مقالات

قبلة الموت

أنشغل لفيف من المثقفين و المتابعين عبر وسائل الاتصال الاجتماعي و الصحافة بنتائج جائزة نوبل للاداب لهذا العام  , و التي تمنح من الاكاديمية السويدية .

وتداولت قائمة من الترشيحات ضمت أدباء و مبدعين عرب في صدارة القائمة , و الذي تكرر أسمه لسنوات مضت الكاتب و الشاعر العربي ( أدونيس ) , لكنه لم يحالفه الحظ رغم قوة التكهنات الظفر بها , أيضا تداول هذا العام ناشطون أسمي ( نوال السعداوي الاديبة المصرية ) و ( الشاعر العراقي سعدي يوسف ) .

و جائزة نوبل تمنح كل عام لعدد من الشخصيات أبدعوا في مجالات العلوم و الفكر و الادب , بناءاً على وصية مخترع الديناميت عام ١٨٦٧ المهندس و المخترع السويدي ( فرد نوبل ) , و قد أوصى كل ما جني من هذا الاختراع يمنح لمبدعي العالم الانساني .

وهناك من يشكك في معايير منح هذه الجائزة و الجهات التي تتحكم في أختيار مبدعيها , لكنها تبقى حدث عالمي يجذب له كل أنظار العالم في وقوعه و نتائجه .

تعتبر من أضخم الجوائز التي تمنح عالمياً في عدة مجالات علمية و أكاديمية و أدبية و انسانية ,  و بقيت و ما زالت قبلة المبدعيين للظفر بها ليس فقط لمكانتها المعنوية بل لقيمتها المادية بمليون دولار , لكن هناك أدباء و مبدعيين رفضوها لاسباب مختلفة .

(جورج برناردشو )  الاديب الايرلندي الساخر , منحت له عام ١٩٢٥ , لكنه رفضها يومها و قال مقولته الشهيرة ( هذه الجائزة أشبه بطوق نجاة يلقى به إلى شخص وصل فعلاً بر الأمان و لم يعد في خطر ) .

و نظام منح الجائزة المعمول به وفق لائحة الاكاديمية ينص على الاحتفاظ بالجائزة لمن فاز بها للعالم التالي , وفي علم ١٩٢٦ قبل ( برناردشو ) الجائزة بعد أن أقنعته زوجته أنها شرف لايرلندا , لكنه ظل مصمماً على رفض الحصول على قيمة الجائزة المادية , و طلب أن تستخدم في ترجمة أعمال زميله الكاتب المسرحي أوغست ستريندبرغ من السويدية إلى الانكليزية .

( بوريس باسترناك )  الشاعر و الروائي الروسي يعد الكاتب الثاني الذي رفض جائزة نوبل , بعد أن حقق شهرة واسعة في عموم أوروبا عبر روايته الملحمية الشهيرة ( دكتور زيفاغو ) , التي ترصد السنوات الدكتاتورية في الاتحاد السوفيتي .

و لسطوة الرقابة على المعارضين و المبدعيين لم يحقق هدفه بنشرها أو يجد ناشراً يوافق على نشر الرواية , مما دفعته الظروف بتهريب المسودة إلى ايطاليا , وفي عام ١٩٥٧ صدرت هناك الطبعة الاولى ولقيت ترحيباً كبيراً و ايجابية في الغرب و سلبية و رفض في بلاده , وعلت الاصوات بأتخاذ اجراءات رادعة ضده وطرده من البلاد , و ظلت الرواية ممنوعة في الاتحاد السوفيتي حتى وصول الرئيس السوفيتي “كورباتشوف” للسلطة عام ١٩٨٧ فسمح بنشرها و تداولها .

في عام ١٩٥٨ منح ( باسترناك ) جائزة نوبل للاداب , لكنه رفضها تماماً بعد الظروف الذي تعرض لها في بلاده , و مطالبة السلطات بعدم عودته إلى البلاد في حالة سافر وقبل بها , فبعث برسالة إلى “خروتشوف” يعلن بها رفض الجائزة و قال ( ترك الوطن يساوي الموت بالنسبة لي ) .

بعد عامين توفى ( باسترناك ) و لم يمشي خلف جنازته إلا عدد قليل من معارفه , و تحولت الرواية عام ١٩٦٥ إلى فيلم سينمائي .

(جان بول سارتر )  فيلسوف و كاتب فرنسي , زعيم الفلسفة الوجودية في الفلسفة , صاحب أصعب المؤلفات ( الوجود و العدم ) و ( الوجودية ) , و سلسلة من الروايات و المقالات و المسرحيات .

في ٢٢ أكتوبر من عام ١٩٦٤ , كان سارتر يتناول غداءه في مطعم قريب من منزل حبيبته الفيلسوفة ( سيمون دي بوفوار ) , حين زف له أحد الصحفيين خبر فوزه بجائزة نوبل للادب , و رفضها حالاً و هو على مائدة الغداء و اعتبرها ( قبلة الموت )  , خوفاً على ابداعه الفكري و الفلسفي ممن يحاول عبر مؤسسات تجيير نتاجاته  , وقال ( أكتب لمن يقرأ . . لا , لأنال جائزة ) .

في أحدى سنوات منح الجائزة , تداول كتاب و أدباء سويديين بمنح الجائزة إلى الروائي الروسي ( تولستوي ) صاحب أشهر الروايات العالمية ( الحرب و السلام )  , مما أجبر تولستوي على أن يرد برسالة جوابية مختصرة إلى الكتاب الاوربيين مفادها  ” أيها الاعزاء :  سررت كثيراً , لأن جائزة نوبل لم تمنح لي , و هو برأيي مثل أي مال لا يجلب إلا الشر , و ثانيهما . . تشرفت و سررت بتلقي عبارات التعاطف من كثير من الناس” .

بعد ذلك أصدر كتاب ( الخطيئة الكبرى ) و رشحته الاكاديمية الروسية لنيل الجائزة , لكن كتب رسالة عاجلة إلى صديق كانت له علاقة بالاكاديمية السويدية و يقول فيها :

( أرجوا منك رجاءاً حاراً , إذا كان لديك علاقة في السويد حسب ما أظن , أن تبذل كل جهد ممكن و تسعى إلى عدم منح الجائزة لي ) .

 

بقلم الكاتب

الأستاذ محمد حسن السعدي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com