مقالات

الحاجة الى نص تشريعي لمنع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية.

بيدر ميديا.."

الحاجة الى نص تشريعي لمنع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية

زهير كاظم عبود

 

لا يوجد نص في  قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل على عقوبة لجريمة الإبادة الجماعية ٫ بالرغم من توقيع العراق على معاهدة منع جريمة الإبادة الجماعية في العام ١٩٤٨ ٫ ولغرض تدارك الامر تمت الإشارة الى هذه الجريمة ضمن الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا  ٫ الا ان هذه الإشارة لا تسري على الأفعال الخاصة بالإبادة الجماعية المرتكبة من بعض المتهمين من عصابات ( داعش ) الإرهابية بالنظر لكون احكام قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٥  ينص على سريان احكام القانون للفترة من ١٧|٧|١٩٦٨ ولغاية ١|٥|٢٠٠٣ ٫ في حين وقعت الجرائم التي ارتكبها عناصر التنظيم بعد هذا التاريخ .

جريمة الإبادة الجماعية تشمل جرائم القتل والحاق الأذى المادي او المعنوي المتعمد بقصد التدمير الكلي او الجزئي لمجموعة بشرية تشكل كيانا قوميا او اثنيا آو عنصريا او دينيا ٫ وللخطورة الاجرامية التي تنتج من هذا الفعل فقد اتفق المجتمع الدولي على معاقبة مركبي هذه الجرائم سواء كان فاعلا اصليا آو مشاركا فيها  .

وتتحقق اركان مثل هذه الجريمة بفعل القتل آو الأذى الجسيم ٫ وبقصد اهلاك تلك الجماعة كليا او جزئيا ٫ وتتحقق النتائج للفعل المخالف للقانون تاركة اثرا ماديا على الحياة آو الجسم ومعنويا مثل التهجير والارغام على البقاء في منطقة معينة لا تصلح للمعيشة ٫ او بفصل الأطفال عن اهاليهم ٫ او الاحتجاز دون سبب قانوني او بتغيير قومية او ديانة الفرد رغما عنه ودون ارادته.

ان مثل هذه الجرائم لا تتقادم بمعنى انها لا تسقط بمرور الزمن ويتم ارتكاب مثل هذه الجريمة خلال فترات الحروب والعدوان او خلال السلم والاستقرار.

ومن نتائج هذه الجريمة التي تستهدف الجنس البشري وتهز الوجدان والكيان الإنساني ٫ وهي من الجرائم بالغة الخسة التي سيكتبها التاريخ بمداد اسود ٫ فهي تعكس بشكل واضح التوجهات الاجرامية للفرد او للمجموعات التي تتعمد انهاء الوجود البشري لأسباب متعددة ٫ والمسؤولية في مثل هذه الجرائم تكون اما فردية او تنسحب على منفذي الأوامر .

الأمثلة على مثل هذه الجرائم متعددة منها جريمة التطهير التي جرت على اليهود العراقيين ٫ وجريمة إبادة الشيوعيين خلال انقلاب شباط في العام ١٩٦٣ ٫ وجريمة قتل وتهجير الكورد الفيليين وجريمة قتل وتهجير الايزيديين التي ارتكبتها عناصر من داعش لم يزل العديد منهم اما محكوما او موقوفا وفق تهمة قانون الإرهاب النافذ.

ما تتعرض له بعض المجموعات البشرية من جرائم وانتهاكات لا توصف لبشاعتها ٫ يقف المجتمع البشري امامها مذهولا وخجلا إزاء العقوبات والوسائل والسبل المتخذة ضد المتهمين سواء كانوا حكاما او افراد ٫ ولما كانت المحكمة الجنائية الدولية  تعالج قضية محاكمة مرتكبي مثل هذه الجرائم الا انها مقيدة بتقديم آي دولة طلب الانضمام الى المحكمة والموافقة على سريان قانونها ٫ بالإضافة الى ان سريان سلطة المحكمة ستكون بعد تاريخ قبول انضمام تلك الدولة لمعاهدة المحكمة الجنائية ٫ والعراق لم يزل غير موقع او موافق على الانضمام لهذه المحكمة .

ما جرى من ارتكاب جرائم على الساحة العراقية سابقا او لاحقا يوجب القصاص العادل ومحاسبة المتهمين بارتكاب مثل هذه الجريمة ٫ ما يجعل الحاجة الى تفعيل نص المحكمة الذي نص على هذه الجريمة في المادة ١١ من القانون:

جريمة الإبادة الجماعية
أولاً – لأغراض هذا القانون وطبقاً للاتفاقية الدولية الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية المعاقب عليها المؤرخة في 9/ كانون الأول – ديسمبر / 1948 المصادق عليها من العراق في 20/ كانون الثاني – يناير / 1959 فإن الإبادة الجماعية تعني الأفعال المدرجة في أدناه المرتكبة بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً .
أ- قتل أفراد من الجماعة .
ب- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد من الجماعة .
ج- إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً .
د- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة .
هـ- نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى .
ثانياً – توجب الأعمال التالية أن يعاقب عليها :
أ- الإبادة الجماعية .
ب- التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية .
ج- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية .
د- محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية .
هـ- الاشتراك في الإبادة الجماعية

وبالإضافة الى ضرورة وجود مثل هذا النص في متن قانون العقوبات العراقي فان الضحايا بحاجة الى معالجات ترقى لمستوى حجم الجريمة ٫ وان يكون هناك الزام دولي لاضفاء الحماية لمن يشعر بشكل جدي تعرضه بالشروع لفعل الإبادة ٫ وان يتدخل المجتمع الدولي لغرض إضفاء نوع من الحماية ومنع ارتكاب مثل هذه الجريمة ٫ وتشخيص عناصر الخطر لتقييدها ضمن مكانها واتخاذ الإجراءات القانونية للحيلولة دون استخدام العنف او الارتكاب الجزئي وفرض عقوبات رادعة ومتناسبة مع فداحة الجريمة ٫ وفي كل الأحوال يعتمد ارتكاب مثل هذه الجريمة على الوعي الإنساني والقيم المرتبطة بتطور الحياة وحق الاخر بالحياة والعقيدة والفكر .

ان تبني مثل هذا النص ينسجم مع توجه العراق لتطبيق نصوص الاتفاقية  الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية ٫ مع إمكانية تطويع النص بما ينسجم مع الواقع العراقي والظروف التي يمر بها بتعديل الوصف او نقله حرفيا ٫ وذلك حتى لا تبقى ثغرة يمكن ان يفلت منها الجناة ٫ وان ينسجم النص مع الأركان المنصوص عليها في تعريف جريمة الإبادة الجماعية ن كما ان الظروف الحالية التي يمر بها العراق توجب إعادة التفكير مليا في مسالة الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية  التي تشكل اليوم ركيزة أساسية لتجسيد العدالة الجنائية الدولية .

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com