الحب . . .
جوهر الحب يكمن في لا مشروطيته !
“الحب هو الصلة التي تربط و تجذب عناصر العالم مع بعضها البعض , إن الحب في الحقيقة هو العامل المساعد في تكوين المزيج العالمي “
بيير تيلهارد دي شاردان
من منا لم يُسبق فعل الحب بكلمة تنم عن إشراط معين , و من منا لم يُشرط فعل الحب بوجود موضوع ما , بدءاً من القيام بهذا الفعل نحو أنفسنا و إنتهاءاً بتوجيهه نحو العالم الخارجي و الأخرين المحيطين بنا .
فقد بات أمراً معتاداً أن نسمع مفردة الحب و هي مقيدة بضرورة حدوث أمر ما أو وجود غاية ما لتتحقق , فأنا لا أحب نفسي إلا إذا فقدت وزنا معينا , أو ما لم أحقق الهدف الفلاني , أو الا أذا أمتلكت الحاجة الفلانية . . الخ , و ما ينعكس عنه من إشراط لحبنا للأخرين , أنا لا أحب فلان لأنه إقترف فعل كذا , أو لكنت أحببته لو كان يتحلى بالصفة الفلانية . . الخ .
محولين الحب بذلك الى محض كلمة لا غير , مفهوم هش مُفرغ من مضمونه الفعلي , لنجرده بذلك من حقيقته كملَكة مُتجذرة في تكوينة الأنسان , و أسلوب و أتجاه أنساني فطري و طبيعي للعيش و للتعامل وفقه مع كل ما يحيطنا , من مخلوقات بدءا من انفسنا و انتهاءاً بجزيئات الهواء التي نستنشقها.
ان حقيقة و جوهر الحب تكمن في لا مشروطيته , أي لا ارتباطه بموضوع او شيء خارجي , جوهره ان يكون , ان يتدفق دون ان يعترضه قيد الشرط معيقاً مجراه .
العديد من الدراسات الفلسفية و النفسية . . الخ , حاولت البحث في موضوعة الحب و ايجاد تفسير موحد لهذا الانفعال كما يعبر عنه في علم النفس , و لكن دون جدوى , لم يتعدى فعل تفسيره سوى محاولات تصنيفية لأستنباط عدة انواع منه , ليضيفوا بذلك سلاسل اخرى تنهك قواه , من قبيل (الحب الاخوي , الحب الامومي , الحب الرومانسي) و كأنهم يشرطونه مرة اخرى بموضوع معين , فالحب لا يحدث الا لأخ او ام او حبيب (موضوع خارجي ) يقع بعيد عن الفرد و منفصل عنه .
و لا يتحقق حدوثه و وجوده الا بحدوث ووجود هذا المصدر الخارجي , بينما الحب موقف و اتجاه حياة , و طاقة تحرك ارواحنا بالأتجاه الفطري السليم , اتجاه تقبل بعضنا البعض كما نحن عليه , لا كما ينبغي ان نكونه .
تصحيح مفهوم الحب في اذهان اجيال لاحقة ربما سيكون من شأنه تصحيح مسارنا كجنس يسير نحو الهاوية , و لا يكون ذلك الا بأحداث ثورة في كيفية ايصال هذا المفهوم للطفل من خلال عملية تنشئته الاولى بصورة صحيحة , بدءاً من الام و انتهاءاً بالمدرسة و الاعلام و غيرها من الوسائل الفعالة في التأثير على تشكيل و بناء مضمون الطفل النفسي بمختلف تمثلاته .
يبدأ التقييد لفعل الحب منذ اللحظة التي تشرط الام حبها لطفلها بأستجابة معينة , و منذ اللحظة التي يشرط الاب حبه لأبنه بوجوب الطاعة و الغاء الذات , و في اللحظة التي يشرط بها المعلم حبه لتلميذه بسلوك معين يجده هو مناسب , دون مراعاة لرغبة الطفل نفسها و دون احترام لطبيعته او تقبل فردانيته , مجبراً اياه على التخلي عن نفسه تدريجياً من اجل الحصول على تعزيز الحب !
ليتغلل الى ذهن الطفل يوماً بعد اخر , ان الحب مشروط برضا شخص اخر , مصدر خارجي منفصل عنه (اب او ام او معلم . . الخ) , و انه مجرد وهم و اسم خواء من المعنى , دون ادراكه لمغزاه كفعل و ملكة متجذرة و طاقة محركة لا يمكنه العيش دون تفعيلها في نفسه .
و لن يتمكن المرء من التوصل الى سلام داخلي ما لم يتغلب على هذه المعضلة و ما لم يفهم هذا المعنى العميق بروحه بعيدا عن فلسفات العالم و علومه , بقلبه فقط سيتمكن من ايجاد هذه القدرة الخلاقة الكامنة في اعماقه , و ما لم يبدأ بحب و تقبل نفسه كما هي متغلباً على الشروط و القيود الملقنة اليه , فأنه سيشقى , و سيفشل لا محالة في قبول و تقبل الاخر أياً كان اختلافه , و بالتالي التوصل الى حبه !
فأن الحب ليس أساساً علاقة بشخص معين , أن الحب موقف , أتجاه للشخصية يحدد علاقة شخص بالعالم ككل , لا نحو موضوع واحد .
ان الحب هو الحل الوحيد و القوة الوحيدة التي بأمكانها حل النزاعات و وضع حد للألم على الصعيدين الشخصي و العالمي و التغلب على ما يعترضنا من شدائد تتفاقم يوما بعد يوم “هذه هي الحقيقة و ها نحن نبدأ بتعلمها و بأدراك قوتها و جبروتها , فلنفتح قلوبنا و لنطلق أرواحنا لنستقبل الطاقات الكونية و لنسمح لها أن تساعدنا.”
ملاحظة : الصورة المعبرة هي لوحة للرسامة الامريكية (mary southard )
بعنوان ( تحمل شعاع الحب – bear the beams of love)
بقلم الكاتبة
زينب كاظم