مقالات

هذا التقرير منقول حرفياً من وكالة الأنباء الألمانية دويتش فيله (DW)

هذا التقرير منقول حرفياً من وكالة الأنباء الألمانية دويتش فيله (DW)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

كورونا في العراق.. القمع والخوف أخطر من الفيروس

 

النظام السياسي في العراق هو الفيروس الحقيقي

 

هل الفساد أخطر من المرض؟ نشطاء حقوقيون في العراق يرون أن النظام السياسي في العراق هو “الفيروس الحقيقي” الذي ليس منه شفاء، أزمات سياسية، ممارسات قمعية، وعقود من الفساد تمثل، برأيهم، خطراً أكبر من خطر انتشار عدوى كورونا.

 

أعلنت السلطات العراقية عن وجود ما لا يقل عن 35 حالة إصابة بفيروس كورونا، ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الصحة والبيئة سُجلت حالة الوفاة الثانية لأحد المصابين بالفيروس في بغداد. ومنذ الإعلان عن أول حالة إصابة لطالب إيراني في زيارة لمدينة النجف الشهر الماضي، سجلت وزارة الصحة حالات إصابة جديدة بشكل شبه يومي. في ظل الأزمات السياسية التي تعاني منها البلاد، تطرح تساؤلات حول مدى قدرة العراق على مواجهة مرض كورونا بشكل فعال.

 

طبقاً للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق فإن أكثر من 600  شخص قُتلوا خلال المظاهرات التي اندلعت منذ ستة أشهر في عدد من المدن العراقية  احتجاجا على الأوضاع السياسية. و بالرغم من منع السلطات العراقية التجمعات العامة للحد من تفشي فيروس كورونا، يرفض المتظاهرون في بغداد ترك ميدان التحرير. ويُرجع الناشط والصحفي احمد القاسم السبب إلى أن “فيروس كورونا يمثل تهديداً بسيطاً مقارنة بالرصاص الحي الذي نواجههه. نحن نعاني من الموت والفقر و الفساد منذ عام 2003، وهذا هو الفيروس الحقيقي الذى أعتقد أن ليس له دواء”.

 

تهميش و إهمال القطاع الصحي

رغم إعلان السلطات العراقية اتخاذها كافة الإجراءات لمواجهة فيروس كورونا، مثل منع التجمعات و تعليق الدوام في بعض المؤسسات الحكومية و المدارس، بالإضافة إلى أمرها بإغلاق المطاعم، إلا إنها تواجه تحدياً كبيراً حيث أن نقص الإمكانيات من موظفين ومُعدات يعرقل هذه الإجراءات. و يُرجع البعض هذا النقص إلى الفساد وعقود من العقوبات الدولية المفروضة على العراق.

 

يصف عمر الديوه جي، وهو طبيب و انثروبولوجي عراقي بجامعة روتجرز الأمريكية، القطاع الصحي بالـ”متهالك” بسبب عقود من الإهمال والفساد، وهو ما يزيد في رأيه من خطر انتشار المرض بشكل كبير. أما ممثل منظمة الصحة العالمية عدنان نوار فيقول إن وزارة الصحة العراقية “تعمل يداً بيد” مع المنظمة، حيث تحصل على معدات الكشف والنصائح بينما تم تزويد المستشفيات بغرف للعزل الطبي. بالرغم من ذلك أشار تقرير من وكالة أنباء رويترز إلى أنه بعد سنوات من الفساد و العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة على العراق، فإن القطاع  الطبي يعاني من إهمال شديد، خاصةً بعد فرار الآلاف من الأطباء و نقص العقارات الطبية بالإضافة إلى تخصيص نسبة 2،5% فقط من إيرادات الدولة البالغة 106،5 مليار دولاراً (95،8 مليار يورو) لميزانية القطاع الصحي.

 

يقول الناشط أحمد القاسم أن أحد الحالات المُشتبه في إصابتها بفيروس كورونا رفض استقبالها من قبل مستشفيان في بغداد، وأضاف أن أحد الصيادلة في العاصمة أبلغه أن المواطنين خائفون من عدم قدرة وزارة الصحة على مواجهة انتشار المرض بشكل فعال. أما وميض القصاب، وهو صيدلي وكاتب عراقي، فيقول إن أسعار الكمامات الطبية و المُعقمات في ارتفاع مستمر، كما أن بعض المستشفيات لديها نقص في القفازات الطبية والمُعدات الوقائية. وأضاف القاسم أن عدد من لا يلتزمون بالنصائح التي أعلنتها الحكومة مثل غسل اليدين و عدم الاحتكاك بالأخرين، كبير.

