مقالات

أجيال ما بعد الصدمة

زينب كاظم

في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات الى رعاية الأنسان و الأهتمام به , حتى باتت حمايته غاية المجتمع الدولي الأولى و الرئيسية , و لأن أصل الأنسان هو ذاك الطفل الذي يشهد دون أرادة أو ذنب منه هذا الكم الهائل من الأجرام و القتل و التهجير و الحروب و الأسى و الحرمان و الفقر و الجهل و الأستغلال بأشكاله و أنواعه المختلفة , و هدر للكرامة و أذلال بمسميات و مسببات متنوعة , أطلقت على هذه المقالة عنوان أجيال ما بعد الصدمة , و لا يُخفى على المتخصص في هذا المجال النفسي او المطلع حتى أن المقصود الضمني هو أضطراب ما بعد الصدمة PTSD , الشهير و المعروف من قبل العديد  .

رغم  الأتفاق الذي يلف بأراء المتخصصين في المجالات النفسية و الأجتماعية حول أهمية مرحلة الطفولة في تشكيل شخصية الأنسان , بما تضمه من إتجاهات و أراء و قيم و ميول , و حتى طموحات و أهداف , و على الرغم من أن شريحة الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً جراء ما تجتاح البلاد العربية من حروب و كوارث متتالية و فجائية مما يضفي عليها صفة الأحداث الصادمة المزعزعة لتوازن المنظومة النفسية لهذه الفئة , إلا أننا نلحظ عدم توفر برامج دعم نفسي لمثل تلك الفئات من قبل المؤسسات الحكومية المتخصصة في هذا المجال , اذ يتم التركيز غالباً على حجم الخسائر المادية التي طالت الضحايا , و بذلك يكون الأنتباه الى الخسائر النفسية منعدمة او لا تفي بالغرض لأنتشال هذه الفئة من البؤس الذي غرقت فيه.

منظومة المشاعر في مرحلة الطفولة تكون في بدء تطورها و تشكلها شأنها في ذلك شأن الجوانب الأخرى في الشخصية , يمتاز الطفل بفرط حساسيته تجاه المثيرات الخارجية أذ تتأثر مشاعره بكل ما يستقبله من محفزات سواء أيجاباً أو سلباً , و بالتالي يتبع ذلك تشكل رؤية الطفل “البالغ المستقبلي” للعالم من حوله و أعتقاده حول طبيعة المحيط و الناس الأخرين ,  و قد تكون أبسط المثيرات بالنسبة للطفل بمثابة الصدمة بدءاً من الأصوات المرتفعة و أنتهاءاً بالكوارث الطبيعية و الحوادث التي يتعرض لها هو أو أحد أفراد عائلته أو شخص ذات مكانة مهمة بالنسبه إليه.

و لا شك في أن الحروب تشكل أكثر الأحداث المؤثرة بشكل سلبي و بصورة غير متوقعة و مفاجئة في حياة الطفل . و قد لا يجد الطفل في تلك الأثناء من يقدم له العناية و الأهتمام أو من يطمأنه.

إذ أن من الأعتقادات المغلوطة الشائعة هي أن الطفل سريع النسيان أو أنه يتأقلم و يتكيف بسرعة أكبر مقارنة بالبالغين , و لكن في الحقيقة أن أثار  و ندوب الصدمة “مالم تعالج” تستمر لأوقات و سنوات متقدمة متجذرة في شخصية الطفل و مسببة لردود أفعاله تجاه مواقف حياتية مستقبلية .

في الأوقات الأعتيادية نسعى دائماً الى تجنيب الطفل مشاهد العنف أو المشاهد المؤذية من خلال وسائل الأعلام أو الشبكة العنكبوتية . و لكن ماذا عن الواقع , أذ كيف لنا أن نقلب صفحة الأنترنت أو نحول القناة الفضائية الى أخرى بعيداً عن صور العنف و القتل و الدماء المغطية للأرض , هل علينا أخباره أن الدماء المغطية لوجهه زائفة , أو أن منزله الذي أنتشل من تحت أنقاضه ليس بحقيقي و أن الجثث المرتبة أمامه ليسوا بأهله , و أن كل هذا مجرد وهم سينتهي بمجرد أن يتلفظ مقدم النشرة الأخبارية بالأرقام , و سنغير عندها عدادات التلفاز لتنقلنا الى واقع ملون يليق به و بطفولته!

