قصة

ما عدت أخاف أختي…

بيدر ميديا.."

ما عدت أخاف أختي…

القاص والكاتب /عبد الجبار الحمدي

سيسكن الجرح منزويا تحت ضوء خافت لينزف خيبته، سيهرق أوجاعه عبارات صمت كالموناليزا صور بآلاف الحكايا، امقتها الغيرة لكني اتودد إليها لا لشئ فقط كونها تجتاحني على حين غرة مثل منغصات هواجس عمياء لا تعي مقتِ لها ساعة نحس، لعلي ابدو مجنونة أو يخيل إلي ما ان موعد العشاء اتقدت انوثتها تلك التي صاحبتها مواسمها الاربعين فعمدت على طمس تجاعيد وجهها ناسية تجاعيد زمن… هكذا أحاسيسِ صورت لي الأمر، اختي منال إمرأة اربعينية السنون لم يكن الحظ حليفها في ان تجد من يشاركها نصف فراغها الداخلي أو نصف فراشها البارد… فبعد ان مزقت صفحات القدر عائلتنا ولم يبقى منها سوانا أنا نسرين ومنال اختي الاصغر مني بسنة واحدة… هي قريبة مني الى حد أني اعرف متى يقف شعر يديها ومتى ينبض قلبها او حتى خفقانه عندما يتغير يلفيني الشعور بغرابة إنفعالاتها الفيسيولوجية والنفسية… لم أحظى بالاولاد و الذنب ليس ذنبي فقد كان وليد هو من اصيب في مرة لحظة اشتباك مع ما تسمى حرب داعش في أعضاءه فأتلفت خصيتيه ولم يعد قادرا على الانجاب لكنه لم يفقد ذكوريته… على اية حال هذا ليس ما اردت قوله… رضينا بقدرنا معا واكتفيت انا ان يكون هو طفلي المدلل وارتضى ان اكون طفلته التي يحب… اما منال و بعد ان توفى الله والداي جاءت لتسكن معنا فالمنزل واسع كبير يكفينا و اكثر… عادة نجلس في المساء بعد تناول العشاء على الشرفة نتسامر او نلعب ورق الكونكان او نسمع موسيقى ما لروائع أم كلثوم او كاظم الساهر يغني أنا وليلى او مدينة الحب… في تلك اللحظات شعور ما يدفع فضولي الى مراقبة نظرات منال وهي تصوبها نحو وليد الذي اشعر انه لا يبالي بها او يعتبرها عادية لكن غريزة المرأة هي من تقول لي احذري اختك…. كيف افسر ما تقوله غريزة الأنثى التي لم يخطئ حدسها معي طوال تلك الفترة من ارتباطنا؟ على فكرة منال لم تكن معنا منذ البداية لكنها انتقلت للعيش إلينا منذ ثلاث سنوات، ما جعلني اشك انها وفي الاونة الاخيرة اخذت تتبرج و تهتم بنفسها في المساء قبل ان يعود وليد الى المنزل، فبرغم تجاعيد كُثر وهاجس يقول لي كأنها توحي لذئاب الليل أنها أنثى ثنائية العشرين بحكم شايلوك… ترغب ان تبيع رطل او أكثر من لحمها… لكني سرعان ما اهز رأسي مستعيذة من الشيطان الرجيم…. الشيطان أيمكنه ان يتمثل بصورة أختي يدفع بها لأن تغري زوجي الذي اعشق؟!! أراها أحجية كلمات حب لا يجيد قرائتها إلا من أصيب بمرض التوحد هياما في من يعشقه، لذا فككت لغزك بعلتي جمعت مصفوفات التغيير التي طرأت على منال التي بدت لي هائمة كثيرا تفضل الوحدة إلا حين نجتمع على طاولة العشاء او السهر و المسامرة على غير عادتها تضحك بشكل هستيري يجذب النظر تمازح وليد بكثرة تضربه على يده وبعض المرات على خده اشعر انها تريد ان تتحسسه… أدافع انا بعفوية في بدايات الامر لكن ما ان تمادت زجرتها قاصدة أن اشعرها بتفاهتها قائلة.. اعلم ما تنوين القيام به لكن قفِ ولا تكثري من المزاح فغالبيته يجلب الزعل… أما وليد فقد أحس لذا آثر ان يبتعد بشكل لم يضايقني فيه كأنه يدفع بالتي هي احسن… و على فراش الزوجية قبل ان يطفئ قابس النور المنضدي قال لي:

  • نسرين لا اريد ان اتدخل بينك وبين اختك.. لكن ارجو ان لا تتسرب الظنون الى داخلك فأنا اعتبرها اختي لا اكثر وما تصرفاتِ نحوها إلا عفوية كأخ يجب أخته فلا تصور لك هواجسك اكثر إن الشك والغيرة مصيدة القلوب النقية… كما اني احبك جدا ساترك لك التعامل مع اختك لذا سأغيب ليومين اريد منك ان تتصالحي مع نفسك و كذلك مع اختك فكما تعلمين أن لا احد لها سواك وأنا فلا تجعلي بذور الشك تنمو فتعيق نمو صفاء الورد الذي نستنشق عبيره كأسرة.. تصبحين على خير قالها بعدها قبلني بحرارة لكني لم اكتفي بذلك انضويت أداعبه حتى تمكنت منه…

