فن

سمير صبري و«حكايات العمر كله».. رحلة الفن في حياة صانع البهجة.

بيدر ميديا.."

سمير صبري و«حكايات العمر كله».. رحلة الفن في حياة صانع البهجة

رند علي

تلعب السيرة الذاتية والمذكرات دوراً مهماً ـ اتصالياً ـ في حياتنا الحالية، وإذا أريد لها أن تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً وناجحاً، فيفترض أن تكون بقالب فني جميل ومتقن، لأن السير والمذكرات دون فن، ودون إتقان لن تستطيع أن تلعب هذا الدور ولن تصل إلى قطاعات عريضة من الناس.
يقولون إن الشيء الوحيد الذي يتجاوز الزمن هو الكلمة المكتوبة. وفي كتاب مذكرات سمير صبري «حكايات العمر كله» الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، لا نطلع على ذكريات الفنان فقط، بل على تاريخ مصر الفني والثقافي في النصف الثاني من القرن العشرين، مصر كما تسمى (هوليوود الشرق) التي أنجبت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الوهاب ومحمد فوزي وشادية وسعاد حسني، كل هؤلاء عاصرهم سفير الحب وصانع البهجة الفنان والإعلامي وصاحب فرقة الاستعراضات الموسيقية والمنتج سمير صبري، أهم وأشهر فناني مصر، كذلك في مجال الإعلام فهو مقدم العديد من البرامج التلفزيونية وعلى رأسها «برنامج هذا المساء» وبرنامج «النادي الدولي» فكما قال عنه الإعلامي مفيد فوزي «سفير الإسكندرية، مواهبه المتعددة مثل بحرها لا تعرف الصمت ولا الهدوء».
في رواية الخيميائي يكتب باولو كويلو «عندما تريد تحقيق شيء ما، يتآمر كل الكون في مساعدتك عليه». هذه العبارة تنطبق تماماً على حياة الفنان صاحب «النادي الدولي» الذي كان يحلم من طفولته بأن يكون ممثلاً مشهوراً، يكتب سمير صبري في مدخل الكتاب الذي عنونه بـ «رحلة البحث عني»! «لا اعرف ما إذا كان هو القدر أم الحظ، أم الاثنان معاً، هما من رسما حياتي، وحققا أمنياتي.. منذ طفولتي وأنا أحلم بأن أكون ممثلاً مشهوراً».

وعن مسقط رأسه مدينة الإسكندرية يكتب: أنا إسكندراني عاشق لهذه المدينة الساحرة التي شكلت وجداني. وقد عشقت الفن والسينما والمسرح من خلال تلك العروض التي كنت أحضرها مع عائلتي في مسارح الإسكندرية، وبصحبة أسرتي شاهدت عروض معظم الفرق الفنية الكبيرة التي زارت هذه المدينة الساحلية، التي عاش فيها أبناء أكثر من جالية أجنبية، وكان كل من يعيش فيها إسكندرانيا مهما كانت جنسيته أو ديانته. وفي الإسكندرية تعلمت تقبل الآخر. والأمر ذاته كان في كلية فيكتوريا، التي كانت أرقى وأغلى مدرسة أو معهد تعليمي في مصر، بل في الشرق الأوسط كله، وربما في افريقيا أيضا.
تبدأ رحلة الفن في حياة صانع البهجة، بعد انفصال والده عن والدته، وسفره مع والده إلى القاهرة، حيث سكنوا في «عمارة السعوديين» ويقول سمير إن هذه العمارة كان يسكنها عدد من المشاهير، ومنهم عبدالحليم حافظ، وما أن علم سمير بذلك حتى أخذ يتحرى مواعيد خروج العندليب وعودته إلى البيت، وذاتَ يوم افتعل لقاءً معه أمام المصعد وبادره بتحية بالإنكليزية، وقدم له نفسه على أنه أجنبي اسمه بيتر فرد عليه عبدالحليم السلام، وهنا تشجع سمير صبري فطلب منه صورة تذكارية، فأهداها له العندليب، وأهداه إيضاً إحدى اسطواناته. وفي يوم عاد سمير صبري بصحبة والده، وكان عبد الحليم حافظ واقفا في انتظار المصعد فقال لسمير: «هالو بيتر» فأحرج سمير أمام والده، وانفضحت الحيلة، لكن العندليب تفهم شقاوته وأجاب طلبه بعد ذلك في أن يحضر معه التصوير الخارجي لمشاهد من فيلمه «حكاية حب» عندما التقته الإذاعية آمال فهمي صاحبة برنامج «على الناصية» وطلبت من المطرب الشاب عبدالحليم حافظ أن يسمعها مقطعا من إحدى أغنياته. وقد ظهر سمير صبري أمام الكاميرا لأول مرة في حياته في هذا الفيلم، مع المارين في الشارع، الذين استوقفهم جمال صوت المغني. وفي اليوم نفسه أخذه الفنان عبد الحليم حافظ إلى الإذاعة، حيث كانت الفنانة لبنى عبد العزيز تقدم برنامجها الإذاعي على القناة الأوروبية (العمة لولو) وعرض عليها ان يقدم معها البرنامج سمير صبري أو (بيتر) كما كان يحلو للعندليب مناداته، ومن هنا كانت بداياته في الإذاعة مع صاحبة «الوسادة الخالية».

أكثر من خمسين عاماً من العطاء لسفير البهجة والسرور فيكتب هنا (أعتقد أن خلال رحلتي في الحياة تعلمت أن الحب هو منبع كل جميل وكريم وعظيم.. ومن خلال تعاليم الحب تعلمت الحياة).

