أبحاث

قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني بشأن الحرب الإمبريالية في أوكرانيا.

بيدر ميديا.."

1. أدان الحزب الشيوعي اليوناني منذ اللحظة الأولى الغزو الروسي لأوكرانيا وأعرب عن تضامنه مع شعبها.

إن شعب أوكرانيا يدفع منذ ما لا يقل عن عقدٍ من الزمن، ثمن المزاحمات و التدخلات الجارية من أجل اقتسام الأسواق ومناطق النفوذ من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي واستراتيجية التوسُّع الأوروأطلسية، و استراتيجية الاتحاد الروسي الرأسمالي من أجل خططه الاستغلالية على حساب الشعوب، الجارية من جهة أخرى من أجل تعزيز ائتلافه الإمبريالي (الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، منظمة معاهدة الأمن الجماعي) في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق.

يقدِّم التدخل العسكري الروسي، في جوهره، البداية الرسمية لحرب أُعدَّت بمادة قابلة للاشتعال كانت قد تراكمت في عمق الزمن. حيث يتواجد في مركزها اقتسام الثروة الباطنية والطاقة والأراضي وقوة العمل وخطوط وشبكات الأنابيب و شحن البضائع و الركائز الجيوسياسية و حصص الأسواق.

و على مدى سنوات، قامت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بالتمهيد و الترويج للحصار الاقتصادي والسياسي والعسكري لروسيا من خلال التدخل ونقل قوى عسكرية عاتية وإقامة قواعد الموت و صب الزيت على النار.

و بعد تفكيك حلف وارسو، لم يتفكك الناتو أو ينحسر فحسب، بل توسع بدلاً من ذلك ليضم مزيداً من بلدان أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفيتية السابقة. مع نشر قوى وقواعد عسكرية وأسلحة حديثة في نقاط مختلفة في محيط روسيا. و على مدى سنوات كانت هناك خطط حربية وتدريبات عسكرية وتمارين تُجرى في بحر الشمال و في أوروبا الشرقية و البحر الأسود و بحر البلطيق مع جبهة موجهة ضد روسيا.

إن هذه التطورات الأخيرة هي أحدث حلقة في مواجهة طويلة الأمد بشأن أوكرانيا. و هي متعلقة أيضاً بالمزاحمات العاتية الجارية داخل الطبقة البرجوازية الأوكرانية، التي تشكلت بعد إسقاط الاشتراكية، حول ما إذا كانت البلاد ستنضم إلى هذا التحالف الإمبريالي أم سواه. و في سياق هذه المواجهة، كانت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، قد دعمت “الثورة البرتقالية”من جهة ونظمتها جنباً إلى جنب مع قطاع من الطبقة البرجوازية الأوكرانية عام 2004 كما والانقلاب الدموي عام 2014، عبر استخدام ودعم قوى اليمين المتطرف الفاشي، بهدف تنصيب نظام صديق لها. و على الجهة الأخرى، قامت روسيا بانتزاع أجزاء من الأراضي الأوكرانية عبر ضم شبه جزيرة القرم وتعزيز الانفصاليين الناطقين بالروسية في مناطق دونباس من أجل مصالحها الخاصة، معترفة بها ككيانات دولة قبل فترة وجيزة من قيام التدخل الروسي.

2. تُشكِّل هذه الأحداث بعد ثلاثين عاماً على إسقاط الاشتراكية وتفكيك الاتحاد السوفييتي، براهين حية على الانتكاسة التاريخية التي حدثت في أوائل التسعينات. إن هذه الانتكاسة التاريخية فتحت حقيبة عولس بالنسبة لتلك الشعوب كما و للطبقة العاملة و القوى الشعبية في جميع أنحاء العالم.

لقد قدَّر الحزب الشيوعي اليوناني و تأكد تقديره بنحو مأساوي أن عملية الرسملة ستقود من بين أمور أخرى إلى تمزيق شعوب و دول، كما حدث في يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، بسبب مزاحمة الطبقات البرجوازية الجارية من أجل السيطرة على الأسواق والمواد الأولية والمواقع الجيوستراتيجية و طرق النقل.

