مجتمع

مسؤولون يأكلون حق المواطن وطفل يمني جائع يعيد محفظة مليئة بالمال إلى صاحبتها!

بيدر ..

مسؤولون يأكلون حق المواطن وطفل يمني جائع يعيد محفظة مليئة بالمال إلى صاحبتها!

 

مريم مشتاوي

 

في ظل انتشار فيروس كورونا وأخواته من الفيروسات الأخرى والفيروسات السياسية المتمثلة بحكام لا يقلو خطورة عن الوباء، نبحث دائماً هنا وهناك عن أي خبر يرد لنا شيئاً من الأمل الغائب.
قصتنا هذا الأسبوع هزت مواقع التواصل الاجتماعي ونقلتها قناة «بي بي سي» عربي لما تحمل من بياض ونور وسط سواد يغطي كوكبنا البائس.
بطل هذه القصة طفل يمني لا يتعدى عمره 16 سنة. رمت الحياة بقسوتها فوق كتفيه وأجبرته أن يعمل بجهد بدلاً من أن يركض خلف كرة في ملعب يتسع باتساع أحلامه، أو أن يحفر خطاه في الحقول وهو يطارد العصافير ويتسلق الأشجار والتلال. طفل لا ذنب له سوى أنه ولد في بلاد فُرضت عليها حرب أهلية دمرتها وشردت أطفالها وجوعتهم وقتلت الكثير من الأبرياء.
اسم بطلنا حسام الغدسي، ويعمل سائق ميكروباص في تعز.
هو صغير لكنه يقود السيارة بمهارة كبيرة، كأمهر السائقين.
هكذا لم تترك الحياة له خيارات كثيرة. يبتسم للزبائن ويحييهم بمحبة، ويحرص على إرضائهم كي يصل بيته في المساء وفي يده ربطة خبز وبعض طعام يسد به جوعه وجوع والدته. يعمل بجهد ويكسب لقمته بعرق جبينه. لم ينتظر مساعدة من أحد.

ما قصته؟
بدأت القصة حين وجد محفظة نسائية وفي داخلها مبلغ مالي يعادل 400 دولار أمريكي أو أكثر بقليل. مبلغ يكفي لمعيشة أسرتين متوسطتين لمدة شهر كامل. لم يغره المال على الرغم من حاجته الماسة له. يبدو أن أمه ربته على الشهامة وعزة النفس وأحيت فيه ضميراً لا نجده عند الكثير من المسؤولين، الذين يأكلون حق المواطن وقد يأكلونه هو شخصياً إن سمحت لهم الظروف، من دون أن يرف لهم جفن.
حمل حسام المحفظة بكفه الأبيض وسلمها إلى أمه، طالباً منها أن تحتفظ بها في مكان آمن حتى يجد صاحبتها.
بحث كثيراً، ولكنه لم يصل إلى نتيجة، ورغم ذلك لم ييأس ولم يمس المبلغ المغري الموجود داخل المحفظة.
بعد مرور أيام كتب المصور حسام القليعة على صفحته الفيسبوكيّة منشوراً انتشر بسرعة البرق. يقول فيه:
«إحدى قريباتي فقدت محفظة وردية اللون بداخلها مبلغ ألف ريال سعودي ومبلغ يمني بحواره داخل باص في حي الثورة مغرب اليوم. أكتب هذا المنشور لعل وعسى أن يكون من وجد المحفظة ابن حلال ويعود الحق لأصحابه».
وصل ذلك المنشور إلى الطفل حسام فاتصل بصاحبه على الفور وأخبره بأن المحفظة معه وهي بكل محتواياتها كما تُركت داخل الباص، طالباً منه أن يردها إلى قريبته.
هذه ليست قصة فريدة من نوعها، نسمع عن أناس كثيرين وجدوا أشياء ثمينة وحرصوا على إعادتها إلى أصحابها. ولكنه طفل يعيش في ظروف حرب وقهر وفقر. طفل، رغم ظروفه الصعبة انتصرت مبادئه على حاجته. غلبت شهامته على لقمة جاهزة. لا تعب فيها. وصلته في أصعب الظروف.

خاتم من الألماس

أذكر جيداً أن قصة مشابهة حصلت معي شخصياً قبل زمن كورونا والإغلاق. في يوم من أيام الشتاء الباردة قررت أن أذهب إلى فندق «مونتايغ» الواقع وسط مدينة لندن، لأستمع إلى عزف البيانو ولغناء شاب مغمور. لا أحد يأبه لغنائه إلا بعض العشاق المقهورين أو بعض العجائز الذين ينظرون إليه ويتحسرون على شبابهم!
المهم قبل العشاء دخلت الحمام لأغسل يدي فلمحت على المغسلة خاتماً يبرق. التقطه بيدي وتفحصته جيداً فوجدته من الألماس والذهب الأبيض، وحسب تقديري يفوق سعره 10 آلاف جنيه إسترليني.
وقفت حائرة أفكر ماذا أفعل. لم أحسم أمري بشكل مباشر كما فعل الطفل اليمني.
بل بدأت أفكر هل أسلمه لمدير الفندق أم أذهب به إلى الشرطة أو أضعه في جيبي وأهرب مسرعة (ما حدا أحسن من حدا شو بس بلبنان بينهبوا). جلست في البهو وعيني على الممر الذي يفضي إلى الحمام. وأنا أفكر في صاحبة الخاتم. لا بد أن تكون حزينة جداً لأنها فقدت خاتم زفافها وهذا فأل سيىء. ثم بدأت أراقب النساء الخارجات والداخلات وأتفحص أيديهن ووجوههن. وفكرت أن أدور في الفندق وأسأل كل سيدة ألتقيها إن فقدت خاتماً. لكني ترددت خوفاً أن تدعي إحداهن ملكيته وتسرقه وترحل.
بعد تفكير طويل ذهبت إلى مكتب الاستقبال وطلبت المدير وسألته أن يحضر معه شاهدين. سلمته الخاتم وتمنيت منه أن يتصل ويطمئنني عندما يعود الخاتم إلى صاحبته. شعرت بالمسؤولية تجاهها. ليس بسبب قيمة الخاتم المادية. ولكن لأحساسي بألم فقدان ما نحب مهما كان هذا الشيء.
المهم أن الخاتم عاد إلى صاحبته، كما عادت المحفظة.
الفارق الوحيد أن الخاتم ما كان ليضيف لحياتي شيئاً مهماً، أما تلك المحفظة فكانت ستريح ذلك الطفل من شقاء أربعة أشهر من العمل على الأقل، ومع ذلك لم يتردد في إعادتها.

كاتبة لبنانيّة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com