قد يصلح هذا الحل في حال كنا نحيا في عالم خيالي بعيداً عن هذا العالم الواقعي المُدمَر , و في حال كان الطفل بهذا الغباء و عم الفهم الذي نعتقده بموروثنا السائد! , و لكن لسوء الحظ لا نستطيع نكران و تجنب الأعتراف بأن هذه الأحداث الصادمة حفرت بعمق و خلفت ثقوب و جروح نازفة في نفس هذا الطفل , و التي أن لم يوقف نزيفها و أن لم تُتخذ الأجراءات المناسبة تجاهها ستتحول الى حفرة عميقة تلتهم ليس فقط الطفل ذاته بل كل ما تكون لديه موقف نحوه بأنه قد يكون سبب في ما عايشه و عاناه .

من أهم ما يصيب الطفل نتيجة التعرض لصدمة أو فعل ضار غير متوقع أو خسارة مفاجئة هو أضطراب ما بعد الصدمة (Post Traumatic Stress Disorder) , أذ يعرف كل فعل أو حدث  رهيب غير متوقع يشكل خطر على الحياة , و يأتي بصورة مفاجئة و غير متوقعة بأنه فعل صادم , إما الصدمة كمدلول لغوي فتعود الى الأصل اليوناني الذي يعنى به الجرح أو الأصابة . و هنا بالتأكيد يُقصد به الجرح الذي يصيب الجانب النفسي .

يتحدد شدة هذا الأضطراب و مدى تأثيره و الأثار الناجمة عنه بعدة عوامل منها شدة الحدث الصادم و عمر الفرد المصاب و خبرته السابقة , و كذلك تتوقف آثاره التالية على مدى تلقي الطفل للعلاج و الدعم الكافي , أذ تؤثر الأحداث الحياتية بعد الصدمة على سرعة الشفاء و العودة بالطفل الى طبيعته , حيث يمكن أن تؤثر سلباً أنعدام المساعدة له من الأخرين بشكل كلي أو عدم أعتراف محيطه بأحاسيسه و مرضه , و تجاهل ما لحق به من أذىً نفسي جراء الحادث.

هنالك دائما ما يدعى الأسعافات الأولية التي تلي الأصابة مباشرةً , و من السهل أن تجد مراكز عديدة في البلدان العربية للتدريب على كيفية تقديم مثل تلك الأسعافات للمصاب في حال حدوث أمرٍ طاريء أو تعرض شخص ما لأصابة تتطلب التدخل من قبل شخص قريب له قبل وصول المساعدة , و لكن كل هذه المراكز التدريبية تتركز على الجانب الجسمي و الأصابات الجسدية , أذ تفتقر البلدان العربية لمراكز تدريب حول كيفية تقديم الرعاية النفسية للمتعرضين او االناجين من حوادث و كوارث و المتلقين لصدمات معينة , أذ نجد العديد ممن تدربوا على كيفية لف و تضميد جرح او كسر بينما  نادراً ما نجد بصحبة المسعفين شخص متخصص يهتم بالمحيطين بالمصاب او الناجين المتحلقين حول الجثة في حالة الحروب و على وجه التحديد الأطفال منهم .

لذا فقبل الولوج في شرح و تفصيل ماهية أضطراب ما بعد الصدمة و ما هي أهم أعراضه و تبعات الأصابه و تأثيرها على الحياة اللاحقة للطفل و سبل العلاج المناسبة , سأقوم هنا بتقديم طرق وقائية  أو أسعافات أولية من شأنها التقليل من حدة الأصابة أو التخفيف من وقع الصدمة على نفس الطفل . و لنطلق عليها ” الأسعافات الأولية النفسية ” و أهمها رغم أنها تبدو من أبسط الأفعال التي يمكن القيام بها نحو الطفل و هي أحتضان الطفل و إشعاره بأنه أصبح في أمان و محاولة لفت أنتباهه الى الناجين من حوله و طمأنته بأن كل شيء سيكون على ما يرام و أنه بخير الان , محاولة الأستماع اليه و لشكواه و أيلاء الأهتمام بردة فعله و شعوره تجاه ما حدث, إشعاره بالتضامن العميق و التفهم لحجم خسارته , و المؤاساة .

