مقالات

بايدن في العراق: علينا الحذر!

بيدر ميديا .

بايدن في العراق: علينا الحذر!

 

هيفاء زنكنه .

 

باستثناء مواجهة أحد الجنود الأمريكيين الذين خدموا في العراق، للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، واتهامه بأنه، بمساندته غزو واحتلال العراق برئاسة جورج بوش، كان قد سبب قتل الابرياء من الأمريكيين والعراقيين، صارخا أن « دماء الابرياء تلطخ يديك» لم يثر احتلال العراق وما سببه من خراب وقتل ما يزيد على المليون مواطن، أي اهتمام اثناء الحملة الانتخابية الرئاسية. ولم يوضع العراق المحتل على أجندة النقاش من قبل أي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على الرغم من الحملة الانتخابية المكثفة على مدى شهور.
جاء تغييب العراق وبقية الحروب والنزاعات التي تنخرط فيها أمريكا، تأكيدا، لسياسة الحزبين المتماثلة في تجنب التطرق الى السياسة الخارجية عموما. ومن الأفضل ابقاء السياسة الخارجية، كما هي «خارجية» تُعنى بناس «آخرين» ضبابيين، يعيشون بعيدا في أماكن نائية تصلح للاستغلال عن مبعدة. لا قيمة انتخابية لهم ولا رأي بما سيحل بهم وبلدانهم جراء سياسة الإدارة الأمريكية التي ينتخبها الشعب الأمريكي.
هذه نقطة تستحق التذكير، لا من باب وضع الشعب الأمريكي كله في سلة واحدة مؤيدة للسياسة الامبريالية، ولكن لئلا نسقط في فخ الفصل بين سياسة الادارة الأمريكية والشعب الذي انتخبها. فالمحاججات التي يلجأ اليها البعض للتمييز بين ممارسات الحكومات القمعية المستبدة والشعب بسبب غياب الديمقراطية أو ان الديمقراطية حديثة الولادة أو ان الشعب بحاجة الى تعلم ثقافة الديمقراطية، لا تنطبق على الشعب الأمريكي الذي يرى نفسه حاضنة للحرية والديمقراطية، وناشرا لها بكل الأساليب الممكنة بضمنها، غالبا، الغزو والاحتلال، ويتم غرزها في نفوس المواطنين منذ طفولتهم وفي مناهج تعليمهم.
عموم الشعب الأمريكي يؤمن، اذن، بأن حكومته تمثله، مهما كان الحزب المنتخب أو شخصية رئيسه. فالرئيس ترامب الذي يتهمه معارضوه بأنه يمثل نفسه استطاع ان يحقق للحزب الجمهوري نجاحات مذهلة على مستوى جذب شرائح مجتمعية، كالعمال، كانت محسوبة للحزب الديمقراطي. مما يعني أن سياسة الحكومة الخارجية، وهذا ما يعنينا بالدرجة الاولى، هي وليدة رضا الشعب المتمتع ككل، وان بدرجات، بالرفاه الاقتصادي الذي يشكل الأرضية الاكثر خصبا لصناعة الرضا الشعبي. يليها، في الاهمية، الهيمنة الإعلامية والدعائية، المواظبة على ابعاد المواطن عن العالم الخارجي وحصره، عقليا، في قوقعة تُغذى بشعارات بسيطة سهلة الهضم.
من هذا المنطلق، في معركة تم، مسبقا، مسح انعكاساتها على العالم الخارجي، أختزل برنامج الانتخابات الاخيرة بشعار « اما ان تكون مع ترامب أو ضده». وهو شعار يماثل شعار الرئيس بوش في اعقاب الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر « أما ان تكون معنا أو ضدنا» باستثناء أن بوش أطلق شعاره، المدجج بالتفوق العسكري، بوجه العالم كله. العالم الذي يعيش مصائب الحروب والنزاعات المستمرة التي شنتها وتشنها أمريكا. فمن فلسطين والعراق الى اليمن وسوريا وافغانستان وأمريكا اللاتينية، تعيش شعوب هذه البلدان، في ظل ارهاب امبراطورية عسكرية، تشكل 5 بالمئة فقط من سكان العالم، لديها حوالي ألف قاعدة عسكرية متناثرة كالبثور على وجه العالم، وتعتمد في تنمية اقتصادها على مجمع التصنيع العسكري والحربي، وصفقات السلاح، واشعال الحروب والاحتلال وفرض « الأتاوة» على حكومات محلية مستبدة لحمايتها من شعوبها.

