مقالات

صفقة القرن ومحاولة شطب القضية الفلسطينية

محمد قدورة

في قراءة متروية للأحداث التاريخية المتوالية، تمكننا من تتبع بدء التآمر الدولي و الخنوع صفقة اقليمي، الاسلامي و العربي على الصعد الرسمية مما ادى الى ما نحن عليه اليوم، فهو طبعا لم يكن صدفة فجائية مع مجيئ ترامب الى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية و انما هي نتاج عملية تراكمية تاريخية ادت الى وصول لحظة تلاقي الضعف العربي و اندلاع الحروب الاهلية العربية على اثر تمكن السياسة الامريكية القائمة على شعار انتشار الفوضى الخلاقة التي تمكنت من زرع الفتن الطائفية و القبائلية، حيث تمكنت بالأضاليل المكثفة من استبدال العدو الرئيسي للشعوب العربية ممثلا بإسرائيل الى صديق لعدد من الانظمة العربية و مراكمة خطوات تطبيعية سرية معه الى حين الافصاح عنها بلا حرج و لا وجل و تسويق عداوات مذهبية مبتدعة مع بلدان اخرى. فان الحلم الصهيوني بإقامة حكومة يهودية عنصرية ليست من بنات افكار نتنياهو، انما كان قد بدا يعبر. عن ذاته وبشكل سافر واستفزازي مع انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول الذي انعقد في مدينة بازل على الحدود السويسرية الالمانية في اب من عام 1897 حيث وضعت فيه الاسس النظرية للدولة اليهودية، فقد اعتبر تيودور هيرتزل في خطابه يومها بان المؤتمر كان بمثابة ” الجمعية القومية اليهودية”. وفي ظل الانهيار العربي والاسلامي، في مناخ من جهل مدقع فرضته الامبراطورية العثمانية عليهما تحت بيارق الخلافة الاسلامية، وقع وعد ارثر بلفور وزير خارجية بريطانيا للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود، في جو من الخنوع العربي والاسلامي المريع.

