مقالات

هل بات الانفجار الكبير في بغداد قريبا؟

بيدر ميديا ..

هل بات الانفجار الكبير في بغداد قريبا؟

 

مثنى عبد الله

 

في السياسة تُعتبر اللغة والحركة، مؤشرات موثوقة على السيناريو الآتي.. فما هو المشهد المقبل في ضوء اللغة والحركة الذي شهدته بغداد في الأسبوع المنصرم؟ ففي الخامس والعشرين من الشهر الجاري مارس/ آذار استعرضت قوات ميليشياوية بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وبعجلات رباعية الدفع قوتها في العاصمة العراقية. وقد رفع عدد من عناصرها صورا لرئيس الوزراء ومسؤول أمني، كتبت عليها عبارات مهينة لهما مثل (حان الوقت لقطع أذنيك) و(أيها السيئ سنقطع يدك بمجرد المساس بالمقاومة). في ما قرأ أحدهم ما سُمي بيانا يعرض عدة مطالب، منها الإسراع بإقرار الموازنة المالية العامة، والتراجع عن زيادة سعر صرف الدولار، وعدم تسليم الموازنة الخاصة بالأكراد، إلا بعد تسليم ما بذمتهم من مستحقات مالية ونفطية.
ما لوحظ في هذا الحدث أن الاستعراض المسلح الذي دام ساعتين، تم بسلاسة تامة من دون اعتراضهم من قبل أي جهة أمنية أو عسكرية أو شرطية. أما الملاحظة الأغرب فكانت تصريح المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة الذي قال «تفاجأنا من المقاطع الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي وبدأنا اتصالاتنا» لمعرفة ما يجري. فهل هذه الجهة المسؤولة عن أمن العاصمة كانت غائبة تماما عن المسرح؟ أم أنها كانت تعلم لكنها اختبأت لأن موازين القوة ليس في صالحها؟ لأنه ليس معقولا أنها لم تستلم حتى نداء واحدا من أي سيطرة عسكرية، أو أمنية من تلك التي تنتشر في بغداد لضبط الأمن يُبلغ عن دخول العشرات من المسلحين والعجلات إليها، وأن وسيلة العلم الوحيدة لديهم عما يجري في بغداد هي فقط مواقع التواصل.
ما تجدر الإشارة إليه أن هذه الممارسات لم تكن الأولى في المشهد، ففي الشهر الماضي قامت ميليشيا الصدر باستعراض مشابه بدعوى أن لديهم معلومات استخباراتية فيها تهديد للعاصمة، وبعض المحافظات، ما تطلب نزولهم إلى الشارع لتحصين هذه المدن، حسب ادعائهم، فهل هذه التحركات تعد تجاوزا على هيبة الدولة كما يزعم البعض؟ وهل تُعد فشلا أمنيا للحكومة، كما يقول آخرون؟ أم أن الدولة غير موجودة أصلا والحكومة لا تحكم؟ يقول علم السياسة، إن بقاء الدولة مرتبط ارتباطا مباشرا بحقها في احتكار استخدام القوة، وأن يكون هذا الاستخدام شرعيا لا اعتباطيا. كما أن شرعية الدولة من شرعية النظام السياسي القائم فيها، وهي تضمحل حين يكون هذا النظام فاقدا للشرعية. وفي ظل هذا الفهم العلمي تنتفي الحاجة إلى تطبيق هذه المعادلة على الحالة العراقية، للتأكد من سلامة وجود الدولة وشرعية السلطة، لأن الممارسات الميليشياوية، سواء في الاستعراضات المسلحة، أو بالقصف الصاروخي، على المُجمّع الحكومي المُحصّن، والقواعد العسكرية العراقية الأمريكية المشتركة، هي دلائل واضحة على عدم وجود احتكار للقوة من قبل الدولة. وإذا ذهبنا للبحث عن الدولة في مظاهر حركتها الطبيعية التي تتمثل في صنع السياسة، وأيضا صنع القرار السياسي، كي نتيقن من سلامة وجودها، أو اضمحلالها، فإن ردود الأفعال غير الموجودة تجاه السلوك الذي تمارسه الميليشيات، يعطي تقريرا نهائيا بأن الدولة مضمحلة تماما وفاقدة للحياة، يغذي هذا الموت السريري فقدان النظام السياسي القائم شرعيته، دعك من أنه جاء نتيجة غزو واحتلال وإرادات خارجية، فقط لو نظرنا الى نسبة الناخبين الذين شاركوا في انتخابات عام 2018 التي تراوحت بين 18% إلى 20%، يصبح من الجلي لكل مراقب محايد وموضوعي، أن النظام السياسي القائم لا شرعية قانونية له. ولأن الدولة غير موجودة، ولأن السلطة فاقدة للشرعية، ولأن الاحتلال تغاضى عن الميليشيات، وحاول دمجها بالمؤسسات وتقنين وجودها، ثم بمرور الوقت تحولت إلى شركات أمنية تابعة لإيران تتغطى بعباءة ولاية الفقيه، وتدار لخدمة الأهداف الجيوسياسية الإيرانية، التي رسمها المرشد، تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني واطلاعات، وغيرها من الواجهات السياسية والدينية والعسكرية لهذا النظام، فإن كل هذه العناصر صنعت من العراق نموجا فوضويا، وبات من المستحيل إنتاج معادلة صحيحة تؤمن الاستقرار والأمان وتجعل لهذا البلد دورا، وبالتالي فإن الوصف الحقيقي الذي ينطبق اليوم على كل من في المشهد العراقي، سلطة وزعامات سياسية وميليشيات، هو أنهم مجرد حراس صغار للطائفية والإثنية، ومصالح دول الجوار، وما بعد الجوار، لا يؤمنون إلا بالفردانية، ولجم الأصوات والكواتم والاختطاف والقتل، وقد حاولوا خلال 18 عاما، أن يثبتوا أن لديهم وطنية وغيرة وشرفا، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا.

