أبحاث

مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .الحلقة التاسعة

بيدر ميديا.."

مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .

* إنـقــــــلاب المعــادلات في الشــرق الأوســـــط : ح 9

في 2 / آب / 1990، إستفاق العالم على غـزو العراق للكويت، بعـد مجادلات سياسية و ” أخـلاقية ” بين الطرفين، وقد حاولت حكومة البعث الفاشية، بقيادة فـاقد الضمير، المجرم صدام حسين، أن يحمّل دولة الكويت أسباب أخطائه في الحرب التي شنّهـا ضد النظام الإيراني، ولمدة 8 سنوات، فـاراد أن يـأخذ ” تعويضات الحرب ” من الكويت ودول الخليج، فباغت دولة الكويت عند فجر الثاني من آب عام 1990، ضاربـاً عرض الحـائط كل القيم والمواثيق الدولية وحسن الجوار، وكاشفـاً عـن سفالةٍ في التفكير، والآيديولوجية المنخورة، واندحار عقيدتـهِ الزائفة في ” الوحدة والحريّـة والإشتراكية ” ، وحين اشتـدّ عليه الخناق الدولي ، راح يضرم النيران بـآبار النفـط الكويتية، وأشعلهـا جميعـاً ( 16 بئـر نفطي ) ممّـا ألّب العالم بأسرهِ ضدّه ، وجيّشت الولايات المتحدة الأمريكية العالم ضدّه، ثم هجمت جيوش هذه الدول على العراق ، وأرغـمته على الخروج من الكويتِ صاغراً، هـو وجنودهِ ، أذلاّء، ووقّـع وزيــر دفـاعـه ” وثيقة الإستسلام ” والخروج من الكويت، دون قيد أو شرط، بعـد أن قامت جيوش الولايات المتحدة ودول العالم ، بتدمير البُـنية التحتيّـة للعراق، وضربت الجسور الرئيسية، ثم وضعت العراق ” تحت البند السابع ” في قرارٍ دولي أصدرهُ مجلس الأمن الدولي ” وحمّـل العراق مسؤولية كل تبعـات الحرب، وعليه أن يعوّض الكويـــت بـــ ( 360 مليار دولار ) تعويضات الحرب، وخسائر الآبـار النفطية، وغيرهـا من الأمور، ووضعت الأمم المتحدة يـدهـا على ” صـادرات العراق النفطية ” لغرض صرف التعويضات المالية للكويت، وفرض العقوبات والحصار على الصادرات العراقية، وتوفيَ ، نتيجة هذا الحصار والحرب على العراق، ما يقارب المليون شخص من العراقيّين، وقـد أُذِلَّ الشعب العراقي أيّـمـا إذلال في تاريخه الإجتماعي والسياسي والوطني، وقـد كُـسِـرت هـيبتـهُ التاريخية منذُ ذلك الحين، وحتى اليوم.
* لقد سحبت ظلال الأحداث العراقية هذه ، على كل فئـات المجتمع العراقي، إن كانوا في الداخل أو في الخـارج، وصار العراقي ” مـكروهـاً ” وغير مرغوبٍ فيه، في كافة دول الخليج وبقية البلدان العربية، وسُـرّح الكثير منهـم من أعمالهـم التي كانوا يمارسونهـا في هـذه الدول، ولم يَـعُـد ” حـامل الجواز العراقي ” يحصل على ” الفيـزا ” لكثيرٍ من الدول، فـاتعبتـنا المنـافي في كلِّ بلدان العالم، حتى أن الصُحف والمجلات العربية، في دول الخليج وغيرهـا، راحت تمنع نشر أيّ موضوعٍ لأيِّ كاتـــبٍ عـراقي، ” فقـد جرّت الجريرةُ على العشيرة ” كما يقال في الأمثال العربية، وصار الناس لايميّـزون بين ” المعارضة وبين النظام ” فأنت منهـم ، مادمتَ تحمل الجـواز العراقي .