وجاء في أثره التواطؤ الدولي ليرسم خرائط معاهدة سايكس بيكو التي جزأت المنطقة الى مناطق نفوذ للدول الاستعمارية الاوربية وتعهدت بدورها بتنفيذ ذلك الوعد المشؤوم واستكملت نتائج حرب العصابات الصهيونية عام 1948على الشعب الفلسطيني واعلان قيام دولة اسرائيل بمباركة دولية. فتشتت الهوية الفلسطينية بان اودعت الاراضي الفلسطينية التي لم تخضع للاحتلال حينها، الضفة الغربية وقطاع غزة، تحت اشراف أردني وادارة عسكرية مصرية بدل دعم الفلسطينيين على اقامة كيان وطني على ما تبقى من ارضهم الوطنية، تمكنهم من متابعة الصراع مع المحتل لاستعادة اوطانهم. لا بل جاءت حرب حزيران 1967 في ظل عدم استعداد النظام العربي والهزيمة التي حلت بجيوشه في زمن قياسي، لتتوحد الارض الفلسطينية كلها تحت حراب الاحتلال الاسرائيلي. و استمر التيه الفلسطيني الى ان انطلقت الثورة الفلسطينية الحديثة في اواسط الستينات من القرن الماضي و شبت و تعززت مكانتها بين ابناء الشعوب العربية بعد هزيمة حزيران النكراء لأنها اعتبرت الرد الشعبي على اندحار النظام العربي الذي دارى بها خيباته الى ان تمكن من توجيه ضربة لتلك الثورة الفتية فيما سمي بأيلول الاسود في الاردن عام 1970 و تتالت الضربات من )الاعدقاء( من اجهاضها و لكنها توصلت الى العالمية و اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني و اعتبرت الحركة الصهيونية حركة عنصرية في المحافل الدولية و جاء الاجتياح الاسرائيلي للبنان 1982 على لبنان و فرض على الثورة الفلسطينية الهجرة مجددا الى بلاد لا حدود لها مع فلسطين المحتلة و حل الانقسام تبعا للمحاور العربية بما في ذلك اندلاع الحرب بين اخوة السلاح و كل محاولات راب الصدع كانت تصطدم بسياسات تدجين الثورة و سوقها اكثر فاكثر نحو التخلي عن عوامل القوة التي تمتعت و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و تربع الولايات المتحدة وحيدة على عرش العالم و تسخير مؤسسات الامم المتحدة في خدمة ماربها السياسة و تجييرها لمصلحة ربيبتها اسرائيل جاءت سياسة فرض الارادات عبر مؤتمر مدريد في الوقت الذي تخلت فيه القيادات الفلسطينية المتنفذة عن شعار ” البندقية بيد و غصن الزيتون بيد ” و لم تستفد تلك القيادات من سيرة قادة و شعوب تمسكت بالمقاومة في ظل المفاوضات كلا الشكلين تساندا في معركة قادت الى تحرير فيتنام بقيادة هوشي منه و جنوب افريقيا بقيادة نلسون مانديلا بينما نحن قد اجهضنا الانتفاضة الاولى و انتفاضة الاقصى و غرقنا في مفاوضات عبثية ماراثونية لعشرات السنين حول اتفاق اوسلو و ملحقاته بلا مرجعية دولية و انما تحت مطرقة الضغوط الامريكية المنحازة لإسرائيل فكانت تنقلنا من تنازل الى اخر دون تحصيل اي مكسب كان بناء على كل ما تقدم فان ما يسمى بصفقة القرن و التي لم يعلن عن بنودها رسميا حتى اللحظة، الا ان خطوات اجرائية تدل على مضمونها بدأت تظهر للعلن منها نقل السفارة الامريكية للقدس و الاعتراف بان القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل و هذا ما شجع نتنياهو على عرض قانون ” الدولة القومية العنصري ” كما اندفعت الولايات المتحدة على دروب الغاء حقوق اللاجئين الفلسطينيين بتقليص خدمات الانوروا و تسريح الالاف من موظفيها و فرض حالة الطوارئ عليها كمقدمة لتقليص خدماتها تحت ذريعة نقص الموازنة و اعلان الادارة الامريكية عن تجميد دفع التزاماتها. ان كل هذه الكوارث الاجرائية تنتعش في كنف اوسلو و التنسيق الامني مع المحتل و استشراء سرطان الاستيطان الذي يمد اذرعه على مجمل اراضي الضفة الغربية التي تتلوى فيها الطرق الالتفافية التي تؤمن الصلة بين المستوطنات و اقامة جدار الفصل العنصري و فرض الحصار البري و البحري و الجوي على قطاع غزة و الانكى من كل تلك المصائب هو استمرار الانقسام الوطني الذي يديمه طرفي الانقسام مما يسهل على اسرائيل ان تلقي بلقم الزقوم الى الامتين مع قرص جبنة ترامب قطعة تلو قطعة اخر قطعة مسمومة يا امة الضاد و يا امة اقرأ و يا رواد ” سلام اوسلو “، الذي تنعيه اسرائيل، بينما انتم تنفخون في روحه لعله يحيى!!! اقر الكنيست الصهيوني ” قانون الدولة القومية العنصري ” بالقراءة الاولى وقد حاز على اغلبية 62 صوتا مقابل 55 صوتا من اعضائه، بناء على اقتراح عضو كتلة الليكود، رئيس جهاز الامن السابق ” الشاباك “، ” افي ديختر “، بعد ان صادقت عليه في نهاية الاسبوع الماضي ما تسمى ” اللجنة الوزارية الاسرائيلية لشؤون التشريع على القانون ”

ان ديختر هذا قد صرح ليديعوت احرانوت: ” ان القانون هدفه حماية اسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي “!! ان القانون المذكور يتكون من أحد عشر بندا حروفها تقطر عدوانية وعنصرية والاعلان بلا مواربة عن نظام فصل عنصري ” ابارتهيد ” على ارضنا المحتلة