في مرة قرأت لكاتب قوله: عندما تزدريك الأيام إعلم أنها أطنبت بغيرك… فلا تركن لمغبة من باعك ويريد ان يصلك، و هناك قول آخر له… عندما تصطف اوجاعك هناك حيث الطابور الطويل أمام شباك صيدلية الأيام كي تحظى بحبة مسكن.. تشعر انك نلتها لكن ما ان تصل يغلق مع ورقة كتب عليها أنتظر الى الغد، كم هم محبط الموقف اراه يقصد بغيابه عني بيته ان يجعلني ان ارمم الصدع في داخلي اتجاه منال…. لكن ماذا لو كان حدسِ صادق و ثبت لي ان منال تتحرش بوليد؟ ترى ماذا تكون ردة فعلي إتجاهها لا بل اتجاههما؟؟ فحينما رمى الكرة في ملعبِ اثبت لي انه شعر بتوددها له ورغبتها في التقرب إليه بشكل غير طبيعي… في اليوم التالي كان قد غادر باكرا دون ان يوقظني فقمت مثل كل يوم اسقي نباتات الظل التي اعشق امارس الرياضة الخفيفة اشرف على المطبخ وما ستعده لونا الفتاة الاسيوية لنا من طعام… توانيت بعد أن تذكرت ان وليد لايكون حاضرا فأعطيتها الضوء الاخضر بأن تطبخ لنا ما تراه مناسبا… على الغداء كانت منال جالسة قبالتي تتناول طعام الغداء بشراهة غير معتادة غير مبالية بما حدث في الامس فقلت لها..

  • على مهلك منال ليس هناك من يجري وراءك او يأخذ حصتك من الطعام
  • ضحكت بشكل غير مسبوق ثم اجابت اعلم ذلك لكني اشعر بالجوع كثيرا ولكني مستغربة من عدم وجود وليد معنا هل سحضر هذا الرجل الخلبوص؟؟… ما ان خرجت منها تلك المفردة حتى توقفت حركة فكيها عما يلوكانه بلعتها بصعوبة دون ان تلوكها، سرعان ما شربت كأس ماء دفعت ما غصت به…
  • ما هذا الاسلوب يا منال!! كيف لك ان تذكري وليد بهذه الصفة؟ وبأي حق تملكينه حتى ترفعِ الحشمة سواء في مفرداتك او تصرفاتك التي زادت عن حدها في الايام الاخيرة
  • لا ابدا نسرين و الله ما قصدت ايا من ذلك لكنها خرجت مني بشكل عفوي اعتذر لك..

رامت ان تقوم إلا اني منعتها واجبرتها على الاستماع الى ما اريد قوله فأردفت

  • عندما تزدريك الأيام إعلمِ أنها أطنبت بغيرك… فلا تركنِ لمغبة من باعك ويريد ان يصلك… لعلي لم اصيغها بشكل جيد المهم المعنى فأنت اختي ولا اريد ان تكون بيننا فجوة أو هوة تودي بنا الى الفرقة، اعلم جيدا شعورك بالوحدة المقيتة من ابتعاد قطار الارتباط دون ان يتوقف الى محطتك، لكن هو امر لا دخل لي فيه ولا لك، فكما فاتتك الفرصة ونال منك القدر، نال مني وحرمني من الابناء… فكنت لي الاخت والابنة فلا تجعليني اخافك كما اخاف اي إمرأة تدفع بي غريزتي للشعور بأنها تريد سرقة رحيق عمري…
  • ابدا.. ابدا نسرين كوني على ثقة أيقنِ أني ما عنيت شيئا لكني وخلال تلك السنين وانا بينكم شعرت ان الجليد بيني وبينه قد ذاب فرحت اعامله و أمازحه مثل أخ لي فلا تركني للظنون ابدا فعالم سعادتك هو عالمي ايضا فلا تبحثي عن خراب بيتك بيدك و خاصة من جانبي، إعلمِ اني على استعداد لأن ابتعد عنك وعن وليد من الان حتى ترتاح و يطمئن قلبك ونفسك…. كان النقاش طويلا شعرت انها بعيدة كل البعد عن ما ظننته… مر المساء الاول صعبا، و جاء المساء الثاني كنت قد اصلحت ما كان بيني وبين اختي منال، لطمت الشك حتى فر هاربا… في ذلك المساء كان قد هاتفني وليد وطلب مني ان اعد العشاء لمناسبة خاصة… شعرت بالفضول لكني نفذت ما طلب مني… ها هي الساعة الثامنة وقد طرق الباب… دخل وهو يحمل باقة الورد الذي احب، قبلني بحرارة على خدي… ثم قال
  • – اين منال؟
  • استغربت من سؤاله!!! كأن البتسامة والفرحة أنطفأت من على وجهي، فأجبته إنها هناك في الشرفة
  • حسنا نادي عليها
  • ناديت عليها فجاءت مورقة على غير عادتها حتى انا تفاجأت بنضارتها فلقد كنت مشغولة بإعداد العشاء وبنفسي فلم ألحظ ما زينت به نفسها..
  • اسمعاني جيدا نسرين وانت يا منال… لدي مفاجأة لكما المثل يقول أخطب لأبنتك ولا تخطب لأبنك لذا اقدم لكم صديقي العزيز كريم… ثم نادي تفضل يا كريم

رجل طلعته جميلة و ذو وقار وصوت دافئ وهو يقول… مساؤكن خير جميعا

  • لقد جاء خاطبا يد منال مني وقد وافقت ولا اظنكما ترفضان اليس كذلك… بهتت منال والاكثر انا فلم اصدق ما الذي حدث…

في ذلك المساء لم اعد اخاف أختي وأنا اراها قد اينعت مثل زهرة عباد الشمس عندما تنظر الى كريم كأنه الشمس التي ارادت.

القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com