منوعات

المدينة التي تحتضنها أجنحة الإلهة إيزيس . . “أسوان” المصرية !

زينب كاظم _ بيدر ميديا / مصر

مدينة “أسوان” المصرية , البوابة الجنوبية لمصر حيث تقع هذه المحافظة عند الضفة الشرقية للنيل , و عرفت هذه المدينة في اللغة المصرية القديمة بأسم “سونو” بمعنى السوق , و قد حرف الأغريق ذلك الأسم الى ” سين”  ثم أطلق عليها الأقباط ” سوان” و عندما قدم العرب اليها في القرن السادس الميلادي نطقوها “أسوان” .

تعد المدينة أحدى أشهر مشاتي العالم بسبب طقسها المعتدل في فصل الشتاء و الحار صيفا , تأسر الوان القرى النوبية ببيوتاتهم ذات الجدران الزرقاء قلوب السواح , عازفة لهم انغام تُنعش أرواحهم و تستميلهم لمشاركة سكان القرى رقصاتهم التقليدية الباعثة على الحياة .

و كأن إيزيس تهدي كل زائر تطيء قدمه رمال تلك المدينة “الغنخ – مفتاح الحياة” الذي تحمله في يديها , فأن السائح لا يخرج الا و قد جدد طاقة الحب التي زودته بها اسطورة إيزيس و أوزوريس و تقلد مفتاح الحياة ليبدء حياة جديدة بمفهوم أستمده من الوان بيوت النوبيين و موسيقاهم و قواربهم الشراعية الراسية بسكينة و هدوء على سواحل النيل , و التي تسير على سطح مياهه بصورة توحي للناظر كما لو ان النيل يحملها بين ذراعيه دون ان تعكر صفو مياهه بأنسجام عجائبي بين اشرعة القارب و مياهه الزرقاء الصافية .

بمزيج ساحر ما بين خرير مياهه و ترددات اصوات غناء الاطفال النوبيين الآسرة التي تزف السواح من و الى جوانب النيل و كأنهم يرددون صلوات الفراعنة بلغة اسطورية تجعل السائح يشعر بأنه يتم تحصينه بتمائم و طقوس فرعونية قديمة و كأنه تلفه اذرع الالهة لتنقله الى عنان السماء المليئة بنجوم هي الاخرى تبدو مختلفة اكثر تلألأ و أقرب للناظر من سواها في سموات البلدان الأخرى .

تضم هذه المدينة العديد من المتاحف و المعابد و الأثار القديمة التي تجعلها محط انظار السواح و المهتمين بالتاريخ و التراث , من هذه الأثار متحف النوبة , و ضريح آغا خان , و فندق كتراكت العريق , و اخيرا و ليس اخرا معبد الفيلة .

لكل من هذه الاثار قصته الآسرة و الجميلة و لكن سأكتفي في هذه المقالة بذكر قصة معبد الفيلة و الأسطورة المرتبطة به .

يقع هذا المعبد على بعد نحو 4 كيلو مترات جنوبي أسوان , و قد اتخذه الأغريق و الرومان مركزا لعبادة إيزيس . إيزيس هي زوجة أوزوريس و من هنا تبدأ اسطورتهما المخلدة حيث   كان “أوزوريس” إلهاً للخير ورمزاً للخصب في عقيدة المصريين القدماء. وقد ورث ملك “رع” وأصبح إله كل شيء في العالم، وقد تزوج أخته “إيزيس” التي كانت خصبة وزواجها مثمراً.

بينما أختها “نفتيس” التي تزوجت “ست” إله الشر كانت عقيمة لا تلد، فدبّت الغيرة في أوصالها وأرادت أن تكون خصبة كإيزيس، وظنت أن سبب عقمها يرجع إلى “ست” الذي يمثل الأرض الجدباء.

وكان “ست” يبغض أخاه “أوزوريس” وأراد أن يمكر به فدبّر له مكيدة لاغتياله، فأقام له حفلاً مع بعض الآلهة الأخرى، وأعد تابوتاً جميلاً كسوته من الذهب بحجم الإله الشاب وحده. وأقبل “ست” وزعم أن هذا التابوت هبة منه لأي إله من الحاضرين يصلح لأن يكون مرقداً له.

