منوعات

«النشامى» بهوى مغربي… وفي الجزائر فرح لهزيمة «الأسود»!

بيدر ميديا.."

«النشامى» بهوى مغربي… وفي الجزائر فرح لهزيمة «الأسود»!

الطاهر الطويل

 

استرعى انتباهي هذا الأسبوع مشهد للعديد من الناس يتابعون مباريات «الساحرة المستديرة» بحماس غريب، سواء في المقاهي أو عبر الهواتف الذكية في وسائل النقل العمومية. وتساءلت في قرارة نفسي عن السبب، علمًا بأنّ ما كان يشدّ اهتمام المغاربة إلى مقابلات كرة القدم منذ زمن قريب قد زال وانقضى، والمقصود به مشاركة منتخب «أسود الأطلس» في نهائيات كأس الأمم الأفريقية، التي خرج منها خاسرًا منهزمًا.
بعد التحرّي والتقصّي، «اكتشفتُ» سرّ الانجذاب إلى المنافسة الكروية، إنها مباريات كأس الأمم الآسيوية، حيث كانت المواجهة بين منتخب كوريا الجنوبية ونظيره الأردني الذي تمكّن من الانتصار على خصمه بهدفين لصفر، وتأهل إلى المباراة النهائية لأول مرة في تاريخه الرياضي.
لقد انحاز المشجّعون المغاربة خلال مباراة نصف النهائي إلى المنتخب الأردني الذي يحمل لقب «النشامى»، وسبب انحيازهم راجع إلى أنّ مدربه مغربي، هو الحسين عموتة. إنهم يشتمُّون فيه «ريحة البلاد»، كما يقال، وفي الوقت نفسه يبحثون عبْره عن نصر لم يتيسّر في المنافسات الأفريقية مع المدرب وليد الركراكي.
غير أن أحد المدوّنين المغاربة استكثر على المشجّعين من بني جلدته إعجابهم بمنتخب «النشامى» الذي يقوده المدرّب المذكور، فكتب على «فيسبوك» متحاملاً: «يقولون: مبارك (للنشامى) الفوز، دون أن يعرفوا معنى هذه الكلمة»؟
والواقع أن كلمة «النشامى» تُمثل لديّ شخصيا، كما لدى الكثيرين من أفراد جيلي، حنينًا إلى مرحلة الطفولة، حيث كنّا نستمع عبر الإذاعة إلى الأغنية البدوية الشهيرة للمطربة اللبنانية سميرة توفيق التي تقول:
«يلا تصبّوا هالقهوة وزيدوها هيل
واسقوها للنشامى ع ظهور الخيل
والنشامى نلاقيها ونحيها
ويلك يلي تعاديها يا ويلك ويل»
حينها، اكتشفنا أن «النشامى» صفة للرجال ذوي الشهامة والكرم والشجاعة؛ كما أنها صفة للنساء «النشميات».
وهكذا، كان للمدرب الحسين عموتة الفضل في إعادة ربط الجسور بين المغاربة وإخوانهم المشارقة، خلال مدة قصيرة؛ بعدما كاد المدرب وليد الركراكي أن يهدمها، بسبب فلتة لسان ناتجة عن عدم إتقانه للعربية وتأثره الكبير بلغة موليير، إذ قال «إننا لا نلعب من أجل راية العرب». والحال أن العرب لم يصلوا بعد لأن تكون لهم راية واحدة موحدة، كما حصل مع الأوربيين الذين أقاموا اتحادهم عمليا منذ ثلاثين سنة ونيف. وتلك حكاية أخرى !

سياسة ورياضة!

وإذا كان عشاق «الساحرة المستديرة» في المغرب من بين مشجّعي فريق «النشامى» خلال دوري القمة الرياضية الآسيوية، وقد فرحوا لتأهّله الباهر، فإن المشجّعين الجزائريين قبلهم فضّلوا أن يُقيموا الأفراح، احتفالاً بنتيجة جارهم، منتخب «الأسود»، والتي لم تكن سوى الهزيمة في كأس الأمم الأفريقية. وشاهَد العالم عبر مختلف وسائل الإعلام كيف خرج العديد من المواطنين في المدن الجزائرية إلى شوارع المدن، حيث أقاموا مواكب احتفالية كبيرة، ابتهاجًا بخسارة المنتخب المغربي أمام نظيره الجنوب أفريقي!
البعض رأى في تلك المشاهد تجليا من تجليات إقحام السياسة في الرياضة، على خلفية حالة الجمود الدبلوماسي بين البلدين المغاربيين، فيما اعتبرها البعض الآخر مجرد «تنفيس» عن خروج «محاربي الصحراء» ـ قبل «الأسود» ـ من تلك المنافسات الأفريقية الجارية في كوت ديفوار.
ومن جديد، جرى استقدام السياسة إلى دائرة السجال الرياضي، حيث تساءل مدونون مغاربة: لماذا لم نر مثل تلك المواكب في شوارع المدن الجزائرية، وهي تتضامن مع غزة؟ وهم يشيرون بالغمز واللمز، مستحضرين المسيرات والوقفات التضامنية شبه اليومية التي تشهدها جل مدن المغرب، فيما تكاد أمثالها تغيب في الجزائر.
لكن؛ أما آن لهذه المعارك الكلامية بين الجيران الأشقاء أن تنتهي؟

