منوعات

في رحيل عادل حبة.

بيدر ميديا.."

في رحيل عادل حبة.

عبد الرزاق دحنون .

في هذه المادة الشيّقة يغوص الكاتب العراقي علي الصراف عميقاً في الشأن العراقي وفي شأن الحزب الشيوعي العراقي خاصة في حديثه عن الراحل عادل حبه. هنا انقل فقرات طويلة مما كتبه علي الصراف في “بروفايل” عادل حبة:

ما لم تدركه “النظرية العلمية” حتى الآن هو أن التعايش مع الاستبداد خير من تغييره عن طريق خاطئ. هذه ليست مصيبة من مصائب المعرفة. إنها مصيبة معترك سياسي استهلك حياة مئات الآلاف من البشر، دون طائل. وعادل حبة، عضو اللجنة المركزية للحرب الشيوعي العراقي واحد منهم.

سجلّ حياته الشخصية يجسد نمطا مثاليا من أنماط الشقاء الذي جعل هذا الحزب يترنح، على مدار قرن من الزمان تقريبا، إلا عشرا ونيفا، بين تطلعاته النضالية النبيلة ومآسيه النبيلة، ليصنع واحدة من “أروع” التراجيديات السياسية في تاريخ العراق المعاصر. ولو أنها كانت تراجيديا على مسرح الفن أو الأدب لكانت قد استحثت من البكاء والأسى والمرارات كل ما تستحق، ليتعلم الناس منها درسا في الحب والتضحية، إلا أنها كانت عملا من أعمال الواقع، فكانت درسا من دروس البؤس والفشل.

حبة نموذج خالص لمدرستين لا يمكن النظر إليه من دونهما معا؛ واحدة تفرض عليك الاحترام، والثانية تفرض عليك مشاعر الشفقة. الأولى مدرسة للولاء والإخلاص المطلق لـ”النظرية العلمية” (الماركسية اللينينية). والثانية، لما تعنيه من أكلاف إنسانية وحشية نجمت عن القراءة غير الصائبة، ليس للواقع وحده، وإنما أهم من ذلك بكثير- لما بعد تغييره.

ما من عضو عتيق من أعضاء حزب الشقاء العراقي إلا ويجد في نفسه شيئا من حبة. تضحياته ومغامراته هي تضحياتهم ومغامراتهم التي لطالما جعلتهم على مسار ثابت، قريبا جدا من حافة التهلكة. ولكنه هو المسار الذي لطالما منحهم شعورا فريدا بالرفعة والترقي الإنساني على العذاب.

متواضع، طيب، محب، كتواضعهم وطيبتهم ومحبتهم للناس. ذلك ما ظل يجعلهم يلهمون المشاعر ويكسبون التضامن والمؤازرة. إلا أنهم على عناد وانغلاق عقلي شاملين، لأن “النظرية العلمية” صحيحة دائما، وهي وحدها التي تدل على الطريق نحو السعادة الشاملة.

“وطن حر، وشعب سعيد” كان هو الهدف النبيل. أمّا كيف، فتلك هي المعضلة، ومصدر البؤس والشقاء العظيم. تتحدث “النظرية العلمية” عن النقد والنقد الذاتي، إلا أنها لا تمارسه في السياسة والتنظيم الحزبي. ذلك أن “خط الحزب” هو الذي يُملي على الجميع الامتثال له، وإلا خسروا “تاريخهم النضالي”!

وهذه خصلة واحدة من أهم ما يمكن أن تتعرف به على خصال عادل حبة في إخلاصه لحزبه. يمكن أن تنظر إلى التضحيات الجسيمة التي قدمها على الطريق، منذ أول شبابه، التي وضعته على حافة تهلكة لا تنتهي، ولكنها وُظفت في إطار الولاء الذي لا يقبل النقاش، ولا حتى تقليب النظر في الخيارات والبدائل.

لكي تكون شيوعيا مخلصا يجب أن تختار ما يختاره لك الحزب، وأن تمضي به الى النهاية، راضيا مطمئنا مستسلما لما تكتبه لك الأقدار، وسعيدا بها مجتمعة. فـ”تاريخك النضالي” هو هذا، أكثر من أي شيء آخر.

