منوعات

بين السودان وسوريا شلال من المآسي والأوجاع!

بيدر ميديا.."

بين السودان وسوريا شلال من المآسي والأوجاع!

مريم مشتاوي

 

هناك من يرى بقلبه. وهناك من تقوده طيبته إن خذله عقله. وهناك من تحييه إنسانيته، وإن فارق الحياة. أليست الجنة مسكن الطيبين: «الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون».
نعم هؤلاء لهم الجنة وأهلها، ولكن بعد أن تلاحقهم المآسي على الأرض. فكوكبنا الحزين منذور للأسى. لا يحمل سوى الغدر والوجع والجراح.
هكذا بدأت الحكاية. إنه عواد هاشم، بطل سوداني من نوع آخر، رغم ضياع عقله، تمسّك قلبه بحب وطنه السودان. لقد علمنا أننا حين نحب بقوة لا ننسى، وإن ذهب عقلنا بالكامل، يبقى القلب ينبض بالحبيب. إنه دليلنا الصادق الوحيد. يرتبط أبداً بالمحبوب وطناً كان أم شخصاً.
منذ بدأت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الردع السريع في أبريل/نيسان الماضي، وعواد يمشي في الشوارع، رافعاً يديه إلى الله، يدعي بأعلى صوته ويتضرع لوقف الصراع وحماية وطنه وأهله:
يا عينك التي لا تنام. يا مولاي. اقض على طغاة التمرد. واجعل هذا السودان كاملاً. يا رب العالمين. مستقراً يا رب العالمين.
بكلمات صادقة قليلة، يرددها طوال النهار والليل، يبدو أكثر وعياً من هؤلاء المتصارعين على السلطة.
من يراه ويحمل في قلبه شيئاً من الإنسانية، لا يمكن إلا وأن يذرف دمعة، فتلك الكلمات لا تخرج من فمه، بل تراها تتدفق من دم قلبه.
يُقال إنه حزن حزناً شديداً حين رأى بعض الناس يسرقون ويقتلون بعضهم البعض لأجل شوال سكر أو دقيق. نظر إليهم وهو غارق في وجعه وعجزه وراح يردد: ربنا يهديكم يا ضعاف النفوس!
لا نعرف من صوّر مقطع الفيديو، ولا كيف انتشر بتلك الكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه حصد ملايين المشاهدات، ربما لما فيه من خشوع وإيمان ومحبة وطهارة شحّت في أيامنا هذه.
لقد أصبح حديث رواد الـ«سوشيال ميديا» ومحط إعجابهم بعد أن أبهر المشاهدين بحفظه للقرآن الكريم وتلاوته الآيات بعذوبة.
عواد لم يعش طويلاً. غرّد الحب قليلاً ورحل بعيداً برصاصة غدر ليترك الحزن والأسى في قلوب كل من عرفه.
لقد وجد مرمياً في الشارع غارقاً في دمائه نتيجة الاقتتال، الذي يكاد أن ينهي كل معالم للحياة في السودان.
قتل بعد فراره من مبادرة «عوافي وسلامتك»، التي كانت تهتم بعلاجه وأسرته في مرحلة سابقة، ربما هرب ليرتفع إلى السماء، حيث الرحمة والمحبة.
شارك عدد كبير من السودانيين في مراسم دفنه، ومن بينهم قائد المدرعات نصر الدين عبد الفتاح.
وقد انتشرت صوره بكثافة وانهالت التعليقات تترحم على رحيله ومن بينها: «عواد عرفته الشوارع فكان أنيسها وجليسها. بالأمس كان يدعو لأهل السودان جميعاً. نعم كان عقله ذاهباً، لكن كان حاضراً بفؤاده. أيها الشعب الطيب، تم قتل عواد هشام بقلب حجر صلد قاس لا يعرف الإنسانية»!
كتب يوماً الشاعر العراقي فاضل السلطاني: «المهمة سهلة، فلا أسهل من اختراق قلب طيب مفتوح على سعته حتى بسكين أكله الصدأ.»
ربما تلك الكلمات قد تختصر رحلة عواد هشام الرجل الدرويش الطيب. رحلة ستبقى عالقة في ذاكرة السودانيين طويلاً.

مآسي السوريين

إن مأساة الحرب السودانية لم تلاحق فقط السودانيين، بل غرزت أيضاً أظافرها في لحم السوريين، الذين هربوا من حرب بلادهم، علهم يجدون فرصة لحياة كريمة. هكذا بين ليلة وضحاها وجدوا أنفسهم يعيشون الكابوس نفسه بعد عشر سنوات على فرارهم من سوريا.
لقد صدق المثل الشعبي: المتعوس متعوس ولو علقوا له فانوس. من دمار إلى دمار جديد، ومن موت الى موت آخر!
تقول إحدى الشابات، التي وصلت مطار القامشلي، بعد أن تم إجلاؤها من السودان ضمن المجموعة الأولى الناجية من الحرب: «شفنا كل شي.. شفنا الجوع.. ما بعرف شو بدي قول.. شي مأساوي»!
تبتسم وكأنها تغلف دموعها بابتسامة كي تقوى عليها.
يقول مصطفى بالي، عضو لجنة الإجلاء: «لقد تم إجلاء هذه الدفعة بعد مجهود شهر كامل!»
لكن ما زال هناك 1700 شخص عالقين بين أنياب الحرب. لا أحد يعرف كم ستستغرق عملية إعادتهم إلى بلادهم إن لم يموتوا جوعاً أو عطشاً أو ملطخين بجراحهم.
لقد انتشر مقطع فيديو لرجل مسن، وهو يبكي من فرحته للقاء أبنائه بعد قلق وخوف استمر ليالي وأياماً طويلة. وكأن أسى حرب البراميل والتشرد والنزوح والغرق في البحار لم يكن كافياً، فجاءت حرب السودان لتزيد آلام السوريين ألماً وأوجاعهم وجعاً؟!
استغل بعد المعلقين ذلك المشهد الإنساني الموجع ليغردوا خارج السرب وينصحوا اللاجئين بالعودة إلى بلادهم. إنها الجيوش الالكترونية المسيسة، تلك التي تخضع لأجندات أحزابها. تجاهلت تلك الفئة كل ما قد يواجه اللاجئين السوريين، الذين خسروا كل ما يملكونه في بلادهم، ناهيك عن الاعتقالات والتعذيب، الذي سيطالهم، لأنهم معارضون للنظام أو كانوا.
يبدو أن كرتنا الأرضية ما عادت صالحة للسكن، وعلينا اللجوء لكوكب آخر قد يكون أكثر رحمة وإنسانية!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com