و من خلال عملية الثورة المضادة هذه تشكلت الطبقات البرجوازية و تشكَّل الرأسماليون الذين تمظهروا في سياق إعادة تنصيب الرأسمالية و نهبوا كدح الشعب السوفييتي الموحَّد المتراكم على مدى عقود. إن حكومات بوتين في روسيا و زيلينسكي في أوكرانيا، تعبِّر عن رأسماليين كهؤلاء. و لهذا السبب، فهُم و على الرغم من خلافاتهم و مزاحماتهم يلتقون في عدائهم للشيوعية و في تزوير التاريخ و اﻹفتراء على الاتحاد السوفييتي و في تعزيز النزعة القومية (الروسية والأوكرانية منها) وفي الصمت عن حقيقة وحدة المصالح العمالية الشعبية. إن استدعاء مناهضة الفاشية من قبل روسيا الرأسمالية اليوم من أجل الترويج لخططها الجيوسياسية في المنطقة، هو عبارة عن ذريعة، مع استغلالها لواقعة وجود عقلية شديدة مناهضة للفاشية لدى الروس وغيرهم من الشعوب، ممن دفعوا ملايين القتلى في صراعهم ضد الفظائع الفاشية والنازية للاحتلال اﻷلماني. إننا لا ننسى أن روسيا الرأسمالية نفسها – والتي تتصدَّر اليوم العداء للشيوعية – تحافظ على علاقات ودية مع زُمرٍ يمينية متطرفة في العديد من البلدان، و أن القيادة الروسية تُشيد علانية بمُنظِّري الفاشية الروسية. و في الوقت نفسه، فإننا لا ننسى واقعة نشاط قوى فاشية – يمينية متطرفة في أوكرانيا عام 2014 بدعم من الناتو والاتحاد الأوروبي، و هي التي نظمت حملات عنف و ترهيب واغتيالات ومذابح كتلك التي وقعت في أوديسا. إن هذه القوى هي اليوم جزءٌ من جهاز الدولة في أوكرانيا وتشارك في جرائم تُقترف في المناطق الناطقة بالروسية وضد مواطنين من أصول يونانية.

لقد عاش شعبا أوكرانيا وروسيا، كما و باقي شعوب المنطقة معاً على مدى 70 عاماً، حيث كافحت هذه الشعوب و انتصرت و أسست سلطتها و صارعت ضد التدخلات الإمبريالية، و كافحت من أجل استخدام الأرض و المصانع و ثروة باطن الأرض و المياه من خلال نظام الملكية الاجتماعية، و جابهت هذه الشعوب كراهية وحرب المستغِلِّين القدامى، الذين مارسوا التخريب ضد خُطى السلطة السوفيتية المُنجزة، و تقدمت الشعوب معاً ضمن إطار الاشتراكية، وقاتلت معاً ضد النازية – الفاشية، ضد الإمبريالية الألمانية. لا ينبغي أن تطغى الهستيريا القومية لزعيق الحرب على الذاكرة الجماعية للشعبين اللذين عاشا متآخيين على مدى عقود.

بعد انقضاء ثلاثين عاماً على إسقاط الاشتراكية وتفكيك الاتحاد السوفييتي، دُحِض بنحو صارخ جميع من احتفل و وعد بعالم السلم والأمن والحرية والعدالة. إن عالمهم الذائع الصيت “عالم القيم الغربية” هو عالم الهمجية والاستغلال والحرب واللجوء والأزمات الاقتصادية ومئات الآلاف من ضحايا الأوبئة أو التدخلات العسكرية، إنه عالم الوحوش، إنه عالم الرأسمالية. و إلى هذا العالم، ينتمي جميع أشكال بايدن، و شولتس، وبوتين، و زيلينسكي و غيرهم الكثيرون، من “الاستبداديين” و “الديمقراطيين”، إن جميع هؤلاء هم المدافعون عن حرية القِلة في تحديد مصير الكثيرين، و يشكل جميعهم جوانب مختلفة لتمظهر لديكتاتورية رأس المال.