تبدو هذه السبل غير ذات أهمية , ففي وقت حدوث الكارثة أو الحدث الصادم أياً كان نوعه طبيعي أم من صنع البشر , كل ما يتركز حوله أنتباه فرق الأنقاذ هو محاولة أنتشال أكبر عدد ممكن من الناجين , خاصة و أن فرق الأنقاذ في البلدان العربية عادةً ما تتشكل من عامة الناس الذين يهرعون للمساعدة و هم بالتأكيد لم يُدربوا حول الطرق الوقائية و أساليب الأسعافات الأولية الجسدية كانت أم النفسية , و هذه تعد مشكلة أخرى تزيد من تبعات المشكلة الأساسية و هي وقوع الحدث الصادم نفسه.

تلحق كل ذلك مرحلة نقل الطفل الى مكان بعيد عن موقع الحدث , و هنا تبدأ المهمة الأكثر جدية في تقديم الدعم النفسي , و هي :

  • توفير مكاناً آمناً للطفل: بعد صدمة الحرب، يكون الطفل والناجون من الحرب فيحاجة نفسية للأبتعاد عن مكان الدمار والموت، يجب أن لا يترك الطفل أماممشاهد الدمار حتى وإن انسحبت الآليات العسكرية، ثم توفير مساحة محدودة منالخصوصية، ولا يتم التكلم مع الطفل المتضرر أمام العامة، بل نحاول أصطحابه فيمشوار والبدء بحديث معه عن ذاته، هذا يساعد الطفل لأسترداد وعيه بذاتهوتملكها تدريجياً.
  • أقامة علاقة قائمة على الثقة والاحترام مع الطفل : فصدمة الحرب تفقد الأطفالوالناجين الثقة بقدراتهم وهم بعد الحدث الصادم في احتياج نفسي للثقةبأنفسهم وبالآخر وإنشاء هذه الثقة ليس بالعملية السهلة، بل تحتاج للتدريجليصل الشعور بأن المساند قادم لمساعدتهم ومن أجلهم.
  • وضع خطة للمساندة: قائمة على التشجيع والأعتماد على النفس ومساعدةالآخرين، إظهار الثقة بقدرته، إظهار الأحترام  للظروف الصعبة التي مر بها و عدم التقليل من شأنه، و تجنب القول  له: أنت مازلت صغيرا، مساعدة الطفل على إيجاد مناطقالقوة لديه وتقديم المساعدة للآخرين، فهذا خير علاج لجروحه النفسية.

بعد تقديم هذه الخطوات الداعمة للطفل الناجي من حدث صادم , تأتي الخطوة الأهم و هي التشخيص و رصد الأعراض الظاهرة في سلوكيات الطفل , لذا يجب التعرف على أهم المحكات التي تشير الى هذا النوع من الأضطراب , و قبل أن نلج في موضوعة المحكات و أستعراضها علينا التعرف أكثر عن ماهية الصدمة و ماهية أضطراب ما بعد الصدمة .

أولاً لنحكم على فعلٍ ما أنه صادم يتوجب توافر شرطين أساسيين في هذا الفعل بالأضافة الى الشرط الجوهري و هو فجائية و عدم توقع حدوث الفعل , و هما :

  • أن يشكل خطر جسدي قد يؤدي الى أصابة أو موت , مرافق بالأحساس بفقدان السيطرة على الجسد .
  • أستجابة للحادث تتضمن شعور بالخوف الشديد و العجز أو حالة من الضعف .

أما فيما يتعلق بأضطراب ما بعد الصدمة (Post Traumatic Stress Disorder ) يُختصر ب “PTSD” , هو أضطراب نفسي ناجم عن تعرض  الأشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر لأزمة أو صدمة معينة مثل الكوارث الطبيعية , الحروب , الأغتصاب , الأعمال الأرهابية . . الخ.

سابقاً إبان الحرب العالمية الثانية كان يسمى هذا الأضطراب بصدمة القصف أو صدمة القذائف “Shell Shock” و فيما بعد تمت تسميته بأضطراب ما بعد الصدمة لأنه لا ينحصر فقط بالأشخاص الذين خاضوا حروباً إنما كل شخص تعرض  لصدمة في حياته و قد يحدث للنساء و الرجال على حد سواء و لا تهم جنسية او عرق أو لون المصاب لأن الجميع معرضين لذلك.

