مقالات

شهادات تاريخية ليهود العراق .

الدكتور رحيم راضي الخزاعي

شهادات تاريخية ليهود العراق تكشف الجذور السرية للحركة الصهونية في العراق وكيف ساهم الكثير من يهود العراق في انشاء وتطوير المؤسسات الامنية والاستخبارية الاسرائيلية

بين فترة واخرى يعود يهود العراق الى الواجهة السياسية والاعلامية في الوسط الاسرائيلي  لاسباب عديدة الهدف منها جعل الاجيال الجديدة على دراية بمجريات الاحداث السياسية في القرن الماضي من اجل ابراز الدور الذي لعبتة الاجيال الاسرائيلية السابقة في انشاء وقيام الدولة المزعومة وما عليهم ان يفعلوة في الوقت الحاضر والمستقبل لغرض اكمال الطريق نحو تحقيق هدف تثبيت الوجود وهذا اسلوب يحمل بين طياتة الكثير من الاهداف السياسية .

وفي هذا السياق اقدمت الدوائر الاسرائيلة مؤخرا بعقد العديد من الندوات واللقاءات مع مجاميع من اليهود العراقيين الذين سلطوا فيها شهاداتهم التاريخية المهمات التي نفذوها خلال خدمتهم الطويلة في الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية وكيف اسهموا في بناء تلك الاجهزة الحساسة والتي من خلالها عملوا في بناء اسرائيل وتثبيت وجودها في المنطقة .

ولكي يكون الجيل الجديد في اسرائيل على دراية بتاريخ تلك الحقب الزمنية .. قامت تلك الدوائر باستعراض تاريخ اليهود في بغداد خصوصا بعد متصف القرن التاسع عشر وكيف كان اليهود في تلك الحقبة يسيطرون على الحياة التجارية والمصرفية والتعليمية وكذلك التركيز على تسنم العديد منهم المناصب والوظائف المهمة في الدولة العراقية في الحكومات العراقية المتعاقبة لاسيما  منصب وزير المالية في سنوات العشرينيات والذي تقلدتة احدى الشخصيات اليهودية البغدادية في ذلك الوقت وهو الاقتصادي اليهودي العراقي ساسون حزقيل .

ولايفوت تلك الدوائر من التطرق الى الاحداث السياسية المهمة التي حدثت في بغداد لا سيما احداث الفرهود والتي تطرقوا اليها حسب وجهة نظرهم وما يعتقدون بان ما جرى كان مدبرا ضد اليهود وممتلكاتهم وما جرى في تلك الاحداث وفق الروايات اليهودية البغدادية في حينها في حين نقلت مصادر اخرى روايات وقصص الاحداث بروايات مغايرة .

وفي احدى تلك اللقاءات  المتعلقة بسرد الشهادات التاريخية ليهود العراق والمتعلقة بكشف ذكرياتهم في المساهمة في اقامة اسرائيل ذكراحد هؤلاء اليهود العراقيين بانة بعد وصولة اسرائيل عام 1951 قام رجال المخابرات بتجنيدة للعمل في احدى دوائر الاستخبارات التي يطلق عليها تسمية خدمة او دائرة الاستخبارات الثانية والتي كانت النواة الاولى لتشكيل الوحدة 8200 وهي الوحدة المتخصصة بالانشطة الاستختبارية الاسرائيلة.

ويضيف ذلك الشخص بان حالة كحال الكثير من الرجال الذين وصلوا الى اسرائيل بعد اعلان قيام الدولة الذين يشعرون بالسوء والحزن لعدم قيامهم بالاشتراك في اقامة او تكوين اسرائيل على حد وصفة .ومن هنا كان عليهم العمل من اجل تصحيح المسارليصبح لهم دورا ومساهمة في انشاء واقامة اسرائيل على حد تعبيرة ..

ويضيف مستعرضا عملة في تلك الوحدة الاستخبارية المتخصصة بالتنصت على الجيوش العربية وكذلك العمل على متابعة المنظمات العربية و الوزارات الحكومية .

وتطرق الى الصعوبات التي تعرض لها في بدايات العمل الاستخباري في هذا المجال كون الجيوش العربية تستخدم التجفير والرموز في عملها وكان عليهم خرق تلك الرموز وفك رموزها وهذا لم يكن بالامر الهين في ذلك الوقت لعدم توفر الادوات المتخصصة لانجاح عملهم ولهذا كان اعتمداهم على انفسهم وكيف نجحوا في اختراق تللك الجفرات والرموز بمرور الوقت وبالاستفادة من اخطاء وضعف الجانب المقابل .. ويقصد هنا الجانب العربي .

