مقالات

لم يكن العراق خارج اهتمامها….. قتلة الموساد وعمليات التصفية لوحدة كيدون

د.رحيم الخزاعي .

لم يكن العراق خارج اهتمامها….. قتلة الموساد وعمليات التصفية لوحدة كيدون

المتابع في السنوات الاخيرة لمسلسل الاغتيالات والتصفيات الجسدية في بقاع العالم المختلفة، والتي حُكيت عنها قصص مختلفة ارتبطت وعلى مدى تلك السنوات بإسرائيل، وعلى وجه الخصوص بجهاز أمن الموساد، الذي يشرف على العمليات الخاصة، حيث اختلفت طرق التصفيات ما بين طرق الاغتيال المعروفة بالقتل المباشر أو بإعطاء السم للضحية وغير ذلك من الطرق التي تحقق في النهاية الهدف المراد الوصول اليه. ومن المعروف، إن جهاز الموساد الإسرائيلي يعمل تحت مظلة سرية جداً في تنفيذ عملياته إلا إنه في مرات عديدة يُكشف أمره نتيجة لفشل التنفيذ في المهمات التي ينفذها عناصره. وهذا ما حدث في العديد من العمليات التي نفذها على مدى اكثر من 50 سنة. وتؤكد تقارير غربية أن من يقف وراء تلك العمليات وحدة مدربة تدعى بالعبرية (كيدون) أي (الحربة). حيث تعمل هذه الوحدة ضمن تشكيلات شعبة العمليات الخاصة في جهاز الموساد، ووفقاً لما نُشر في صحيفة ( الساندي تلغراف) في ديسمبر 2010 بان هذه الوحدة تضم 40 عنصراً وفيهم ما لا يقل عن خمس نساء وهم في العشرينيات من العمر، واشارت الصحيفة إلى أن قاعدة تلك الوحدة تقع في صحراء النقب.

من جهة اخرى، يتناول كتاب (حروب الظل) لمؤلفيه (يوسي ملمان ودان رافيف) معلومات مفصلة عن تلك الوحدة، حيث يشير إلى أنها تتخذ من مقر الموساد مقراً لها وأن عناصرها يتم اختيارهم من وحدات مختلفة منها الوحدة البحرية 113 وكذلك الوحدة الخاصة التابعة لرئاسة الأركان الإسرائيلية. ويضيف مؤلفو الكتاب ان الوحدة تعمل بطواقم صغيرة تتكون على الاغلب من عنصرين إلى أربعة عناصر يشكلون خلية ومن أجل الحفاظ على سرية العملاء فإن أفراد تلك الوحدة يعملون داخل الموساد بأسماء وهمية ولحين الوصول إلى تنفيذ العملية تجدهم يستخدمون أكثر من أربعة أسماء أو أكثر. ويؤكد الكتاب على انه على الرغم من أن كل عملية تصفية في العالم تنسب الى الموساد فان العدد غير معروف بشكل دقيق ولكنه ربما يصل الى 50 حادثة.

ويسرد كاتب التقرير أنه على الرغم من السرية التي تحيط بوحدة كيدون (الحربة) في عملياتها الا انها تعرضت الى الكثير من الفشل في تنفيذ تلك العمليات، وأن أكثر تلك العمليات هي عملية اغتيال خالد مشعل القيادي في حركة حماس والتي جرت أحداثها في العاصمة الاردنية عمان.

حيث يسرد كاتب التقرير احداث هذه العملية، التي جرت بتاريخ 25 سبتمبر 1997 عندما حاول اثنان من عناصر تلك الوحدة الاقتراب من خالد مشعل وهم يحملون ادوات تعمل على رش السم القاتل عليه بطريقة سريعة، وقد كان خالد مشعل قد كشفهم من قبل إلا أنهم  استطاعوا في النهاية من رش السم، الذي تكون المادة السامة التي يحتويها كفيلة بقتله بعد عدة ساعات، وبهذه الطريقة تبتعد الأنظار عن إسرائيل حيث سيقول العالم في حينها ان موته جاء نتيجة لمرض معين. إن هذه الطريقة من الاغتيال تدربت عليها هذه المجموعة في شوارع تل ابيب مرات عدة من أجل تنفيذها بدقة. إلا أنها فشلت اثناء التنفيذ.

ويستمر الكاتب بسرد القصة كاملة مؤكدا على شعور خالد مشعل بوجود شيء ما غير طبيعي، وكذلك شعور سائقه الشخصي بذلك مما ساعد على عدم تنفيذ المهمة بشكل دقيق، وعلى أثر ذلك، ألقى القبض على اثنين من أفراد المجموعة وهرب أربعة آخرون إلى سفارة إسرائيل في عمّان، ونجح الاخرين في الهروب من الأردن، وبذلك انكشفت العملية وتم تشخيص شخصيات افراد المجموعة المنفذة.

أما الحادثة الأخرى التي انكشف فيها عمل وحدة كيدون فهي العملية المثيرة التي تم تغطيتها من قبل الإعلام الدولي، عملية اغتيال محمود المبحوح، التي جرت أحداثها على أرض مدينة دبي الإمارتية. ويضيف مؤلفو الكتاب أنه على الرغم من نجاح العملية واغتيال المبحوح إلا أن كاميرات المراقبة المنتشرة في مكان الحادث والأماكن الأخرى، والتي استطاعت أن تفشل العملية وأن تفضح أمر عناصرها أمام العالم كله، الذي شاهد كمن يشاهد فيلم سينمائي يصور بقتل إسرائيل المبحوح.