من الجدير بالذكر هو أن ليس كل من يتعرض لفعل أو حدث صادم سيصاب بالضرورة بأضطراب ما بعد الصدمة , لذلك وضعت الجمعية النفسية الأمريكية محكات و معايير من خلالها يتم التعرف على ما أذا كان الشخص الناجي من الحدث الصادم قد أصيب بأضطراب ما بعد الصدمة أم أن الحدث قد ولد أزمة عابرة لا غير , يمكن التغلب عليها و تجاوزها بتوفير بعض الأسناد و الدعم الأسري و المجتمعي من خلال المحيطين بالفرد.

و هذه المحكات هي كالأتي , أذ حدد الدليل الأحصائي و التشخيصي للأضطرابات النفسية الرابع DSM-IV الصادر عن الجمعية النفسية الأمريكية المحكات التشخيصية لأضطراب ما بعد الصدمة و هي :

  • أن يكون الشخص قد تعرض لحدثٍ صدمي عاشه على النحو التالي :
    1. أن يكون قد شاهد أو خبر حدثاً أو أكثر فيه حالات من الموت و التهديد به أو بسلامة الجسم له و للآخرين.
    2. أن يستجيب لهذا الحدث بخوفٍ شديد أو رعبٍ أو عجز “في حالة الأطفال قد يظهر على الطفل سلوك مضطربٍ أو متهيج”.
  • يستعيد الطفل الحدث الصدمي بشكلٍ إقحامي في واحد أو أكثر مما يلي :
    1. ظهور ذكريات أليمة تبدو على شكل صور أو أفكار أو أدراكات ترتبط بالحدث الصدمي . ( في حالة الأطفال يظهر لديهم نوع من اللعب التكراري يرتبط موضوعه بالحدث الصدمي ).
    2. ظهور الحدث الصدمي أو أجزاء منه في الأحلام (في حالة الأطفال تكون أحلامهم مفزعة دون أن يستطيعوا تحديد مضمونها ).
    3. يتصرف الشخص أو يشعر كما لو أن الحدث الصدمي يحدث مرة أخرى (في حالة الأطفال قد تظهر في سلوكياتهم أجزاء محددة من الحدث الصدمي).
    4. شعور الشخص بالضيق و الأرتباك عند التعرض لإشارات أو رموز داخلية أو خارجية ترتبط بالحدث الصدمي بشكل عام.
    5. تظهر لدى الشخص أستجابات أو ردود أفعال فيزيولوجية عند التعرض لهذه الأشارات.

ج . يتجنب الشخص بشكل مستمر كل المثيرات المرتبطة بالحدث الصدمي و يبدو هذا في ثلاثة على الأقل مما يلي :

  1. يبذل الشخص جهداً في تجنب الأفكار أو المشاعر أو الأحاديث المرتبطة بالصدمة.
  2. يبذل الشخص جهداً في تجنب الأشخاص و الأماكن و الأنشطة المرتبطة بالصدمة.
  3. نسيان أجزاء مهمة من الحدث الصدمي.
  4. الشعور بالعزلة عن الآخرين.
  5. ضيق مساحة العواطف لديه.
  6. نقص واضح في الأهتمام بالأنشطة المهمة أو المشاركة فيها.
  7. الشعور بالمستقبل محدود غير واعد.

د. وجود أعراض مستمرة في الأستثارة الزائدة تظهر في أثنين على الأقل مما يلي :

  1. صعوبة الولوج في النوم أو الأستمرار فيه.
  2. نوبات الغضب.
  3. صعوبة التركيز.
  4. فرط التيقظ.
  5. أستجابات رعب مبالغ فيها.

ه. أستمرار الأعراض في (ب-ج-د) مدة أكثر من شهر.

و. يسبب الأضطراب تأذياً واضحاً في الوظيفة المهنية و الأجتماعية للفرد.