3. إن الحرب الإمبريالية التي تُشن اليوم في أوكرانيا ليست أكثر من حلقة أخرى في هذه السلسلة الدموية من الحروب والمزاحمات، التي اشتدت خاصة بعد عام 1991، وفقدت عباءتها الأيديولوجية السابقة في اعتبارها دفاعاً مزعوماً عن “العالم الغربي الحر” من “الشمولية الشيوعية”. إن الجديد الآن هو إعادة توسعها فوق الأراضي الأوروبية، حيث ما من وجود لدرع اشتراكي.

إننا لا ننسى الحروب التي اندلعت في يوغوسلافيا منذ أوائل التسعينيات، والتي بدأت بختم الاتحاد الأوروبي و قادت إلى تدخل الناتو عام 1999 مع تفكيك البلاد وتقسيمها نهائياً. إن الذرائع التي استخدمها حلف الناتو والاتحاد الأوروبي آنذاك هي ذاتها التي تستخدمها روسيا من أجل تدخلها العسكري، أي “الحماية من التطهير العرقي” و “الحق في تقرير المصير”. هذا و لا تزال الجروح مفتوحة في البلقان والمخاطر الكبيرة بالنسبة لقيام نزاعات و مواجهات جديدة.

إننا لا ننسى التدخلات والحروب الإمبريالية الجارية في جوارنا، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في العراق و سوريا و ليبيا، ولكن أيضاً في أفغانستان كما و استمرار اﻹحتلال اﻹسرائيلي في فلسطين. حيث جرَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها الشعوب نحو حروب أهلية، وأشعلوا الصراعات العرقية والدينية، وتدخلوا عسكرياً، وأنشئوا جيوش احتلال دائماً باسم “الديمقراطية” و “الحرية” و قادوا بلداناً بأكملها نحو الفوضى، وغذوا و عززوا قوى رجعية كالجهاديين و غيرهم.

ولا يمكننا أن ننسى الغزو والاحتلال التركيين لقبرص منذ عام 1974، والذي حدث بإسناد من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، و لا الجريمة المستمرة ضد الشعب القبرصي ومختلف المخططات الصادرة عن الناتو، والتي “تدفع” طوال هذه السنوات نحو تقسيم قبرص.

إن “مراجعة التاريخ” والتشكيك بالحقوق السيادية، وإعادة ترسيم الحدود و تفكيك الدول ليست امتيازاً لهذا المركز الإمبريالي أم سواه. إنهم جميعاً يقومون بمراجعة المعاهدات الدولية و بالتشكيك بالحدود، ويتدخلون عسكرياً تحت ذرائع مختلفة، عندما تستدعي مصالحهم الخاصة ذلك. إن المزاحمة القائمة بين المراكز الإمبريالية هي أساس “المراجعة”. حتى أنهم ألغوا بعض الأحكام الرسمية للقانون الدولي، والتي كانت نتيجة لوجود تأثير الدول الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية. حيث يثبت و بوضوح أن القانون الدولي الفعلي هو “قانون الأقوياء”، قانون الممتلك للقوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية من أجل فرض مصالحه. إن ممثليهم يعترفون بذلك، مُجبَرين على دعم هذا الطرف أم سواه مع إبراز تأويلات و غموض في نواياهم. إن الرؤى القائلة بإمكانية وجود عالم سلمي في العالم الرأسمالي الحديث مع “هندسة دولية” مختلفة، أو “حلف شمال أطلسي ما، دون تسلُّح هجومي”، أو “اتحاد أوروبي سلمي” أو “عالم خلَّاق متعدد الأقطاب” هي رؤى خارجة عن الواقع و هي ذر للرماد في أعين الشعوب.

4. إن الاتحاد الأوروبي ليس “صامتا” و “غير مشارك” في التطورات، بل يشارك و بنشاط منذ عدة سنوات في التدخلات الإمبريالية وفي هذه الحالة المحددة في التخطيط لتطويق روسيا. إنه شريك في ذنب المأساة الحالية للشعوب في أوكرانيا. و فيما يتعلق بالموقف تجاه روسيا، فإن التناقضات داخل أوكرانيا تعكس على مدى السنوات الماضية، الأهداف والأولويات المختلفة للطبقة البرجوازية لكل بلد، فيما يتعلق بالأواصر الاقتصادية القوية مع روسيا، وخاصة في قطاعات كقطاع الطاقة. إن تشكيل موقف موحد في مواجهة روسيا بعد بدء الحرب، والذي تحتفل بها أحزاب الجمهورية الجديدة و سيريزا و حركة التغيير وغيرها من الأحزاب البرجوازية في بلدنا، لا يعني من ناحية، أن هذه التناقضات قد تم حلها، و من ناحية أخرى، فإن هذه “الوحدة” موجهة ضد الشعوب لأنها وحدة الجهوزية الحربية و هي التي تضع شعوب الاتحاد الأوروبي في مغامرات كبيرة.