ان هذا القانون يهدد فعليا 1.8 مليون من اهلنا المقيمين في الاراضي المحتلة منذ ال48 بطردهم من مدنهم و قراهم تحت عناوين عديدة لتكتمل النكبة و يحرم ما يقارب 7 ملايين من اهلنا في بلدان الهجرة القصرية و الشتات من حقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها و بهذا تقدم اسرائيل كعادتها على اختراق لأبسط القوانين الدولية و منها القرار الدولي 194 الذي ينص على حق الشعب الفلسطيني بالعودة الى الاراضي التي هجر منها و قد جرى النص صراحة في البند الاول من هذا القانون : ” ممارسة حق تقرير المصير في دولة اسرائيل حصرية للشعب اليهودي ”

كما ان هذا القانون يتساوق مع قرار ترامب بنقل السفارة الامريكية الى القدس والاعتراف بها عاصمة ابدية لإسرائيل، فقد ورد في البند الثالث من هذا القانون بان: ” القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة اسرائيل “، هذا وقد نص القانون في بنده السادس على: “تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية وتعمل من اجل تشجيعه ودعم اقامته وتثبيته “

ونحن متغافلون ونرفع عقيرتنا بالشجب والادانة ونثير الزوابع على بعضنا ونكرس الانقسام فيما بيننا ونتمسك بتلابيب اوهام السلطتين ونخدر اعصاب جماهيرنا بالمراوغة واللعب على حبال الوحدة الوطنية ونقمع اهلنا بلا رحمة في كلا الدويلتين الوهميتين. لقد ان الاوان بل زاد عن حده وفاض ولم يعد التراخي مقبولا مع ممتهني القيادة الخلبية، لا بد من موقف صارم. انني ارى بان نحذر من مغبة التساوق مع هذه الخطوات الخطرة، فهناك مؤشر تجاه دائرة المغتربين و وزارة الاسرى و الشهداء و كذلك الهدنة الملغومة التي اقرتها حماس في اجتماعها القيادي الاخير، نحذر من ايقاعنا في فخاخ جديدة في الوقت ذاته الذي نستل فيه عوامل المقاومة التي لا زلنا نمتلكها لمواجهة كل هذه الخطوات و في المقام الاول تكريس الوحدة الوطنية الشعبية الشاملة لأبناء الشعب الفلسطيني في كل الوطن المحتل و بلدان الهجرة و الشتات و ليس ادل من هذه الوحدة هو موقف اخوتنا الدروز الذين خرجوا بالألاف يرفضون قانون الدولة القومية و علينا ان:

نعلنها بالفم الملان: قد مات اوسلو وملحقاته وكل ما ترتب عليه جملة وتفصيلا

الغاء التنسيق الامني مع اسرائيل بكل الاشكال وتجريم التعامل معه سرا او علانية

مقاطعة العلاقات مع كل نظام عربي سولت او تسول له نفسه تطبيع العلاقات مع الكيان العنصري الغاصب

اعادة الاعتبار لكل اشكال النضال في مقارعة الاحتلال لاستعادة كرامتنا الوطنية على درب الخلاص والعودة

ان نكون بؤرة تشكيل جبهة مقاومة شعبية عربية لمقاومة المخططات الصهيو امريكية

والا كيف لنا ان نثمر موقف الاتحاد الاوربي ممثلا بسفيره لدى دولة الاحتلال ” لارس اندرسون ” الذي اثار غضب نتنياهو بسبب لقائه مع اعضاء كنيست وتشجيعهم على عدم التصويت مع مثل هذا القانون العنصري الجائر، وكيف نثبت موقف فرنسا واسبانيا وايطاليا من المستوطنات في الضفة الغربية والجولان، فاذا لم نساند هذه المواقف ستذهب مع الريح كسابقاتها من المواقف

ان الاوان لموقف شعبي ضاغط والمساهمة في اعادة تجييش أنصار قضيتنا العادلة الدوليين ولنعلي راية العمل فالوقت لا زال يجري في غير مكانه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com