صحة

العالم المخيف لصناعة الموضة و عارضات الأزياء

تسير برشاقةِ القطة، وتتمايل واثقة من خصرها النحيف، وجسدها الخالي من الدهون، تلك هي صورة عارضة الأزياء التي تحسدها كل فتاة تجد صعوبة في الوصول إلى وزنها المثالي , ولكن ما لا تعرفه كل فتاة، هي الكواليس المظلمة القاسية التي تمرُّ بها كل عارضة أزياء ، حتى تصل بجسدها إلى تلك النحافة، والضغوط النفسية والجسدية التي تفرضها صناعة الأزياء والموضة.

أنظمة غذائية قاتلة، وتمرينات أقسى، غير مسموح بالشكوى، غير مسموح بالتعبير عن الحزن والتعاسة. مهما كان ألم قدمك، أو شعورك بالألم، اخرجي إلى الجمهور وأنتِ ترتدينَ أفخر الثياب، وداري دموعك خلف مساحيق التجميل والابتسامة المصطنعة، وسيري كالقطة حتى يحسدك الآخرون، فأنتِ يا عزيزتي عارضة أزياء ولست بشرية.

في هذا التقرير، تكشف بعض عارضات الأزياء، العالم القاسي الذي يعيشونه في كواليس صناعة الأزياء والموضة.

عارضات الأزياء . . سوء معاملة  وحبس في الظلام

جيمس سكولي , خبير الأناقة ووكيل أعمال أكثر من مصمم أزياء عالمي، في بداية هذا العام، وبعد حضوره لأحد عروض الأزياء، صرح عن رأيه من خلال حسابه الشخصي على تويتر مؤكدًا أن ما تشهده عارضات الأزياء الآن من سوء معاملة، لا يصح السكوت عنه، وأكد أنه في عرض الأزياء الأخير الذي حضره، قد شهد العارضات ينتظرن واقفات على باب غرفة اختبار الأداء لأكثر من 10 ساعات، ووقت استراحة المسئولين كانوا يغلقون الأبواب وعلى العارضات الانتظار، ومن ثم إغلاق الأنوار حتى يعودوا من استراحة الغداء، تاركينهنّ محبوسات في الظلام على حد قوله كالماشية في سوق اللحوم، وعلى الرغم من قسوة هذا، إلا أن ما رآه جيمس أخطر؛ هي المحاولة الدائمة لمنظمي تلك الحفلات، تعيين عارضات في عمر الخامسة عشر.

لحملة التي يحاول جيمس سكولي شنها، انضم لها عارضات أزياء مخضرمات، عاشوا خلف كواليس تلك المهنة فترة طويلة، مثل هيلينا كريستنسن و جوان سمالز، مؤكدين أن ما تتعرض له عارضات الأزياء في كل الأوقات قاس، ولكن ما يحدث الآن لا يمكن السكوت عنه.

الرسالة واضحة : لا يجب أن تأكللقد نُزع جلدي، وغُرست الدبابيس في جسدي، وكُلفت بالعمل يوميًا لمدة عشر ساعات دون طعام أو شراب، الرسالة الواضحة في عالم الأزياء هي: لا يجب أن تأكل على الإطلاق. -عارضة الأزياء روزالي نلسون

عارضة الأزياء  روزالي نيلسون والتي تبلغ من العمر 25 عامًا، أكدت تعرضها للإيذاء الجسدي والنفسي أكثر من مرة، وشعرت أن المنظمين لعروض الأزياء يتعاملون معها وكأنها «مانيكان» وليست إنسانة، فكانوا « يتحكمون في جسدي وكأنه ملكهم ».

أن تُسجن في غرفة مظلمة دون طعام أو شراب . . لمدة 10 ساعات

أحد الأمثلة التي ذُكرت في الإعلام أكثر من مرة، حين قام أحد المسئولين عن تدريب العارضات، برسم علامات بالقلم الاسود على المناطق السمينة في جسد إحداهن، ثم جعلها تركض داخل الأستوديو وهي ترتدي حذاءً ذا كعب عالٍ، حتى انهارت من شدة الألم، فحبسها بغرفة وحيدة دون مياه أو طعام لمدة عشر ساعات.