 

بعد مرحلة التشخيص و أثبات أن الطفل مصاب بأضطراب ما بعد الصدمة من قبل المتخصص في هذا المجال , تأتي المرحلة الأهم و الجوهرية في رحلة أعادة الطفل الى حياته الأعتيادية , ألا و هي مرحلة العلاج , هنالك طرق عديدة و أساليب متنوعة من العلاج النفسي التي تُعتمد بحسب حالة الطفل و شدة الصدمة و كذلك الخصائص و الصفات الشخصية و عمر و تاريخ المضطرب الشخصي أيضاً يلعب دوراً هاماً في تحديد نوعية العلاج المتبع .

من هذه الأساليب العلاجية , العلاج المعرفي , و العلاج السلوكي , و العلاج بالتحليل النفسي , و غيرها الكثير , قد يلجأ بعض المعالجين الى جلسات للعلاج الجماعي أذ يتشارك فيها الأشخاص الذين سبق أن تعرضوا لأحداث متشابهة  , ينتفع المضطرب من خلال المشاركة في مثل تلك الجلسات الجماعية بأن يدرك أنه لم يكن الوحيد الذي تعرض لمثل ذلك البؤس كما توفر له فرصة التعرف على خبرات و اليات الاخرين المستخدمة في التغلب على أثار تلك الصدمة و الأفادة منها و محاولة أكتساب مهارات مشابهة من خلال المشاركة و الأنفتاح على الأخرين , و عدم الشعور بالخجل أو الأحساس بالذنب و التكلم بصراحة عما عاناه و ما يشعر به تجاه الحدث  , أذ قد يبدأ الطفل بالنظر الى العالم كمكان عدائي و خطير , مما تسهم الجلسات العلاجية الجماعية بأعادة ثقة الطفل بالعالم و الأخرين.

أو قد يلجأ المعالج الى العلاج الفردي من خلال محاولة بناء علاقة قائمة على الثقة و الأحترام المتبادل مع المضطرب في محاولة لدفعه على التحدث و أبداء الأهتمام بكل ما يقوله و ما يعبر عنه من شعور نحو الموقف و الأنصات له بأحترام و أهتمام , و بالتأكيد يتم ذلك كله في ظل خبرة المعالج و أستخدامه لأسلوب علاجي يجده مناسب للحالة .

و من هذه الأساليب العلاجية و أكثرها نفعاً في هذا المجال ما يلي :