المهدي المنجرة و»الكرة»!

والواقع أن الانجذاب نحو «البالون المنفوخ» والتشجيع عليه من طرف المسؤولين في البلدان المتخلّفة، ليس سوى حيلة لشغل الناس وتحويلهم عن واقعهم اليومي وقضاياهم الاجتماعية والمادية. إنها عملية تندرج ضمن ما أسماه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي «استراتيجية الإلهاء»؛ فهي تحفّز على التمسك بالوهم والانجذاب إليه، وتخلق حالة فرح عابرة، قد تنكسر بالإحباط الناتج عن الهزيمة.
لذلك، مثلاً، تُرصَد للمنتخب المغربي لكرة القدم ميزانية مالية ضخمة جدا، ويحظى بالاهتمام الرسمي من مستويات عليا، وتُسلَّط عليه الأضواء الإعلامية بشكل مكثّف (في منافسات كأس إفريقيا للأمم بكوت ديفوار جرى إيفاد 140 صحافيا رياضيا على حساب أموال دافعي الضرائب، وإن كان البعض تساءل: هل فعلاً كلهم صحافيون؟) وفي الأخير، تكون الخسارة في أحايين كثيرة مقابل كل هذه «التعبئة»! ومع ذلك، يحاول المسؤولون تجاهل المسألة، وإطلاق الوعود والتمنّيات المتعلقة بالاستحقاقات الرياضية المقبلة. تمامًا، كما هو الحال في ألعاب الرهان والحظ… التسمية الملطّفة للقمار!
يحصل كل هذا، بينما يقع تجاهل العمل المطلوب إزاء ما يُطلَق عليه «بناء الإنسان»، من خلال الاهتمام بالصحة والتربية والإعلام والثقافة والفن، وجعلها من الأولويات في برامج التنمية وفي الموازنات المالية السنوية والاهتمامات الحكومية والإعلامية.
ثمة مقولة مشهورة في هذا الصدد، وردت على لسان المفكر المغربي الراحل الدكتور المهدي المنجرة، إذ قال: «أن تفوز على مصر لا يختلف ان تفوز هي؛ وكذلك مع الجزائر وتونس؛ فلا فائدة… كثرة الغليان والتشاحن. فنحن جميعا متعادلون في التخلف والأمية والجهل وضعف الصحة وانتشار البطالة وتبذير الثروة وما خفي أعظم. كرة القدم هي مجرد لعبة وليست من بنود التطور أو مؤشرات التنمية البشرية المعروفة بتحديد من طرف الأمم المتحدة، وهي الصحة والتعليم والدخل الفردي أو مستوى عيش السكان.. الشعوب المتخلفة ترى في الكرة كل شيء وهي في الأصل لا شيء»!

معادن الفنانين!

هناك مَن يمارس الفن فقط كوسيلة من أجل لقمة العيش، وهناك مَن يجعله رسالة نبيلة لتجسيد قضايا إنسانية واجتماعية في قالب إبداعي. وأخطر فئة هي تلك التي يكون الفن لديها من أجل «تخدير» الشعوب، ويكون الفنانون مجرد أدوات طيّعة في يد قوى الاستبداد!
أحداث غزة الأخيرة كشفت عن طبيعة معادن الفنانين العرب: بعضهم لم يتردد في التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين وإدانة حرب الإبادة الإسرائيلية، والبعض الآخر اختار سياسة النعامة، فدفن رأسه في التراب، إما جهلاً أو خوفًا من أن يؤثّر موقفه على فرص العمل الفنية مستقبلا؛ لدرجة أن أحد الكوميديين المغاربة أصيب بالذعر حين سُئل عن موقفه ممّا يجري حاليا في فلسطين، فردّد أنه لا علاقة له بالسياسة. وكان بإمكان المسكين أن يكتفي على الأقل بالقول «موقفي هو موقف سلطات بلادي»، فيجنّب نفسه الحرج وموجة الغضب والسخرية التي جرّها عليه لسانه الجبان!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com