منوعات

هل خسرت إسرائيل حربها على غزة ومن هم أبطال المعارك الضارية؟

بيدر ميديا.."

هل خسرت إسرائيل حربها على غزة ومن هم أبطال المعارك الضارية؟

مريم مشتاوي

 

من ربح الحرب في غزة؟ أهي دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي لم تتمكن من تحقيق أي هدف من أهدافها حتى بعد مرور ستة أشهر من الدمار وقتل الآلاف من الأبرياء والتجويع الممنهج والتفنن في التعذيب وارتكاب المجازر على مر الدقائق، والعمل الدقيق على محو المستشفيات بمن فيها عن الخارطة، وتدمير المساجد، والكنائس. لم يبق حتى يكتمل شرها سوى أن تنتزع الأمواج من البحر وتصلب العصافير فوق الأغصان وتسرق جثث القطط! أم حماس التي لم تحقق من هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول سوى إعادة تسليط الضوء عالمياً على القضية الفلسطينية وإعادة فتح ملف حل الدولتين من قبل المجتمع الدولي واستعداد بعض الدول، مثل اسبانيا وأستراليا وإيرلندا لمناقشة الاعتراف بدولة فلسطين.
لقد جاءت التكلفة لتحقيق تلك الخطوات، التي قد تُعدم وتُنسى من جديد، وفي أية لحظة، باهظة جداً، بل ربما أكثر من باهظة. إنها تكلفة تفوق قدرة أي شعب على احتمالها.
هكذا ماتت غزة بشكل كامل واستحالت أرضاً غير مؤهلة للسكن. مات نبضها الحي. عُدِم أطفالها. نعم لقد قُتِل معظمهم ومن تبقى من هؤلاء الصغار فهو إما يتيم، أو مبتور الأطراف، أو يعاني من اضطرابات نفسية حادة، بفعل المشاهد القاسية التي عاشها منذ ولادته في أرض لا تنطفئ نارها. لقد وصلت الحروب المستمرة مع المحتل ذروتها بعد انطلاق حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك حسب تقييم أحد المعمرين الذي عاشها كلها. هذا إن لم نذكر الدمار الذي لحق بجنوب لبنان، وإن لم نتحدث عن موت العديد من المدنيين الأبرياء الذين سقطوا بصواريخ العدو الإسرائيلي.
بعد مرور عدة أشهر على بداية الحرب بات واضحاً أن أبطال الحرب الحقيقيين هم شهداؤها الأموات والأحياء. وهم كثيرون جداً. نعم هناك آلاف ولا صفحات تتسع لذكرهم جميعاً مرة واحدة. ومع ذلك لن نتوقف عن سرد حكاياتهم مهما طال بنا الزمن. إنهم أبطال هذه الحرب وأبطال كل الحروب الماضية والمقبلة.
من أين نبدأ اليوم؟ وقصة أي بطل من الأبطال نعيد حياكتها من جديد؟
ففي الأرض المحروقة، هناك طفل بطل هو اليوم وحيد جداً. ولكنه أقوى من وحدته يحاربها يومياً ويتغلب عليها يومياً. هو من حمل جثة شقيقه ومشى بها مسافات طويلة، وهو يبحث عن مكان لدفنها. يومها ما كان يعرف معنى الفراق. لا ندري ماذا قال لأخيه وهو يودعه الوداع الأخير. ولا كيف واجه الموت وحيداً. لا ندري كيف استطاع الوقف بمفرده ولا كيف أكمل الطريق؟
في شارع آخر، ليس ببعيد عن مكان الطفل، بطلة أخرى صغيرة جداً اسمها مريم، ماتت عائلتها فوجدت نفسها أماً لأخيها الرضيع. ترضعه من قنينة فارغة تماماً من الحليب، ممتلئة بالمحبة، فتلمع عيناه وينام. تسهر وهي تتأمل القمر يضيء السماء المظلمة فتقوى بنوره. هكذا تضم أخاها لتحميه من ليل طويل أخافها مراراً حتى اعتادت الخوف، كما اعتادت الموت فغلبتهما معاً.
ومن السماء يطل علينا وجه البطل، الشهيد الصغير، كرم. كان عمره عشرة أعوام حين قتله الجوع والعطش والمرض وضعف الإمكانات الطبية. مات بعد أن أصبحت الرعاية الطبية حلماً من أحلامه البعيدة. مات بعد أن انعدمت الأسِرَّة وأعدم الأطباء وامتلأت أروقة المستشفى بالمصابين من ذوي الحالات الحرجة. مات بعد أن منع دخول الغذاء والأدوية والمياه فاضطر لشرب المحللات الطبية للبقاء على قيد الحياة لعدة أيام إضافية، ولكنه غلب الموت بقيامة جديدة. لقد كسب حياة أبدية لا نار فيها ولا صواريخ ولا عويل ولا تهجير. كان وجهه ذلك الضوء الذي ظنته الطفلة مريم قمراً. بطلنا يبتسم من السماء وهو يتأرجح فوق غيمة صغيرة ناعمة منتظراً لقاء أمه.

دموع عجوز وأم الأيتام

هل تعرفون أن هناك دموعا عتيقة جداً هي أيضاً من أبطال حرب غزة؟
ففي ساحة مستشفى الشهداء تجري دموع عجوز يدعى ديب لتسقي الزهور النعسة على أرصفة الطرقات، ذلك العجوز فقد 17 فرداً من عائلته. كما خسر منزله المكون من 4 طوابق. كل ذلك بفعل صواريخ جيش الاحتلال التي تركته وحيداً بلا مأوى. هو اليوم ينام في ساحة مستشفى شهداء الأقصى دون فراش أو أغطية. يرتجف من قسوة البرد ومن طوفان الشتاء وعواصفه المتواطئة مع المحتل. يجلس وهو يحمل في يده، وبرفق شديد، رغيف خبز صغيرا. رغيف هو وجبته الوحيدة لعدة أيام مقبلة. وقد يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يحصل على رغيف آخر. إن دموع القهر والوجع والحزن الشديد هي الأقرب لله، وهي وحدها من تفوز بكل الحروب.
وفي غزة مئات، بل آلاف الأمهات الأبطال تجمعهن كلمتان لا ثالثة لهما: الحمد لله.
كلمتان بهما قوة تهز عروش العالم بأكمله. لا أحد يفهم كيف استطاعت تلك الأم أن تدفن أشلاء طفليها وهما لم يتعديا خمسة شهور من عمرهما الصغير على هذه الأرض الكئيبة. أنجبتهما بعد 12 سنة من العذاب ومحاولات حمل كثيرة باءت كلها بالفشل. حملت بهما بعد أن سجدت وتوسلت لله أن يجعلها أماً. حين رأت ركام البيت سجدت من جديد، وطلبت من الله أن يبقي واحداً منهما على قيد الحياة ولو من غير ذراع. لكنهما خرجا من تحت الركام أشلاءً. وشهدت أيضاً موت زوجها وكل أفراد العائلة. لم يبق لها سوى ابن سلفها الصغير. حين دفنت طفليها احترق قلبها، ولكنها استجمعت قوتها ورفعت عينيها إلى السماء وصرخت بأعلى صوتها: طفلاي لك يا الله فأنت أرحم مني عليهما. ذلك الإيمان الكبير كان سلاحها، الذي هزمت به الحرب والموت والألم. وهي اليوم وبفضل رجل إماراتي يعيش لمساعدة الفقراء تعيش حلماً جديد. غداً حين تشرق الشمس من جديد ستصبح أماً لأطفال كُثر في دار أيتام كبيرة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com