لا أحد يستطيع أن ينام بسلام بعد خُطبِ الحرب، التي يطلقها قادة و مسؤولو الاتحاد الأوروبي يومياً. فبعد انقضاء 30 عاماً على معاهدة ماستريخت، تتساقط اﻷقنعة بوضوح أكثر و تُمحى الذرائع و “يجري تجاوز المحرمات” كما يعترفون بوقاحة، و تثبت ماهية الاتحاد الأوروبي الفعلية بوضوح. إنه تحالف إمبريالي رجعي بين “ذئاب” تتصارع فيما بينها و تصارع بنحو مشترك ضد الشعوب.

و لمرة أخرى في التاريخ تتواجد الحكومات الاشتراكية الديمقراطية في النسق اﻷول لهذه العملية، وتبدد “أسطورة” “الحكومات التقدمية”، القادرة أن تكون بديلاً بالنسبة للشعوب.

هذا و يقوم كل من الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان، الذين أعلنوا عن برنامج تسلُّح ضخم لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، و اشتراكيو إسبانيا والبرتغال وحكومة يسار الوسط في إيطاليا و الاشتراكيون الديمقراطيون في الدنمارك وفنلندا، بتصدُّر المواجهة الحربية مع روسيا. حيث من الواضح أن قراراتهم بزيادة الإنفاق العسكري في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، و تخفيف شروط الماليات العامة للميزانيات اﻷوروبية من أجل هذا الغرض، ليست مجرد نتيجة للتطورات الجارية في أوكرانيا. إن هذه القرارات تُظهر استعداداً عاماً، و تشير إلى أننا ندخل فترة صدامٍ أكثر عنفاً في التناقضات والمزاحمات.

إن الصدام الحربي في أوكرانيا يُشعل فتيل تطورات خطيرة لشعوب أوروبا والعالم بأسره بعد الغزو الروسي، حيث تدخل المزاحمة الإمبريالية مرحلة جديدة. إن خطر حدوث مواجهة عسكرية أكثر تعميماً أصبح الآن أكثر وضوحا من أي وقت مضى. حيث لا ينبغي اعتبار الخُطَب الحربية للقيادات السياسية في الاتحاد الأوروبي و بلدان الناتو و روسيا، و التهديدات بضربات نووية، مجرد تطرُّفٍ كلامي.

لقد نشر الناتو لأول مرة قوة رد سريع في أوروبا الشرقية ويقوم بحشد المزيد من القوى العسكرية، في حين تخطيطه لإشراك بلدان مثل مولدوفا وجورجيا والبوسنة والهرسك وفنلندا والسويد. و تتواجد في مولدوفا وجورجيا أراض منشقة بدعم من روسيا، تُرابض بها قوى عسكرية روسية عاتية. هذا و تتواجد فنلندا والسويد ضمن نطاق “الخطوط الحمراء” لروسيا فيما يتعلق بالتوسُّع اﻷبعد لحلف شمال الأطلسي. و في روسيا وُضعت “قوات الردع النووي” في البلاد في حالة جهوزية حربية خاصة. و صادقت بيلاروسيا عبر استفتاء على إمكانية تنصيب أسلحة نووية على أراضيها، في حال نشر الناتو أسلحة مماثلة في بولندا أو ليتوانيا.