هل سيعيد الرئيس بايدن تفعيل خطة السناتور الديمقراطي جوزيف بايدن لتقسيم العراق، أم انه سيترك للحكام بالنيابة تنفيذ ذلك مع بعض التدخل «الناعم» من جهته؟

أكدت التغطية الإعلامية للانتخابات، على مدى 24 ساعة يوميا، أن الامبراطورية العسكرية، بوجهها السياسي، لا يمكن أن تحقق النجاح بدون آلة التسويق الدعائية الاعلامية. «الهدف من الإعلام الدعائي الحديث ليس فقط التضليل أو الدفع بجدول أعمال محدد. إنه استنفاد التفكير النقدي، لإبادة الحقيقة» يقول لاعب الشطرنج الروسي العبقري غاري كاسباروف الذي يعرف اكثر من غيره معنى انتقائية « الديمقراطية» حين تجرأ على تحدي بوتين في الانتخابات الرئاسية عام 2007، فتم استبعاده في ظروف غامضة، واضطر الى مغادرة بلده بعد تعرضه الى عدد من «الحوادث».
واذا كان بوتين متهما باللاديمقراطية واستبعاد خصومه واغتيالهم اذا تطلب الأمر، فان الادارات الأمريكية المختلفة، لا تجد حرجا في ممارسات مماثلة باسم الديمقراطية. من بينها تغيير الحكومات التي لا تتماشى مع سياستها، أينما كانت، اما بانقلابات عسكرية مدبرة أو الاحتلال المباشر أو التدخل في تغيير نتائج الانتخابات حتى في الدول التي قاموا « بتحريرها» وأمطروها بوعود الديمقراطية. وافضل مثال على ذلك هو العراق الذي تم غزوه واحتلاله لتغيير نظامه أولا، ومن ثم، وبعد أن أعلنوا عن اقامة « عراق ديمقراطي جديد» واجراء انتخابات فيه، تدخلوا بشكل مباشر، في تغيير نتيجة انتخابات عام 2010. المفارقة المضحكة ان يتم التدخل في تغيير النتائج حين كان جو بايدن، الذي يعاني حاليا من اتهامات ترامب له بتزوير الانتخابات، نائبا للرئيس باراك اوباما ومشرفا على ملف العراق.
يومها تم الاعلان عن فوز قائمة « العراقية» برئاسة إياد علاوي بفارق ضئيل مقابل ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي. الا أن المالكي، المعروف بطائفيته وفساده وانتهاكات حقوق الإنسان، قال « ما ننطيها» أي لن نعطي السلطة، رافضا النتيجة. مما أدى إلى مواجهة استمرت ستة أشهر احتفظ خلالها المالكي، بدعم من إيران، بالسلطة لكنه لم يتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية. حينئذ تدخل جو بايدن لصالح ابقاء المالكي، راميا نتائج الانتخابات في سلة المهملات، لأن مصلحة أمريكا اقتضت عدم استفزاز إيران أثناء اجراء مفاوضات توقيع اتفاقية السلاح النووي.
الجانب الثاني المهم لاستشراف سياسة بايدن الخارجية تجاه العراق، هو ارتباط اسمه بمشروعه، الداعي عام 2006 الى تقسيم العراق الى ثلاث مناطق على أسس عرقية وطائفية، وهي منطقة كردية في الشمال، وللشيعة في الجنوب والسنة في الغرب. وُصف المشروع بأنه خطة للتقسيم الناعم وانها تشجع على التطهير العرقي، وستؤدي الى تغذية الانقسامات الطائفية في جميع دول المنطقة. على الرغم من ذلك، عمل بايدن على الدفع باتجاه تحقيق مشروعه، بتأييد من اللوبي الصهيوني، لعدة سنوات الا أنه، دفعه جانبا، بسبب عدم تلقيه التأييد الذي كان يأمله من العراقيين خاصة. مما يثير تساؤلا مهما حول سياسته تجاه العراق خاصة مع تغييب العراق عن الأجندة الانتخابية اولا ومع ملاحظة عودة عدد من الصحف الى الكتابة عن «خطة بايدن» والتساؤل عما اذا كانت الحل لـ « الصراع» في العراق وكيفية التعامل مع إيران. فهل سيعيد الرئيس بايدن تفعيل خطة السناتور الديمقراطي جوزيف بايدن لتقسيم العراق، أم انه سيترك للحكام بالنيابة تنفيذ ذلك مع بعض التدخل «الناعم» من جهته؟

كاتبة من العراق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com