علي حسين
غريبة ومثيرة احوال هذه البلاد ، ورحم الله أستاذنا الفنان الراحل جعفر السعدي وهو يعلق على مثل هذه الأمور ، بجملته الشهيرة “عجيب أمور.. غريب قضية “،
ففي القت الذي يتصدّر أحد النواب الفضائيات باعتباره الحارس الأمين على ثروات البلاد، والمنقذ لهذا الشعب من السراق، ينزوي الحديث عن ملفات السرقات الكبرى التي جرت خلال التسعة عشر عاماً الماضية، وكأنهم يريدون أن يقولوا لهذا الشعب المسكين “الفات مات”، صفّروا عداد السرقات، ولنبدأ من جديد، وماذا ياسادة عن أموال الكهرباء التي نهبت؟، ومشاريع الإسكان الوهمية التي كتبت في مديحها المعلقات ، وصفقات الأسلحة ؟، والمدارس الحديدية لصاحبها خضير الخزاعي والميزانيات المليارية التي لا يعرف أحد كيف صرفت، واموال مشروع شارع الرشيد وقناة الجيش ؟. لا أنباء، فنحن البلد الوحيد الذي لا يسمح فيه بإزعاج المسؤول والسياسي بسؤال: من أين لكم هذا؟.
الغريب هنا أن أياً من النواب الذين يتحدثون عن الفساد لم يمتلك الجراة للحديث عن النهب الذي استوطن منذ سنوات، وكأننا نعيش سنة أولى سرقات، وأن حرامية الأمس مجرد اشباح ، لا وجود لهم .
يا سادة ؛ “حكومة كفاءات” وفتح جميع ملفات الفساد، هذا أقصى ما كان يتمناه الشعب، لكن ليس كل ما يتمناه الشعب العراقي يدركه، فالصمت حصة المواطن، والكراسي والمناصب حصة الأحزاب، ولهذا لا تتعجب عزيزي القارئ وأنت تقرأ التسريبات عن الحكومة الجديدة، فمنذ عام 2005 وحتى هذه اللحظة والحكومة هي الحكومة ، تقاسم غنائم، وتوازن طائفي، وشعارات وبرامج عمل على الورق فقط، وبالنسبة للمواطن فالأمر أشبه بإعادة مشاهد تثير الضحك، بل أنها في سخريتها تتفوق على ما كان يقدمه عادل إمام في مسرحية ” شاهد مشافش حاجة ” ، إذ يبدو وكأن القوى السياسية في العراق، قرّرت دعم الكوميديا السياسية، بمزيد من المشاهد والمواقف .
تسعة عشر عاماً والبعض لا يريد لهذه البلاد أن تصبح دولة حقيقية لا تأخذ الإذن من الجيران حتى تشكل حكومتها، ولا تتجول في سمائها الطائرات التركية، ويصبح المواطن فيها شريكاً لا تابعاً ومغيباً يحضر فقط أيام الانتخابات.
والآن عزيزي القارئ هل لا تزال تضرب كفاً بكف على الأخبار العجيبة والغريبة التي تسمعها كل يوم؟.. في هذه الزاوية المتواضعة كتبت أكثر من مرة أن من أبرز الأخطاء التي ترتكبها القوى السياسية في هذه البلاد ، أنها لا تريد أن تخرج من عباءة المصلحة الشخصية، ولهذا ظلّ الجميع، بلا استثناء، يصرّون على أن لهم الحق وحدهم في وضع طبيب جراح على كرسي وزارة الثقافة، وتعيين موظف درجة تاسعة بمنصب مستشارمالي .