وعلى الرغم من عدم اعتقال اي عنصر من المنفذين لتلك العملية، إلا أنها أحرقت شخصيات اكثر من 33 عنصراً من عملاء الموساد بعدم استطاعتهم العمل بعمليات كهذه في قادم الأيام. وفي سياق آخر، يستمر الكاتب باستعراض العديد من عمليات التصفيات التي نفذها عناصر تلك الوحدة خارج اسرائيل، حيث يؤكد على أن إسرائيل تابعت في أثناء سنوات الثمانينيات قيام الدول الأوربية بتقديم المساعدات التقنية للعراق وتوصلت معلوماتها الى قيام المهندس الالماني (هارمن شميت) بالتعاون مع العراق في البرامج العسكرية وفورا تم اعلامه بعدم مساعدة العراقيين والتوقف عن ذلك فورا إلا أن ذلك الشاب لم يستلم الرسالة ومن جراء ذلك تم تفجير سيارته واحراق مكتبه وحينها استلم الرسالة وتوقف عن التعاون مع العراق .

ويشير كاتب التقرير إلى أنه من بين الذين لم يفهموا الرسالة هو العالم (جيرالد بول)، ذلك العالم الذي نجح في صناعة المدفع العملاق، حيث تشير التقارير الدولية إلى ان عناصر (كيدون) هم من وضعوا نهاية (بول) عن طريق تصفيته بواسطة مسدسات كاتمة للصوت امام شقته في بروكسل، حيث توقف البرنامج بعد اغتياله.

من جهة اخرى، يوضح لنا كاتب التقرير ان عناصر تلك الوحدة اعتادوا على التعاون مع الوحدات الأخرى المشابهة التابعة للجيش الإسرائيلي، حيث استطاع ذلك التعاون في عام 1988 بالاشتراك مع عناصر الوحدة البحرية 113 والوحدة الخاصة لرئاسة الاركان الاسرائيلية من تنفيذ عملية اغتيال القيادي الفلسطيني في تونس (خليل الوزير) مساعد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ويشير التقرير إلى أن عناصر وحدة (كيدون) هم من جمعوا المعلومات الخاصة بالهدف، وكذلك هم من استأجروا السيارات التي نقلت أفراد الكومندوز من وإلى السواحل التونسية قبل وبعد تنفيذ العملية، حيث رصدت السيارات على الساحل التونسي بعد تنفيذ المهمة ولم تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن العملية في حينها، إلا انه في عام 2003 قال (ارئيل شارون) بطريقة خاطئة أو غير ذلك، ان عناصراً من القوات الخاصة الإسرائيلية وضعوا نهاية لحياة كبير الإرهابيين على حد تعبيره.

وكذلك يشير الكاتب الى عمليات أخرى من عمليات التصفية التي نفذتها وحدة (كيدون)، ومنها عملية تصفية فتحي الشقاقي القيادي الفلسطيني في عام 1995، حيث تمت تصفيته في مالطا بعدة إطلاقات نارية من قبل شخصين يستقلان دراجة نارية.

ويشير الكاتب إلى أهم العمليات التي نفذتها وحدة (كيدون)، التي تمكنت من اغتيال القيادي في حزب الله (عماد مغنية) عن طريق تفجير سيارته (الجيب) وسط العاصمة السورية دمشق. علاوة على عمليات اغتيال العلماء الإيرانيين الذين تمت تصفيتهم في شققهم أو في شوارع طهران دون إلقاء القبض على اي منهم بعد تنفيذ تلك العمليات.

ويضيف مؤلفا كتاب (حروب الظل) (ملمان و رافيف) إلى أنه لعناصر (كيدون) الدور المهم في عملية قصف المفاعل السوري، حيث قام عناصر (كيدون) بأخذ عينات من أرضية المفاعل لغرض تحليلها في المختبرات الإسرائيلية.

من جهة اخرى، اعلنت وكالة الانباء الايرانية وحسب ما جاء في تقرير الكاتب بانها تمكنت من امساك بـ  14 سنجاباً على حدودها مجهزين بمنظومة تجسس لأجهزة مخابرات أجنبية، ولكنهم، لحسن الحظ، اعتقلوا قبل تمركزهم وبدء عملهم على الارض، من جهة أخرى، ويشير كاتب التقرير الى حادثة ارسال سمك القرش في المياه المصرية حيث انكشفت العملية بعد مهاجمة سمك القرش لسائحة تبلغ من العمر 70 عاما،  ويعد الهدف من ذلك هو ضرب السياحة المصرية وشل جزء حساس من الاقتصاد المصري، وفي ذات السياق، يواصل كاتب التقرير سرد التفاصيل المتعلقة بالمهمات التجسسية الإسرائيلية في المحيط العربي، حيث يشير الى أحد التقارير السعودية الذي يتحدث عن إمساك أحد النسور والذي كان يقوم بمهمة تجسسية لصالح اسرائيل حيث كان النسر يحمل جهاز GPS مربوطاً على رجله وكذلك يحمل علامة باللغة الانكليزية تحمل اسم جامعة تل ابيب.

وفي الختام، نرى انه كلما تقدم الزمن وتطورت التكنولوجيا في كل المجالات تطور معها العمل الاستخباري والتجسسي للدول المتقدمة في هذا المجال، من اجل الوصول الى أهدافها وكذلك من أجل إيصال الرسائل إلى الرأي العام الدولي بأن قدرة تلك الدول بفرض سيطرتها على المحيط الذي تعمل فيه، آخذين بنظر الاعتبار تهويل قدراتها لزرع الرعب لدى من يختلف معها في الرؤية والهدف .

 

د. رحيم راضي الخزاعي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com