ولد حبة في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 سبتمبر عام 1938، أو بعد نحو أربع سنوات من نشأة الحزب الشيوعي العراقي، ما جعل نشأته الشخصية هي ذاتها البيئة التي بدأت فيها “النظرية العلمية” بنسختها العراقية تحرك مجموعات صغيرة من النخبة، المثقفة على قدر معارف أهل ذلك الزمان، ليخوضوا النضال من أجل “تحرير الطبقة العاملة” التي كانت لم تنشأ بعد، من استغلال “الطبقة البرجوازية” التي لم تنشأ بعد هي الأخرى.

العراق لم يكن إلا بلد “صناعة” يدوية هزيلة، ومنشآت “صناعية” بدائية. ولكن ذلك لم يمنع من أن تكون “دكتاتورية البروليتاريا” هي الهدف الأسمى، فحال العراق من حال بريطانيا!

أما البرجوازية فلم تكن ولا بأي معنى مالكا لوسائل الإنتاج، على الإطلاق، لا في عهد تلك النشأة ولا حتى الآن، لأن الدولة ظلت هي “البرجوازي” الأكبر. ولكن، فحيثما أن “النظرية العلمية” تتحدث عنها، فلا بد أنها كانت موجودة ولو تحت ستائر شيوخ الاقتطاع وأسر الملاكين والتجار البغدادية.

بدأ حبة تعليمه الابتدائي والمتوسط في بغداد بين مدرسة الجعفرية في محلة “الصدرية” ومتوسطة الرصافة في محلة السنك، والثانوية في “الإعدادية المركزية”، ثم “الثانوية الشرقية” في الكرادة، حيث أصبح عضوا “اتحاد الطلبة العراقي العام” وهو التنظيم الذي أنشأه الحزب الشيوعي في أواسط الأربعينات على غرار العديد من المنظمات المهنية والنقابية الأخرى.

حصل على عضوية الحزب في العام 1955، وتعرض للاعتقال للمرة الأولى في سجن السراي في العام 1956 وهو بعمر 18 عاما، بسبب مشاركته في إضراب عام نظمه الحزب للتضامن مع قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية الذين تعرضوا للاعتقال في تونس.

درس حبة علوم الجيولوجيا في كلية الآداب والعلوم في الأعظمية آنذاك. وقاد تنظيم اتحاد الطلبة في كليته، قبل أن يصبح في وقت لاحق مسؤولا عن التنظيم الطلابي في الحزب، وهو موقع قيادي كبير، بالنظر إلى أنه كان يشمل كل ثانويات بغداد وجامعاتها، والتي كانت مركز التعليم في العراق، قبل أن تنشأ جامعات في محافظات أخرى.

حبة تجسيد خالص لمدرستين لا يمكن النظر إليه من دونهما معا؛ واحدة تفرض عليك الاحترام، والثانية تفرض عليك مشاعر الشفقة

تفوّق في دراسته الجامعية التي أنهاها في العام 1959، بعد انتصار “ثورة 14 تموز” التي قادها الزعيم عبدالكريم قاسم، بدعم من الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان قد تمكن من تأسيس أول جبهة سياسية دعيت “جبهة الاتحاد الوطني” وتغلغلت في صفوف الجيش لإنشاء خلية من “الضباط الأحرار”.

عمل حبة لوقت قصير في دائرة التنقيب الجيولوجي التابعة لوزارة الاقتصاد. وحصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا في الاتحاد السوفياتي على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960.

هناك، كتبت له الأقدار طريقا آخر. فبدلا من دراسة علوم الجيولوجيا، فقد كان عليه أن يذهب ليدرس بدلا منها علوم “النظرية العلمية”. مكان الدراسة ظل هو نفسه، ولكن الموضوع مختلف.

