منوعات

مستشفى الديوانية العسكري في الديوانية معلم صحي أزيل بعد الإحتلال الأمريكي.

بيدر ميديا.."

مستشفى الديوانية العسكري في الديوانية معلم صحي أزيل بعد الإحتلال الأمريكي

نبيل عبد الأمير الربيعي

تقع المستشفى العسكري على ضفاف نهر الديوانية داخل أراضي الفرقة العسكرية الأولى، مقابل المستشفى الجمهوري الحكومي، التي اندرست معالمه في ثمانينات القرن الماضي، وفي عهد متصرف الديوانية مصطفى بك العمري الذي تمّ تعيينه في شهر شباط عام 1930م ونقل منها في 15 شهر آب عام 1933م, وفي زمانه بوشر ببناء دار الحكومة الجديدة سنة 1932م (بناية متصرفية الديوانية القديمة) وعلى الجانب الأيسر من ضفة نهر الفرات والذي تم بناؤه عام 1935م, وكذلك أنشأت بناية (الثكنة) العسكرية والمستشفى العسكري والنادي العسكري على الجانب الأيمن من ضفة نهر الفرات, وكما تم تأسيس الثانوية للبنين في أواخر أيامه عام 193)

يضمُّ المستشفى العسكري أطباء محنّكين وممرضين ذوي خبرة وأجهزة ومستلزمات طبية حديثة وأدوية وعلاجات وفيرة، وهم الذين كانوا يستقبلون المرضى مقابل الأجور في عياداتهم الخاصة بعد انتهاء دوامهم الرسمي، إنَّ السماح للأطباء العسكريين بفتح عيادات طبية خاصة لهم بعد الدوام الرسمي، أسهم في جعل مدينة الديوانية مقصد المرضى الذين يفدون إليها عند المساء بصورة خاصة من القرى والأرياف والنواحي المحيطة بالمدينة، وكان ثَمّة تفاهم ملحوظ ما بين الأطباء العسكريين والأطباء المدنيين للتعاون في علاج المرضى في المستشفيات، ولعلَّ جيل الأربعينات والخمسينات لا ينسى أطباء لمعت أسماؤهم فأقاموا في الديوانية ردحاً من الزمن، مثل الطبيب رشيد معتوق والطبيب جورج سليم والطبيب عاصم الخيالي والطبيب فؤاد سارة والطبيب حكمت الشعرباف، والطبيب رسام شاشان (عام 1948م) والطبيب نهاد مراد (عام 1956م) والطبيب فؤاد مراد والطبيب يعقوب سارة (عام 1950م) والطبيب أدور عيسى (1954م)، والأخَوَين الطبيبين شاكر وعبد الأمير توفيق الذين كان لهما فضل تنظيم الأسبوع الصحي في الديوانية.

يذكر الدكتور حكمت الشعرباف حول الأيام التي قضاها كضابط احتياط في مستشفى الديوانية العسكري بعد تخرجه في كلية الطب عام 1960م، “ألتحقت بالعمل في (م.د.ع)، وهو الأسم المختصر لمستشفى الديوانية العسكري.. وجدت الديوانية، كئيبة، ليس فيها ما يسر. وكان نادي الضباط وخدماته المتميزة وحدائقه الواسعة الملاذ الوحيد لقضاء أوقات الفراغ الطويلة. كان من العاملين في المستشفى وقد توطدت لي معهم الصداقة كلٍ من الدكتور سالم سفر والدكتور سعيد غدير والدكتور صالح شلال وطبيب الأسنان خسن عبرة والصيدلي مجيد مشكور. كان آمر المستشفى يومذاك الدكتور بوغوص بوغوصيان، وهو جراح اختصاصي، وكان رجلاً جاداً وحريصاً، إلا أنهُ صعب المراس أحياناً. أما مساعد الآمر والقائم بالشؤون الإدارية للمستشفى فكان الرئيس الأول عباس الدجيلي، وهو عسكري صارم.

كان يحق لنا مغادرة المعسكر للسفر إلى اهلينا مرة كل أسبوعين، وكنا نزود في هذه الحالة بورقة تعرف بورقة (عدم التعرض). كان يذكر في الورقة الساعة التي يسمح لنا عندها بمغادرة المستشفى، وهي الساعة الثانية عشرة ظهراً عادةً. كنا نجلس في غرفة المساعد السيد عباس، ويكون قد أعد هذه الورقة من قبل، ولكنه لا يسلمنا إياها إلا في تمام الساعة المدونة فيها. كان ينظر إلى ساعته ويقول (بقيت عشر دقائق)، ثم (بقيت خمس دقائق)، وهك1ا. تعليقاتنا الساخرة لم تكن تجدي نفعاً. فصك الغفران هذا لا يمكن استحصاله منه إلا بعد أن يكون الوقت قد أزف. من المؤسف أن يتم إعدام هذا الرجل العسكري المثالي بعد قيام حركة 8 شباط عام 1963 بتهمة انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، رحمه الله.

في صبيحة أحد الأيام طلب منا أخذ مسحات دم من كافة المنتسبين من الجنود وضباط الصف وذلك للتحري عن مرض الملاريا. قمنا بهذه المهمة أما والزميل شلال التميمي. انتظم الجنود وضباط الصف وبدأنا عملنا. كانت المهمة سهلة للفاحص والمفحوص، كنا نأخذ قطرة دم من أصبع الجندي بعد وخزه، وكنا نضع هذه القطرة على الشريحة الزجاجية. لاحظت أن أحد الجنود كان شاحب اللون، مصفر الوجه. كان تقديري أن الرجل من (نهي عصبي) وهي حالة كثيراً ما يعاني منها بعض الناس عند رؤيتهم الدم أو مناظر العنف، طلبت منه أن يجلس لكنه رفض مدعياً أنه جندي في القوات المسلحة منذ حرب فلسطين عام 1948م، وأنه فعل بالصهاينة ما فعل…!!. وحين انصرفت لأخذ المسحة من الجندي التالي سمعت صوت ارتطام رأس صاحبنا بالأرض، فقد أغمي عليه، لم تنفع معه بطولاته المزعومة في فلسطين، تمّ نقله إلى المستشفى واتضح أنه أصيب بكسر في الجمجمة. تعافى الرجل من اصابته بعد أسابيع ولكن المنتسبين ظلوا ما أن يلتقون به أو يلتقي بهم حتى يغمزوه ويلمزوه مشيرين إليه قائلين بتهكم (جبناها لفلسطين).

جاء تسريحنا من الخدمة في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1961م، كان يوم التسريح يوماً سعيداً، إذ سيكون اليوم الذي أقول فيه للديوانية (هذا فراق بيني وبينكِ). أقسمت في نفسي أن لا أدخلها بعد ذلك اليوم أبداً. غادرنا المستشفى بعد أن ودعنا الجنود البسطاء الطيبين وداعاً حاراً.

Svara
Svara alla
Vidarebefordra
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com