مجتمع

تداعيات برنامج حكومة اليمين الجديدة في السويد على واقع ومستقبل المهاجرين في البلد

بيدر ميديا.."

تداعيات برنامج حكومة اليمين الجديدة في السويد على واقع ومستقبل المهاجرين في البلد

سامان فخري

 

تابع العالم عن كثب المجريات الدراماتيكية لنتائج الانتخابات الأخيرة في السويد التي جرت في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الماضي، وما أفرزتها من وصول اليمين المحافظ والمتطرف في تحالف واحد إلى سدة الحكم. ولم يكن غريبا ان ينتج عن هذه الحكومة اليمينية الجديدة برنامج ركز في مجمله على مسائل الهجرة والجريمة والاندماج، في ربط مباشر أو غير مباشر ما بين المهاجرين والجريمة، ما صعد الريبة والقلق على واقع ومستقبل المهاجرين الأجانب في بلد طالما كان ملاذا آمنا لهم، فأصبحت اللغة والإعالة شرطا للحصول على الجنسية السويدية، ليس هذا وحسب وإنما ستمنح الجنسية، في ثمانية أعوام بدلاً عن خمسة. والإقامات الدائمة لن تمنح كما كانت في السابق بل ستقتصر على الإقامات المؤقتة فقط.
ومن ضمن مقررات الحكومة الجديدة، إلغاء الإقامات وترحيل أصحابها في حال ارتكاب الجرائم، بل وحتى ممن يمتلكون الجنسية السويدية من أصول مهاجرة، والتركيز على مسألة الاندماج بشكل أكبر في المدارس وفرض القيم السويدية شرطاً له. إضافة إلى منح دائرة الشؤون الاجتماعية «السوسيال» صلاحيات أكبر للتدخل في شؤون العائلات، علماً ان السويد شهدت في الشهور الماضية عاصفة من الانتقادات على أداء السوسيال. ومن القرارات أيضا مراجعة مسألة تدريس اللغة الأم في المدارس، وعدم تأمين مترجمين لمساعدة غير المتحدثين باللغة السويدية في الدوائر الحكومية.
هذه بعض البنود التي اقترحها برنامج الحكومة الجديدة في بيانها الأول على لسان رئيس الوزراء الجديد اولف كريسترسون رئيس حزب المحافظين المتحالف مع أحزاب «ديمقراطيو السويد» المتطرف والمسيحي الديمقراطي والليبراليين.

