تحقيقات

بالصور و الفيديو : كيف تأثر أطفال العراق و سوريا بمدارس (داعش )

تعلّم الحساب باستخدام رصاصات فارغة، واختار كلمة « بندقية » لتعلم حرف الباء، ونظريًا اقتنع بأن « الجنة » تكتب له إذا قتل الآخرين، هذا حال لطفل صغير تعلم في ما يشبه « المدرسة » التي أقامها « تنظيم الدولة الإسلامية _ داعش » على أراضى سوريا والعراق.

نجح التنظيم في إظهار مناهجه التعليمية بأنها قوية وحديثة وتتبنى رؤيته في العنف والصراع، ليظهر بعد انفكاك التنظيم عن الكثير من المناطق أن تلك المناهج كانت في الغالب إلكترونية، قدمت للباحثين والإعلاميين والمراكز المعنية، ولم تقدم على أرض الواقع للأطفال، وذلك بسبب بخل التنظيم في الصرف على المسيرة التعليمية التي ترسخ مبادئ تعيد تنشئة الأطفال في المناطق التي يسيطر عليها على شاكلته.

بدنا نعلم عليك إنك بتدخن لو منعتنا من الذهاب لمدرسة داعش

التزم السوري « أبو محمد » منزله الكائن في  دير الزور، وقرر عدم الخروج من المنزل، إلا للضرورة؛ فقد أدرك الرجل ما تعنيه سيطرة داعش على مدينته، وبالرغم من ذلك لم يستطع منع أبنائه محمد (9 سنوات) وأحمد (8 سنوات) من الخروج؛ فقد ضاق المنزل بهما بعد إغلاق المدارس النظامية ومنع الالتحاق بها.

 

انخرط الصغيران في اللعب يوميًا أمام زقاق المنزل، لكنهما أخذا يعودان بإلحاح وطلب الالتحاق بالمدرسة التي خصصها التنظيم في المنطقة بعد أشهر من سيطرته، فرفاق الحي ذهبوا للدراسة هناك , اعتقد «أبو محمد» أن الأمر قد يقتصر على تعليم الكتابة والقراءة فقط، وبالرغم من تخوفه وافق على إلحاح أبنائه، تحدثنا إلى الشقيقة الكبرى لمحمد وأحمد، فقالت : « تخوفنا من الخروج بسبب داعش، فدخلوا بيتنا بأفكارهم، تغيرت تصرفات أشقائي كثيرًا، وأخذوا يتدخلان في كل شيء يخص لباسنا المحتشم، وتحركاتنا وتصرفاتنا العادية »، وتواصل الفتاة الحديث : « ندم أبي كثيرًا، وأخذ يطالبهم بعدم الذهاب، لكنهم أصروا على الذهاب، بل كانت المأساة أنهم هددوا أبي بالوشاية بأنه يدخن ».

استمر الصبيان في تهديد والدهما، وكانا يكرران باللهجة  السورية “الديرية” « بدنا نعلم عليك إنك بتدخن »، وأصبحت حياة الأسرة كلها رعب، فاضطر الجميع للأخذ في الحسبان كل ما يوافق عليه الصبيان، ولا يخالف ما أصبحا يعتقدان به، وصمت الجميع حتى عن تأييد أي طرف من أطراف الصراع السوري، وعن أحلام هؤلاء الأطفال تقول الشقيقة : « أصبح حلمهم أن يقاتلوا ويدخلوا الجنة، ويحملوا السلاح، لقد أغدق عليهم التنظيم بالمال، وغسلوا عقولهم بتعليم سيئ للغاية ».

كيف بدأ التعليم في مناطق ” داعش “

 عجل تنظيم الدولة بفرض المناهج والخطط الدراسية في مناطق سيطرته، بهدف أن تخدم هذه المناهج رؤيته بجعل الجيل القادم من الأطفال والفتية مقاتلين، ولذلك دس المواضيع الجهادية وسط المواد العادية كالرياضيات والقواعد واللغة الإنجليزية.