5. و تقوم اليونان بمسؤولية الحكومات اليونانية لحزب الجمهورية الجديدة الحائز على إجماع جوهري من حزبي سيريزا و الباسوك و باقي اﻷحزاب البرجوازية، بتصعيد تورطها في هذه المزاحمات اﻹمبريالية الخطرة. حيث كانت جميع الحكومات السالفة قد أسندت كافة قرارات الناتو وخططه المتعلقة بتوسيع هذه المنظمة القاتلة و تطويق روسيا. و كانت قد مهَّدت سلفاً من أجل تنصيب قواعد جديدة للولايات المتحدة و الناتو في البلاد، كقاعدة ألكسندروبوليس و لاريسا و ستِفانوفيكيو التي غَدَت مركزاً لنقل القوى العسكرية و دفعها نحو أوروبا الشرقية. حيث كانت جميع الحكومات قد أسهمت في جعل بلدنا “ُمرتكباً” بحق شعوب بلدان أخرى، مع تحويل الشعب اليوناني في الوقت نفسه إلى “ضحية”، لأنه يغدو تلقائياً، هدفاً لضربات انتقامية محتملة. إن شعبنا يدفع ضريبة اقتصادية باهظة لكلفة التسلُّح المتعلق بحاجات الناتو، كما و عبر الغلاء و زيادة أسعار المحروقات و ظاهرة الفقر الطاقي.

لم يقتصر إعلان الحكومة اليونانية المتمثل في هذيانٍ حربي لرئيس الوزراء فحسب، على قرار نقل المعدات العسكرية إلى أوكرانيا، بل و احتوى إعلاناً لا لبس فيه عن نيتها جرَّ البلاد والشعب إلى عاصفة المواجهة الحربية إلى جانب الناتو و الاتحاد الأوروبي، مع تقديم أي مساعدة تُطلب منها. إن تورط اليونان في الحرب هو مباشر، كما و أكثر من فعلي هو الخطر المُحدق بالشعب اليوناني في حال تعميم الحرب.

إن حجج الحكومة وذرائعها لخيارها هذا، هي خطيرة ومضللة وينبغي رفضها.

إن من الكذب القول بأننا “سنقاتل من أجل الحرية”. ففي الواقع، فإننا سنقاتل إلى جانب أحد معسكرات اللصوص ضد معسكر آخر، حول من منهما سيستحوذ على نصيب أكبر من نهب شعب أوكرانيا وباقي شعوب المنطقة.

إن من الكذب هو القول أننا “ندعم الشعب الأوكراني”بتورطنا. إننا بذلك ندعم أولئك الذين يقودونه إلى الخراب والدمار منذ سنوات، أي أولئك الذين جعلوه كيس ملاكمة في مواجهتهم الجارية مع روسيا من أجل مصالحهم الخاصة.

إن من الكذب القول بأننا “نحارب الرؤى المُراجِعة” لأن أكبر “المُراجِعين” هم حلفاؤنا في الناتو والاتحاد الأوروبي، الذين لا يترددون – و بالضبط على غرار فعل روسيا في أوكرانيا – عن التدخل عسكرياً لتفكيك البلدان و لتغيير الحدود .

إن من الكذب القول أننا “محصنون من التهديد التركي” لأن الأطلسيين أنفسهم هم الذين يُعطون دفعاً للتشكيكات و المراجعة التركية، هم الذين لا يعترفون بالحقوق السيادية والحدود، بل يعترفون فقط ﺒ”أراضي الناتو” و يدفعون نحو قيام ترتيبات خطيرة في بحر إيجه وأماكن أخرى، مع منحهم الأولوية لإبقاء تركيا في معسكر الناتو بأي ثمن، خاصة الآن في ظروف التفاقم الكبير.

و من الكذب القول أن التورط يشكل “فرصة جديدة” للشعب، مثلما كانت كاذبة هي الوعود بإتاحة الفرصة للشعب عِبر الخروج من الأزمة و الخروج من الوباء. إن خطط “ترقية” اليونان وتحويلها إلى محور للتخطيط الطاقي للولايات المتحدة “تحشر” البلاد بنحو أعمق في مركز المزاحمات، و ذلك في نفس الوقت الذي ستخرج مستفيدة مجموعات الأعمال الكبيرة لا الشعب. و في كل اﻷحوال، فإن الشعب اﻷوكراني يدفع اليوم بدمه ثمن “أهدافٍ” مماثلة كانت قد تبنتها طبقته البرجوازية.