يقول حبة في مقال بعنوان “ثلاث ورقات عراقية” نشر في مجلة “الجديد” في مارس 2017 “بعد إكمال جميع إجراءات السفر، زارنا في البيت الشهيد عادل سلام سكرتير الحزب الشيوعي العراقي والمرحوم عامر عبدالله عضو المكتب السياسي آنذاك، واللذان كانا يعلمان بالطبع بنيتي في إكمال الدراسة، وطلبا مني التريث في السفر من أجل إكمال الترتيبات للسفر إلى الاتحاد السوفياتي أيضا ولكن للدراسة في أكاديمية العلوم الاجتماعية السوفياتية، أي المدرسة الحزبية، وذلك لدراسة العلوم السياسية والاقتصاد والفلسفة. وما كان لي أن أرفض قرار الحزب، حيث كنت آنذاك مسؤول التنظيم الطلابي لمدينة بغداد. فوجئ الأهل برفضي للبعثة الدراسية، وهم الذين كانوا يحلمون بأن يحصل ابنهم على شهادة الدكتوراه. ولكن ما كان بإمكانهم أن يثنوني عن توجهي للدراسة الحزبية. وسرعان ما بادرت الى إرجاع المبلغ الذي قررته وزارة التربية والتعليم للسفر، وإلغاء عقد البعثة تمهيدا للسفر إلى الاتحاد السوفياتي، ولكن لهدف آخر”.

عاد حبة ليخوض نضالات الشوارع وتنظيم إضرابات العمال، وبعضا مما ظل يصنع بيئة الفوضى السياسية في البلاد. إلا أنه سافر في خريف العام 1960 بالفعل إلى موسكو عن طريق بيروت ثم براغ. ليتعرف هناك على الكثير ممن أصبحوا قادة للأحزاب الشيوعية في المنطقة والعالم. وبينهم عدد من قادة الحزب الشيوعي العراقي أيضا.

يقول حبة في المقال ذاته “في تلك الفترة التي استمرت قرابة العامين ونصف، زاملت نخبة طيبة ورائعة ممن سبقوني في الدراسة أو قدموا بعدي، بينهم الشهيد سلام عادل الذي أبعد عمليا من بغداد بقرار من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بحجة الدراسة في موسكو إثر الخلافات التي سادت في البلاد بعد عام من الثورة، وبعد الاجتماع الصاخب في صيف العام 1959 والذي انعقد في بيتنا”.

في تلك المدرسة زامل حبة، من بين العراقيين، محمد صالح العبلي وجمال الحيدري، عضوا المكتب السياسي، وبهاء الدين نوري وعزيز الحاج وشريف الشيخ وثابت العاني وعامر عبدالله ومهدي عبدالكريم ونزيهة الدليمي، أول وزيرة في العراق، وسلام الناصري وغيرهم. وأما من العرب والأجانب، فقد كان بينهم خالد بكداش وزوجته وصال فرحة، ويوسف الفيصل رئيس الحزب الشيوعي السوري وشقيقته أسماء التي أصبحت زوجة رياض الترك، وألفارو كونيال زعيم الحزب الشيوعي الإسباني لاحقا، وأمير خسروي أحد قادة حزب تودة.

بسبب وجوده في موسكو، نجا حبة من عواقب انقلاب فبراير العام 1963، والذي أورث قادة الحزب الشيوعي العراقي مجزرة قتل تحت التعذيب واعدامات طالت عادل سلام وغيره من أعضاء اللجنة المركزية، بينما لاذ الباقون بالفرار، إما إلى كردستان العراق، وإما إلى الخارج. وكان من نصيب حبة أن يتلقى التوجيه، بعد أن أنهى دراسته، بالذهاب إلى إيران لجمع فلول الشيوعيين العراقيين الذين فروا إلى هناك.

ولكن لم يطل به المقام، حتى تعرض للاعتقال بعد تحقيقات مع جهاز السافاك في عهد الشاه، وحكم بالسجن لسبع سنوات، وبعد انتهاء محكوميته تم تسليمه إلى العراق في العام 1971، عن طريق منفذ المنذرية في خانقين، ليواجه السجن من جديد، في خانقين ثم بعقوبة قبل أن ينتهي المقام به مديرية الأمن العامة في بغداد.