يضعنا مدير منظمة العدالة من أجل الحياة «جلال الحمد» في حقيقة ما لحق بالتعليم عندما سيطر داعش على «دير الزور» التي تعد أكبر مدن الشرق السوري، فيقول: إن التنظيم في البداية أجبر المدرسين في المدينة على الخضوع لدورات شرعية، بعد أن أغلق المدارس النظامية والتابعة للمعارضة السورية ومنع التعليم بذريعة أنها تٌدرس مناهج كفرية، ثم أخذ يعمل على إعداد مناهج خاصة به، وبالفعل تم طباعة هذه المناهج في مناطق التنظيم بالعراق، فافتتح مدارس خاصة به، تدرس المرحلة الابتدائية فقط، وتعتمد على تعليم الحساب والقراءة، وذلك بعد أن فصل بين الجنسين، وفرض زيًا معينًا على الذكور والإناث.

ويوضح لنا «الحمد» أن المناهج: «قدمت دروس تتعلق بالقرآن الكريم والحديث والعقيدة الإسلامية، لكن عمادها هو وجهة نظر داعش، إذ دعم المنهاج مفهوم العنف والقتال لدى التنظيم»، مضيفًا: «الناس لم تلتحق بمدراس التنظيم لسببين: الأول، الخوف من قصف هذه المدارس، والسبب الثاني، الخوف على أبنائهم من أن تنقل لهم أفكار التنظيم المتطرفة».

ويوضح الحمد خلال حديثه أن التنظيم كان يُرغب الناس في الذهاب لمدارسه، ويشجعهم على تعلم منهاجه، وأحيانًا يحاول أن يهدد ويرهب، لكن لم يجبرهم على الالتحاق بالتعليم، وهذا ما دفع لعدم استمرار المسيرة التعليمية في مناطقه؛ نتيجة المقاطعة، ونتيجة التكلفة العالية للتعليم التي لم يتحملها التنظيم.

تنظيم الدولة يخدع و يبخل في الإنفاق على التعليم

«تنظيم الدولة كان بخيلًا، ولم يرد أن ينفق على التعليم»، جزء مما  قاله أستاذ من الرقة , يدعى «عمر»، لمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية.

يلخص قول «عمر» حقيقةً مفاجأة؛ فبالرغم من خطورة ما تركه تنظيم الدولة على الأطفال بسبب منهاجه التعليمي، إلا أنه نجح في إيصال صورة زائفة عن هذا النظام بفضل آلته الدعائية.

مفاد هذه الصورة أن التنظيم خلق في الفترة ما بين عام 2015 إلى 2016 نظامًا تعليميًا قويًا يعتمد على كتب دراسية شاملة للجغرافيا والتاريخ وبرمجة الحاسوب والكيمياء والرياضيات واللغة الإنجليزية تحت إطار «النظام التعليمي للخلافة»، و نشر هذه الكتب ، وبعضها باللغة الإنجليزية على الإنترنت؛ ليسهل تحميلها، كما قدم تطبيقات تعليمية متطورة على الهواتف النقالة، وفي الواقع وحسب الشهادات وتتوافق مع  تقرير ” فورين أفيرز “،  فإن الأوضاع التعليمية في مناطق تنظيم الدولة منيت بفشل كبير؛ بداية بسبب إحجام المواطنين عن الالتحاق بالمدارس، ثم بسبب فشل  التنظيم في توفير أساسيات العملية التعليمية، كالكتب المدرسية، التي بقيت إلكترونية في مدارس لا يوجد بها إمكانية الدخول إلى الإنترنت، كما أن التنظيم لم يتحمل كلفة إعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية، ولم يقدم على الإنفاق على التعليم.

