بسام كوسا روائي بقوة التلفزيون… إبراهيم عيسى وانحدار المحاججة… ويل سميث وصفعة القرن
بيدر ميديا.."سوريا.
بسام كوسا روائي بقوة التلفزيون… إبراهيم عيسى وانحدار المحاججة… ويل سميث وصفعة القرن
إن كنتَ من سكان مواقع التواصل الاجتماعي لا بدّ أنك لاحظت فيديوهات عديدة تصوّر حفل توقيع الفنان السوري بسام كوسا لروايته الأولى في دمشق.
لعلها واحدة من المرات التي في إمكانك أن تحكم على رواية قبل أن تقرأ حرفاً فيها. لا يمكن للروائي إلا أن يكون متأملاً استثنائياً، كشافاً، صاحب رؤيا، لكن الكلمات المتلفزة التي تسمعها من الروائي المستجد لا تشي بشيء من هذا القبيل، ما من عبارة واحدة عليها القيمة. دعك من الحشد، الممثل نفسه يعرف أن ثمانين في المئة من جمهور التوقيع جاؤوا بفضل شهرته التلفزيونية، لا حباً واحتفالاً بالرواية، كصنف إبداعي. حفل بهذا الحجم لتوقيع رواية لا يقدر عليه سوى تركي آل الشيخ، ومِن قبله أحلام مستغانمي، ولأسباب لا تقع في صلب الكتابة الرفيعة.
لدور النشر العالمية الاحترافية محرّرون محترفون ومترجمون خونة، في إمكانهم صناعة تحفة من رميم الكلام، ومِن كاتبٍ بالكاد يعرف كيف يفك الخط مشروع جائزة نوبل.
لا ننكر أن الرواية يمكن أن تعيش لبعض الوقت بقوة العلاقات العامة والبزنس، وبقوة أشياء أخرى عديدة.
يمكنها أن تصل إلى منصات عالمية بارزة إن أتيح لها مترجمون استثنائيون قادرون على تحوير الرواية بما يناسب ذائقة اللغة الأخرى، والجمهور الآخر.
معلوم أن لدور النشر العالمية الاحترافية محررين محترفين ومترجمين خونة في إمكانهم صناعة تحفة من رميم الكلام، من أيّ كلام، ومِن كاتب بالكاد يعرف كيف يفك الخط مشروع جائزة نوبل، على الأقل في مخيلته ومخيلة جمهوره، لكن ذلك لا يمكن أن يحدث دائماً، ليس بالوسع الاستمرار عندما يتوقف نهر البزنس والعلاقات.
الكتابة أيضاً عمل شاقّ، قد يكون صحيحاً أن المعاني مطروحة في الطرقات بالفعل، لكن الوصول إليها ليس بالأمر اليسير، على الأقل لا يمكن التقاط معنى الشارع من وراء طاولة المكتب، أو شاشة التلفزيون، وحسب.
ما يجري عادل تماماً، جمهور حفل توقيع رواية بسام كوسا هو غالباً جمهور تلفزيوني، يسهل اصطياده بالإعلانات المضللة وحملات العلاقات العامة، أما جمهور الرواية المخلص، فلا شك أنه مثابر على اصطياد روايته الأسمى.
أما الجمهور فهو مصفّقٌ سلفاً، لا يعنيه من كل الحكاية إلا أنه التقى بنجمه الأحب، والتقط صورة عمره معه. في إحدى التغطيات المصورة قال موسيقي سوري قبيل حفل التوقيع، حتى قبل أن يقتني الكتاب «سنفاجأ أنه سيدهشنا بالمفردات والصور والجمل التي سيكتبها»! لقد قرر طاهر مامللي سلفاً أننا سنفاجأ! هيّا إذن.
على أي حال، ما يجري عادل تماماً، الجمهور الذي ذهب إلى حفل التوقيع هو غالباً جمهور تلفزيوني، يسهل اصطياده بالإعلانات المضللة وحملات العلاقات العامة، أما جمهور الرواية المثابر، جمهور الأدب، إن كان بالإمكان استخدام كلمة جمهور هنا، فلا شك أنهم مثابرون على اصطياد رواياتهم، كتّابهم، المعاني الأسمى، بعيداً عن تأثير المؤثرين. القراءة عمل شاق هي الأخرى.
نتاجر سوا!
الصحافي ومقدم البرامج المصري إبراهيم عيسى رغم براعته في نقاشات ومقابلات ومحاججات ينحدر في واحدة من حلقاته التلفزيونية إلى منطق هو أقرب ما يكون إلى ردح الضّراير؛ هذا الذي يتيح له أن يحاجج على هذا النحو المناكف: «الإعلام الأمريكي ومراكز البحث الغربي يهاجم بعنف وضراوة الأمير محمد بن سلمان، مع كل إجراءاته الإصلاحية، وفي الوقت نفسه يعظّم نظرة الإخوان المسلمين، ويعظّم نظرتهم إلى المنطقة سواء لمصر أو السعودية أو الإمارات». ويتابع، وهنا في الإمكان تخيّله واضعاً يده على خصره على طريقة ردّاحات المسلسلات: «ما تقوليش عشان حقوق الإنسان! إحنا مش ح نلعب على بعض». يروح عيسى يعدّ انتهاكات أمريكا، ودعمها للانقلابات الديكتاتورية (المثال المكرّر لبينوشيه والجنرال الليندي): «آه بتَّتاجِر بحقوق الإنسان، ونتاجِر معناها سوا».