الميليشيات ليست قوى مسلحة محلية يمكن الانفراد بها وتصفيتها، بل هي مرتبطة بالمنظومة الإقليمية العسكرية الإيرانية في المنطقة

إن تركيبة وتوازنات الصراع الدائر بين واشنطن وطهران، باتت تضغط بشكل خطير جدا على الساحة العراقية، في حين مازال الفاعل الأمريكي، يعتمد على رئيس الوزراء، في ما يسمى العمل في الظل، لتغيير الوضع الذي تسيطر عليه الميليشيات، من دون الانجرار لصدام معها. بينما يتجاهل الأمريكيون أربع حقائق أساسية في الوضع العراقي الراهن.
أولها أن السلطة الحقيقية ليست هي التي يرأسها رئيس الوزراء، بل هنالك سلطة موازية هي التي تحكم فى البلاد والمتكونة من زعماء الميليشيات والأحزاب الطائفية، وهي لن تتأثر بإبعاد مسؤول تابع لها من هذا المنصب أو ذاك، لأن اللاعبين المهمين هم الأشخاص نفسهم في قمة اللعبة أو بالقرب منها.
ثانيا، الميليشيات ليست قوى مسلحة محلية يمكن الانفراد بها وتصفيتها، بل هي مرتبطة مع المنظومة الإقليمية العسكرية الإيرانية في المنطقة، وللدلالة على ذلك كان هنالك تصدير للميليشيات العراقية إلى سوريا واليمن.
ثالثا، الساحة العراقية ليست كبقية الساحات التي تنشط فيها إيران من حيث الأهمية الاستراتيجية، فهي مسرح أساسي وأكثر نجاحا في الصراع مع الأمريكيين، وبذلك سيكون من المستحيل السماح بظهور مواقف مناوئة للموقف الإيراني في العراق على المستوى الرسمي.
رابعا، يجهل الأمريكيون تماما طبيعة النظرة الشعبية إلى الحكم في هذه المنطقة، منطلقين من طبيعة نظام الحكم الذي لديهم، والذي يرى أن الإهانة التي يتعرض لها المسؤول الأول أو الثاني في السلطة، لا تشكل أي أهمية. في حين وكما يقول المفكر الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي (الحكم نصفه هيبة) في بلادنا، وأن رمزية الحاكم وقوته وهيبته، هي التي تعطي المؤسسات القدرة على إقناع الناس بفرض القانون. فإذا كان هو كذلك فكيف يمكن لرئيس وزراء أن يحكم ويعطي قوة لمن هم دونه في المسؤولية، بينما تخرج عصابات مسلحة ترفع صوره، وقد كتبت عليها عبارات تهدده بقطع الأذنين، وأخرى مختومة بكعب حذاء، وثالثة موضوعة على الأرض تداس بأقدامهم، في حين لا يصدر منه أي رد فعل؟ وإذا كان حقا يفعل ما يقول من السيطرة على السلاح، الذي يعمل من خارج الدولة، لماذا لم يحرك الفرقة العسكرية الرئاسية، أو جهاز مكافحة الإرهاب لاعتقال هؤلاء الذي استعرضوا بأسلحتهم وسط بغداد؟
إن طبيعة المؤشرات التي تنتشر في المشهد العراقي كلها مُكلفة، وتشير بلا لبس إلى أن صداما مسلحا ربما بات قريبا، ليس بالضرورة بين الجيش والقوات الحامية للسلطة من جهة، والميليشيات من جهة أخرى، فما زال اليقين موجودا بأن القوى النظامية يمكن أن تترك السلطة، وتنظم إلى الميليشيات المسلحة لاعتبارات عشائرية أو طائفية، أو بسبب عامل الرعب الذي زرعته الميليشيات، لكن يمكن أن يكون الصدام بين فريقين من الميليشيات أو أكثر، لاعتبارات كثيرة منها طموح بعضها أن يكون رئيس الوزراء القادم منها، لذلك تسعى لإثبات جدارتها في الميدان ضد الآخرين، أو بسبب التنافس على التفرد بالزعامة في المشهد، كسرا للمراهنة الإقليمية على غيرها. ويبدو أن الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية تحاول الاستثمار في سيناريو كهذا، لكنه لن يكون انقلابا أبيض بكل الأحوال.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com