تحقيقات

استهداف جيش الاحتلال للصحفيين والصحفيات الفلسطينيين محاولة يائسة لاغتيال الحقيقة

بيدر ميديا.."

ورقة حقائق لمركز “شمس” بمناسبة اليوم العالمي للصحافة

استهداف جيش الاحتلال للصحفيين والصحفيات الفلسطينيين محاولة يائسة لاغتيال الحقيقة

 

المقدمة

تشكل الصحافة ركيزة أساسية من ركائز المجتمعات الديمقراطية الحرة، كما أنها تؤسس لنظام سياسي تعددي وشفاف وديمقراطي وجدير بالثقة، ويكون عماد هذه الصحافة المؤسسات الصحافية والإعلامية والمراسلين والصحافيين والمدونين وكتاب الرأي والمصورين الذين يسعون باستمرار وراء نقل الحقيقة للرأي العام، ويعرضون أنفسهم للخطر فهم حراس الحقيقة التي تنير الطريق وتعرض الأحداث على حقيقتها للعالم أجمع.

ففي الوقت الذي تحتفل فيه دول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة ما زال الصحفيين والصحفيات الفلسطينيين يتعرضون لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وما زالت الصحافة الفلسطينية في عين العاصفة والاستهداف من قبل الاحتلال وما زال الصحفيون والصحفيات والمؤسسات الإعلامية والمدونون يتعرضون إلى استهداف مباشر من قبل آلة القتل والإجرام الإسرائيلية سواء كان هذا الاستهداف بالقتل أو بالاعتقالات أو الاعتداء عليهم وإصابتهم بجروح أو الاختناق أو الضرب المبرح ومنعهم من الوصول إلى أماكن عملهم ، هذا إلى جانب حظر عمل بعض الفضائيات ووسائل الإعلام وإغلاق مكاتبها، أو تدمير المؤسسات الإعلامية أو تقييد المحتوى الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني، إذ أصبح الجسم الصحفي والإعلامي الفلسطيني هدفاً لآلة الحرب الإسرائيلية من أجل إخفاء الحقيقة عن العالم، وأصبحت الحقيقة أولى ضحايا الحرب لحجبها وإخفائها عن الرأي العام الدولي وإخفاء الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين المدنيين في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة لا سيما في  قطاع غزة.

إعلان هيئة الأمم المتحدة في كانون أول 1993م أن يوم (3/5) من كل عام هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، لم يكن عبثياً ، بل كان ذلك من اجل احترام الصحفيين والصحفيات والعمل الصحفي ، ليكون هذا اليوم كما كل يوم مناسبة لتذكير الحكومات والدول بضرورة احترام الصحافيين والالتزام بحرية الصحافة، وتقييم المبادئ والأسس العامة للصحافة والدفاع عن الإعلاميين ووسائل الإعلام وحريتها والتأكيد على استقلاليتها وحياديتها والتأكيد على مبادئ الصحافة الحرة المستقلة الغير منحازة بوصفها السلطة الرابعة في الدول والمجتمعات الديمقراطية.

فقد حولت الحرب التي يشنها الاحتلال على الصحافيين في قطاع غزة الصحافيين والصحفيات من ناقلي للحدث والحقيقة إلى أهدافٍ مباشرة للاحتلال بالقتل والإعدام والاعتداء والاعتقال، من أجل نشر رسالة الخوف والرعب لثنيهم عن القيام بواجباتهم في نقل الحقيقة من عين المكان للعالم أجمع وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي والاستهداف المنظم للمدنيين وللأعيان المدنية في انتهاك واضح وصريح لكل القيم والمبادئ والمثل الأخلاقية والقانونية والحقوقية في العالم، كما ويمعن جيش الاحتلال بالاستهداف المباشر للصحفيين والصحفيات في الضفة الغربية والاعتداء عليهم بطرق شتى لمنعهم من تغطية جرائم الاحتلال .

 

عمليات القتل والإعدام والاستهداف المباشر للصحفيين

يتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الصحفيين والصحفيات بشكل مباشر ومنظم منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مستغلاً بذلك (البروباغندا) الإعلامية التي أطلقها منذ السابع من أكتوبر وكسب تعاطف قوي من الرأي العام الدولي وحكومات بعض الدول الغربية في بداية العدوان، واعتمد منهجية استهداف الصحفيين والصحفيات لإخفاء الحقيقة عن العالم لان الحرب على الرواية والصورة هي الوسيلة الأساسية للتأثير في الرأي العام الدولي، لذلك كانت عمليات استهداف الصحفيين والمؤسسات الإعلامية سياسة منظمة وممنهجة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد بلغ منذ 7/10/2023م عدد الشهداء من الصحفيين في قطاع غزة (149) شهيد/ة منهم (132) ذكر و(17) أنثى، وشهيد صحفي واحد في الضفة الغربية.