سيُدعى شعبنا مرة أخرى لدفع الثمن! لدفع الثمن بنحو مضاعف عبر مخاطر وتهديدات لحياته من التورط الحربي، و من المخاطر المحدقة بحقوقه السيادية و “التضحيات” الجارية من أجل التحضير للحرب، و انفجار الغلاء الكبير المتمظهر سلفاً في سلسلة من منتجات الاستهلاك الشعبي و في الفقر الطاقي الأعمق و في ضربات جديدة تتعرض لها حقوقه و حاجاته، من أجل تعزيز اﻹنفاق لحاجات الناتو، الذي يصاحب العقيدة القائلة أن “الدفاع عن البلاد هو أولوية عليا”.

إن ملاحظات سيريزا الجانبية ومخاوفه هي عبارة عن ذرائع، من أجل الحفاظ على وجه موقف بديل أكثر سلمية. حيث تؤكد ممارساته السابقة المناهضة للشعب أنه لو كان في موقع الحكومة لكان قد سار على خُطى نظرائه “التقدميين” و “الاشتراكيين الديمقراطيين” و “نماذجه” المتواجدين في النسق اﻷول للاستعدادات الحربية في كل العالم! و ذلك اعتباراً من ديمقراطيي الولايات المتحدة و وصولاً حتى الاشتراكيين الإسبان.

إن مسؤوليات سيريزا تجاه الشعب هي كبيرة. ليس فقط لأنه تصدَّر أثناء حكمه عملية توريط البلاد في تخطيط الناتو (شيَّد قواعد جديدة، و قام بتحديث القواعد القديمة، و روَّج للتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، و تصدَّر عملية إبرام اتفاقية بريسبا اﻷطلسية، وما شاكلها) و ليس فقط لأنه يُعيد إنتاج الذرائع و يتستَّر على مسؤوليات الناتو – الاتحاد الأوروبي بشأن الحرب في أوكرانيا. بل و لأنه اليوم يوافق جوهرياً على جميع أهداف التورط، التي وضعتها حكومة حزب الجمهورية الجديدة، مع طرحه ببساطة بعض الشروط الجانبية، بقوله “نعم” للتورط العسكري طالما أنه يحمل ختماً أوضح لحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي، و بقوله “نعم” لخطط الطاقة، طالما أن وتيرة تنفيذها هي أبطأ، و بقوله “نعم” لبرامج الناتو التسليحية “طالما يتم تنفيذها بشفافية”، و “نعم” للتضحيات الشعبية الجديدة طالما أنها تتم بالتوافق!

بعد انقضاء 100 عام على خراب آسيا الصغرى، يجب ألا ينسى شعبنا الاستنتاجات التاريخية. لقد دفع ثمن كل “الأفكار الكبيرة” الجارية لحساب رأس المال ومجموعات الأعمال الكبرى، و ثمن “تخلِّي” الحلفاء الإمبرياليين عنه في اللحظة الحرجة. لقد دفع الشعب ثمن الكوارث. حيث كان ثمن مشاركته في الحرب الإمبريالية الأولى والحملة الأوكرانية في ذلك الوقت هو خراب واجتثاث و نزوح آلاف اليونانيين من آسيا الصغرى.

و لهذا السبب ينبغي على الشعب اليوناني أن يرفض نداءات الدعاية الحربية التي تُعدُّ للحرب و للتورط الأكبر بها، و يرفض ببغاوات الناتو والاتحاد الأوروبي، والأخبار الزائفة المفبركة التي تُغرق وسائل الإعلام والإنترنت، و أن يرفض “الهستيريا المعادية لروسيا” و التي تصل حتى حد شيطنة إبداعات الثقافة، و محاولة إسكات أي صوت لا يعيد إنتاج كافة سرديات اﻷركان الأوروأطلسية.

6. إن التضامن الحقيقي مع شعبي أوكرانيا وروسيا، و مع الشعوب المجاورة الأخرى، هو في النضال في كل بلد ضد الحرب الإمبريالية، و في الصراع ضد مشاركة كل بلد بها. إنه إدانة التدخل العسكري الروسي، وكذلك إدانة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، الذين يشعلون فتيل الحرب. إنه النضال ضد التحالفات الإمبريالية التي تتجنَّد ضمنها طبقة بلادنا البرجوازية وحكوماتها. إنه التضامن الشعبي الإنساني الأصيل الذي يمكن التعبير عنه بكافة الأشكال. إنه عزل و مناهضة نشاط الزمر القومية الفاشية التي تزرع الكراهية.