في الواقع نشر التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي صورة زائفة عن حقيقة الوضع التعليمي في مناطق سيطرته في سوريا والعراق، هذه الصورة التي أخذ الباحثون في دراستها بعمق، لكن تقرير ” فورين أفيرز ” يشير إلى أن الأطفال فضلوا على المدرسة ما يُعرف بـ« مراكز الإعلام والدعاية »، ففيها حصلوا على الوجبات الخفيفة واللعب لتشجيعهم على الانضمام إلى التنظيم، وبذلك أصبح «التعليم الرسمي غير معروف تقريبًا في المناطق الخاضعة لسيطرته»، كما تختم المجلة تقريرها.

يتدربون على الحساب بعد الجلدات  . . هل يمكن إخراج فكر داعش من رؤوس أطفال مدارسهم ؟

استخدمت صور البنادق والرصاص والدبابات في توضيح المسائل الرياضية، واستدل على شرح أدوات الجر وظرف المكان في اللغة الإنجليزية بالمركبات العسكرية، أما تعليم الوقت فكان عبر ساعة مثبتة على حزمة متفجرات.

تقول إحدى كبار الباحثين في معهد «مجتمع هنري جاكسون» البحثي في لندن «نيكيتا مالك»: إن: «نجاح الأطفال، وخاصة الذكور، يعتمد على قدرتهم على تطبيع أنفسهم مع العنف، ومن هذا المنطلق، وعند مشاهدة عملية شنق، أو إعدام في العلن، أو جلد، يُطلب من الطفل عدّ الجلدات»، و يؤكد تقرير أعده موقع «إن بي سي» نقلًا عن خبيرة بتطرف الأطفال في ظل تنظيم الدولة، من معهد « توني بلير للتغيير العالمي » بلندن، أن « داعش استثمر جهوده لجعل الأطفال جهاديين، وقيادة التنظيم المركزية كانت تأمل في تكوين أطفال دارسين لحكم الخلافة، ويحملون رؤية زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي »، وتضيف الخبيرة : « إن الأطفال الذين نشأوا على المناهج الدراسية لداعش تعرضوا للعنف ولأيديولوجية مدمرة ومتطرفة».

هذا المنهاج الذي خضع له الأطفال في مناطق سيطرة التنظيم يدفع الآن بعد تحرير غالبية هذه المناطق نحو أهمية إيجاد حل لمحو آثار التلقين السابق، ولمساعدة الأطفال وذويهم للخروج من تلك التجربة. تحدثنا للأكاديمي التربوي السوري، خالد خيرو محمد ليوضح أن إعادة تأهيل الأطفال دراسيًا يتطلب الاستعانة بالمدرسين القدامى بعد تأهيلهم، ومن ثم العمل على إعادة ترميم المدارس، وتحفيز الأهل والأطفال لإعادة التلاميذ منهم إلى المدارس، وذلك من خلال الحوافز المادية والمعنوية، مع أهمية تأمين وإعادة صياغة مناهج جديدة لما يلائم المرحلة القادمة.

ويشير «خيرو محمد» إلى أهمية التدرج مع الأطفال، وعلى فترة طويلة، من خلال تأمين معلمين لحماية الطفل بالمدارس، ومختصين للدعم النفسي، وتأمين الأنشطة المناسبة للتلاميذ، وبذلك يستطاع أن تزرع في نفوس الطلاب، وعقولهم ما يمحو التطرف، بحسبه.

ويؤكد «خيرو محمد» على أهمية إعادة تأهيل الأهل، من خلال الندوات والمحاضرات، وإقناعهم بضرورة إرسال الأولاد للمدارس من خلال الحوافز وتأمين كافة الاحتياجات التعليمة بشكل مجاني، معقبًا بالقول : «بذلك يستطيع المعلم مع الأهل يدًا بيد العمل على التخلص من كافة الأفكار المتطرفة التي نريد التخلص منها، لكن الأهم إقناع المعلم والأهل بما سوف نقوم بزرعه في نفوس وعقول التلاميذ».

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com