العمل لهم، وجهت إلى صدورهم خراطيم المياه والهراوات ومن ثم الرصاص المطاطي والحي القاتل!
  • مجموعة كبيرة من القوى والأحزاب والعناصر المدنية الديمقراطية التي رفضت نهج وسياسات النظام بوقت مبكر وبدأت بمواجهة القوى والأحزاب الحاكمة وأجهزتها الأمنية وميليشياتها الطائفية بنضال سلمي وديمقراطي جوبه بالضرب والكذب والخديعة والسلاح، كما حصل في أعوام 2011 و2014 و2019.  
  • ومما زاد في الطين بلة وأثار جماهير متزايدة هو تفاقم نهج التمييز الديني والمذهبي والفكري والفساد التي قادت كلها إلى مزيد من البؤس والفاقة والقتل على الهوية والصراعات وإلى تهديد سيادة واستقلال الوطن وتواصلت باجتياح عصابات داعش المجرمة مدينة الموصل واحتلالها وقتل واستباحة وممارسة حرب إبادة ضد الإيزيديين والمسيحيين بشكل خاص، إضافة إلى عمليات التهجير والنزوح وسبي واغتصاب أخواتنا النساء الإيزيديات وبيعهن في “سوق النخاسة الإسلامي”.

نعم، هذه هي جملة من العوامل التي دفعت بالشبيبة إلى إعلان الانتفاضة التشرينية التي جوبهت بالحديد والنار من المستبد بأمر الخامنئي والبيت الشيعي، وهي التي منعت حقاً من إقامة دولة ثيوقراطية متكاملة في العراق كما في إيران أو السعودية أو ما يماثلهما. ولكن هذه القوى لم ولن تكف عن التآمر لإقامة مثل هذه الدولة في العراق، ولهذا فهي إذ عجزت عن تحقيق ذلك عبر الباب، تحاول الولوج من الشباك، كما يقول المثل العراقي، فهي تحاول اليوم عبر حكومة المخاتل مصطفى الكاظمي، وعبر قانون المحكمة الاتحادية إمرار تعديلات على قانون المحكمة الاتحادية يجيز وضع فقهاء دين إسلامي في عضوية المحكمة الاتحادية ولهم حق التصويت على اقرارات المحكمة، كما لهم حق الفيتو، أي الاعتراض على التشريعات المدنية ومنع صدورها!!! وهذا يعني ارتهان التشريع بالقوى الدينية الطائفية المستبدة، شيعية وسنية، في دولة تتكون من عدد من القوميات وكثرة من الديانات والمذاهب الدينية والفلسفات. أنها محاولة لجعل العراق ساحة فعلية للخلافات والصراعات المستمرة، ودولة غير مدنية وغير ديمقراطية. وهذا ما يجب رفضه ومقاومته بكل السبل المتاحة للشعب وقواه الوطنية والديمقراطية، فحين تصبح الدكتاتورية حقيقة قائمة في البلاد، تصبح الثورة واجباً وضرورة ملحة.

إن الغريب في الأمر لجوء هذه القوى الحاكمة الفاسدة إلى الاستفادة من الأجواء الإيجابية التي أوجدتها زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس التاريخية إلى العراق وتصريحاته المفعمة بالمحبة السلام والأخوة والتضامن وضد التمييز والفساد والفقر والهجرة ولقاءه الإيجابي بالسيد علي السيستاني وبيانيهما الإيجابيين لإمرار نوايا النخب الحاكمة السيئة ضد مصالح الشعب وحياته ومستقبله من خلال:

  • التسريع بإقرار التعديلات في قانون المحكمة الاتحادية وما له من عواقب على شعب العراق ومستقبله الديمقراطي الحر؛
  • الإيغال بعمليات القتل والاختطاف والتغييب ضد نشطاء وناشطات المظاهرات الجارية؛
  • دعوة رئيس الوزراء، الكاظمي، بنوايا سيئة وخبيثة متناغمة مع نوايا مجلس النواب الفاسد، إلى حوار وطني يضم قتلة المتظاهرين ومختطفيهم، وهم قادة الأحزاب الإسلامية وميليشياتها المسلحة من جهة، وقوى انتفاضة تشرين 2019 المجيدة، التي تواجه الإرهاب اليومي وعدم حماية الدول للمتظاهرين بل المشاركة في مطاردتهم من جهة ثانية.

ليعلم رئيس وزراء العراق بأن ثوار تشرين النشامى لن يضعوا أيديهم بأيدي قتلة ثوار تشرين الأول 2019 ولن يُنَّجسونها بعار القتلة، بل سيكون الجواب الشافي والوافي والمفعم بالروح الوطنية والوعي الديمقراطي على هذه الدعوة الضالة والجهود المحمومة لإقرار قانون يشكل وصمة عار في جبين من يوافق عليه وفي مواجهة تآمر مجلس النواب الفاسد والطائفي والحكومة الخبيثة، التي لم توف بوعودها للشعب بملاحقة القتلة والفاسدين ونزع السلاح المنفلت المكدس في أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة والعشائر وغيرهم، هو انطلاق الانتفاضة الشبابية والشعبية لتحقيق التغيير المنشود والمطلوب لبناء الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي الحديث. إنه الجواب الوحيد الذي تفهمه النخب السياسية الطائفية الحاكمة والفاسدة حتى النخاع والقتلة الذي يسرحون ويمرحون بالبلاد بعلم وسمع ومعرفة ومشاركة النخب الحاكمة. تباً لكم يا حكام العراق والخزي والعار لتآمركم على إرادة ومصالح الشعب والوطن!!!    

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com