هذا بالإضافة إلى عارضة الأزياء التي فقدت الإحساس بأصابع قدميها فقدانًا كاملًا بعد أن ارتدت حذاء ضيقًا على قدميها لساعات طويلة، وبعض المدربين يعاقبون العارضة التي تشعر بالضعف بعد فترات تدريب طويلة بدون طعام؛ بأن يطلبوا لها البيتزا ويقولوا لها كُلي أيتها الخنزيرة، ثم يطردوها من العمل.

عارضة الأزياء البريطانية، إيدي كاميل التي ظهرت على غلاف مجلة الموضة الشهيرة Vogue، تؤكد أن ما يحكيه جيمس عن ما تعانيه عارضات الأزياء، خاصة المبتدئات منهن، هو نقطة في بحر ما يحدث فعلًا، فإساءة المعاملة تصل إلى حد لا يمكن وصفه.

إيدي التي تعمل في عالم الموضة منذ ست سنوات، أكدت تعرضها للكثير من الإساءة و الإهانة قبل أن تصل إلى غلاف مجلة شهيرة، وهذا سببه أن عارضة الأزياء تبحث بحثًا محمومًا و يائسًا عن فرصة في أحد عروض الأزياء المشهورة، وهذا يجعل منها فريسة سهلة للاستغلال وتقليل الشأن، وليس من حقهن حتى الاعتراض أو الشكوى، لأن هذا الوسط –عالم الموضة- مغلق على نفسه والمعلومات تسرى فيه سريعًا، والشكوى قد تقلل من فرصة العارضة للعمل في المستقبل في عروض أزياء ذات شأن. وهذا ما يجعل العارضة تتحمل الإهانة النفسية، والجسدية، وفي بعض الأحيان الجنسية أيضًا.

« أنا لست كبيرة الحجم »

أنا لن أشعر بالخجل تجاه جسدي، ولن أرضى  بالإهانة يوميًا، ولن أكافح للوصول إلى معايير الجمال السخيفة والمستحيلة التي تطلبونها.

هكذا بدأت  شارلي هاورد عارضة الأزياء السابقة  خطاباً مفتوح وجهته للوكالة التي كانت تعمل لأجلها، من خلال صفحتها الشخصية على موقع فيسبوك، والذي بدأته بسبّ واضح للوكالة، وهي تؤكد لهم أنها لن تسمح لهم بتصنيف جسدها أو التحكم فيه بعد الآن.

« أنتم تجلسون على مقاعدكم وتملؤون بطونكم بالكعك والطعام الشهي، ثم تنتقدون جسدي وجسد باقي العارضات اللاتي لا يأكلن لأيام طويلة حتى يصلوا إلى مرحلة مرضية من النحافة ».

أكدت شارلي أنه كلما أصبحت عارضة الأزياء نحيفة، انتشرت الملابس التي تناسب هذا الحجم، وبالتالي يزيد الضغط النفسي على كل فتاة عادية مراهقة تريد أن تواكب الصورة المثالية للمرأة والتي تتجسد في عارضة الأزياء، وهذا أمر ترفض شارلي -كما وضحت في خطابها- أن تكون رمزًا أو سلعة ترويجية له، فكأنها تروج من أجل مرض شرس.

وربما قطع الأصابع الصغيرة للقدم، حتى تصلح قدم المرأة لارتداء الأحذية العالية مثل عارضات الأزياء؛ هي المثال الأقرب لما تحاول شارلي تجنبه. خاصة وأنها وجدت وكالة توظيف تسمح بالمقاسات المختلفة لعارضات الأزياء، ولكنها أكدت أن هذا الأمر أصبح نادرًا وهناك الكثير من العارضات صغيرات السن يتعرضن للأذى النفسي والجسدي يوميًا.

« ليس عملاً ترفيهيًّا » . . وعادة يكون بلا مقابل مادي

والأسوأ من تلك المعاملة، هو  تعمد أصحاب الوكالات التي توظف عارضات الأزياء، بتأخير أجورهم حتى يظلوا تحت رحمة الوكالة، وهذا ما أكدته ليندل كين عارضة الأزياء وملكة جمال أستراليا لعام 2016.

