ثقافة

أنور شاؤول أحد أعمدة القصة الحديثة في العراق

أنور شاؤول من مواليد مدينة الحلة – محافظة بابل سنة 1904 تخرج في كلية الحقوق – بغداد سنة 1931 وأصدر مجلة الحاصد سنة 1929 في بغداد واستمرت حتى سنة 1938 وكان لها دورها في تنمية الوعي الثقافي في العراق. الشاعر الاديب انور بن شاؤول بن هارون بن يهودا بن يوسف بن ساسون، ينتمي الى اسرة بغدادية قديمة تحدرت من الشيخ ساسون صالح داود يعقوب المعروف بابي روبين، رئيس صيارفة ولاية بغداد على عهد الوالي سعيد باشا. نشأ انور في الحلة وتلقى مبادئ دروسه فيها، ثم استقر مع اسرته في بغداد سنة 1916م. وقد ظل وفياً لمسقط رأسه، يحن الى ربوعه ويرعى له العهد والذمة. اتمَ انور شاؤول دراسته الثانوية سنة 1927م وانتمى الى كلية الحقوق ببغداد فنال شهادتها سنة 1931م. وقد قام خلال عهد دراسته بالتعليم في المدارس الاهلية سنة 1924 م و1925م، ثم اصدر مجلة «الحاصد» الاسبوعية الادبية في 14 شباط 1929م. وقد اغلقت بعد صدور 16 عدداً، ثم استأنف اصدارها في 24 تموز 1930م، واستمرت على الظهور بانتظام الى آخر آذار 1938م عدا فترة انقطاع امدها سنتان وزاول المحاماة، وتخرج ضابطا احتياطا في الدورة العسكرية الثالثة (1939م). واسس دار طباعة باسم شركة التجارة والطباعة المحدودة وتولى ادارتها (1945م – 1960م). وغادر العراق في ايلول 1971م فاستقر في اسرائيل، وتوفي في بلدة كيرون في 14 كانون الاول 1984م. 