كما هيأت له الظروف وهو لا يزال طالبا في قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب، فرصة الظهور على الشاشة الصغيرة من خلال مهرجان التلفزيون الأول، الذي أقامه وزير الإعلام آنذاك الدكتور محمد عبدالقادر حاتم في عام 1964، وقد مكنته الظروف من أن يصعد إلى المسرح، ويقدم ضيوف المهرجان بطريقة رائعة جداً، جذبت كل المتلقين نحوه، ونجحَ نجاحاً باهراً وكانت هذه الليلة بداية المشوار الجميل، وكتب عنه كل كبار الكتاب في الصحافة (صانع البهجة الذي لمع في ليلة افتتاح المهرجا). وقد لمعت نجومية سمير صبري من خلال برنامجه الأسبوعي «النادي الدولي» الذي كان شكلا جديدا على برامج ماسبيرو في ذلك الوقت. وفي السينما بدأ بالأدوار الثانوية مثل دوره في فيلم «أبي فوق الشجرة» قبل أن تسند إليه أدوار البطولة مثل «البحث عن فضيحة» و»بالوالدين إحساناً» فقدم أكثر من 132 فيلماً سينمائياً.
وفي الفصول اللاحقة من الكتاب تتوإلى حكايات برنس الشاشة الصغيرة مع أهم المشاهير الذين التقى بهم وحاورهم، ومنهم العندليب عبدالحليم حافظ الذي كتب عنه «كان بوابة عبوري إلى شارع الفن.. معه وقفت لمدة ثوان لأول مرة أمام كاميرا السينما، ومعه دخلت الإذاعة.. وبفضله ومساعدة الإعلامية آمال فهمي قدمت أولى فقراتي على موجات الإذاعة) كما قال: (حليم كان مؤسسة.. مدرسة ذكاء وعشق للفن.. تعلمت منه الدقة والإتقان في العمل.. تعلمت منه زواج الفنان الكاثوليكي لفنه) وعن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وصفه بـ(الفنان ذي الذكاء النادر) وقال عنه (الأستاذ مدرسة في الذكاء الفني، عبقري فى اختيار كلماته، وفي توظيف وخدمة فنه، واختيار توقيت وصوله للجمهور، أستاذ في الحوار، في صوته موسيقى تسمعها حتى فى حديثه العادي، أستاذ في معرفة متى يتحدث، ومتى يصمت، ومتى يرد بالإجابة الموزونة التي لا تجرح).
أما على الصعيد الأدبي، فكتب ذكرياته مع (عدو المرأة والكاميرا) الأديب الكبير توفيق الحكيم، الذي ذكر قصته الطريفة والذكية للتسجيل مع الأديب الكبير دائم الرفض للتصوير، فاستخدم ميكروفونات خفية وضعها تحت باقة ورود وسجل معه لقاءً تليفزيونيا عرضه فى برنامجه «البرنامج الدولي» كشف (الحكيم) خلاله حقيقة عدائه للمرأة، فقال: (أنا أحب المرأة جدا.. أناقشها.. أجادلها.. أغيظها.. فالحوار مع أي امرأة ممتع للغاية، والعلاقة هنا علاقة صداقة.. صداقة الفكر والفتنة الكامنة وراء عيون أي امرأة في العالم.. عيون المرأة أكتر حاجة تثيرني).
وعن ذكرياته مع ليلى مراد، ذكر صانع البهجة عندما التقاها في إحدى المناسبات وسألها: بمناسبة عصر العظماء قي الطرب: أم كلثوم، أسمهان، نور الهدى، نجاة علي وصباح، إلخ، كيف كانت علاقتكن مع بعض، هل كانت منافسة وغيرة فنية، أم حرباً كالتي نعيشها الآن؟
فأجابت ليلى مراد: لا توجد أي حروب فنية بيننا مثل الحروب الفنية بين النجوم، التي نسمع بها هذه الأيام، كنا نعمل ونغني ونمثل، نمتهن الفن الذي نعشقه، أم كلثوم يا سمير لم يكن هناك مثلها، ولن أنسى كيف وقفت بجانبي في مواقف شخصية كثيرة، كانت عندما تسمع أغنية جديدة لي، تكلمني وتناقشني فيها، وكنت أذهب إليها أحياناً ونغني معاً، كنت أحب أغنية «عودت عيني على رؤياك» وهي كانت تحب أغنية القصبجي «أنا قلبي دليلي». كذلك ذكرياته مع سعاد حسني، أم كلثوم، فريد الأطرش، عادل إمام، شادية، وردة، ميرفت أمين، صباح، كمال الشناوي، فاتن حمامة، شريهان، داليدا، محمد الموجي، بليغ حمدي، وأيضا الكاتب أسامة أنور عكاشة، السلطان قابوس، الشيخ زايد آل نهيان، البابا شنودة، الإمام موسى الصدر، أحمد زويل، تحية كاريوكا والكاتب مصطفى أمين الذي قالَ له (خليك دايماً أقوى من الصدمات واتعلم تقف ثاني مهما كعبلوك.. وسامح أعداءك حتلاقي التسامح أقوى من الانتقام).
أكثر من خمسين عاماً من العطاء لسفير البهجة والسرور فيكتب هنا (أعتقد أن خلال رحلتي في الحياة تعلمت أن الحب هو منبع كل جميل وكريم وعظيم.. ومن خلال تعاليم الحب تعلمت الحياة).

كاتبة عراقية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com