صحة

«أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب المتنمرين في العالم العربي؟.

بيدر ميديا.."

«أسطورة الرياض» في مواجهة «زعران» السوشال ميديا… من يعاقب المتنمرين في العالم العربي؟

مريم مشتاوي

 

لكل مريض قصة مؤلمة تتضمن تفاصيل من المعاناة الجسدية والنفسية قد تنتهي بالانتصار أو الهزيمة، وذلك حسب نوع المرض وصحة المريض.
مرض السرطان تحديداً يترك في معظم الأحيان شبحه المخيف حتى بعد رحيله. يعيش المتعافي في حالة قلق من عودة المرض وقد يتسبب في إحداث اضطراب نفسي يترك صاحبه في حالة انطواء واكتئاب وكره للذات.
أذكر جيداً يوم أخبرني الطبيب بورم في جسد طفلي الصغير. يومها خذلتني اللغة وفقدت القدرة على الاستيعاب. وكأن الكلمات كلها تسطحت على ظهرها وأصبحت متشابهة لا تعني أي شيء على الإطلاق. مرت دقائق تجردت فيها كل الكلمات من معانيها. وبعدها بدأت رحلة المعاناة. لا أريد استعادتها الآن لأني لا أرغب بالعودة إلى شهقته الأخيرة فوق صدري. أحاول أن أسدل الستارة عليها كي لا تفلت مني الحياة.
لكن ذاكرتي، ومهما حاولت، لا تسقط أبداً لحظات تساقط شعره وتحوله من طفل قوي يلاحق كرة القدم إلى جثة نحيلة هامدة. طفلي مات وفي موته ربما حكمة إلهية لا قدرة لي على فهمها. ولكن آلاف الأطفال ينتصرون على المرض ويحاولون أن يكملوا حياتهم بشكل طبيعي، رغم كل التحديات. بعضهم ينجح وآخرون يعانون من تنمر المجتمع وسخرية الناس بسبب تلك الانعكاسات الواضحة، التي تركها المرض على أجسادهم. فالجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي وغيرها من العلاجات قد ينجم عنها بتر أحد الأعضاء وتشويهات أخرى.
لقد ضجت مؤخراً وسائل التواصل الاجتماعي بقصة المؤثر السعودي الشاب عبد الرحمن الشهراني، الذي نال شهرته من خلال مقاطع فيديو مضحكة ينشرها عن يومياته على تطبيق «السناب شات». ووصل عدد متابعيه إلى حوالي المليون متابع بسبب خفة دمه وتلك الابتسامة التي لا تفارق وجهه أبداً. حتى عُرف بأسطورة الرياض لمدى تأثير تعابير وجهه على رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن خلف تلك الابتسامة قصة معاناة طويلة عاشها في طفولته إثر إصابته بمرض السرطان ورحلة علاجه الصعبة. لقد استطاع التغلب بعزيمته وحبه للحياة على المرض. غير أن السرطان بخبثه خلّف آثاراً على ملامح وجهه وتسبب في فقدان أسنانه وتعثر نطقه للكلمات.
إن صورته التي شوهها المرض استخدمت في آلاف التعليقات والرسائل الساخرة ليصبح الوجه الأكثر انتشاراً للمواد الفكاهية في العالم العربي في آخر سنتين بسبب تعبير وجهه وعينيه.
هكذا أدخل عبد الرحمن البهجة لقلوب متابعيه. نعم كان يحاول جاهداً أن يبني بينه وبينهم جسراً من المحبة والألفة وشيئاً من الفرح، ويتغلب على تراجيدية وضعه بالسخرية.  ولكنه، وللأسف الشديد، أصبح مع الوقت مادة دسمة للتنمر الدائم واستهزاء بعض المتابعين وسبابهم وسخريتهم. كان يتلقى يومياً تعليقات مسيئة جداً وجارحة، وكأن معاناته السابقة مع المرض والتعامل اليومي مع مخلفاته لم تكن كافية لإيلامه؟ !
لقد أشبعوه سخرية حتى وصل إلى مرحلة من الانهيار التام وحاول الانتحار للتخلص من تلك الضغوط النفسية.
لكل منا أوجاعه وأحزانه وطريقته في تخطيها. بعضنا عبر الكتابة أو الرسم أو الصلاة أو غيرها من الأشكال التي تدخل التعزية إلى نفوسنا. ربما قد وجد عبد الرحمن شيئاً من الراحة في التعبير عن نفسه بشكل تلقائي من خلال نشر الإبتسامة بين الناس، لكنه لم يكن يعرف أن للشهرة أنيابها الحادة. لم يكن يتوقع أن هناك خلف الشاشات الصغيرة بشرا تجردوا من الإنسانية والرحمة، أناسا لم تؤدبهم أحزانهم ولم تصنع منهم أفراداً يليقون بنعمة الحياة، بل ولدوا ليستحيلوا وحوشاً يقتنصون فرصة تجريح الآخرين عبر نشر سمومهم. وقد منحتهم السوشيال ميديا تلك المساحة.
لم يأبه الكثير من متابعي عبد الرحمن بمشاعره ومأساته، بل إن بعضهم كان يفرح باستفزازه ويستمتع بردة فعله المشبعة بالألم. لقد انهار في إحدى المرات مباشرة على الهواء ليتدخل المؤثر السعودي أبو دانا القحطاني محاولاً تهدئته. بكاؤه لم يكن عابراً، كانت تلك الدموع تعبيراً عن وجع كدسته سنوات طويلة من العذاب، حاول محاربتها بابتسامة متمسكاً بمحبة بعض الناس له.
قصة عبد الرحمن هي مثال حي لقصص كثيرة مشابهة يعاني منها شبان وشابات. كلهم يحاولون مواجهة قسوة الحياة، ولكنهم يصطدمون بمجتمع قاس تتفشى فيه ظاهرة التنمر. هكذا تبدأ رحلة جديدة من العذاب محفوفة بفقدان الثقة في النفس والشعور بالاحباط والإصابة بالإكتئاب والشعور بالعجز والضعف والرغبة بالإنعزال، تماماً كما حصل مع عبد الرحمن.

كيف نواجه التنمر ؟

إن الإيذاء اللفظي ما هو إلا أحد وجوه التنمر الكثيرة مثل االتنمر الجسدي والعاطفي والالكتروني. أما الضحية فهو عادة شخص يعاني من حالة ضعف لا تمكنه من الرد.
ولكن هل هناك حلول لمواجهة تلك الظاهرة الخطيرة التي قد تودي بحياة الكثير، وخاصة أولئك الذين يعانون من بناء نفسي هش لأسباب كثيرة.
هل هناك علاج مجتمعي لتلك الآفة؟ بالتأكيد ذلك ممكن.
وأول خطوة تجاه الحد من التنمر هو التصدي له عبر فرض عقوبات على المتنمرين ونشر التوعية في المدارس وتقديم الدعم النفسي لكل من يتعرض للتنمر.
الآلام التي لا تدمرنا ترفعنا عالياً. طوبى لكل من أوجعته الحياة.

*كاتبة لبنانية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com