وفي ذات السياق كشف هؤلاء اليهود العراقيين بان نجاحهم في عملهم الاستخباري يرجع بالاساس كونهم جاءوا من بيئة تعلموا واتقنوا اللغه العربية فيها بالاضافة انهم درسوا وتعلموا لغات ساندة اخرى في بغداد اثناء  ايام دراستهم فيها قبل الهجرة وكذلك درسوا الادب وكانوا على اطلاع واسع على العادات والتقاليد العربية والاسلامية وهذة الادوات تجعل من يعمل في المجال الاستخباري قادرا على القيام بعملة لا سيما الترجمة من العربية ومعرفة الدلالات اللغوية للاسماء والافعال وما ترمز اليها وما تعني دلالاتها .

وفي جانب اخر ذات صلة بتلك الشهادات التاريخية يتطرق احد اليهود العراقيين قائلا :عندما هاجرنا الى اسرائيل كنا شبان يافعين متسلحين بالمعرفة واللغة العربية والثقافة العامة ومن هنا كان طريقنا نحو العمل في المجال الاستخباري ميسرا حيث نسبنا في وحدات التنصت التي تعمل على التقاط كل ما يدخل ضمن اهتمام عملنا الاستخباري في متابعة الجانب الاخر الذي يشكل تهديدا او خطرا على امن اسرائيل .

واشار اثناء سرد ذكرياتة بان العديد من يهود العراق الذين كانوا معة في وحدات التنصت كانوا اصحاب خبرات كونهم كانوا يعملون في مجالات البريد والموانى والسكك الحديد العراقية قبل هجرتهم الى اسرائيل ولهذا جاءوا متسلحين بالخبرة في هذا المجال .

من جانب اخر سرد احد اليهود العراقيين الذي كان احد المؤسسين للوحدة الاستخبارية المهمة في اسرائيل المعروفة بالرقم 8200 واشار الى  خدمتة الطويلة في الموساد الاسرائيلي من خلال تقلدة مناصب رفيعة في ذلك الجهاز .. وفي هذا السياق تطرق الى كيفية التقاط المكالمة الهاتفية المهمة والتي اخذت حيزا كبيرا في وقتها وهي المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك الاردني الحسين بن طلال على خلفية حرب 1967 وكذلك الحصول على المعلومة المهمة عن المدمرة المصرية المسماة ابراهيم الاول التي توجهت لاستهداف حيفا مما تم تحييدها وتدميرها استنادا على المعلومات التي التقطوها اثناء عملهم على حد وصفة .

ويواصل حديثة بسرد ذكرياتة لمسيرة عملة حيث يشير انة في وقت انشاء وحدة الاستخبارات الثانية كانت تلك الوحدة تتكون من ثلاث شعب هي الادارة وشعبة والتنصت وفك الجفرة وكان اليهود العراقيين يديرون الشعبة الثانية والثالثة . وفي عام 1956 برزت الحاجة الى من يجيدون اللغة العربية لغرض الانظمام الى الوحدات القتالية ومن هنا تم تشكيل ثلاث وحدات مهمتها التنصت وفك الجفرة وبعد ذلك اطلقت تسمية الوحدة 515 على تلك التشكيلات .ويضيف ان اصل التسمية يعود كون الوحدة تظم 500 يهودي عراقي و15 اخرين .

ويؤكد المتحدث بان نجاح يهود العراق في عملهم يعود الى كونهم جاءوا من بيئة مثقفة وواعية وما يشكلة العراق من ثقل وتاريخ  في منطقة الشرق الاوسط ..

وفي ما يتعلق بعمل يهود العراق في المجالات الاستخبارية الاخرى في اسرائيل تطرق احد اليهود العراقيين ومن خلال سرد ذكرياتة في هذا الجانب بان يهود العراق قد عملوا في وحدات جمع المعلومات من المصادر العلنية مثل نشرات الاخبار التلفازية والراديو والمصادر الادبية وكذلك الصحف ..