* كسرت نفوسنـا هذه الحرب، وزادت مشاكلنـا في المنافي، وتشـظّت الأحزاب السياسية في مواقفـهـا وفي سلوكهـا، فالبعض يـدين النظام، والبعض الآخر يقفُ معـه ، فـازدادت اإنشقاقات بين الأحزاب، وراحت ” التـكتلات ” الحزبيّـة الضيّـقة تظهر في سلوكـهـا، وفي ثقافتـهـا السياسية .
* إزداد الإغتراب أكثر في التجمعـات العراقية، وصارت ” الوحشة ” في داخلِ كل نفسٍ عراقية، وقـد عانينـا من شظف العيش، ما لا يمكن تصوّره، حتى غَـدت ” الطعمية والفـول ” هي الغـذاء الأرأس، لدى أغلبنـا في الشام .
* لم يعـد ” مزاجي النفسي ” كما كان في السابق، فقـد فترت هِـمّتي في القراءة والمطالعـة، ومتابعة موضوعـاتي التراثية والأدبية، وحتى ” شركة الإنتاج السينمائي والتليفزيوني ” إعـتذرت منّـي، بسبب موقف العراق من حرب الكويت وغزوهـا، أضف إلى ذلك ” موقف تيارنـا السياسي ” جماعـة المنبر ” المُـعارضة لسياسة الحزب الشيوعي العراقي ، كان لهـا ” موقف من الحرب” يتمثّـل بـإدانة النظام، وإيقـاف الحرب، ممّـا وضع كل الأسماء الموقّـعة على بيـان ” إدانـة الحرب ، والدعـوة إلى إسقاط صدام ” صارت تحت المجهـر، وصارت ” الدوائر الأمنية ” تراقب سلوكـنـا في دمشق، وراحت الصُحف السورية، والمجلات، ” تعـتذر من قبول مقالاتـنا ” . لقـد جُـعـنا حقّـاً في تلك الفترة، وذَبُلـت وجوهـِـنا، وبانت على ملامحنـا مظاهـر الكِـبر والهـِـزال، حتى لم نعـد نستطيع أن نـدفع ثمن الشـاي لبعضنـا في المقهــى !
في هذه الفترة، وفي بداية عـام 1991 ، كان قد حضر إلى ” المعهـد العلمي للدراسات العربية بدمشق” المؤرّخ السياسي المعروف ” د. حَـنّــا بطـاطـو ” صاحب كتـاب ” العـراق ” بأجزاءه الثلاث، وكنتُ قـد اطلعت عليه في مكتبة ” المعهـد ” فتعرفت عليه، وتجاذبنا أطراف الحديث حول العراق، ومـا جرى بـهِ من أحداث وأمورٍ سياسية على مـدى التـاريخ، ثم سـالني عـن حـالي وأحوالي، فـأخبرتـهُ بما أنـا فيه، فحزن كثيراً، وفكّـر مليّـاً ، ثم قال لي : هـل لديك جـواز سفر ! قلت نعم ، ولكنـه سـاقط عـن التداول، نظراً لُمضي الوقت المحدد لـه، وليس هـناك من ” سفارة للعراق” بـدمشق لغرض تجديده! فـاحتـار الرجل، ولكنه أخذ مني ” صورة من جـواز السفر، ونسخ ثـواني من ” شهـاداتي المدرسية ” وبعض الصور الشخصية، على أمـل أن يجـد لي ” دعـوة ” من بعض الجامعات الأمريكية التي يعمل فيهـا، وقـد سـافر بعـد مُـدّة قصيرة .
