مقالات

انتفاضة تشرين أول 2019 هي المثل والنموذج الثوري السلمي المتسمر.

بيدر ميديا .

كاظم حبيب

 

انتفاضة تشرين أول 2019 هي المثل والنموذج الثوري السلمي المتسمر

لم ولن تنقطع مسيرة الانتفاضة الثورية السلمية لشبيبة العراق من النساء والرجال التي انطلقت في الأول من تشرين الأول 2019 على امتداد الفترة المنصرمة لتعلن للملأ العراقي والعالمي: لقد تحمل الشعب العراقي بكل قومياته آلاماً مبرحة، عاش محناً وأزمات قاسية ومتلاحقة، أعطى شهداء بالآلاف وأكثر من الجرحى والمعوقين من الذكور والإناث، تحمل الفقر والجوع والحرمان والقلق ونقص الخدمات الأساسية، فلا كهرباء في عز الصيف وزمهرير الشتاء، عاش التدخل الخارجي الإيراني والتركي والدولي، عاش الاجتياح والإبادة الجماعية والنزوح والتهجير القسري والخراب، نُهبت موارده المالية وخيرات البلاد، لاسيما النفطية، تحمل عبء الفساد والفاسدين والمفسدين 17 عاماً عجافاً على أيدي نظام سياسي طائفي-أثني محاصصي، فاسد ودموي، تحت وطأة حكام جائرين وفاسقين، تَحمَلَ وحَذَّرَ في فترات مختلفة 2011، 2014 2018، استهان الحكام الفاسدين بتحذيرات الشعب ولم يفهموا ولا يريدون أن يفهموا ان الشعب يمهل ولا يهمل. ثم وصل إلى الدرجة التي لم يعد فيها قادراً على التحمل، فالظلم إن دام مَّر، فأعلنت شبيبة الشعب المقدامة انتفاضتها الريَّانة، رافعة ً شعارين مركزيين يحملان معانٍ كثيرة: “نازل أخذ حقي” و “أريد وطن”.

كان الشعب قبل ذاك قد تظاهر ورفع شعارات تكشف عن طبيعة الحكم والنظام السياسي الطائفي الأثني الفاسد والمشوه والظالم وتطالب: “باسم الدين باگونة (سرقونه) الحرامية” وباسم الله هتكتنة الشلاتية”، محاكمة الفاسدين واستعادة أموال العراق المنهوبة، إيقاف تدخل إيران في الشأن العراقي، حل الميليشيات الطائفية المسلحة وتحريم امتلاك السلاح ونزع السلاح المنفلت، توفير الخدمات الأساسية للشعب ومنها الكهرباء والماء ومدارس الأطفال والرعاية الصحية والاتصالات والمواصلات.. الخ. لقد صادر النظام السياسي الطائفي الفاسد حقوق الإنسان، لاسيما حق الحياة، ووسع البطالة بين الشباب وصادر هوية المواطنة العراقية الموحدة والمتساوية، ومجد الهوية الفرعية القاتلة وحرك القتل على الهوية الدينية والمذهبية. تفجرت الانتفاضة لا لتطالب بحق الحياة والعمل والكرامة الإنسانية فحسب، بل تعلن رفضها “للعملية السياسية!” المشوهة، تطالب بالتغيير والتنمية وبناء دولة ديمقراطية علمانية حديثة، وبناء مجتمع مدني ديمقراطي.

استطاعت هذه الانتفاضة الشجاعة إسقاط حكومة الجزار والتابع الخانع لإيران عادل عبد المهدي، فتشكلت حكومة الكاظمي الذي أعطى وعوداً كثيرة وتعهد بتحقيق مطالب الانتفاضة واقسم اليمين على ذلك. ولم ينهض بما هو أساسي مطلوب حتى الآن! وسبب ذلك يكمن في ثلاثة عوامل جوهرية يفترض أن نعمل على تغييرها:

  • شخصية الكاظمي القلقة والحائرة بين قوى الانتفاضة والقوى الجائرة المهيمنة على زمام الأمور في البلاد.
  • ضعف القوى المدنية والديمقراطية، رغم تأييد الشعب للانتفاضة وأهدافها، إذ عجزت حتى الآن عن تحقيق تحالف سياسي وطني فيما بينها ومع قوى الانتفاضة الشبابية لتغيير ميزان القوى الضروري الذي يمنح الكاظمي شجاعة لا يملكها الآن لتنفيذ ما وعد به.
  • هيمنة القوى الطائفية الفاسدة على المراكز الأساسية في الدولة العراقية وهي التي تجد تعبيرها في قادة الأحزاب الطائفية وميليشياتها الطائفية المسلحة وقادة الحشد الشعبي التي تهيمن على مناطق ومحلات العراق الموزعة كحصص للهيمنة والنهب والابتزاز فيما بينها. وهؤلاء القادة هم الذين يفترض تقديم ملفاتهم بشبهة فساد وارتكاب جرائم للقضاء العراقي، وهو ما يخشاه الكاظمي حتى الآن!