إنه النضال من أجل تنسيق صراع الشعوب، حتى تتمكن من تقديم منفذٍ من الحرب، عِبر وضعها الخصم الفعلي في المِهداف. و تنظيم نضالها ضد الحرب الإمبريالية والأسباب التي تلدها، و ضد الطبقات البرجوازية و الحكومات التي تدير الحرب، و ضد التحالفات الإمبريالية التي تجرنا إلى الحرب أو تفرض ما يسمى بـ “السلام” مع وضع المسدس في رأس الشعوب.

إنه في التضامن و دعم آلاف اللاجئين الذين يغادرون أوكرانيا الآن، كضحايا للحرب و ينزحون إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وبلدنا، مع مصير قاسٍ معروف ينتظرهم، كمصير الشعوب الأخرى التي كانت ضحايا الحروب الإمبريالية و على الرغم من “الإعلانات الخيرية” التي تُطلق.

لن تحيا الشعوب بنحو أفضل عند اختيارها مستغلَّاً وطنياً لها أو أي ضربٍ آخر من المستغلين، بل عبر غلبتها على نظام الاستغلال و إلغائه.

هذا هو الطريق لكي تخرج الشعوب منتصرة.

يتوجه الحزب الشيوعي اليوناني اليوم إلى العمال و الشباب و الشابات و العاملين لحسابهم الخاص و المزارعين و النساء و إلى الشعب اليوناني بأكمله.

و يدعوهم إلى اليقظة والإنذار من الحرب الإمبريالية والتورط اليوناني بها.

إن الرد المتواجد في صالح شعبنا لا يتمثل في التجنُّد كشعب وبلد مع هذا القطب الإمبريالي أم سواه.

إننا لا نختار بين معسكرات اللصوص!

إن المعضلة الحقيقية اليوم ليست في الخيار بين الولايات المتحدة أو روسيا أو بين الاتحاد الأوروبي أو روسيا أو الناتو أو روسيا. إن المعضلة الحقيقية هي: أمع الشعوب أم مع الإمبرياليين.

باستطاعة الصراع العمالي الشعبي و من واجبه رسم خط مستقلٍ بعيدا عن كافة الخطط البرجوازية والإمبريالية.

إن هذا النضال لا علاقة له بكلام التمني والأرضية المشتركة الجامعة للأحزاب الأخرى، والذي يُقال عن “حل سلمي” و عن “الدبلوماسية” وأشياء أخرى تُسمع بنحو جيد ولكنها لا تستهدف مسببات الحرب.

يجب ألا يقبل الشعب اليوم أن يدفع ثمن الحرب! إن ذلك ليس دَينه! عليه ألا يتصالح مع “الكورسيه” الجديد المناهض للشعب و مع التدابير التي يتم الإعداد لها باسم حالة الطوارئ. إن الحل الوحيد هو التنظيم العمالي الشعبي من أجل الهجوم المضاد.

يجب أن يُلزم الصراع الشعبي أي حكومة على الفور باتخاذ تدابير للدفاع عن دخل العمال والشعب من الغلاء و الفقر الطاقي.

لإلغاء الضرائب المفروضة على الوقود و سلع الاستهلاك الشعبي الأخرى.
لزيادة الرواتب و اعتماد عقود عمل جماعية، و حماية حقوقه العمالية. و اتخاذ تدابير حماية المتقاعدين والعاطلين عن العمل.
لاتخاذ إجراءات ضد تداعيات العقوبات على روسيا، والتي سيعاني منها في المقام اﻷول المزارعون والعاملون لحسابهم الخاص.
علينا إبراز إمكانية وضرورة استخدام جميع مصادر الطاقة المحلية (الليغنيت، الهيدروكربونات، الطاقة الحرارية الأرضية، و مصادر الطاقة المتجددة) بغرض اﻹرضاء المترابط لجميع الحاجات الشعبية (تقليص اعتماد البلاد على الطاقة المستوردة، والقضاء على الفقر الطاقي، وحماية البيئة) فوق أرضية الملكية الاجتماعية و التخطيط المركزي. من أجل تعزيز النضال الشامل، لإيقاف كون الطاقة والغذاء و قوة العمل بحد ذاتها “سلعاً”.