* زرع فيَّ الأستاذ حـنّـا بطـاطـو ، بعضُ أمـلٍ، ممـا ساعدني لأن أستعيد نشاطي الثقافي، وأن أستمر مُـجدداً في دراساتي التراثية، ضمن البرنـامج الفكري والثقافي الذي كنتُ قـد وضعتـهُ لنفسي من قَـبل، وحنّـيتُ إلى أصحابي الـورّاقين ، واكملت البحثُ فيهـم، وصار العمل في 3 أجزاء ضخمة، وبحدود 1200 صفحة،بخط اليد، فصورت العمل، واحتفظت بنسخةٍ لـدي، ثم قمتُ بإرساله كـاملاً إلى السيد مدير الدراسات الإسلامية في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الريـاض، على أملِ نشرهِ وطباعـته، ثم بعثته في ” البريد المضمـون ” في شهـر يوليو /تموز / 1991 .
* لقد كان ظهـوري في التليفزيون السوري ، وأنـا أتحدّث عـن الورّاقين، شكّـل حالة ثقافية جديدة، بالنسبة لي، حيث صار اغلب المثقفين، ينظر إليَّ بوصفي ” بـاحثـاً في التراث ” فلقد دعـتني سكرتيرة المعهـد العلمي الفرنسي، السيدة رجـاء السحّـاب، هكذا كان إسمهـا كما أعتقد، لأن أُلقي محاضرة عـن الورّاقين ، على طلبة المعهـد العلمي الفرنسي، والذين يدرسون اللغـة العربيّـة، ومن الضروري أن يطّـلعـوا على التراث الثقافي العربي، لأنهـم سيكونون ” مستشرقين ” في المستقبل، ومن حُـسن حظّي كانت الأستاذة ” كـارولين ” أستاذة الأدب العربي في جامعة السوربون ” وهي كانت أستاذة زائرة في جامعة بغـداد، قسم اللغة الفرنسية، وكانت هذه الأستاذة في زيارة إلى المعهـد الفرنسي بدمشق، وقد حضرت مع الطلبة لإستماع محاضرتي عـن الورّاقين، وأعجبت جـدأً بموضوع المحاضرة، وعند الإنتهـاء من المحاضرة، طلبت الأستاذة كـارولين ، أن تلتقي بي، فـالتقينـا في مكتبة المعهـد، وبـدأنـا نتحدث عـن موضوعات التراث العربي، وضرورة ترجمتـهِ إلى اللّـغات الأوربية، ثم اقترحت عليّ أن أقـوم بزيارة إلى ” جـامعـة السوربون ” فـابتسمت ، وشرحت لهـا ” ظروفي الصعبة، والحـالة المعاشية التي أنـا فيهـا، ونفـاذ مدّة الجواز، فقالت لي : أنـا في الأسبوع القـادم، سـأعـود إلى باريس، وأعرض حـالتك على إدارة الجـامعـة، وسـأُحاول أن أجد لك ” مُنحـة دراسية في فرنسـا ” لكن عليك بتـدبير جـواز سفر، حتى تتـم دعـوتك على ضوءهِ . فقلت خيراً، سـأُحاول إيجاد طريقة لذلك، ثم أخذت مني بعض نسخ من مؤلّـفاتي الثلاث الصادرة بدمشق وهـي : 1- النظام الداخلي لحركة إخوان الصفاء . 2- عمل الدُعـاة الإسلاميين في العصر العباسي . 3- مُـغنيات بغـداد في عصر الرشيد واولاده . مع بعض الفصول من ” كـتاب الورّاقين ” وكذلك أخذت ” السيرة الذاتية ” و 4 صور شخصية، وقالت : سـأعمل جُـهـدي لأن أحصّـل لك على ” منحة دراسية ” من جامعة السُـوربون،. وبعـد أيـام ودّعتني وهي تغـادر إلى باريس وقالت : سـأراسلك وأبعث لك الرسائل عـن طريق المعهـد الفرنسي، فشكرتـهـا وغـادرت بسلام، ولم أعـد ألتقيهـا أو أسمع عـن أخبارهـا أيّ شئ .