يفسر حبة السبب في إطلاق سراحه السريع في تلك الأيام بالقول “إن الحزب لم يتدخل في إطلاق سراحي. ولذا أخذت العائلة تبحث عن طريق آخر لإنقاذي من مخالب الأجهزة الأمنية. القضية بما فيها أن شقيقتي الكبرى شعاع، زوجة المرحوم عبدالرزاق الأزري، كانت على علاقة عائلية بعائلة آل قدو الموصلية المعروفة. ووقعت عين عضو القيادة القطرية المغدور محمد محجوب على أحد بناتها وطلب يدها، ولكن رفض الطلب. وراح محمد محجوب يبحث عن أصدقاء للعائلة ووجد في شعاع خير شخص مناسب للتوسط، وزارها في بيتها، وتوسطت وتكلّل الطلب بالنجاح. وشكر محجوب شقيقتي ووعدها بتقديم أيّ مساعدة، لاحقا تعرض محجوب وأفراد في عائلة قدو للإبادة في مجزرة قاعة الخلد عام 1979 على يد صدام حسين. وهكذا وجدت شعاع الفرصة للاتصال بعضو القيادة القطرية لإخراج شقيقها عادل من المأزق. وهذا هو سر إطلاق سراحي بسهولة كما جرى“.

بعد خروجه من المعتقل عمل حبة كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية. وسعى مع قياديين آخرين الى إعادة بناء منظمة الحزب في بغداد. ولكن بعد نحو سنتين من وظيفته استقال بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة “قضايا السلم والاشتراكية”، الناطقة باسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في براغ. وكانت المجلة بمثابة رابط “فكري” بين الأحزاب الشيوعية المرتبطة بموسكو.

إطلاق سراح حبة من سجون إيران يعود إلى وساطة قام بها الرئيس السوري حافظ الأسد والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع قيادة ما عرف بـ”الثورة” الإيرانية آنذاك. عاد إلى بغداد، ليصبح أحد اثنين من ممثلي الحزب في “الجبهة القومية التقدمية” التي كان يقودها حزب البعث الحاكم، إلى جانب رحيم عجينة.

ثم عاد إلى المعتقل مرتين، الأولى، بسبب مسودة تقرير للجنة المركزية لم ترض عنه قيادة “الجبهة القومية التقدمية”، التي كان قد حان أوان تصفيتها من جانب حزب البعث، بحملة جديدة، وشاملة، ضد قيادات وكوادر وقواعد الحزب الشيوعي. والثانية، بسب ارتباطات بحزب تودة خلال الانتفاضة التي اندلعت ضد نظام الشاه.

غادر العراق إلى دمشق ثم إلى عدن ليقود منظمة الحزب هناك. وفي أجواء محمومة، أدت إلى استقالات العديد من كوادر الحزب الذين حاولوا مراجعة تجربة التحالف مع حزب البعث، لعب حبة دورا رئيسيا في توجيه سهام النقد والتجريح والتخوين ضد من آثروا انتقاد سياسات الحزب.

رجع حبة إلى كردستان العراق بعد الانتفاضة التي أعقبت حرب الخليج الأولى في العام 1991، وغادرها إلى بريطانيا بعد إصابته بمرض عضال، ليتفرغ إلى الكتابة والترجمة قبل أن يرحل في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

معتركات السجون صنعت من حبة رجل تضحيات كالكثير من قادة الحزب الشيوعي وكوادره. وشملت تجربة إضافية للسجن في إيران، بعد ثورة 1979، دامت عاما ونصف العام، حيث انتدبه الحزب لقيادة “محطة” في طهران لجمع الأنصار الشيوعيين ”البشمركة“ استعدادا لمقاتلة “النظام الدكتاتوري” في بغداد انطلاقا من كردستان. ولكن تم إطلاق سراحه بوساطة قام بها الرئيس السوري حافظ الأسد والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع قيادة “الثورة” الإيرانية.