الصحافي ومقدم البرامج المصري إبراهيم عيسى رغم براعته في نقاشات ومقابلات ومحاججات ينحدر في واحدة من حلقاته التلفزيونية إلى منطق هو أقرب ما يكون إلى ردح الضّراير.
ثم يتساءل «هل إيران تلتزم بحقوق الإنسان، كي تعطيها امتيازات وترفع عنها العقوبات؟ وهل إسرائيل بتاعة حقوق إنسان؟ ليه عليّ أنا بقى؟!» ويجيب «عشان دي أجندة الإخوان المحتكرين دوائرك والمتنفذين في قراراتك».
ما يقوله إبراهيم عيسى يمكن وصفه بعبارة «أي كلام» فلا رُفعت عقوبات عن إيران، ولا يُعرف، كما لا يصدّق عن «الإخوان» احتكار للدوائر الأمريكية والغربية، لكن المسألة ليست هنا تماماً، بل في المنطق الرديء للنقاش، إن قيل لك لماذا ينتهك النظام المصري حقوق الإنسان؟ لماذا أصحاب الرأي في السجون؟ ما عليك إلا أن تسحب جواباً جاهزاً: «وماذا عن السجون الإسرائيلية وما تفعله بالأسرى الفلسطينيين؟». طيب تصوّر لو أن اتهامات بانتهاك حقو ق الإنسان وجهت لإسرائيل، أليس سهلاً على إسرائيلي أن يقول لماذا يُغض الطرف عن جرائم النظام المصري، السوري (وهذه بالذات أفظع من أي تصوّر) السعودي، ومن بينها جريمة قتل خاشقجي المروعة، التي لا يمكن لأي إصلاحات في العالم أن تمحو فظاعتها!
المشكلة في منطق المحاججة البائس، وهو كان على الدوام في متناول الجميع، أما عندما يستعمله صحافي وروائي وباحث كابراهيم عيسى ستأسف حينها عندما ترى إلى أين يمكن أن ينحدر الإنسان عندما يسلّم رقبته لحبل السلطان.
جنون فنان
صفعة في حفل الأوسكار أمس سيتردد صداها طويلاً وبعيداً. يبدو أنها ستكون «أعظم ليلة في تاريخ التلفزيون» كما قال الرجل الذي تعرّض للصفعة أمام ملايين المشاهدين، على شاشات العالم.
الرجل المهان كان كريس روك، مقدم حفل الأوسكار، فبعد أن ألقى دعابة بحق زوجة الممثل ويل سميث، تتعلق بشعرها المتساقط بفعل مرض الثعلبة، وبعد أن ضحك سميث للوهلة الأولى، صعد الخشبة تحت الأضواء، ومشى بضع خطوات، توقّف بثبات، ثم صفع مقدم الحفل الساخر.
من فرط إتقان المشهد بدا الأمر ممسرحاً ومحضّراً، إلى حدّ أربك الحاضرين الذين انتظروا من يقول لهم إن الصفعة مجرد دعابة أيضاً. لكنها لم تكن كذلك، كما كانت بعيدة على أن تكون مجرد زلة يد، أو زلة أعصاب.
نقدّر فعلاً مقدار الجرح الذي أصاب الممثلة زوجة سميث، لكن كان بالإمكان أن يكون رد الفعل من جنس الفعل، أي الكلام.
فور الحدث انهالت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، واشتعل الجدل. الكلام الأكثر غرابة جاء من نساء مؤيدات للصفعة: «أنتم لا تعرفون كم الإهانة التي تشعر بها امرأة تصاب في أعز مكان يعبر عن الأنوثة؛ الشَّعر» وحرفياً قرأنا لمن قالت عن ويل سميث إنه «قبضاي».
حسناً، نستطيع أن نقدّر فعلاً مقدار الجرح الذي أصاب الممثلة زوجة سميث، لكن كان بالإمكان أن يكون رد الفعل من جنس الفعل، أي الكلام. أطلقَ روك دعابة، وكان بإمكان سميث أن يرد من مكانه، كما فعل تماماً بعد الصفعة، حين قال: «أبعد اسم زوجتي عن فمك اللعين».
محزن حال كريس روك حقاً، محزنة الصور التفصيلية للصفعة التي تلقاها في حفل الأوسكار السنوي البهيج، وبالضبط عندما جاء ليضفي جواً من المرح.
محزن، بقدر ما كان تصرف ويل سميث همجياً وقميئاً.