* ظلّت مسألة الحصول على جـواز سفر، واحدة من المشاكل المُـعلّـقة والمعرقلة لمسار حياتي العلمية، وذات مساء، زارني الرفيق ” أبو ميلاد – طلال شاكر ” فحكيت له مادار بيني وبين هذه الأستاذة الفرنسية، وكيف طلبت مني ضرورة الحصول على ” جواز سفر ” حتى أتحرّك بهِ من سوريا، فقـال : دعـنا نزور الرفيق ” عـامر عـبدالله ” فهـو لديه عـلاقات قويّـة مع الحزب الإشتراكي اليمني ، وزوجته تشتغل في السفارة اليمنية بدمشق، عسى ولعـل نحصل على جواز سفر منهم، وفعلاً إلتقينـا في اليوم التالي بالرفيق عـامر عـبدالله، وشرحـنا له الموقف، قال : هـات 4 صور، ونسخة مصورة من جوازك العراقي القديم، أنت وبعض الأصدقاء والرفاق المحتاجين إلى جوازات سفر، حيث أن لديّ لقاءً قادمـاً بأحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الأشتراكي اليمني، وسـأطرح الموضوع عليه، وانشاء الله يصير خير ، فقدمت له ما أراد من الصور الشخصية ونسخة مصورة من جوازي العراقي، وكذلك فعل أبو ميلاد ورفاق آخرون، وكنّـا بحدود 6 أشخاص، وبعـد إسبوعين، طلب منّـا الرفيق عامر عبدالله أن نزور السفارة اليمنية بدمشق، وموقعـها بالقرب من مبنى إتحاد الكُـتّـاب العرب بالمزّة، فذهـبنا واستلمـنا ” جوازات السفر اليمنية” وكنتُ أُمنّي النفس بـأن تلك الأستاذة الفرنسية ” كـارولين ” سوف ترسل لي ” الدعـوة ، ومنحة القبول في الجامعة الفرنسية – السوربون ” وإسبوعيّـاً ، كنت أسأل عنهـا سكرتيرة المعهـد الفرنسي، فتجيبني ” أن لا شئ وصل من الأستاذة كارولين ” .
ينتابني الإحباط ساعة ، وساعة يـدفعني الأمل بالتشبّـث بـهِ، وعـدم الإستسلام لليـأس ، لا سيما وأن كتـاباتي بـدأت تأخذ كريقـهـا بقوة إلى النشر، في أكثر من بلد، وخصوصـاً بعـد أن حصلت على ” عضوية إتحـاد الكتّـاب العرب بدمشق ” بتاريخ 11/ 8 / 1992 م . وهي نقطة إضافية تعـزّز حضوري الثقافي، في المشهـد الإبـداعي العربي، بشكل عـام، والمشهـد السوري ، بشكل خاص .
* اللّـقاء بالشـاعر أدونيـس :
في بداية عـام 1993 ، كان كتـابي ” عـمل الدُعـاة الإسلاميين في العصر العبّـاسي” قد صدر بطبعـته الأولى، عـن دار الحصاد بدمشق، وشكّـلت ” مقدمة الكتـاب ، التي وضعهـا د. طيّب تيزيني، أستاذ الفلسفة وعلم الإجتماع بجامعة دمشق، حيث وقتـهـا كان أشهر مفكّـر لمع إسمهُ في الوسط الثقافي العربي، ممّـا زاد الكتاب قـوّة وحضورا، وصارت المنتديات الثقافية بدمشق تناقشه، والصحافة السورية تكتب عـنه، كما أجريتُ ” حـواراً إذاعيـّـاً ” عنه لراديو دمشق . في ذلك الوقت، طلب مني الصديق المترجم ” أُسامـة إسبر ” وهـو إبن أخ الشاعر المشهـور” أدونيس ” طلب نسخـةً من الكتـاب، كي يُطـلع عليهـا عمّـه ” أدونيس ” فـاهديته نسخة من الكتاب، وفي اليوم التالي، حَـدّدَ لي مـوعـداً للِّـقاء مع الشاعر أدونيس، في الساعة الثانية ظهـراً، في مقهـى الروضة ، في شارع العـابد، والفصلُ كـان ربيعـاً، فجئنـا إلى المقهـى وسلمنـا عليه، فرحّب بنـا ” أدونيس ” وأشاد بموضوعات الكتاب، والذي اطّـلع عليه بالأمس، فـأخرجتُ نسخة من حقيبتي ، وكنت قـد كتبت عليهـا إهـداءً مُـميّـزاً إلى أدونيس، وقـدّمتهـا لـه، فشكرني جداً وقال لي : كانت دراستك عـن ” مغنيات بغـداد ” دراسة رائعـة، أعجبتني كثيراً ! . قلت : كيف وصلتـكَ؟ قال : وصلتني من صديق يشتغل في وزارة الثقافة السورية، قلت : لقـد حَـجـبوا الكتـاب! قال : أدري، ولذلك أرسلوه لي. ثم جرت أحاديث بيننـا طويلة عـن الثقافة والتراث والأدب والفلسفة . فقـال الصديق أسامـة إسبر : أن الأستاذ خيرالله تلميذ للأستاذ هـادي العـلوي، فـازداداَ أدونيس فرحـاً وقال : لا خوف عليك وأنت برفقة هـادي العلوي، ثم تعمّقنـا في الحديث عـن آراءه عـن ” الحداثة الشعرية، وعـن شعراء العمود ، وما هـو رائج على الساحة الشعرية، وكتاباتهِ في ” الثـابت والمتحوّل” وأغـاني مهـيار الدمشقي ” وغيرهـا من الموضوعات التي كتب بهـا أدونيس . بعـد حوالي الساعتين من الجلوس في باحة مقهى الروضة المُشمس، إفترقنـا وودعـنا الأستاذ أدونيس ، وكان هذا اللّـقاء الوحيد بيـننـا .
* * *
* كان إشتراك سوريـا وبعض الدول العربية، للوقوف مع الزحف الأمريكي ضد القوات العراقية الغازية للكويت، شكّـل صدمة عند بعض القوى السياسية، وبعض المجامبع من الكُـتّـاب والمثقفين، فـأصدرت هذه القـوى ” بيـانـاً ” أدانت فيه غـزو العراق للكويت، وبنفس الوقت، دانت إصطفاف القوى الدولية والعربية مع المعسكر الأمريكي، وكنتُ ضمن القائمة الموقّـعة للأسماء، فـاتخذت السلطات السورية موقفـاً حـاداً من هـذا البيـان، واستدعت الكثير منّـا للتحقيق في ” مضمون هذا البيـان” فيما فصلت الكثير من الكُـتّاب السوريين والفلسطينيّن العاملين في الدولة السورية، ومُـنعنـا نحنُ العراقيين من أي نشاط ثقافي أو سياسي، على الأرض السورية، وقد مُـنعـت لي ” محاضرة عـن العقل السياسي العربي والبيريسترويكـا ” والتي كان من المقرّر إلقـاءهـا في ” المركز الثقافي السوفيتي ” بدمشق، وقد مُـنعت بنفس يوم المحاضرة، من قبل وزارة الثقافة السورية، كون النشاط الثقافي في المركز السوفيتي ، يخضع إلى ” موافقة ” وزارة الثقافة السورية، على كل نشاطاتـه ، فاستغربت الأمر، ورحتُ أستفسر من الأستاذ ” سعيد حـورانية ” الأديب السوري المعروف، بوصفهِ المدير الثقافي للمركز، فـأخبرني قائلاً : أخبرونـا بالتليفون عـن منع إقامة هذه الأمسية ! ولا أعرف ما السبب ! .