 

(الطفولة العراقية المعذبة .. كان ينقصها كرونا لتكمل / تعليق الناشر )

 

“أغلقوا الحدود مع إيران”

بالإضافة إلى المشاكل التي تواجه القطاع الصحي، فإن العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الجارة إيران ايضاً تمثل خطراً على العراق فيما يتعلق بمرض كورونا. فإيران حالياً لديها أعلى معدل وفيات من فيروس كورونا في العالم بعد الصين. وبالرغم من وفاة حوالي 92 شخصاً حتى الأن، إلا ان عدد الإصابات التي تعلنها الدولة لا يتسق مع نسبة الوفيات المرتفعة، و هو ما يطرح علامات استفهام حول مدى شفافية السلطات الإيرانية في إعلانها للأرقام.

 

في هذا السياق قالت السلطات العراقية أنها أغلقت الحدود مع إيران ومنعت دخول المواطنين الإيرانيين قبل ظهور حالات إصابة في العراق. أما العراقيين العائدين من إيران فهم ملزمون بالبقاء في الحجر الصحي لمدة أسبوعين وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

 

وتشترك العراق مع إيران في اكثر من 21 معبر حدودي رسمي، وفي العادة تشهد الاحتفالات بثلاثة مواسم وأعياد شيعية في شهر مارس/آذار عبور أعداد كبيرة من الزوار لهذه المعابر. وعلى الرغم من إعلان اغلاق الحدود، إلا أن هناك معلومات متضاربة عن ما إذا كانت اغلقت بشكل كامل. فالسفير الإيراني في بغداد كان قد نفى إغلاق الحدود يوم 20 فبراير/شباط في حين أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن البعض يحاول ان يعبر الحدود عن طريق التهريب. وعلق المحللون بأن هذا الاعتماد المتبادل بين البلدين سيتسبب في صعوبة احتواء انتشار فيروس كورونا. إذ يرى الباحث و المحلل السياسي بمركز البيان للدراسات و التخطيط سجاد جياد أن استمرار منع دخول الإيرانيين سيتسبب في مشاكل اقتصادية كبيرة. و كان قد غرد: “لا أرى منع الدخول مستمراً لوقت طويل حيث أن التجارة المتبادلة و السفر أساسيان للدولتين”.

 

وتربط العديد من الفصائل العراقية علاقات وثيقة بإيران، وهو الأمر الذي يثير حفيظة المتظاهرين لأنهم يرونه دليلاً على النفوذ الإيراني القوي في الشأن العراقي. الأنثروبولوجي عمر الديوه جي غير مقتنع بأن الحدود يتم إغلاقها بشكل مناسب أو أن الحكومة تتبع التدابير الصحيحة. فهو يرى أن “العراق في موقف ضعفٍ بسبب العلاقة بين إيران والأطراف العراقية الفاسدة و التي لن تسمح للحكومة بإغلاق الحدود و السيطرة على حركة الأشخاص“.

 

وكانت وسائل إعلام محلية قد أفادت بأن متظاهرين كانوا اغلقوا طريقاً يؤدي إلى معبر حدودي في محافظة ديالي شرق العراق خوفاً من انتشار فيروس كورونا، كما لاقى وسم اغلقوا الحدود مع ايران على موقع تويتر للتواصل الإجتماعي تفاعلاً كبيراً من المغردين في إشارة إلى عدم تصديق المتظاهرين للتطمينات الرسمية.

(الصورة : في محاولة للسيطرة على انتشار فيروس كورونا اغلقت السلطات العراقية عدد من المعابر الحدودية مع إيران)

 

مشاكل الأمن السياسي والإقتصادي تطغى على القلق من كورونا

ويتجاهل أصحاب المقاهي والنوادي والمراكز التجارية أوامر الحكومة بإغلاقها، ويظل المتظاهرون في الشوارع، ليبرهنوا على أن قلقهم من الأوضاع الإقتصادية والأمنية يطغى على الخوف من إنتشار مرض كورونا. يتعرض المعتصمون في الخيام بشكل خاص لخطر العدوى، ولكنهم ينشئون عيادات ميدانية لتوزيع الأدوات الصحية وتبادل نصائح الوقاية في نفس الوقت الذي يعالجون فيه الإصابات من الغاز المسيل للدموع و الرصاص.

 

ويقول عمر الديوه جي، الذي زار أحد خيام الإعتصام مؤخراً، أن “أكثر ما أثر في سماعي لأحدهم يقول ” قد تموت من هذا أو من ذاك” في إشارة إلى أنهم يواجهون الموت بشكل مستمر، سواء في المظاهرات أو بسبب كورونا.” ويضيف الديوه جي: ” تحرير نفسك من القمع السياسي والإجتماعي (وهو مخاطرة بالموت)  مقارنة بالتزام الصمت و الموت بسبب أخر، هو الإختيار الأفضل. ففيروس كورونا هو فقط جزء من الأشياء التي يواجهونها هناك“.  

 

توم أليسون/ سلمى حامد

 

 

(نص التقرير الحرفي : تحرير توم إليسون وسلمى حامد/ وكالة الأنباء الألمانية ـــ  DW )

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com