برع انور شاؤول في الشعر والقصر على السواء، كما عرف محامياً وصحفيا ممتازا. وله من المؤلفات: الحصاد الأول (1930م)، عليا وعصام (قصة سينمائية، 1948 )، في زحام المدينة (قصص، 1955م) همسات الزمن (شعر)، 1956م. ومن مترجماته: وليم تل (مسرحية 1932)، اربع قصص صحية (1935م)، قصص من الغرب (1937م)، الطباعة العامة: فنونها وصناعاتها (1967م) الفخ، وقد نظم قسماً من ملحمة كلكامش البابلية شعراً. واصدر ايضا كتاب «قصة حياتي في وادي الرافدين» (1980م  إن انور شاؤل من رواد القصة الحديثة في العراق، قال جعفر الخليلي في كتابه «القصة العراقية قديماً وحديثاً»: «ويعتبر انور شاؤل من اوائل ممارسي ادب القصة الحديثة، ولى انه كتب اول قصة سنة 1927م، ولكنه كان من المبشرين بادب القصة ومن الداعين الى قراءتها وتفهمها والمشجعين على كتابتها.. واصدر مجلة الحاصد فملأها ادباً، ومن طريق الحاصد عرف القراء الشيء الكثير من مزية القصة الحديثة واهميتها في عالم الأدب.. وتم للحاصد، او الصحيح ثم لأنور شاؤل، ان يخدم ادب القصة بما ترجم وما وضع من قصص استوعبت الشروط الفنية للقصة المقروءة، فاذا كانت كلاسيكيته قد اكتسبها من قصص الاغاني ومقامات الحريري وبديع الزمان وجرجي زيدان ومعروف الارناؤوط، وذلك بحكم البيئة الكلاسيكية، فقد تأثر لحد كبير بقراءته لويلز وديكنز وزولا وموباسان وادكار الن بو وغوركي وتشيكوف، كما يقول هو، فكان للفن طابعه في قصص انور منذ اول ظهورها. وحين اتيح له ان يتم دراسة الحقوق، اصاب سهماً آخر من الثقافة..». وقال احمد حسن الزيات في مجلة الرسالة المصرية ان انور شاؤل ثاني اثنين مهدا لكتابة القصة الحديثة في العراق (اما الاول فكان محمود احمد السيد). شعره يضم ديوان «همسات الزمن» القسم الأوفر من شعر انور شاؤل خلال ثلاثين سنة. وقد سار شاعرنا في موكب الحياة الاجتماعية خلال تلك الحقبة، فانعكست صورها على مرآة قريضه: فهو يشارك في تكريم عبد العزيز الثعالبي وزكي مبارك ورثاء سعد زغلول وعبد المحسن السعدون وجميل صدقي الزهاوي وابراهيم هنانو. وهو يدافع عن الحرية والكرامة الانسانية منذ عهد الحرب الحبشية. وقصيدته «مصرع السعدون» التي القاها في الحقل التأبيني المقام في الحضرة القادرية تمثل بوجه خاص نهجاً جديداً في شعر الرثاء، فهي من الشعر الدرامي الذي يصور الفاجعة ويجسمها حتى لكأنك ترى الرئيس البائس وقد ساورته الافكار السود وعصفت به الهواجس، فيخط وصيته التأريخية ويودع الحياة في سبيل وطنه وعزته ان مثل هذا الشعر يهز النفوس ويملك زمام العواطف، لانه يختلف عن ذلك التقليدي الجامد الذي يتفجع بغير عاطفة مشبوبة ويرفع الفقيد الى اسمى منازل الرفعة ان حقاً وان باطلاً.  يمتاز انور شاؤل الشاعر بحس مرهف، ولعل لوفاة والدته وفقدانه حنان الامومة في طفولته اثراً في رقة شعوره. وتغلب على شعره وادبه عامة مسحة انسانية رفيعة: فهو يأس لبائعة الشوك التي يلذعها الزمهرير وينؤ ظهرها بحملها الثقيل ويدمي راحتيها الشوك تحمله لتدفئة المسعدين. وهو يحزن لمأساة الفلاح المنكوب الذي يذهب الفيضان بكده ومسكنه وقليل متاعه ويكاد يودي به وباسرته، حتى اذا ما نهض في الغداة جائعاً، عارياً، صفر اليدين حتى من الامل، سار يتبعه اطفاله ليطرق الابواب المغلقة دونه وليسمع رداً على شكاته عبارات الصد والانتهار: «أيها الساكن في القصر الحصين» هتف الفلاح: «هل من موئل؟» «ليس بيتي ملجأ للشاردين» صرخ الساكن في القصر العلي ودمعة الفقير، والشفاء الصامت، والكوخ المحترق التي ترجمها عن الشاعر الفرنسي الفرد دي موسيه، امثله من الشعر الانساني الذي بزخر به ديوان «همسات الزمن». بل ان قصص «في زحام المدينة» حافلة هي ايضا بالنزعة الانسانية الصادقة: فهذا الحمال الصغير يقر بسرقة لم يقترفها ويكاد يلحقه الضر من عواقبها الوبيلة. وذاك الدكتور يسري يؤنبه ضميره مدى الحياة لتخلفه عن معالجة طفل مريض، فينذر نفسه لرعاية الاطفال والعناية بهم. وابو فتحي الذي ثار وحنق على ولده لاقترانه بفتاة اجنبية دون رضاه؟ ان نظرة واحدة من حفيده الرضيع تمس اوتار قلبه فتبدد غضبه وهياجه وتغمر جنانه بالحب والحنان. وفي همسات الزمن بعد ذلك شعر رائق يطرب ويعجب: فالباحثة عن الذهب فتاة عرفها الشاعر «كقطر الندى صفاءاً وطهراً كزهر الربى» ترد الخاطبين واحداً بعد واحد حتى تحظى بالغني الذي يهبها كل شيء إلا الحب. وقصيدة «بجوار الموقد» ترينا الشاعر يحرك رماد الذكريات القديمة كما يحرك جمرات النار المتبقية في الموقد: ثم يبق لي إلا القريض وموقدي وهما تعلة قلبي المتوجد يا شعلة الحب المهيض، توهجيفلعل حيران الرؤى بك يهتدي النار في صدري وصدرك جمرها مهما يطل جنح الدجى تتوقد خبت المشاعر في الضلوع واورثت للذكريات مجامراً لم تخمد.. ان هذا المطلع يذكرنا بولي الدين يكن، ويذكرنا بقصيدته «الشاعر والليل والطيف»: فكلا الشاعرين قد خلا الى نفسه في الليل البهيم تهتاجه الذكرى ويعصف به الحنين. اما ولي الدين فيتلهف ويتوجف ويتعطف: 

الله في وجد وفي مأمل

 من لي بعود الزمن الأول؟..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com