فلينظَّم الصراع في كل منطقة و موقع عمل من أجل فك الارتباط هنا والآن عن هذه الحرب الإمبريالية من جميع الجهات.

فلتتوقف فوراً مشاركة اليونان و تورطها في الحرب الإمبريالية في أوكرانيا أو في أي مكان آخر بأي طريقة وتحت أي ذريعة.
فلتغلق الآن كل القواعد العسكرية لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية في بلادنا والتي تستخدم كقواعد انقضاضية حربية.
لا لأية مشاركة و لأي تورط لليونان في الحرب الإمبريالية في أوكرانيا أو في أي مكان آخر بأي أسلوب وتحت أي ذريعة.
فلتغلق فوراً كل القواعد العسكرية في بلادنا التي تستخدم كقواعد انقضاضية للحرب.
لا لإرسال أي تشكيل عسكري يوناني إلى أوكرانيا و البلدان المجاورة لها أو إلى مهمات إمبريالية أخرى. لا لتواجد أي مجنَّد و ضابط و صف ضابط خارج حدود البلاد. فليتوقف إرسال اﻹمدادات و الوسائط الحربية أيضاً عِبر اليونان.
إن واجبنا الوطني والأممي هو عدم السماح باستخدام الأراضي والبنى التحتية والوسائل اليونانية كجسور حرب عسكرية لأي كان.

ليس للقوات المسلحة في البلاد أي عمل خارج الحدود باسم ما يسمى “التزامات الحلفاء”. إن واجبها هو الدفاع عن الحدود و عن سلامة أراضي الوطن و عن حقوقنا السيادية.

إن المسألة هي سياسية، وتتطلب انعطافاً في ضمائر القوى العمالية الشعبية، من أجل تعزيز الصراع من أجل الفكاك من مختلف اﻷحلاف الإمبريالية، من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي مع تولي الشعب فعلياً زمام السلطة.

إن الحرب التي تشنها الإمبريالية وتثيرها المزاحمات القائمة بين المراكز والتحالفات الإمبريالية من أجل اقتسام الأسواق و أراضي الموارد المنتجة للثروة، و من أجل الصدارة في النظام الإمبريالي هي حرب غير عادلة و بربرية. إن ضحاياها هي شعوب “المنتصرين” و “المهزومين”.

عادلٌ هو نضال الشعوب المتعدد الأوجه ضد الحصار والغزو الإمبرياليين و ضد مشاركة أبناء الشعب في الحرب الإمبريالية.

عادلٌ هو نضال الشعوب من أجل الدفاع عن وحدة أراضيها ضد الاحتلال الأجنبي. عادلٌ هو النضال المتعدد الأوجه من أجل حاجات وحقوق الشعوب، على طريق إسقاط السلطة البرجوازية، من أجل مجتمع اشتراكي جديد.

هذا هو الطريق من أجل وضع نهاية للحروب الإمبريالية والاستغلال والهمجية الرأسماليين، و من أجل تآخي الشعوب.

هذا هو الطريق الذي ينير المنظور الفعلي، لتتمكن الشعوب من العيش بسلام وأمن و أخوَّة مع علاقات منفعة متبادلة، كما عاش شعبا روسيا وأوكرانيا لعقود عندما امتلكا بنفسهما زمام السلطة، و امتلكا الثروة التي كانا ينتجانها، و كانا يُشيِّدان مجتمعاً اشتراكياً جديداً.

هذا هو الجانب الصحيح من التاريخ بالنسبة للشعب اليوناني ولشعوب العالم كله!

و في هذا النضال، يمنح الحزب الشيوعي اليوناني كل قواه، لكي يناضل الشعب اليوناني والشعوب الأخرى ضد القومية و ضد التحالفات الإمبريالية التي تُبرمها الطبقة البرجوازية، من أجل تعزيز الصراع المشترك للعمال والتخلص نهائياً من النظام الذي لا يلد سوى الفقر والاستغلال والحروب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com