قصة

أقزام في زمن الطناطل…

بيدر ميديا.."

أقزام في زمن الطناطل…

الروائي/عبد الجبار الحمدي .

كيف لك ان تكون قزما؟ عبارة استوقفتني كثيرا وأنا اقف بطابور طويل شأني شأن بقية الناس الذي جاؤوا ليقدموا مستمسكاتهم كونهم من الذين يعتبرون من ذوي الشهداء أو المفصولين سياسيا، الغبار يتطاير من تحت أحذية ونعل بالية تتسابق كي تقف علها تجد لها باب رزق يفتح دون صرير او يدفع لبواب كي يعمل على فتحه… السماسرة يقفون بالقرب بعضهم يمسك بعلبة سجائر وآخرين يقفون في الطابور ليبدؤوا حديثا يدفع بالشخص الواقف ان ينصت الى حبائلهم.. الكثير يسقط ولديه الاستعداد ان يدفع كي تدخل معاملته لتحصل على رقما وتأريخا فديتها حجارة بفلس وعصفور ببلاش هكذا تقيس الناس معايير التغوط خارج الناموس المعتاد اما من حصل واستفاد من هذا القانون  فهم اقارب المسئولين وشحاريرهم الذي يلكون مع كل وليمة اللحم ليتركوا العظام الى تلكم الفئة التي وقفت طابورها المغبر…

كاتب العرائض مستفيد، صاحب الكابسة مستفيد، صاحب الاستنساخ مستفيد وحتى الذي يفرق الوثائق ويرصفها مستفيد الخاسر الوحيد هو المواطن…

في كثير من الاحيان قال ذلك المخلص لا يمكن للمعاملة ان تمشي إلا برجلين ربما حمر او خضر وعنى بذلك العملة المتداولة ثم اردف وأحيانا لقبولها والسرعة في استلامها ان تتزحلق على رأس ذلك الاصلع الاخضر… ضحكت مع الذين ضحكوا فالبعض عنده الاستعداد ان يدفع الاخضر واليابس كي تنتهي معاناته ويكون قد وافقوا على طلبه وقبول ملفه… كان يقف ليس بالطابور ولكن بالقرب يمسك بملف ما وهو يتحدث ولقد سأله احدهم ارجع الى الصف في الاخير فلا حديث يفيدك بأن تتقرب وتتدخل بيننا فنحن نقف منذ الصباح الباكر… فرد قائلا: لا ضير فأنا انتظر شخصا ما لست هنا لتسليم معاملتي فقد سلمتها عن طريق شخصا قال لي بأنه سيأتيني برقم وتأريخ فوافقت على الفور… لم التعب والعناء وانا استطيع ان ادفع لمخلص يقضي اموري دون تعب ونصب… فقلت له.. الظاهر أمورك جيدة جدا لأن تدفع، إذن لم تطالب بحقوق لست بحاجة أنت إليها؟ فالظاهر أمورك عدلة…. أخذ نفس من سيجارته ثم علق:

لا عزيزي ماكو واحد مو محتاج وبعدين هي شعرة من جلد خنزير… اكو واحد يسأل وراك المهم الاوراق الخضر تشتغل احسن من الوثائق فنحن في وطن صارت التزوير والرشوة عبارة عن تصريف مياه آسنة مع العلم نحن نخاف الله ونعرف الحلال والحرام لكن اخوان من يسأل ومن يجيب… دعوني اقولها بصراحة لا يوجد اي شخص مستفيد سوى الطناطلة اعتقد تعرفون ما اقصد… جاؤوا من بلاد العم سام حفاة عراة ثم نهبوا وسرقوا حتى صاروا شرفاء برؤسنا بعدها تمسكنوا حتى تمكنوا، صرنا بين ليلة وضحاها اقزام يمكنهم ان يدوسوا علينا متى شاؤوا وكيفما يرغبون… أليس ما اقوله صحيح؟؟؟

