مقالات

مهمة «إسرائيلية» مشبوهة في الرباط… ويا إعلاميينا أرجعوا خناجركم إلى أغمادها!

بيدر ميديا.."

مهمة «إسرائيلية» مشبوهة في الرباط… ويا إعلاميينا أرجعوا خناجركم إلى أغمادها!

الطاهر الطويل

 

يبدو أن نصائح «مدوّنة السلوك» التي وجّهتها حكومة تل أبيب إلى السياح الإسرائيليين الذين يسافرون إلى البلدان المُطبِّعة حديثًا، ينبغي أن تُطبَّق حتى على الدبلوماسيين المُعيَّنين من طرف سلطات الاحتلال الغاشم في الرباط وفي غيرها من العواصم العربية وغير العربية.
لقد أسهبت وسائل إعلام عالمية، من قبل، في وصف ممارسات العديد من السياح الإسرائيليين في فنادق بلدان خليجية، حيث يسرقون كل ما تقع عليه أيديهم، بما في ذلك فوط الحمام والأغطية والمصابيح الكهربائية والكؤوس وهلم جرا… واليوم، فاحت روائح نتنة من داخل ما يسمى «مكتب الاتصال الإسرائيلي» في العاصمة المغربية، لدرجة أن القناة العِبرية الناطقة باللغة العربية خصصت للموضوع فقرة في إحدى نشراتها الإخبارية؛ بينما حاولت خارجية الكيان الاستيطاني تطويق الفضيحة، باستدعاء مَن يسمي نفسه «سفيرا» إلى تل أبيب من أجل التحقيق معه!
يا لسخرية الظروف! هؤلاء الذين انتدبتهم حكومة العدو لتجميل صورتها البشعة وتسهيل مهمة التطبيع مع المغرب والمغاربة، نسوا ما جاؤوا من أجله، وانغمسوا في التحرش الجنسي بفتيات مغربيات وإقامة ليال حمراء (إذا صحّت الشبهات) فضلا عن «اتهامات» بالفساد المالي والإداري لدرجة خداع العديد من اليهود القاطنين في المغرب والاستيلاء على أموالهم تحت ذريعة بناء «البيت اليهودي» في مراكش وسرقة هدية ملكية ثمينة.
الغريب أن «الشبهات» التي تلاحق ديفيد كوفرين، رئيس «المكتب الإسرائيلي» في الرباط، ومَن يدور في فلكه، سارت بذكرها العديد من وسائل الإعلام المغربية (باستثناء الرسمية)، لكن الأجهزة الحكومية فضّلت التزام الصمت، إذ لم تبد أي موقف من القضية ولم تتفاعل معها؛ مع أنها تتعلق باتهامات تمس هيبة المغرب وكرامة المغاربة!
أمام حزمة «الاتهامات» التي بدأت وزارة الخارجية الاسرائيلية التحقيق فيها (والمتعلقة بادعاءات تحرش جنسي، واستغلال النساء، واختفاء الهدايا، وصراعات بين أجنحة داخل ذلك «المكتب المعلوم الملغوم») أثار الإعلامي المغربي الحسين يزي جملة من الأسئلة في تدوينة فيسبوكية، وذلك على النحو التالي: «مَن ادّعى ومَن اشتكى وإلى أي جهة لجأ ليدّعي وليشتكي؟ وأين ضحايا التحرش والاستغلال الجنسي؟ وهل اشتكين إلى الخارجية الإسرائيلية أم إلى القضاء المغربي؟ وأين وقع التحرش والاستغلال الجنسي وحتى الاتجار في البشر: داخل مقر المكتب المعلوم أم في فنادق وفي إطار سهرات خاصة؟ وأين وزارة الخارجية المغربية مما يحدث؟ وأين النيابة العامة التي من حقها ومن واجبها التحرك من تلقاء نفسها للأمر بالبحث في ما يحدث وفق القانون المغربي ووفق الاتفاقات القضائية، دون انتظار تقديم شكاوى مِن ضحايا مفترضين؟»

«زفة» لم تكتمل!

