مقالات

مكامن الفشل في السياسة العراقية    .

هيئة التحرير .

مكامن الفشل في السياسة العراقية                                                                                            زهير كاظم عبود                                                                                                                    يفترض بأي حكومة أن تضع الخطط السياسية والاقتصادية التي تدفع بالبلاد نحو الرقي والنمو وتوفر كامل الخدمات المطلوبة التي تحتاجها طبقات الشعب ، وتقوم بتطبيق تلك الخطط على ارض الواقع ، وقد فصل الدستور العراقي الواجبات المناطة بالحكومة ، ولذلك فأن السياسة التي تنهجها تكون مسؤولة عنها بشكل مباشر ، ومنذ التغيير في العام 2003 وحتى العام الحالي 2020 ، تسلمت المسؤولية حكومات عراقية متعددة مارست عملها وتحملت مسؤولياتها في تنفيذ برامجها وخطط ميزانيتها وفق ما أعلنته من خطط ، وقد اعتمدت كل تلك الحكومات على الإيرادات النفطية التي يحصل عليها العراق نتيجة بيع النفط وارتفاع الأسعار عالميا ، وهذه الإيرادات وفرت لتلك الحكومات الفرص في إنتاج بناء ونمو وخدمات ضرورية لكل طبقات الشعب ، وقد دخلت ميزانية العراق مبالغ مالية كبيرة وفق ما ورد في مشاريع الموازنات العامة والحسابات التي أصدرتها تلك الحكومات ، كان من المفترض أن يتم الارتقاء بالبلاد في جميع مناحي الحياة ، إلا أن الواقع أثبت تفريطها بأغلب تلك الميزانيات دون أن يتم تحقيق أبسط الخدمات الضرورية والأساسية لما يحتاجه البلد من مدارس ومستشفيات وطرق ومساكن ومواصلات وكهرباء وبقية الخدمات الأخرى ، والواقع المحزن اثبت أيضا لجوء بعض تلك الحكومات للتجاوز حتى على المدخرات المالية التي يحفظها البنك المركزي . نتيجة السياسات الفاشلة غير العلمية التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة لم يزل العراق يتراجع اقتصاديا ، ولعل مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تناسلت على الارض العراقية ، وسيطرة قسم منها على مدن عراقية ، يشكل عامل يعيق تطبيق تلك الخطط بشكل تام ، كما ساهم انخفاض سعر النفط الذي تعتمد عليه خطط الموازنات بشكل منفرد دون الالتفات إلى خطط بديلة أو رديفة ، ما جعل تلك القسم الأكبر من تلك الخطط والموازنات موجودا على الورق دون تطبيق عملي ، ومع انكشاف كل هذا الفشل الذي أنتج الفساد ، ومع إصرار الحكومة على معالجة الفشل بمخططات وبرامج وأساليب غالبا ما تكون فاشلة أيضا ، جعل الفشل يتراكم والبلد يتراجع إلى الخلف نحو مواقع متدنية في شتى المجالات . في كل بلدان الأرض حين ينكشف فشل المسؤول فانه يقدم استقالته من عمله ومركزه الوظيفي أو تتم الإطاحة به عن طريق إحالته للمحاكمة القضائية باعتباره من تسبب بالأضرار الجسيمة للاقتصاد الوطني أو للسيادة الوطنية ، غير إننا في العراق لم نلمس مثل هذين الطريقين في محاسبة المسؤول إنما نجد إصرارا على التمسك بالمنصب واستمرارا في ممارسة الأساليب الفاشلة بالرغم من الاعتراف العلني بالفشل والفساد ، ومن يريد أن يستعرض الفشل الذي لازم السياسة العراقية في الأداء والاقتصاد وعملية البناء عليه أن يبدأ في تصفح تلك الحقبة المريرة التي عاشها اهل العراق ، ومن يريد أن يقرأ حقيقة التدهور الاقتصادي في العراق عليه أن يتابع ضياع وسرقة مليارات الدولارات من ثروة العراق واختفاء مليارات أخرى دون حساب أو كتاب أو متابعة ، بزعم الفساد الذي ينادي جميع السياسيين دون استثناء لمحاربته . تضع الحكومة خطط الموازنة العامة سنويا اعتمادا على ما تصدره من النفط وفقا للأسعار التي تصل إلى مستويات عالية أحيانا نتيجة النمو العالمي وتزايد الطلب ، غير أن أحدا لم ينتبه إلى أن هذا الطلب لابد أن يتوقف أو يعود إلى حالته السابقة ، كما أن الاقتصاد العالمي لابد وان ينكمش فينعكس سلبا على الطلب ، حينها سيزيد الإنتاج مع قلة الطلب فتقل الأسعار إلى مستويات غير طبيعية ، كان لابد للحريص الذكي أن يضع ذلك بعين الاعتبار ، فلا يفرط بما ادخره العراق نتيجة تزايد الطلب وارتفاع الأسعار ، ولا يتم الاعتماد كليا على أسعار بيع النفط في تلك الموازنات المالية ، وان يفكر في خطط كفيلة بضمانات تؤمن رواتب الموظفين