منوعات

إبراهيم عيسى يسأل: لماذا الحرب على محمد رمضان؟ النظام السوري بدور المنقذ… وميقاتي الحلقة الأضعف في «الميادين»

بيدر ميديا.."

إبراهيم عيسى يسأل: لماذا الحرب على محمد رمضان؟ النظام السوري بدور المنقذ… وميقاتي الحلقة الأضعف في «الميادين»

راشد عيسى

 

يجد المرء نفسه فجأة أمام الشاشة، وجهاً لوجه مع الإعلامي «الكبير» (ذلك لأن عدد بوصات الشاشة كبير أساساً) إبراهيم عيسى، صاحب الكتب الإشكالية المدوية، والتصريحات الصاخبة، رئيس التحرير المصري اللامع، ومقدم وصانع البرامج الأكثر لمعاناً. يبدو كمن يلقي خطبة، يلقي كلماته بهدوء ووضوح، يأخذ مسافة صمت بين الكلمة والأخرى كما لو أنه يأخذ برهة لمراقبة صدى كلماته عند الجمهور. يقول: فنان مصري، عربي، ناجح وجماهيري، تتسع شهرته في آفاق عربية وعالمية، وله نجاحات هائلة، هائلة يعني هائلة، (وهنا فرد ذراعيه ليشرح حجم الهول)، أكثر فنان مصري «اتْشاف» (شوهد) في الوجود الإنساني، وهنا قد يكون الكاتب شعر بفظاعة العبارة فاستدرك مخففاً وقعها، ومحدِّداً نطاقها: في اللغة العربية. ولأنه توقع ردة فعلنا فقد أراد أن يقدم الدليل: أكثر من 4 مليارات مشاهد.
رحت أتحزّر: رمسيس الثاني، أجابوني: «قلنا لك فنان».
آه. عمر الشريف، فريد شوقي، أحمد زكي، محمد عبد الوهاب، سيد درويش، عبد الحليم حافظ.
لا، لا. لا يمكن وصف أي من هؤلاء بأنه «أكثر من شوهد في الوجود الإنساني».
مَن إذاً؟!
«إنه محمد رمضان». هذا هو أخيراً جواب الحزورة ثقيلة الظل. ولكن ما الحكاية؟!

«أكثر فنان مصري اتشاف (شوهد) في الوجود الإنساني»، يا لها من عبارة! هل لاحظتها الصحافة المصرية؟ هل التقطها خفاف الدم المصريون؟ كيف مرّت؟!

يتعرض الشاب، بحسب إبراهيم عيسى، لـ «حرب لن تنتهي أبداً»، آخر فصولها كلام ملفق عن أن رمضان طُرد من مقهى في الإسكندرية. فيما يؤكد عيسى أن هناك حفاوة به، وترحيباً، وإقبالاً جماهيرياً، وحالة من حالات الزهوّ لوجوده بين الجمهور.
وهنا يلوم عيسى الدولة، إن لم نقل يوبخها على تقصيرها الفادح: «متى كانت الدولة على هذا الإهمال والتجاهل والتغافل عن حقيقة هذه الحرب!».
لا يجد المرء نفسه هنا معنياً بدحض كلام إبراهيم عيسى عن رمضان، أو محاولة إقناعه بضلال فكرته، إذ يمكن، ومن دون عدسات مجهرية، رؤية كم أن رمضان مبتذل، ولا يستحق أياً من كلمات إبراهيم عيسى المعظمة. خصوصاً «أكثر فنان مصري اتشاف في الوجود الإنساني»، فيا لها من عبارة! هل لاحظتها الصحافة المصرية؟ هل التقطها خفاف الدم المصريون؟ كيف مرّت؟!
ما يهمنا كيف يبتذل إبراهيم عيسى نفسه هكذا، ولماذا، وهل هو قليل عقل وذائقة فعلاً إلى هذا الحد، أم أن هذا ما أمرت به أجهزة السيسي، التي لها القرار الفصل في تصنيع النجوم وإطفائهم!