اتفاق الأحزاب الأربعة

ويأتي البرنامج الحكومي نتيجة اتفاق الأحزاب الأربعة أو ما يسمى باتفاق «تيدو» الذي وصفه البعض بمثابة انتقام من المهاجرين في السويد، حيث يعقد الاتفاق حياة المهاجرين سواء ممن يمتلكون إقامة دائمة أو مؤقتة، والأمر أصعب بكثير لمن ليست لديه الإقامة أصلاً، حيث يتضمن الاتفاق العمل على تقليص فرص طالبي اللجوء إلى الحد الأدنى في الحصول على حق اللجوء والإقامة.
وفي معرض تحقيقنا هذا التقينا مسؤول العلاقات الدولية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مدينة بوروس (الحزب الحاكم سابقاً) نيكولاس ملاك فكان له هذا الرأي «أنني أنظر إلى مسألة وصول اليمين المتطرف إلى سدة الحكم في السويد ببالغ القلق لأن سياستهم مبنية في الأساس على أن الأجانب واللاجئين هم سبب مشاكل السويد. وهم ليست لديهم سياسة واضحة ومدروسة لإخراج السويد من الأزمات الحالية التي تعيشها، في ظل التكهنات التي توحي بأن تكون سنة 2023 صعبة بكل المقاييس على العائلات السويدية وبالأخص الأجنبية منها.
وأما فيما يخص البرنامج الحكومي الجديد الذي أعلنته حكومة اليمين الجديدة، فإنه متشدد من جهة من دون شك، ومن جهة أخرى فإنه غير مدروس من الناحية السياسية والاقتصادية وحتى البيئية، حيث تم التركيز بشكل كبير على كيفية التقليل من الضرائب، والتشديد على شروط الحصول على المنحة الأبوية مع احتمال تقليص فترة إجازة الأبوة والأمومة.
ولعل من أخطر بنود هذا البرنامج ان يتم ربط ملف الجريمة المتشعب في السويد بالمهاجرين، حيث يقترح إنشاء مناطق بوليسية وتعطى للشرطة صلاحية تفتيش كل من يعيش أو يمر في المناطق ذات الغالبية الأجنبية، أو العربية أو المسلمة، أو المصنفة منطقة مضطهدة أو كثيرة الجرائم.
والقانون سيمنح الشرطة سلطة التفتيش الجسدي على أي شخص يسير في الشارع من دون أي شك فيه بارتكاب جريمة.
فالمشكلة في هذه الحالة تقتصر على معايير الشرطة فقط، لذلك إذا تم اختيارك مثلا فسيقومون بتفتيش حقيبتك وجيوبك وسيارتك بحثاً عن مخدرات أو أسلحة، حتى لو لم يكن لديك سجل في الشرطة أو مشاكل، والسبب الوحيد هو أنك تعيش في هذه المناطق أو مجرد كونك تتجول فيها».
وأضاف نيكولاس ملاك، «تداعيات هذا البرنامج على واقع ومستقبل المهاجرين في السويد ستكون مجهولة بالأخص على المهاجرين العرب ومن خلفيات مسلمة. والتوجه سوف يكون متشددا حتى في تنفيذ الإجراءات، وسيتم التقليص في عدد اللاجئين من 5000 حصة للسويد سنوياً إلى 900 لاجئ فقط. وسيتم كذلك فرض عقوبات مشددة على تكرار ارتكاب الجرائم ومضاعفة العقوبات على جرائم معينة ويمكن أن تصل إلى حد سحب والحرمان من الإقامة الدائمة والجنسية والطرد من السويد في حالات الجرائم المتعلقة بالعنف المجتمعي أو الاضطهاد. ونحن نراقب الوضع عن كثب وعلى تواصل مستمر مع الجاليات الأجنبية وخاصة العربية».
وحول سؤال هل ستشهد السويد عمليات هجرة عكسية للمهاجرين في ظل المخاوف الحاصلة من البرنامج الحكومي وما يليه من تطورات؟ أجاب محاورنا بأن «الوقت ما زال مبكراً لكي نعرف أن ستكون هناك هجرة عكسية أو لا، مع أنني لا أستبعد ذلك مع تصاعد قلق العائلات المهاجرة من ضبابية المستقبل أو على الأقل فترة الحكم الحالية 2022 – 2026.
وبصراحةً انا غير مرتاح وقلق من التطورات التي قد تطرأ على المشهد السياسي في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يمر بها البلد والعالم حاليا، ومن محاولة التعافي من مخلفات وباء كورونا، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على مصادر الطاقة والأمن الغذائي».

الأحزاب الشعبوية

وحول الأسباب التي رجحت كفة اليمين على اليسار في الانتخابات الأخيرة في السويد فيرى الكاتب والمحلل السياسي قيس قدري في لقاء مع «القدس العربي» أن «التحول نحو اليمين هو حالة مرضية تجتاح أغلب الدول الأوروبية، والسويد ليست استثناء، ولعل الحرب الروسية على أوكرانيا وقبلها بعامين جائحة كورونا والارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الاستهلاكية، إضافة إلى تزايد الجريمة المنظمة، كل هذه العوامل وغيرها أثرت بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي وشكلت في مجملها ملفات استفادت منها الأحزاب الشعبوية التي عملت أجهزتها الإعلامية على إخافة الشارع السويدي من المستقبل وتأجيج الإسلاموفوبيا، ولعل نتائج الانتخابات العامة في أيلول/سبتمبر الماضي التي جعلت حزب «ديمقراطيو السويد» اليميني المتطرف يصعد إلى المرتبة الثانية في التصنيف الحزبي بعد الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رغم دخوله المعترك السياسي قبل اثني عشر عاماً فقط متجاوزاً في ذلك بقية الأحزاب السويدية العريقة، تشهد على ذلك».
وأضاف «فيما يخص البرنامج الحكومي الجديد فإنه يشير بما لا يقبل الشك إلى بصمة حزب «ديمقراطيو السويد» عليه، رغم عدم تسلمه مناصب وزارية فيها، وأغلب ما تضمنه البرنامج الحكومي يتمحور حول ما جاء في الحملة الانتخابية لحزب «ديمقراطيو السويد» وهذا دليل آخر على إنه الحاكم الفعلي من وراء حجاب، والاقتصاد هو الشعار الأبرز في كل المجتمعات الصناعية تليه قضايا الصحة والبيئة، أما حملة العداء للهجرة والمهاجرين فإنها كانت دوماً حاضرة في الحملات الانتخابية، لكنها أخذت بعداً جديداً بعد وصول الكتلة البرجوازية إلى سدة الحكم والتي تبنت شروطاً شبه تعجيزية للحصول على الإقامة، بل وإصدار قرارات بترحيل كل من تم رفض طلب لجوئهم إضافة إلى تحميل المسؤولية لأسر من يرتكبون تلك الجرائم على الأرض السويدية وتشديد العقوبات بحقهم، وهي جملة ما وعد به حزب «ديمقراطيو السويد».
وبشأن ما يخص احتمالية ان تشهد السويد عمليات هجرة معاكسة نتيجة لهذه التغيرات، يقول محدثنا بأن «الخوف هو طبيعة بشرية والمهاجرون هم الطبقة الأكثر هشاشة داخل المجتمع السويدي ولا شك أن عدداً منهم سيؤثر العودة إلى بلدانهم الأصلية أو البحث عن بلد لجوء آخر على العيش انتظاراً».
ويرى قدري «أن السويد تختلف اليوم عن ما كانت عليه في العقود السابقة وكذا حال بقية القارة العجوز والتي تسير نحو الأسوأ، والتنبؤ بالمستقبل أمر صعب، لكن كل المؤشرات تؤكد أن زمن الرخاء والرفاهية الذي كان قبلاً لن يعود إلى سابق عهده، خصوصاً بعد مرور عامين على جائحة كورونا وكذلك الآثار السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، والتي كشفت عورة الدول الأوروبية ومن ضمنها السويد».