* كان الكثير من المثقفين السوريين والفلسطينيّن والعرب المتواجدين بدمشق، كانوا يتـهـيـأون للدخول إلى قاعـة المحاضرات، وكان بينهـم الأستاذ عبد المعين الملّـوحي والأستاذ شوقي بغدادي، والأستاذ خيري الذهبي، والأستاذ ميشيل كيلو ، والأستاذ صبحي دسوقي ، من أدباء الرقة، والأستاذ محمد خالد رمضان، ومن العراقيين كان حاضراً كل من الأستاذ جبار الكبيسي، ود. محمد جـواد فارس، والأستاذ جبّـار نعيم، وغيرهـم الكثير، ومجموعات أخرى كانت تقف في مدخل المركز الثقافي السوفيتي بدمشق في شارع 29/ أيّـار ، والكل مستغرب من هذا الإجراء ! .
* وقد سبق ” لجهـاز المراقية على المطبوعـات السورية ” أن صادر ” مجلة الحريّـة الفلسطينية ” من الأسواق، بعد نزولهـا مباشرة، حيث كان لي فيهـا ” مقالاً بعـنوان ” وقـفة عـند سـوق الورّاقين ” حيث كنتُ أُدين فيه موقف كل الغـزو الأمريكي إلى العراق، وأنقُـدُ من طرفٍ خفي، موقف سوريـا من الحرب، وقد ضمّـنت المقال أبيـاتـاً شعرية ، كتبهـا الأديب الجزائري ” الوهـراني – في مـنامـاتــهِ ” عندما زار دمشق في عهـد عـماد الدين زنـﮔـي : يقول فيهـا :
” تجـنّـب دمشقَ ولا تـأتِـهـا ….. وإن راقـك الجـامـعُ الجـامعُ
فسـوق الفسوقِ بـه قائمٌ ….. وفجر الفجـور بـهِ طــــــــالعُ ”
ولذلك مُـنِـعـت ” مجلة الحريّـة ” من التـداول، وسحبت من الأسواق، وكذلك أصبح إسمي ” تحت مقص الرقيب ” .
كما تجدر الإشارة هُـنا إلى أن أستاذنـا الراحل ” هـادي العلوي ” قد عـانى الأمرّين من تلك المضايقات، فكانت أغلب كُـتبهِ ممنوعة من التـداول، لا سيما كتـابيه ” مـن تـاريخ التعـذيب في الإسلام ” و ” الأغتيال السياسي في الإسـلام ” الصادران في العام 1988، ثم جـاء مقاله الصـاعـق ” البيريسترويـكا – إتجـاه صهيوني في الحركة الشيوعية العـالمية ” حيث رفضت كل الصحف الشيوعية واليسارية نـشرهِ، بما فيهـا مجـلة الحريّـة الفلسطينية، إلى أن كـتبَ على ” ترويسـة المقـال – على مسؤوليتي الخاصة ” آنـذاك ، نشرتـه مجلة الحرية .
* يُـداعبني الصديق الراحل الأستاذ ميشيل كيلو ، بعـد أن مُـنعت محاضرتي في المركز الثقافي قائـلاً : ” مـن شـرب هـذا الكأس ، تعـوّد على مرارة الأيـام ” فضحكنا سويّـةً . وفي اليوم التـالي، إلتقيت الصديق جـبار نعـيم، وهـو يجلس بجوار ” أبو حـالوب ” في مقهـى الروضة، وبعـد تناول الشاي، قال جبار نعيم مُـمازحـاً ، في بيت من ” الـدارمي ” قال فيه :
خـالفت حـتى النـار … مـا تِـفـعَل اتـوج
يل مـالك امحبّـين … إخـذ الخـلا وهــج
فقلت معلّـقاً على ذلك : يـبدو الأمر هـكذا ” لازم إنـلمــلم ﭼـوالاتـنا ونـرحـل ” . وبـدأت فعلاً، وبتفكبرٍ جِـدّي أن أُغـادر دمشق بـاقرب فرصةٍ سـانحـة .
* * * يتبع

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com