هذا العدد الكبير من الصحفيين والصحفيات اللذين تم استهدافهم بالقتل من قبل جيش الاحتلال مؤشر على مدى الوحشية والإجرام الذي يمارسه الاحتلال بحق الصحفيين والصحفيات الفلسطينيين، علماً بأن عدد الصحفيين الذي قتلوا في الحرب العالمية الثانية والتي استمرت من العام 1939م وحتى العام 1945م بلغ (69) صحفياً فقط، وهذا مؤشر واضح على حرب الإبادة الجماعية والاستهداف المنظم للصحفيين والصحفيات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، فعدد الضحايا من الصحفيين خلال أقل من سبعة أشهر في قطاع غزة تجاوز عدد الضحايا في الحرب العالمية الثانية خلال خمس سنوات.

وتجاوزت الملاحقات للعمل الصحفي والإعلامي الفلسطيني الحيز المكاني والجغرافي للأرضي الفلسطينية المحتلة، وتماهت بعض الشركات العالمية مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي في ملاحقة الصحافة الفلسطينية وتقييدها من خلال تقييد المحتوى الرقمي الفلسطيني والتقييد على عمليات النشر من خلال الفضاء الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أن غالبية تلك الشركات التي تتحكم في الفضاء الإلكتروني هي شركات أمريكية ومرتبطة بعلاقات جيدة مع الاحتلال والحكومة الأمريكية الداعمة لجرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

الاختفاء القسري للصحفيين

في ظل استمرار الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وحالة الحرب الدائمة والتي تحتل فيها قضية القتل وتدمير المباني والمنشآت والأعيان المدنية حيزاً واسعاً من استهدافات الاحتلال الإسرائيلي من خلال قصفها بالطائرات والصواريخ التدميرية وحجم الدمار الكبير مما أدى لزيادة حالات الاختفاء القسري للكثير من المواطنين الفلسطينيين ممن هم ما زالوا تحت الركام أو ممن تم اعتقالهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي وعدم التصريح عن ذلك واعتبارهم مقاتلين غير شرعيين، وقد ذكر تقرير المرصد الاورمتوسطي لحقوق الإنسان أن عدد المواطنين الذين لا يعرف مصيرهم في قطاع غزة  حوالي (13000) مواطن. وكان هناك حضور للطواقم الإعلامية في الاختفاء القسري، إذ أنه حتى اللحظة لم يتم معرفة مصير عدد من الصحفيين هل هم على قيد الحياة أو لا أم هم معتقلين لدى الاحتلال الإسرائيلي أم أنهم شهداء تحت الأنقاض، إضافة إلى أن هناك عدد من الصحفيين من قطاع غزة ما زالوا قيد الاختفاء القسري ولا يعرف مصيرهم حتى الآن منهم الصحفي نضال الوحيدي والصحفي هيثم عبد الواحد والصحفي عماد الإفرنجي والصحفي محمد عرب.

اعتقال الصحفيين

جيش الاحتلال الإسرائيلي ما زال يعتقل عدداً من الصحفيين والصحفيات ، فسياسة الاعتقالات بحق الصحفيين والصحفيات الفلسطينيين كجزء من إستراتيجية الاحتلال في إخضاع الشعب الفلسطينية والتغطية على الجرائم التي يرتكبها كل يوم، وازدادت الاعتقالات بحق الصحفيين والصحفيات في العام 2023م وخاصة بعد حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، ولقد بلغ عدد الصحفيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي (56) صحفي/ة، من بينهم (45) اعتقلوا بعد 7/10/2023م بينهم (4) صحفيات. وقد مارس الاحتلال كافة أشكال التعذيب بحق الصحفيين الفلسطينيين، وإن غالبية الصحفيين المعتقلين يتعرضون للضرب والتعذيب أثناء الاعتقال وأثناء عمليات التحقيق معهم ويتم حرمانهم من أبسط حقوقهم من زيارة الأهل وزيارة المحامين وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.

 