وهكذا .. استلقى كل إله في التابوت ليجرب حظه دون جدوى، إلى أن جاء دور “أوزوريس” وما أن رقد فيه حتى أغلق الآلهة عليه الغطاء.. ثم ألقوا التابوت في نهر النيل، وطفا حتى بلغ البحر الأبيض المتوسط.. وهناك حملته الأمواج إلى الشاطئ الفينيقي (لبنان).. فرسا عند مدينة (بيبلوس) ونَمَتْ على الشاطئ شجرة ضخمة احتوت التابوت.

وكان في تلك المدينة ملكة جميلة هي الإلهة “عشتروت”، خرجت إلى الشاطئ تتريض، وحين أبصرت الشجرة أمرت بقطعها وإقامة عمود ضخم من جذعها في وسط قصرها. ولما علمت “إيزيس” بمصير زوجها وهي من مصر أخذت تبحث عنه في كل مكان، واستبدت بها الأحزان، فبكته بالدمع الهتون.

وكانت كلما هطلت الدموع من عينيها غزيرة.. تتساقط في النيل فتمتزج بمائه فيفيض. فقد كان الفراعنة يعتقدون أن دموع “إيزيس” هي سبب فيضان النيل وأخيراً استدلت “إيزيس” الإلهة الجميلة على مكان زوجها ومضت إلى (بيبلوس) وهناك دخلت القصر واتخذتها الملكة نديمة لها ومرضعة لوليدها.

وكانت إيزيس في تلك المدة قد اتخذت صورة النسر – رمز الحياة – وحوّمت حول العمود العظيم القائم وسط القصر، وطافت بجثة زوجها وأخذت تناجي روحه، فتحولت بقوتها السحرية إلى روح ترى من أمامها ولا يراها أحد، ثم حدثت المعجزة فقد حملت إيزيس بالروح دون أن يمسها بشر.

حملت في أحشائها الطفل “حورس” وهربت به في أحراش الدلتا إلى أن كبر فحارب الشر وانتقم لأبيه وخلّص الإنسانية من شرور عمه “ست” فسماه المصريون حينذاك (الإله المخلص). وأرادت الملكة أن تكافئ إيزيس فسألتها عن بغيتها فطلبت منها جذع الشجرة الذي يحوي زوجها فأعطته لها وأخرجت التابوت منه، وحملته مسرورة ثم وضعته في سفينة وأبحرت به إلى مصر. وهناك استلقت على جثة زوجها الهامدة، ونفخت فيها من أنفاسها مستعينة ببعض الآلهة، فردت إلى الميت الحياة، ثم ارتفع “أوزوريس” بعد ذلك إلى السماء واعتلى العرش في العالم الآخر.

و بحسب ما يذكره المؤرخ اليوناني بلوتارخ (45-125 م) في مدوناته عن أسطورة إيزيس , فأن إيزيس وجدت قلب زوجها أوزوريس في الجزيرة المجاورة لفيلة و تعرف بأسم جزيرة بيجا و أقامت لزوجها في تلك الجزيرة مقبرة رمزية إعتادت زيارتها يوميا.

و قد تم نقل المباني الحالية من جزيرتها الأصلية “فيلة” الى جزيرة  ” أجيلكا” المجاورة للجزيرة الأصلية في الفترة ما بين 1972 و 1982 , خلال مشروع ضخم تبنته منظمة اليونسكو لإنقاذ آثار فيلة من مياه الفيضان , إما جزيرة فيلة الأصلية فقد غرقت تماما في مياه النيل.

 

ملاحظة : مصدر أسطورة إيزيس و أوزوريس المذكورة في المقال من كتاب ( أغرب الأعياد وأعجب الاحتفالات لـ “سيد صديق عبد الفتاح”، القاهرة: دار الأمين، 1994، ط1، ص 538- 541 ) .

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com