رد شخص كان ينصت بضجر فرد بحرقة… والله كل ما قلته صحيح هؤلاء اولاد العاهرات تسلطوا علينا وباعونا بدراهم مزيفة والعجيب الغريب!!! انا صدقنا، والله يا اخوان انا عندي ثلاث شهداء اثنان منهم اخوتي والثالث ابن خالتي اقسم لكم بجميع المقدسات… ما خطت رجلي أطالب بحقوقهم إلا الآن اما رواتبهم فقد بقيت يتداولون فيها سنة واكثر حتى الآن… و زوجة اخي الشهيد و اطفالها صاروا برقبتي و الله حال الضيم حالنا لكن الشكوى لله… و انت يا أخي تتحدث عن الاخضر و الاصلع و الاحمر وانا جيت اليوم من بيتنا وهو في احد الاقضية بت في بيت احد معارفنا وطلعت بلا ريوك… والعطش كاتلني… عزيزي

لو كنت مثلك عندي تلك الألوان ما وقفت وقفتك هذه لكن يبدو انك من الجماعة الذين يعملون للطناطلة القابعين هناك ونحن الاقزام الذين نصدق بك كي تخلص لنا المعاملات… الله يرحم والديك تحرك من هنا وإلا اضربك بنعالي هذا المصنوع من البلاستيك المعاد ألف مرة.. لحظات تغير الحال الى مشادة كلامية ومن ثم الى ضرب بالأيدي… طارت الملفات والوثائق من العديد من الواقفين في الطابور كان المخلص قد نال ضربا أراح العديد من الواقفين حتى كاتب العرائض انضبط في عمله كونه ايضا من المخلصين وهو يدفع بالناس بقوله اذهب الى ذاك الشخص ليخلص لك معاملتك… صار اخرسا إلا من كلمة عيوني اوراقك كاملة.. بالسلامة…. لم تخلوا المسألة من تدخل الشرطة ورجال الامن… سرعان ما لملموا المسألة ولفوا الغبار بجعجعة مدفوعة الصراخ، صار صاحب النعال حافيا، و صاحب علبة السجائر بين يدي الشرطة… ساعة من زمن… جاء صاحب النعال وقد لقيت نعاله فاودعته عند كاتب العرائض وقلت له… لابد سيأتيك يطالب بنعله فسلمه له وارجو ان لا تأخذ منه حساب عملك سأدفع لك الالفي دينار مقدما ثم سأعود اسألك بعد ان احاول تسليم معاملتي…

الحقيقة فعل ما قلت له… اما ذلك المسكين وجدته جالسا على حافة رصيف متهالك وقد تمزق ثوبه فدنوت بعد ان اشتريت قناني ماء، سلمت عليه ثم قدمتها له قائلا: يبدو انك تعبت كثيرا هاك خذ اشرب واغتسل بالباقي فانت مغبر….

تطلع إلي أدرك اني كنت من الواقفين في الطابور فقال: الله يرحم والديك أنا اشكرك فعلا كنت عطشان ومحتار في نفس الوقت فقد ضاعت مني الخمسة آلاف دينار التي كانت في جيبي يبدو انها سقطت وانا اتعارك، لكن الحمد لله كاتب العرائض قال لي ان شخصا ما دفع عني لإكمال معاملتي… المهم سلمتها بعدما طلعت روحي، انا سويت اللي علي والباقي على الله… سارتاح قليلا ثم اذهب الى الكراج لعلي اجد من يرحم بي ويركبني دفعة عن بلاء…

فقلت له اخي الكريم ان حالك مثل حال أكثر الناس لكن كل إنسان له ابتلاءاته ونوائبه ومشاكله المهم يبدو انك انسان طيب وعلى قدر حالك… وانا مثل اخوك ارجوك اقبل مني هذا المبلغ حتى يوصلك الى اهلك وادعو لي بدفع البلاء مع طيب خاطر مني لك…

بداية رفض لكن الحاجة والعوز كافرين كان لابد قتلهما… فقال: الله يُكثر من امثالك ويقلل من الطناطلة الذين سرقوا حلال الفقراء وأكثروا اليتامى والأرامل والعجزة…. فقلت له يعني أحنا الأقزام هذا قصدك؟؟؟

ضحك ورد… هو ليش أحنا نكدر نصير طناطل لكن تدري كل واحد منا تَعَلّم كيف يكون قزم لكن لم يتعلم ان يكون طنطل.

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي  

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com