وفي مداخلة وثيقة الصلة بالدور الذي لعبة يهود العراق في العمل الاستخباري ومعرفتهم الواسعة بشؤون المنطقة العربية ذكر احد الضباط الكبار وهو من الجيل الثاني الذي عمل في هذا المجال لمدة 21 سنة في الموساد معلقا على احداث الربيع العربي بقولة : ان احد الوزراء الكبار اعتقد بان الاحداث في سوريا ستنتهي سريعا كما انتهت الاحداث في تونس ومصروبغضون ستة اشهر فقلنا لهم بان  الوضع مختلف في سوريا ولن تنتهي الاحداث كما هي في تونس ومصر لكنهم لم يصدقونا واصروا على رائهم الا ان النتيجة كانت ان وجهة نظرنا هي الصحيحة والسبب في ذلك لاننا عشنا وتعلمنا الثقافة واللغة العربية وكذلك عرفنا التقاليد العربية بالاضافة الى ذلك ما تربينا علية من اباءنا الذين ولدوا وعاشوا في تلك البيئة ولهذا نستطيع ان نحلل الامور كما هي من خلال خبرتنا في العمل المخابراتي ..

وتتواصل الشهادات التاريخية في هذا المجال من خلال ما ذكرة احد عناصر الموساد عن السماح له العمل مع يهود عراقيين هاجروا في سنوات السبعينيات حيث استطاع الحصول على الكثير من المعلومات ومعرفة التقاليد العراقية وكذلك تعلم ما تهدف الية اللغة العربية في معاني الالفاظ والكلمات وماذا ترمز تلك العبارات وعلى سبيل المثال معرفة الغرض او الهدف من اقتباس ايات من القران الكريم او الاحاديث النبوية الشريفة التي تتضمنها كلمات القادة العرب وخطبهم وهذا ليس من باب المصادفة .. ويقصد هنا كيف تحلل تلك الخطب والكلمات ومعرفة الفحوى او الرسالة التي يريد القائد العربي ايصالها الى المتلقي .

وفي شهادة اخرى تروي  احدى العاملات في جهازالاستخبارات العسكرية الاسرائيلية والتي غادرت الخدمة برتبة مقدم وتعتبر من الجيل الثاني ليهود العراق الذين عملوا في الاجهزة الاستخبارية حيث تذكر في هذاالصدد :  ان من يعمل في مجال العمل الاستخباري علية ان يفهم ويتعلم العادات والتقاليد وليس معرفة اللغة وحدها وتضيف في ذلك الشان ومن خلال خبرتها الطويلة في هذا المجال الحيوي والحساس انة

من الضروري معرفة العادات والتقاليد وكذلك عليك كيف تقود وكيف تفهم الاخر وكرجل مخابرات يجب ان تكون قادرا على ان تحلل وتفهم الوضع من خلال اللغة وفهمك لها ولدلالاتها . وتتابع حديثها : انها ومن خلال عملها في هذا الجانب قد قرات الكثير من الصحف وشاهدت واستمعت لنشرات الاخبار وعملت على معرفة اي كتب هم يقراءون واي موسيقى هم يسمعون وهذا جزء من حياتها وعملها .وتضيف ان  الجيل الاول لم يكن مضطرا لمعرفة هذة الاشياء ونحن الجيل الثاني قد استوعبنا وتعلمنا ذلك في بيوتنا لكي نكون اسرائيليين ..وتختم شهادتها بان على الجيل الجديد ان يعرف ويتعلم كل ذلك ومن خلال برامج معدة ومحطط لها من خلال الدورات التي تجعلهم مدركين وواعين لمسؤلياتهم وفق رؤيتها ..

ويضيف احد اليهود العراقيين في شهادة تاريخية مهمة بكشفة النشاط السري ليهود العراق قبل هجرتهم الى فلسطين وعلاقتهم باسرائيل حيث يؤكد  بانة انظم مع الكثير من اليهود الى الحركة الصهيونية  في العراق وعقدوا اللقاءات في البيوت بصورة سرية بعيدا عن انظار السلطات العراقية في ذلك الوقت والتي يشترك بها ويديرها احيانا مبعوثين مرسلين من اسرائيل ويضيف بانهم كانوا قلقين وخائفين على حياتهم .وهذا يدلل بان النشاط الصهيوني كان نشطا داخل الساحة العراقية .

وكشف ذلك العنصر المخابراتي بان عدد حركة الرواد ويقصد بها الحركة الصهيونية في بداية تاسيسها في العراق وجناحها العسكري بلغ تعدادة 2000 عنصر وعملوا بسرية تامة وعلى ما يصطلح علية في العمل الاستخباري انهم عملوا تحت الارض مما اعطاهم خبرة ودراية في المجال الامني وهذا ما شجع المسؤولين في اسرائيل على استقطابهم و قبولهم للانخراط في   العمل  المخابراتي في اسرائيل بعد هجرتهم .