الحماية الخاصة للصحفيين والصحفيات في القانون الدولي

عمل القانون الدولي على إعطاء حيزاً كبيراً للصحفيين والصحفيات في الحماية وضمان حرية العمل والحركة والحق في الوصول إلى المعلومة ونقل الصورة والحقيقة من عين المكان سواء كان القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد تجلى ذلك في القواعد الآمرة والتي أكدت عن ضمان حرية العمل الصحفي وحماية الصحفيين والصحفيات ،  فقد أكدت اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12/8/1949م، على حماية المدنيين،  وكون الصحفيين والصحفيات هم من المدنيين فإنها تشمل حمايتهم، إذ نصت المادة رقم (15) من الاتفاقية على (حماية الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية ولا يقومون بأي عمل له طابع عسكري أثناء إقامتهم في مناطق النزاع)،  وانتهاك للمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1977م المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية والذي يعتبر العاملين في مجال الصحافة من المدنيين وينطبق عليهم ما ينطبق على المدنيين في النزاع المسلح وتحظر الهجمات المباشرة على الأشخاص المدنيين وتمنع التعسف في استخدام القوة ضدهم، وانتهاك للمادة رقم (50) من نفس البروتوكول أيضاً التي تعتبرهم من المدنيين وينطبق عليهم ما ينطبق على المدنيين في النزاع المسلح، وانتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان لاسيما للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ نصت المادة رقم (19) من الإعلان على (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود)،  وانتهاك للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، إذ نصت المادة رقم (19) من العهد على (لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة والحق في حرية التعبير ويشمل ذلك حرية التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها)، وانتهاك أيضاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وأهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم  (1738) لسنة 2006 م الذي  يدين أي هجوم على الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ويشدد على ضرورة حمايتهم، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2222) لسنة 2015م والذي يدعو لحماية الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم، ويؤكد القرار على أن المعدات والأدوات والمكاتب والاستوديوهات الإعلامية هي أصول مدنية، يجب ألا تكون هدفاً لهجمات أو أعمال انتقامية أثناء الحرب والعمليات العسكرية، وانتهاك لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة( 68/163 ) لسنة 2013م الذي يدين أعمال العنف ضد الصحفيين خلال النزاعات المسلحة ويحث على ضمان سلامتهم.

الخطوات الواجب اتخاذها على الصعيد المحلي والدولي

على الصعيد الدولي

في اليوم العالمي للصحافة وفي الوقت الذي يتعرض فيه الصحفيين والصحفيات الفلسطينيين لكافة الجرائم والاعتداءات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فإنه أصبح من الضروري على الجهات الدولية التحرك العاجل لوقف تلك الجرائم والانتهاكات وخاصة الأطراف السامية المتعاقدة والموقعة على اتفاقيات جنيف، ومجلس حقوق الإنسان، والمفوض الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، ومنظمة التربية والعلوم والثقافة اليونسكو والاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب والمؤسسات الإعلامية الدولية، والمؤسسات الحكومية والغير حكومية. والعمل بشكل جدي على التصدي لتلك الجرائم والاعتداءات التي تستهدف الصحفيين الفلسطينيين الذين ينقلون الصورة  والحقيقة من قلب الحدث، ويرسلون الرواية الفلسطينية للعالم أجمع على أن هذا الاحتلال يتفنن في أساليب القتل والتعذيب والإجرام والإبادة بحق الشعب الفلسطيني كل يوم، في ظل صمت عربي وإقليمي ودولي قاتل.

على الصعيد المحلي

لقد أصبح من الواجب على المؤسسات الفلسطينية الرسمية والأهلية التحرك السريع في ظل ما يتعرض له الصحفيين الفلسطينيين من اعتداءات  وجرائم يومية سواء في استهدافهم بشكل مباشر أو بمنعهم من العمل وتغطية الأحداث ونقل الحقيقة من عين المكان، وذلك من خلال وضع خطة مشتركة تشمل كافة الأطراف الفاعلة وذات العلاقة بالجسم الصحفي الفلسطيني من وزارة الإعلام وزارة الخارجية ونقابة الصحفيين ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء المؤثرين في الفضاء الاجتماعي واستخدام الدبلوماسية الرقمية الشعبية لفضح جرائم الاحتلال في ظل المضايقات والجرائم التي تعرض لها الصحفيين، والتوجه إلى المحاكم الدولية من أجل ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتقديم شكاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وأمام المحاكم الوطنية للدول الديمقراطية التي تسمح أنظمتها الداخلية بذلك، ويجب على الجهات الفلسطينية الرسمية وخاصة الحكومة الفلسطينية والبعثات الدبلوماسية الفلسطينية في الخارج، وبعثة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة  تسليط الضوء بشكل قوي على تلك الجرائم والانتهاكات  ونقل الرواية الفلسطينية الحقيقية للعالم وفضح الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الصحفيين الفلسطينيين وحشد الرأي العام الدولي لصالح الشعب الفلسطيني للتأثير على حكومات دول العالم لدعم ومناصرة  حقوق الشعب الفلسطيني، والضغط على الاحتلال لوقف جرائمه المستمرة بحق الصحفيين الفلسطينيين.

ومن جانب آخر فإنه يتوجب على الحكومة الفلسطينية العمل على إطلاق الحريات العامة والتوقف عن تطبيق القوانين التي تقيد العمل الصحفي وتحد من حرية الرأي والتعبير في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتطوير الأنظمة والتشريعات ما يتواءم مع القوانين والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين والتي تحمي حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وخاصة حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي والعمل الصحفي، وتعديل القرار بقانون بشأن المطبوعات والنشر رقم (9) لسنة 1995م،  والقرار بقانون بشأن الجرائم الإلكترونية رقم(10) لسنة 2018م، وقانون الاجتماعات العامة رقم (12) لسنة 1998م  وإعادة الاعتبار للمؤسسات التمثيلية للشعب الفلسطيني من خلال إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وانتخابات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية .

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com