حين تتمنى الموت غرقاً

مع غرق المركب الطرابلسي اللبناني أخيراً قبالة السواحل السورية، استعاد النظام السوري دوراً أثيراً ومحبباً لديه: إطفاء حرائق كان قد أشعلها بنفسه. من بين ركاب المركب الغارقين هناك حوالى ثمانين سورياً، من إدلب، وعفرين، واللاذقية. وحوالى ثلاثين فلسطينياً سورياً، لعلهم هجّوا من بطش النظام ووحشيته، والباقي من أهالي طرابلس المنكوبة، ولديها من الأزمات ما يفجع.
بدا النظام سعيداً فيما هو تحت الضوء من جديد، لاعباً دوراً إنسانياً مزعوماً، لأن الحقيقة، على ما يبدو، أن أهالي جزيرة أرواد الطرطوسية هم أصحاب الفضل في انتشال الجثث، وما تبقى من أحياء. قال شهود من الجزيرة إن الأرواديين، عندما وصلتهم أولى الجثث الطافية، وعرفوا أن ذلك يعني غرق مركب، هرعوا بزوارقهم، ومن خبّأ المازوت للأيام الصعبة راح يوزع ما لديه على قوارب الإنقاذ.
لا نحسب أن أحداً في العالم ينتشي بحادث الغرق المفجع بقدر النظام السوري، ينتشي برسالة ساقها القدر لعموم السوريين في مناطق سيطرته، مفادها: «ما من طريق، أقلع عن أي أمل»، سوريا الأسد سقفكم، ملاذكم الأخير، قارب نجاتكم، آمناً كان أم لم يكن، إنه أرحم من هذا المصير.

استعاد النظام السوري دوراً أثيراً ومحبباً لديه: إطفاء حرائق كان قد أشعلها بنفسه.

من هجّ من السوريين، لم يترك بيته ويدفع كل ما يملك، وأخيراً حياته، إلا لأن حياته تحت سقف الأسد باتت جحيماً لا تطاق، ولأن طريق البحر الوعر بات أرحم. ويقيناً ليس هناك أسوأ من الغرق، سوى أن يجد المرء نفسه «ناجياً» بين أيدي النظام السوري.
بعض الناجين استفاقوا من كابوس الغرق بالفعل ليجدوا أنفسهم معتقلين على يد أجهزة النظام، تلقفتهم الأقبية على الفور، كما جاء في أخبار أمس (الإثنين)، حتى قبل أن يتعافوا من جراح البحر. يقول الخبر لأنهم مطلوبون، أو بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية.
لا نعرف نظاماً، عصابةً، أكثر خسة من هذا.

نجيب ميقاتي فقط!

في برنامجه «في كل الأحوال» يعلّق بيير أبي صعب على خطاب لرئيس حكومته نجيب ميقاتي، عندما تحدثَ الأخير عن العسكري «اللي بيضرب له تحية على باب السراي الحكومي». وكيف يشعر به، من عينيه، بعدم قدرته على دفع أقساط مدارس أولاده أو إطعامهم وتأمين أحوالهم: «بعرف من عيونو أنه ما قادر يجيب دوا لبيه، أو لأمه».
يسخر بيير من «حنان» ميقاتي، ويدعو (على أساس بالمزاح) العسكري إلى ضرب ميقاتي (ليه ما بيضربو؟). يقول: «أنا كنت ناطرو يبكي، نيالنا عنا رئيس حكومة بيعطف ع المساكين. هيدا العسكري اللي كل يوم بيضرب له تحية على باب السراي، ما بعرف شو ناطر ليضربو. (عم نمزح طبعاً، وكل الاحترام لدولة الرئيس) بس كنت حابب إسأل ليه أخونا ما معه ياكل، ولا يدفع، ولا يعلم ولاده، قولكن في حدا فقّرو، وجوع له ولاده، وسرق له دولته وحاصره!».

يقيناً؛ ليس هناك أسوأ من الغرق، إلا أن يجد المرء نفسه «ناجياً» بين أيدي النظام السوري.

ثم يتوجه أبي صعب لمخاطبة ميقاتي: «حاج نجيب، لو دولتك، مع سائر أعضاء النادي، دفعتوا ضرائب على أرباحكم وثرواتكم وأملاككن، يمكن هاد العسكري صار ملكة بريطانيا. بصراحة هالعسكري ليه بعدو ناطر، وعم يضرب لك تحية؟!».
لا تخفى نبرة تحريض أبي صعب للعسكري على ضرب ميقاتي، ولا يخفى استقواء العصابة الحاكمة على الحلقة الأضعف فيها. لكن لا يخفى كذلك التزوير؛ هل حقاً مشكلة لبنان اليوم في أن ميقاتي وأعضاء النادي لا يدفعون ضرائبهم! يا له من ترف إذاً. إن الأمر نفسه يحدث في أكثر الدول نعيماً وديمقراطية.
حاج بيير، لحظة من فضلك، هل تجد أثراً ما لسيطرة «حزب الله» و(باقي أعضاء النادي) على تعطيل الدولة ومرافقها، وتفاقم مختلف الأزمات؟
مع ذلك، كنا آمنا، أو ناقشنا على الأقل ما تقول، لو أنك تحدثت من منبر غير «الميادين»، الناطقة الأولى باسم النظام الممانع، الإيراني الميليشيوي، القابض على مفاصل الدولة، لو لم تكن أحد الناطقين باسم «الحزب»، والمؤسسين للغته وإعلامه.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com