مقالات

الإعلام الغربي: من غزة وملجأ العامرية إلى أوكرانيا.

بيدر ميديا.."

الإعلام الغربي: من غزة وملجأ العامرية إلى أوكرانيا

هيفاء زنكنة

 

ما هو طول الفترة الزمنية التي تكرسها أجهزة الإعلام الغربية لتغطية ما يدور من أحداث كارثية في فلسطين والعراق بالمقارنة مع تغطيتها لما يدور حاليا في أوكرانيا؟ ليست هناك دراسات وإحصائيات دقيقة توفر الإجابة العلمية بعد، لكن متابعة نشرات الأخبارواللقاءات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية البريطانية، مثلا ناهيك عن الأمريكية والدول الأوروبية، توضح، بما لا يقبل الشك، أن هناك تحيزا إعلاميا فاضحا لصالح تغطية الغزو الروسي لأوكرانيا بالمقارنة مع تغطية ممارسات وجرائم الكيان الصهيوني اليومية بفلسطين، والغزو الانكلو أمريكي للعراق وما سببه من تخريب ينوء تحت آثاره الشعب العراقي حتى اليوم.
مثل زخات من المطر، تُبث البرامج « الإنسانية»، البريطانية والأمريكية، متسللة إلى عقول المشاهدين والمستمعين، منذ لحظات الغزو الروسي الأولى. يتم خلالها سرد تفاصيل معاناة الأوكرانيين بالدقائق، جراء القصف الروسي وتهديم المباني وتهجير السكان، وبطولة مقاتلي المقاومة الأوكرانية ومن ثم «صعوبة» وصول المهاجرين الى بلدان اللجوء وتأخر قبولهم مدة أسبوع أو أسبوعين، متجاهلين المشروع البريطاني بإرسال اللاجئين إلى رواندا. تصاحب هذه التغطية المكثفة المستمرة، على مدى 24 ساعة يوميا تقريبا، حملة شيطنة منهجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإغلاق لكافة المنافذ الإعلامية الروسية، وحتى منع المشاركات الرياضية والفنية والأدبية، وحجب المحاضرات الأكاديمية الروسية.

تغطية مكثفة مستمرة، على مدى 24 ساعة يوميا تقريبا، تصاحبها حملة شيطنة منهجية للرئيس الروسي

التساؤل الذي تثيره هذه السيرورة الإعلامية، بعيدا عن أحقية روسيا باحتلال أوكرانيا وهو فعل مدان، خاصة، لما سببه من معاناة للشعب الأوكراني، هو لماذا لا نشهد ذات التغطية والمتابعة ومشاركة الاحاسيس الإنسانية عن الفلسطيني الذي يعيش إحتلال أرضه صهيونيا منذ عام 1948 ، ويقاوم بكل السبل الممكنة عنصرية المحتل وانتهاكاته وجرائمه وتهجير أهل البلد في مخيمات، استحدثت كحل مؤقت تحول إلى واقع دائم، ولايحق له العودة إلى أرضه، بينما يمنح المحتل أرضا اغتصبها لحثالات العالم؟ لماذا لا نشهد ذات التغطية عن النظام الإسرائيلي الصهيوني الذي صنفته التقارير الحقوقية الدولية بأنه نظام فصل عنصري بعد رصد دقيق لممارساته التي ، كما ذكر كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة « هيومان رايتس ووتش» في مقابلة له مع البي بي سي، منذ أيام، مؤكدا « أن إسرائيل لم تتمكن من دحض أي من الوثائق التي استندنا إليها في تقريرنا». وكان تقرير منظمة « العفو الدولية» قد ثبت الحقيقة نفسها قبل ذلك بأشهر.
لماذا باتت الإشارة الى جرائم الكيان الصهيوني، من بينها جرف البيوت وقتل المدنيين وتدنيس الاماكن الدينية، وآخرها إقتحام المسجد الأقصى، وإطلاق الرصاص الحيّ والغاز المسيّل للدموع وإلاعتداء على المصلّين، في إنتهاكٍ صارخ لكلّ القواعد والأعراف الدولية، لا تذكر الا في حيز أخباري عابر وبيانات تخلص، عادة، إلى مساواة المجرم بالضحية؟

لماذا باتت الإشارة الى جرائم الكيان الصهيوني، لا تذكر الا في حيز أخباري عابر وبيانات تخلص، عادة، إلى مساواة المجرم بالضحية؟