منذ بضعة أسابيع، أقام البعض «الزفة» لافتتاح مكاتب قناة عبرية في مدن مغربية، ورأوا في ذلك انتصارا لمسار التطبيع. ثم تفجّرت فضيحة إيهام عمّال مغاربة بعقود شغل في «إسرائيل»، وهي التي تبرأت منها مُمثِّلية هذا الكيان بالرباط، مع أنه «لا نار بدون دخان» كما يقال، خاصة إذا حاولنا جمع عناصر متفرقة هنا وهناك عن الوجود الدبلوماسي «الإسرائيلي» في الرباط والتهم المتصلة به.
ومما يلفت الانتباه أن هذه الوقائع المتتالية التي انتهت بـ»شبهة» فضائح أخلاقية تلاحق «السفير» الإسرائيلي في الرباط، جاءت بعدما كثر الحديث عن حقيقة موقف تل أبيب من قضية الصحراء المغربية، حيث فُسّرت عبارة «الأصدقاء الجدد للمغرب» التي وردت في الخطاب الملكي الأخير بكون المقصود بها تحديدا «إسرائيل». فهل أتى استدعاء السفير ديفيد كوفرين كمناورة ومحاولة للالتفاف على هذه القضية المحورية المُحرجة لحكّام تل أبيب؟
لا شك في أن الإعلاميين والسياسيين والفاعلين في المجتمع المدني ورجال المال والأعمال المغاربة الذين هرولوا طيلة الشهور الأخيرة نحو مكتب وإقامة «السفير» المُتّهم بالفساد الأخلاقي والإداري يعضّون أصابعهم هذه الأيام، بعدما طبّلوا كثيرا لمسار التطبيع الذي توهّموا أنه سيعود بالنفع على البلاد والعباد، وفي مقدمة أحلامهم أو أوهامهم: اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء، متجاهلين أن ثمن ذلك (إذا تحقق) تكريس شرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتزكية مطامعه الكبرى التي لا تقف عند حدود معينة، ولا تعترف بمطالب المنتظم الدولي، بما فيها حلّ الدولتين على أرض فلسطين.
ولكن، متى كان مغتصب الأرض يرضى باقتسامها مع صاحبها؟!

مبارزات جانبية!

شبكات التواصل الاجتماعي صارت، هذه الأيام، ساحة لمعارك كلامية طاحنة تدور بين إعلاميين عرب معروفين، حيث تُتبادل تهم ونعوت من العيار الثقيل؛ وتغذّي هذه المعارك تعليقات لمُتابعين ومُدوّنين تنتصر لهذا الطرف أو ذاك، مما يخلق فرجة مسلّية للبعض، كما صارت موضوعا حتى لدى قنوات تلفزيونية عالمية، مثلما هو الشأن بالنسبة لقناة «بي بي سي عربية».
السجال انبنى على قضايا سياسية خلافية، تباينت حولها المواقف والتقديرات؛ والأَوْلى بالإعلاميين ـ في تقديرنا المتواضع ـ أن يبحثوا عما يجمع بين الأشقاء العرب، وليس النبش عما يفرّق بينهم.
أَوْلى بهم أن يغمدوا الخناجر التي يوجهونها لبعضهم البعض، فتخلق مبارزات جانبية، تحرّف النقاش حول الأدوار المنوطة بالمثقف العربي، لا سيما في المرحلة الراهنة التي وهن فيها الجسم العربي، نتيجة أمراض التجزئة والتقسيم والعدوان الإمبريالي الظالم، فضلا عن معاناة المواطن مع قضايا الديمقراطية والحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية.
وما دمنا نتحدث عن المعارك، فمن العار أن تكون بعض المشكلات السياسية الطارئة بين بلدين عربيين (كما هو الحال ـ مثلا ـ بين تونس والمغرب) سببا في انخراط إعلاميين ومثقفين في حملات التجييش وتغذية العداوات، عوض أن يسهموا في التقارب بين المواطنين وتجاوز الخلافات الطارئة.
لا بد من اتخاذ المسافة الضرورية بين الأنظمة والشعوب، بين الحسابات السياسية الظرفية والقواسم الإنسانية المشتركة.

«وصفة» الوزير!

مطلع الأسبوع الجاري، انطلق الموسم الدراسي الجديد في المغرب، ومعه انطلقت البهرجة الإعلامية التي ترافقه بالمواصفات المعهودة: التدشينات البرّاقة، وكلام الرسميين المليء بالوعود والكلام الفضفاض. لكن المثير في الموضوع هو «الوصفة» التي أطلقها وزير التعليم المغربي من أجل الارتقاء بالقطاع وإصلاح أعطابه، ومن بينها تعزيز القراءة باللغتين العربية والفرنسية. وهو ما يعني إهمال النقاش العام الذي يتخذ مسارين: أولهما مسار المطالبة بتعميم اللغة الأمازيغية في مختلف أسلاك التعليم، باعتبارها لغة وطنية إلى جانب العربية، والمسار الثاني المطالبة بإحلال اللغة الإنكليزية مكان الفرنسية التي لا قيمة لها في مجالات العلوم والمعارف والتقنيات على مستوى العالم.
وبينما تمارس فرنسا مزايداتها على المغاربة، من خلال حرمان الآلاف منهم من تأشيرة الدخول إلى أراضيها، فضلا عن تذبذب موقفها من قضية الصحراء، تصرّ وزارة التعليم المغربية على الإبقاء على الفرنسية لغة تدريس في المدارس والثانويات، مع ما يتصل بذلك من صفقات تجارية لاقتناء الكتب الدراسية المطبوعة في باريس، لا سيما بالنسبة للمدارس الخاصة.
لا يمكن للمغرب أن يحلم بالاستقلال الاقتصادي والثقافي واللغوي ما دام اللوبي الفرنكفوني مهيمنا على أهم القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها قطاع التعليم.

 كاتب من المغرب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com