والمتقاعدين ، كما تؤمن احتياجات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وأن تساند الإيرادات المالية لتكون ذخرا للأجيال القادمة . وبدلا من مخططات لتنمية الواقع الزراعي والصناعي الذي تردى نتيجة السياسات الاقتصادية غير الناجحة ، وبنتيجة التهميش الذي حصل بعد التغيير لقطاعي الصناعة والزراعة ، ( الدستور العراقي نص في المادة ( 25 ) على كفالة الدولة لإصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة ) ، وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره ، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته ، وهو ما لم يحصل مطلقا . ومنذ انكشاف الفشل الذريع في السياسة الاقتصادية لم تتقدم الحكومة ولم يصدر مجلس النواب قرارا اوقانونا يساهم في تخفيض النفقات والرواتب العالية ومنافذ الصرف ، وبقيت أعداد من الموظفين الفضائيين والحمايات الوهمية تستلم مبالغ شهرية من الخزينة تعادل ما تستلمه جموع المتقاعدين ، وبدلا من اتخاذ إجراءات تقلل الأنفاق وتحد من التصرف بالمدخرات يتم اللجوء إلى البنك الدولي والى المصارف المحلية للاستدانة منها ، كما انسحبت العقول الاقتصادية التي كان من الممكن أن يعول عليها في مساندة التخطيط العلمي لإصلاح الاقتصاد العراقي وفق الأسس العلمية بديلا عن تلك المخططات المعتمدة المستندة على وجود فيض متراكم من الثروة الذي ضيعها المسؤول مع سبق الإصرار . ونتيجة تعدد الحكومات التي أنتجت سياسات فاشلة بشكل متراكم ، الأمر الذي يدعو للتأمل والتمني من أن تكون هناك خطة لإنقاذ العراق من واقعه الاقتصادي ومن تكرر السياسة الفاشلة ، وهذه الخطة تتضمن شروطا استثنائية وتوجهات عملية لإعادة العراق إلى الطريق الصحيح ، وان تتم مراجعة الميزانية العامة التي اقرها مجلس النواب ، وان تتم إعادة إقرار فصولها وبنودها بما ينسجم مع الواقع العراقي وحاجة العراقيين للخدمات الأساسية والضرورية بما يلبي حاجة الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، وان تلزم الحكومة بتسريح جميع الحمايات والأعداد الفائضة من المرافقين والأسماء الوهمية في القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي ودوائر الدولة العراقية ، وأن يتم إلغاء تنسيب حمايات شخصية لشخصيات وأحزاب من الدولة ، وان تلغى جميع الايفادات والمؤتمرات والتخصيصات غير الملحة وغير الضرورية ، وأن يتم تأجيل مشاريع أخرى ، وان يتم إلغاء مخصصات مالية زائدة وغير معقولة لذوي الرواتب العالية والدرجات الخاصة . وأن نعود لتطبيق النص الدستوري بمعالجات سريعة وفق خطة طواريء لإنقاذ ما تبقى من البلاد لإيقاف التدهور والانحدار الذي وصله العراق وهو يمر بأصعب مرحلة تاريخية فاصلة ، بين هذا التدهور الاقتصادي الخطير وتهديد سيادته ووجوده ، وترميم ماتم تدميره في مدن عراقية من قبل قوى الإرهاب و الميلشيات المسلحة في هذه المدن ، مع تردي واضح في جميع قطاع الخدمات ، لذا فأن إقرار الموازنة العامة بالشكل الذي اعتمدت فيه على أن سعر النفط يكون وفق رقم محدد غير واقعي أيضا ، لأن انخفاض السعر الى دون الرقم المحدد بعد فترة يتناقض مع خطط الموازنة وتفصيلاتها ، وأن مجرد الاعتماد على عائدات إنتاج النفط اثبت خطورته وفشله في تمتين قواعد الاقتصاد العلمي للبلد ، وان على الدولة تفعيل واقع القطاع الخاص في الصناعة والمشاريع الصغيرة ، وتفعيل الزراعة العراقية مقابل العمل على تقليل الاستيراد غير المنظم والسائب للمنتجات الزراعية والحيوانية الرديئة التي غزت العراق ودعم المنتج العراقي . وضمن هذه المرحلة لابد وان تستدعي الدولة وبشكل سريع جميع العقول الاقتصادية والخبرات العلمية للاستفادة منها في وضع الخطط والمناهج التي تسهم في إنقاذ البلاد ، والسعي لإصلاح الاقتصاد وفق أسس اقتصادية حديثة تضمن التركيز على تشجيع الصناعة الوطنية والقطاع الخاص بشكل محدد ، وان تضمن أيضا الأستثمار الوطني بما يعيد الثقة للمستثمر العراقي قبل الأجنبي للمساهمة في البناء مع توفر الأمن ومستلزمات الثقة التي يحتاجها ، بما يحقق النتائج الايجابية لكل الأطراف ويحقق أيضا تنمية القطاعات الوطنية في الاقتصاد .
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com