وفي الوقت الذي سارع فيه المجتمع الدولي، خلال دقائق، لإدانة روسيا ودعم أوكرانيا، فانه لايزال صامتاً، بعد مرور 19 عاما، إزاء الغزو الأنكلو أمريكي للعراق ونتائجه الكارثية المتبدية في تخريب البنية التحتية للبلد، ودعم نظام طائفي فاسد، وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة. ولايزال المسؤولون عن التخطيط للغزو وتنفيذه والمتعاونون معهم يتمتعون بغنائم الثروة النفطية، بلا محاسبة في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر، بلا حماية قانونية في ظل انتشار السلاح بيد ميليشيات ترتدي أقنعة أحزاب ومنظمات سياسية.
وإذا كان للفترة الزمنية المكرسة للتغطية الإعلامية قيمتها وتأثيرها، ما الذي تعنيه تغطية أجهزة الإعلام البريطانية ، البي بي سي خاصة ، الموسومة بـ « حياديتها «، المتعاطفة ، كلية، مع الأوكرانيين ، ضحايا الغزو الروسي، منذ 68 يوما فقط ، ومعاناتهم من حالات الاكتئاب والصدمة النفسية، بالمقارنة مع حرمان الفلسطيني من أرضه وبلده ومعاقبته بعدم العودة الممتدة من الأجداد إلى الابناء والاحفاد منذ ما يزيد على السبعين عاما؟ وكيف يُفسر رفض البي بي سي بث النداء الموجه من لجنة طوارئ الكوارث البريطانية لصالح أهل غزة لعد تعرضهم للعدوان الإسرائيلي عام 2009؟
وتبرز المساحة الزمنية التي كُرست لدعم الغزو الانكلو أمريكي للعراق حجم التأثير الإعلامي لتحشيد العواطف تأييدا لايديولوجيا الخطاب. فبينما لا تكف اجهزة الإعلام الغربية عن وصف مناهضة الاحتلال الروسي بالمقاومة مُنعت / إختارت اجهزة الإعلام ذاتها وصف مناهضة العراقيين للاحتلال الانجلو امريكي عام 2003 بالإرهاب، بل واكتفت القنوات البريطانية مثلا، على مصادر الحكومة أو الائتلاف العسكري ، في أسابيع الغزو الاولى . وحسب دراسة أكاديمية أجرتها جامعة كارديف شكل ذلك 11 بالمئة من التغطية وهي أعلى نسبة من بين جميع المذيعين التلفزيونيين الرئيسيين. وكانت البي بي سي الأقل نسبة في اقتباس مصادر عراقية رسمية ، وأقل في استخدام مصادر مستقلة (وغالبا متشككة) مثل الصليب الأحمر. ووجدت الدراسة أن هيئة الإذاعة البريطانية ركزت بشكل أقل على الضحايا العراقيين ، الذين ورد ذكرهم في 22٪ من قصصها عن الشعب العراقي، كما كانت الأقل احتمالاً للإبلاغ عن استياء العراقيين من الغزو.
وقام الباحث الاستقصائي المستقل توم ميلز بتوثيق تركيز البي بي سي، على أسلحة «الدقة» عالية التقنية التي إستخدمتها القوات الامريكية ضد العراق في حرب الخليج ، مما يوحي بأن كل ما أستخدم كان دقيقا . بينما تبين، فيما بعد، أنها شكلت نسبة 9 بالمئة فقط من القنابل التي ألقيت خلال الحرب. بل وحتى القنابل «الذكية» أخطأت أهدافها في 40 بالمئة من الحالات. وكان الهجوم الأكثر دموية هو الذي تعرض له المدنيون العراقيون دون سابق إنذار في الصباح الباكر من يوم 13 فبراير / شباط 1991، إذ قصفت مقاتلتان أمريكيتان ملجأ العامرية، وسط بغداد. تم القصف بقنابل « ذكية»، راح ضحيتها نحو 408 أشخاص، بينهم 52 طفلًا، عمر أصغرهم سبعة أيام. لقد أدى تركيز أجهزة الإعلام على استخدام « الاسلحة الذكية» على إضفاء النقاء على حرب دموية، حسب تعبير ميلز. بهذا المقياس، قد تُبرز لنا الأيام المقبلة، بعيدا عن التضليل الإعلامي، مدى دموية كل الجهات المشاركة في الحرب الروسية الأوكرانية وليست جهة واحدة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com