واشار احد المتحدثين من ضباط الموساد السابقين بان يهود العراق كان لهم الدور الكبير في تاسيس وحدة المستعربين وهي المسؤولة على زرع العناصر الاستخبارية الاسرائيلية وسط المحيط العربي وكان نشاطها كبيرا حيث كان العديد من ضباط المخابرات يعيشون وسط البلد الهدف وكذلك البلدان الاخرى والمقصود بالمستعربين هم من يجيدون اللغة العربية والضالعين في معرفة العادات والتقاليد العربية وكذلك تعاليم الديانة الاسلامية ولكونهم قد جاءوا من تلك البيئة العربية .

ويضيف بان اليهود العراقيين الذين هاجروا الى اسرائيل لم يكونوا مثقفين فقط وانما كانوا اصحاب علم وثقافة مميزة واستطاعوا الاندماج وسط المجتمع اليهودي الاوربي بكل ثقة ونجحوا في تجنييد العديد من المصادرالتي حصلوا  بواسطتهم على معلومات لا تقدر بثمن بما يخدم الاهداف الاسرائيلية .

واشاد المتحدثين من اجيال الاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية السابقين بقدرة يهود العراق العاملين في تلك الاجهزة وكيف نجحوا في تشكيل الوحدة 154 التابعة الى جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ( امان ) التي انشات في عام 1949 وكانت مسؤوليتها انشاء شبكات للتجسس في البلدان المعادية لاسرائيل على حد تعبيرهم وقد استطاع عناصر تلك الوحدة من تجنييد العديد من الجواسيس الذين يخدمون توجهاتهم الاستخبارية وكذلك الاعتماد على عناصر تلك الوحدة في التحقيق داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة واستجواب المتسللين الى الداخل الاسرائيلي .

وفي ذات السياق كشفت ادى وسائل الاعلام الاسرائيله المقربه من الحكومه مؤخرا قصة عائلة يهوديه عراقيه غادرت العراق في عقد التسعينيات من القرن الماضي وصفتها بالقصه الاسطوريه والتي كشفت فيها النقاب عن تلك العائله التي مكثت في بغداد لعقود ولم تهاجر في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي دون الكشف عن اسم تلك العائله

في تلك القصه تحدثت احدى افراد تلك العائله عن مراحل مهمه من حياتها كيف اخفت اصولها في مراحل حياتها حتى تخرجها من الجامعه وكيف وصلت مع عائلتها مع عائلتها لاسرائيل بعد رحلة طويله تظمنت المرور بعدة محطات في دول مختلفه

وبعد الاستقرار في اسرائيل تمكنت تلك الفتاة من ايجاد حلمها في العمل في وحدات الجيش الاسرائيلي حيث تعمل حاليا معلمه للغه العربيه في الاستخارات الاسرائيله وتؤكد في هذا الاتجاه بانها سعيدة جدا في عملها

وفي نهاية تلك اللقاءات التي سرد فيها الاسرائيليين من يهود العراق شهاداتهم التاريخية عن  دورهم في بناء الدولة الاسرائيلية وفق وصفهم لم ينسوا ان يدسوا السم بالعسل وهو اسلوب يحاولون من خلالة دغدغة العواطف والاحاسيس من خلال التظاهر بالحزن والالم لما وصل الية العراق من دمار وعدم الاستقرار السياسي وهو ما يثير الحزن في نفوسهم في محاولة للتاثير واقناع المتلقي بحرصهم على الارض التي ولدوا وعاشوا فيها وهذا التلاعب بالالفاظ ومحاواة تحريف الحقائق التي هم يعرفونها قبل غيرهم كونهم اللاعبين الاساسيين في هذا المجال بكونهم يدركون الحقيقة  بما لعبتة اسرائيل من خلال اجهزتها المخابراتية من تحييد العراق وعرقلة دورة في كافة الحقب الزمنية منذ تاسيس الدولة العراقية وحتى وقتنا الحاضر وما تمخض من مرحلة داعش وما سبقها والشواهد التي حدثنا عنها التاريخ المعاصر ما زالت تحتفظ بها ذاكرة العراقيين وكل المعنيين بالشان العراقي .

اذن هذة الشهادات التاريخية تجعلنا ان نعيد الحسابات وان نعمل بهدوء وبتخطيط علمي مبرمج في تهياة الكوادر المتسلحة بالعلم والمعرفة لتشكل سياجا حديديا يصعب اختراقة بالاعتماد على العقل المنتج لاننا نعيش وسط محيط تتصارع بة العقول للوصول الى الهدف باقصر الطرق وهو تحصين الوطن واهلة من اي اختراق .

 

د. رحيم راضي االخزاعي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com