مخاوف الترحيل

وفي ظل هذه التداعيات يعيش العشرات، بل المئات ان لم نقل الآلاف من العوائل والأفراد من اللاجئين الذين وصلوا السويد في أزمنة متفاوتة، البعض منهم حاصل على الإقامة المؤقتة وهناك من تم رفض طلبه في الحصول على الإقامة وبينهما أناس ينتظرون رد دائرة الهجرة عليهم، غير ان هاجس الرفض وتغيرات قوانين الإقامة ومخاوف الترحيل تعتري الجميع من دون استثناء.
ويقول «ع.س» وهو فلسطيني في الستين من عمره هاجر إلى السويد، في هذا الصدد «في ظل المعاناة المركبة والمتشعبة التي كنا نعيشها في قطاع غزة اضطررنا إلى الهجرة إلى السويد، زوجتي وصلت أولاً وبعد حصولها على الإقامة تمكنا نحن أيضا في الانتقال إلى السويد حسب قانون لم شمل العائلة. حصلنا على إقامة سياسية مؤقتة لثلاث سنوات ومنذ قدومي في عام 2018 أواظب على الذهاب إلى المدرسة لغرض تعلم اللغة السويدية والاندماج في المجتمع، ولم ارتكب أي مخالفات قانونية. ولكن أصبح كل من يحمل الإقامات المؤقتة لديه مخاوف حقيقية من إنهاء إقامته ومواجهة الترحيل إلى بلده الأم، أما بالنسبة لي فالمخاوف أكبر لأني لا أملك أي مكان للعيش فيه، علماً بأني رب لأسرة فيها أربع بنات وولد، وهذه المخاوف تعترينا نتيجة للتصريحات التي نسمعها من السياسيين والأخبار التي ترد خلال النشرات، وبطبيعة الحال فإن ذلك يؤثر سلباً علينا وعلى قدراتنا في التعلم والمضي قدماً في عملية الاندماج، حتى أصبحنا نعيش في حالة من التوتر والترقب لما سيحدث لنا. صحيح إلى الآن لا توجد أية تغيرات فيما يخص أوضاعنا ولكن الجميع متوجس من تلك التصريحات التي تقول بأن هناك قرارات تتعلق بطرد اللاجئين ستكون في المستقبل على برامج الحكومة والبرلمان، وهذا ما نسمعه بشكل يومي عبر النشرات ومن السياسيين، ولاشك أن يؤثر ذلك على وضعنا النفسي جميعاً».
ويكمل «ع.س» بالقول «بالطبع أنا وكل اللاجئين ممن يحملون الإقامات المؤقتة نحب ونحترم الشعب السويدي الذي استقبلنا بكل حفاوة ونقدر الخدمات الصحية والاجتماعية التي تقدم لنا كلاجئين، ولكن سيبقى مستقبل اللاجئ ومن يحمل الإقامة المؤقتة في خطر الطرد في ظل حكومة لا تريد قبولنا، ونحن كلاجئين نستطيع ان نتعايش ونندمج ونشارك في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية إذا تم استيعابنا من حكومة تتفهم وضعنا، والدوافع التي كانت وراء ترك بلداننا وعوائلنا وأحبابنا، وقد خاض المهاجرون من أجل الوصول إلى السويد والبلدان الأوروبية طرق الموت وعبروا البحار وفقد الكثيرون في تلك الطرق حياتهم وأولادهم، وأننا لم نأت إلى السويد إلا لنكون جزءًا من واقع هذا البلد».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com