ويقول جاسم الحلفي في تأبينه لحبة إنه “غادر الموقع القيادي في مؤتمر الحزب الخامس عام1993، لإيمانه بالتجديد، وبقى ملتصقا بالحزب رافدا قيادته بتحليلاته العميقة، وحال المرض دون حضوره في مؤتمرات الحزب، التاسع والعاشر والحادي عشر، كمندوب، مع أنه أوصل ملاحظاته التدقيقية لسياسة الحزب وتوجهاته”.

“الالتصاق بالحزب” صفة نضالية ومفهوم رمزي مهم بالنسبة إلى الحزب الشيوعي العراقي. وهو يعني أن تفعل ما يُقال لك، وأن تفكر كما يريد الحزب أن تفكر. فالحزب لا يقبل النقد، لا من داخله، ولا من خارجه. يمارسه أحيانا على أساس من الزيف، فيحوّل “النقد الذاتي” إلى نوع من الاحتيال الذاتي. وإذا ظهر من يفعل شيئا آخر، فالواجب أن تتصدى له. وهو واجب أداه حبة، على خير ما يرام بالنسبة إلى “الملتصقين” بالحزب.

عندما كتب عبدالحسين شعبان كتابا بعنوان ”عامر عبدالله.. النار ومرارة الأمل: فصل ساخن من فصول الحركة الشيوعية“، نظر إليه دواعش الحزب على أنه تعمد التجاوز على مكانة قيادي وشهيد آخر هو عادل سلام، فانبرى حبة ليرد عليه ويهاجمه، كما يتعين على كل “ملتصق” أن يفعل، وذلك في مقال نشر في مارس 2014 بعنوان ”شبح الحزب الشيوعي يثير الرعب لدى عبدالحسين شعبان“. بينما “الشبح” لم يكن إلا ظلا باهتا لأشباح المشروع الطائفي. واستعاد حبة المقال نفسه، مع بعض التعديلات ليرد على كتاب آخر بعنوان ”صعود الحزب الشيوعي العراقي وانحداره“ لطارق يوسف إسماعيل بالأسلوب نفسه الذي يعمد إلى تجريح كل ذي رأي آخر لا يتلاءم مع “خط الحزب” وتخوينه.

أما “الوطنية” فقد كانت وما تزال معادلا لنقيض واحد هو الاستعمار، وتاليا الإمبريالية تحت قناعة تفضي إلى معنى واحد “لا وطنيا إلا نحن”. وهو الأمر الذي جعل الوطنية عوراء دائما، ليس بالنسبة إلى الحزب الشيوعي العراقي وحده، وإنما لكل أحزاب الأيديولوجيات الأخرى ”البعث، والقومية الناصرية“. ما جعل التصارع الدموي فيما بين الأحزاب تحصيل حاصل. حتى أصبح كل ما هو مختلف “عميلا للاستعمار”.

وعندما جاءت “الإمبريالية” لتغزو العراق في العام 2003، كان الحزب الشيوعي العراقي أحد أبرز “الملتصقين” بها وبنظامها الجديد. وذلك على أساس “التكتيك”، الذي لم يكسب الحزب منه إلا الخسارة والخذلان، في بلد انحدر إلى طائفية، أجبرته على أن يحذو حذوها، لغويا على الأقل، طلبا للنجاة.

شيئان لا مفر من الإقرار بهما على أيّ حال؛ الأول هو أن “النظرية العلمية” لم تثبت جدارتها كعلم، بينما صمدت علوم الجيولوجيا، التي تخلى عنها حبة، لاختبارات الزمن. والثاني، هو أن قراءة الواقع، وفقا للقوالب والأوصاف والمفاهيم الجاهزة، والتي حالت دون ممارسة التفكير الحر، حالت أيضا دون معرفة الطريق الصحيح للتغيير، وما بعده. فبقيت التضحيات بطولات فردية يمارسها “المناضلون” لأجل رفعة الآمال النبيلة. وظل الاستبداد هو المنتصر باستمرار.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com