و أوضحت أنه رغم عملها في عرض الأزياء عملًا احترافيًا؛ فهي ما زالت تواجه عدم التقدير المالي في الأجور المعروضة عليها، مؤكدة أن عارضة الأزياء في بداية طريقها قد تعمل 10 ساعات يوميًا بدون أجر، وكل ما تحصل عليه هو نظارة شمس أو سلعة من التي تروِّج لها، غير مدركين أن العمل في عرض الأزياء ليس عملًا ترفيهيًّا، بل هو عمل شاق ومجهود مبذول للحفاظ على رشاقة الجسم وجمال البشرة، وبالطبع مجهود نفسي أيضًا، فلا يجوز أن تتقاضى عارضة الأزياء عشرين دولارًا للساعة،  خاصة وإن كان العمل من الساعة الخامسة صباحًا للساعة الرابعة مساءً.

والخدعة التي انتشرت في مجال الموضة كما صرحت ليندل هي وكالات الأعمال التي تظهر فجأة وتستغل فتيات في عمر المراهقة، عن طريق الآمال الزائفة بدخولهنّ إلى عالم التمثيل، وبعد مشاركة الفتيات في جلسات تصوير بمبالغ لا تُذكر، تختفي الوكالة وكأن ليس لها وجود.

« لقد أصبحت أخاف الطعام »

عارضة الأزياء ألكسبس رن واحدة من أهم عارضات الأزياء الآن، والتي لقيها الإعلام بـ« ملكة الإنستجرام » نظرًا لعدد المتابعين لها على التطبيق، والتي تروج من خلاله لصورها والعلامات التجارية التي تعمل من أجلها.

عارضة الأزياء التي تبلغ من العمر 20 عامًا، صرحت للإعلام أن الضغط النفسي الذي وقع عليها من أجل إرضاء متابعيها والظهور الدائم لهم بمظهر رشيق ونحيف؛ قد أصابها بمرض anorexia ، أو فقدان الشهية العصبي، حتى أصبحت تشعر بالخوف الحقيقي عندما ترى الطعام، وكأنه عدوها اللدود الذي يحرمها من سحر النجاح والشهرة، وخسارة المحبين المتابعين لها على تطبيق إنستغرام، والذين وصل عددهم إلى عشرة مليون متابع.

كنت أشعر بالذنب كلما أكلت شيئًا مهما كان قليل السعرات، وظلت وجبتي تتضاءل حتى بدأت أشعر بالخوف عندما أرى الطعام، هكذا صرحت  ألكسيس للإعلام عن الثمن الذي تدفعه مقابل الرشاقة التي تمنحها المعجبين من كل مكان في العالم.

الحقن الشرجية والعقاقير المُسهلة . . الوجه القبيح جدًا للرشاقة

أكثر من عارضة أزياء صرحن بأن الهوس بالجسد النحيف في عالم الموضة، أصابهن بتدمير أجسادهن والخلل العقلي والنفسي. عارضة الأزياء السابقة فيكتورا دوكسير أكدت للإعلام أنها قد فعلت كل شيء حتى تصل إلى النحافة، فكانت تتناول العقاقير المُسهلة طوال اليوم، واستخدمت الحقن الشرجية بغرض تخليص الجسم من أي سموم أو دهون زائدة، وكانت تستبدل الثلاث وجبات اليومية بثلاث تفاحات فقط.

كانت تظن أنه يمكنها السيطرة على الأمر حين تريد التوقف، ولكنها أكدت أن الأمر خرج عن يدها حتى تحول إلى اضطراب نفسي؛ فلا يمكنها الاقتراب من الطعام، أو التخلص من العادات السيئة التي تحافظ على نحافتها. وفي النهاية تركت مجال عرض الأزياء عندما تأكدت أنه سيقضي عليها. ومن ثم ألفت كتابًا بعنوان « المقاس زيرو » والذي يحكي عن تلك التجربة الأليمة.

بينما صرحت عارضة الأزياء إيدين ماكني أن هوسها بالنحافة من أجل التفوق في عرض الأزياء، جعل لديها رغبة في نشر عظام فخذيها بمنشار كهربائي، هذا بعد أن فعلت كل الطرق الصحية وغير الصحية لخسارة الوزن، حتى تحولت –كما وصفت نفسها- إلى مجرد جلد على عظام، ولكنه لم يكن كافيًا أيضًا

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com