ميزان القوى الداخلي الراهن في غير صالح التغيير حتى الآن، لأن  القوى الداخلية المعادية للتغيير متصارعة ولكنها موحدة في الموقف من التغيير، وتمتلك الدعم الكبير من الخارج، لاسيما إيران التي تحلب العراق كبقرة حلوب، فما العمل؟

 إنها مهمة قوى الانتفاضة والقوى الديمقراطية وعموم الشعب العراقي. إن الخطوة الأولى شخصها الرفيق رائد فهمي بصواب في دعوته للتحالف الوطني الواسع بين القوى المدنية والديمقراطية مع قوى الانتفاضة الشبابية، إنها المهمة الملحة التي لم تتحقق حتى الآن ولا بد من البحث عن أسباب ذلك لمعالجتها جدياً، إذ لا يكفي أن نقول لقد فشلنا في تحقيق هذه المهمة، بل لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا فشلنا؟ والإجابة عن هذا السؤال بصراحة ووضوح وشفافية عالية يسمح بإيجاد الأرضية الصالحة للقاء القوى ذات المصلحة بالتغيير وتحقيق التحالف المنشود وضمان السير الجاد والدؤوب على طريق الانتفاضة الباسلة لتحقيق التغيير المنشود. 

إن من واجب القوى المدنية والديمقراطية العراقية وكل الوطنيين والشرفاء من النساء والرجال في الخارج أن يعملوا باتجاهين أساسيين هما:

  • العمل على تعبئة كل القوى والعناصر العراقية من النساء والرجال المقيمين في الخارج، لاسيما الشبيبة، لدعم قوى الانتفاضة الشعبية وتنشيطها بمختلف السبل المتوفرة لها.
  • العمل بين أبناء وبنات شعوب الدول التي يقيمون فيها لتنشيط حملة التضامن الأممي مع قوى الانتفاضة ومطالبها العادلة والمشروعة، سواء بتنظيم الاحتجاجات والوقفات والمظاهرات والمحاضرات وكتابة المقالات وتحريك الإعلام الدولي لهذا الغرض.

إن من واجبنا ممارسة الضغط باتجاهين مهمين هما: الضغط على حكومة الكاظمي لتنفيذ ما وعدت به وتعهدت وأقسمت على تنفيذه من جهة، والضغط المتزايد على القوى والأحزاب الحاكمة وميليشياتها من خلال تعريتها أكثر فأكثر أمام الشعب وفي الخارج وفرض تراجعها عن ممارسة الضغط على حكومة الكاظمي وشل عملها المشترك مع إيران وقوى أخرى في الخارج ضد انتفاضة الشعب السلمية والديمقراطية من جهة أخرى.

إن قوة الانتفاضة تظهر في قدرتها على تغيير ميزان القوى لصالح التغيير والتي يمكن أن تعطي جرعات من الشجاعة والإقدام لحكومة ما تزال قواها ضعيفة وعزمها هزيل أمام القوى التي تتحكم بالمفاتيح الأساسية للدولة العراقية ومعها الدولة العميقة التي يتحكم بها قادة الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية ومن خلفهم تنتصب إيران لتمارس كل أشكال الضغط لعرقلة مسيرة التغيير المنشود. ليسمح لي الرفيق فهد الذي قال يوماً “الحكومات العراقية ليست سوى طيارات ورقية خيوطها بيد سميث وآل سميث” أن استعير هذه القول الحق لأعبر عن وضع العراق الراهن فأقول:

“الأحزاب الإسلامية السياسية والميليشيات الطائفية المسلحة والحشد الشعبي ليست سوى طيارات ورقية خيوطها بيد علي خامنئي وآل خامنئي”

لينهض الشعب، بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه، بكل قواه وأحزابه الوطنية والديمقراطية وكل شرفاء وشريفات الوطن المستباح بالطائفية والفساد، لينهض كل الشعب بوجه القوى الطائفية والأثنية الفاسدة التي هيمنت على الحكم طيلة السنوات المنصرمة وأذلت الشعب وصادرت حقوقه، وأهمها الحق في الحياة والعمل والعيش الكريم وإخضاع الدولة وسياساتها للخارج ومصادرة الاستقلال والسيادة الوطنية.

 

                     

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com