  • العلاج المعرفي : تقوم هذه الطريقة بالتركيز على الأفكار المؤلمة و تحديدها “الخجل , الشعور بالذنب ..الخ” و على الأعتقادات ( لقد فشلت في حياتي , العالم مكان خطير جدا ) ..تبعاً لنوع و درجة الصدمة يقوم المعالجون بمواجهة هذه الذكريات المزعجة و العواطف المؤلمة.
  • العلاج بالدراما الأبداعية “السيكودراما” : نيران الحروب قاسية على نفسية الصغار والكبار معاً، والأطفال الأكثر تضرراً بالطبع، وتعد الدراما الإبداعية من الأساليب الإرشادية الناجحة مع الأطفال بل هي سلاح مضاد ومقوٍ لنفسية الطفل التي شحنت بالآثار السلبية للمشاهد المدمرة. الدراما الإبداعية هي عبارة عن تمرينات نفسية أو تدريبات سيكولوجية تعتمد على نظريات اللعب وفنيات الإرشاد بالسيكودراما، مع وسائل مساندة كالرسم والموسيقى، وفيها الطفل الذي يعيش ظروف الحرب يجد نفسه أكثر إبداعاً وانطلاقاً، وهذا عكس واقعة المليء بالحصار وتقييد الحريات، ويطلق عليها أيضاً الدراما العلاجية. تختلف أساليب الدراما الإبداعية وتتنوع: لتجعل من أطفال الحروب أكثر قدرة على الصمود، والتعلم من التجارب واكتشاف الذات وتبني النماذج الإيجابية نحو حياة أفضل، بعيداً عن الخوف والقلق والعجز والقهر والذل. واتجاهاً نحو الشجاعة والإيجابية واحترام مشاعر الآخرين، تبني أساليب المساندة، تحقيق الذات بصمود وصبر وثبات على الحق، وتتنوع أساليب الدراما الإبداعية ما بين التعليمي والإرشادي منها:
  1. أسلوب التعلم بالمحاكاة (التقليد):  يستخدم الاختصاصي المحاكاة والتقليد، أي المواقف النموذجية التي تقلد مختلف جوانب بيئة أطفال الحروب، ويسمح ذلك الإجراء للطفل أن يمارس مع الاختصاصي النفسي أنواعا من السلوك التي يكون فيها أقل كفاءة، وبذلك ييسر الإقلال من استجابات التجنب، وإعطاء استجابات الإقبال، ويستخدم في هذا الأسلوب لعب الدور وبعض صور معدلة من السيكودراما، والعلاج عن طريق اللعب.
  2. أساليب النمذجة السلوكية:  هي جزء أساسي من برامج كثيرة لتعديل السلوك عند الأطفال عامة وأطفال الحروب خاصة، وهي من أساليب تغيير السلوك حيث إن سلوك الإنسان عادة ما يتغير كنتيجة لملاحظة سلوك شخص قدوة أو ناجح، وملاحظة نتائج هذا السلوك الذي هو عادة يكون مرغوبا فيه وإيجابيا.
  3. أساليب التنفس وتنمية الحواس: إن تدريبات التنفس وتنمية الإدراك لدى الطفل موضوعان ينتميان أساساً إلى علم النفس الحركي، وإن هناك صلة وثيقة بين المسرح وبين علم النفس الحركي، وهذه التدريبات تنمي لدى الطفل وحدته النفسية والجسمانية من خلال الحركة التي يعيشها بنفسه ووجدانه، كما أن تدريبات التنفس تساعد تدريجياً على التعرف على خصائص هذه العملية وعلى إمكاناتها التعبيرية، وتدريبات التربية الحسية تنمي عند الطفل رهافة الحس والقدرة على إدراك الأشياء كما أنها تطور لديه قدرات الانتباه والتركيز. في الدعم النفسي الأطفال بحاجة للاستمتاع بتمرينات الحواس، مثل تمرينات التي ترتكز على الإنصات، تمكن الأطفال من الارتخاء والشعور بالراحة، قد يكون الصمت والاستماع تجربة جديدة بالنسبة للأطفال، فيتصرفون بارتباك وقلق أثناءها لذا علينا تشجيعهم على تجربتها وبمرور الوقت سيعتادون الاستمتاع بلحظات الصمت التي يعيشونها.
  4. أساليب الاسترخاء: أساليب الاسترخاء تستخدم في أغلب حالات الإرشاد النفسي باعتبارها أساليب تحصينية، تساعد على تهيئة العمل للجلسة الإرشادية بشكل عام، فضلاً عن كونها تستخدم على درجة الخصوص مستقلة، أحياناً أو كجزء من العلاج السلوكي لمشكلات مثل القلق ومشاعر التوتر عامة، كما تعتبر تدريبات الاسترخاء مساعدة على تعلم الصبر والتحكم في الذات ومساعدة على إراحة الأعصاب بعد تدريبات التنفيس الانفعالي، وهي في غاية الأهمية في الدعم النفسي للأطفال، أطفال الحرب لا يجيدون ممارسة تدريبات الاسترخاء من الجلسات الأولى وذلك لكون ذواتهم ممتلئة بشحنات التوتر والعنف، فمن الصعب التحكم بأجسادهم إلا بعد جهد وصبر، وعلينا الاهتمام بها لأنها ضرورية للأطفال الناجين من الحروب لاستعادة ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على فعل جديد.
  5. أساليب القصص السيكودرامية: القصة السيكودرامية وأحداثها، وأشخاصها تستطيع أن تجسد على المسرح دفعات ورغبات الطفل – التي لا يريد مواجهتها في أشكال وصور من العلاقات الاجتماعية تنتهي إلى حلول مقبولة، مما يؤدي إلى تخفيف الصراع والمخاوف لدى الطفل، وعليه فتوضيح هذه العلاقة يمكننا من التعرف على دور القصص في مساعدة الأطفال على اكتشاف الحلول والإحساس بالألفة وعدم الفزع مما يدور في نفوسهم، ولم يجدوا له إجابة تطمئنهم لا من الكبار ولا من البيئة المحيطة بهم.

بعض المصادر المستعان بها في إتمام المقال :

  1. https://www.alaraby.co.uk/supplementeducation/2016/5/5/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8
  2. https://www.alaraby.co.uk/supplementeducation/2016/6/5/%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com