مقالات

مواقفنا الملتبسة من الحرب في أوكرانيا

بيدر ميديا.."

مواقفنا الملتبسة من الحرب في أوكرانيا

صادق الطائي
 

 

الضمير«نا» الوارد في عنوان المقال، يحيل إلى عدة مجاميع منها العراقيون، العرب، الشرق أوسطيون، وهنا أحاول تقديم فرشة لعلاقة هذه المجاميع بالحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا، مع محاولة لتقديم قراءة لأبرز ردود الفعل على الحرب، وآلية تعاطينا مع أخبارها في منطقتنا.
انصبت أبرز التعليقات المبكرة حول الغزو الروسي لأوكرانيا على موضوع المرأة الأوكرانية، التي يبدو أنها ارتبطت في مخيالنا الشعبي المعاصر بـ»الشقراء الشهية الرخيصة»، التي يمكن الحصول عليها «جنسيا» بعدة طرق مثل الشراء بالمال، مثلما يحدث في العديد من دول المنطقة تحت تسمية: الرقص الشرقي، والخدمة في المطاعم والنوادي الليلية، ومحلات المساج وغيرها.
لقد أشار تقرير المركز الدولي لتطوير سياسة الهجرة الصادر عام 2013 إلى أن «غالبية النساء اللواتي يقعن ضحية الاتجار بالبشر بغاية الاستغلال الجنسي في المنطقة، يتحدّرن من بلدان أوروبا الشرقية (أوكرانيا ومولدوفيا وبيلاروسيا)، وإن هذا الامر خلق النظرة السائدة في أذهان الكثيرين التي ربطت بين النساء الأوكرانيات والخدمات الجنسية»، وبالتالي نشاهد منصات التواصل الاجتماعي قد اكتضت، مع الشرارة الأولى للحرب، بتعليقات سمجة وعنصرية، تعلن انتظار «مجتمعاتنا المبجلة» لموجة اللاجئات الأوكرانيات، اللواتي سيصبحن لقمة سائغة لرجال يسيل لعابهم لمرأى الشعر الأشقر. كما ارتبط موضوع الإحالات الجنسية للعملية العسكرية في أوكرانيا بالصور النمطية التي غزت المقارنة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذي العضلات المفتولة وصوره وهو عاري الصدر على صهوة حصانه، ووصفه بأنه رجل المخابرات القوي الذي سيهزم أعداءه من قيادات الجانب الآخر بدءا بـ»العجوز» الضعيف بايدن، مرورا بـ»الطفل الغر» ماكرون وصولا إلى «الأشعث» بوريس جونسون وانتهاء بـ»المهرج» والممثل الكوميدي فلوديمير زيلينسكي، الذي ورط بلده بمواجهة غير متكافئة مع روسيا بعد أن خدعه الغرب. ويبدو أن إحالات القوة والفحولة، ما تزال مؤشرات قوة سياسية في مخيالنا الشعبي، علما أنها شهدت تراجعا ملموسا في الاطروحات السياسية الغربية. لكن يبدو أن موجة السعار الجنسي لم تلبث طويلا في الواجهة، وإن بقيت كامنة تحت رماد التعليقات، التي تبدو في ظاهرها سياسية، وانصبت تحليلاتنا السياسية للحرب في أوكرانيا منطلقة من قناعاتنا السابقة وتاريخنا القريب، مبتعدة عما يجري على أرض الواقع، إذ نجد الكثير من قراءات اليسار العربي للأزمة ورمزها بوتين، باعتباره باعث المجد السوفييتي، والواقف في وجه الإمبريالية الغربية، لذلك كانت هنالك موجة كبيرة داعمة للغزو الروسي، انطلاقا من كراهية الناس للمواقف الأمريكية والغربية، باعتبارها قوى استعمارية دمرت بلداننا ونهبت ثرواتنا، ولا يهم بعد ذلك، بحسب وجهة النظر هذه، أن ندعم معتديا أو غازيا، لأن عدوانه يقع على غيرنا، لكنه في النهاية يقف «بشموخ وعزة» أمام غطرسة الغرب.

هنالك موجة كبيرة داعمة للغزو الروسي، انطلاقا من كراهية الناس للمواقف الأمريكية والغربية، باعتبارها قوى استعمارية دمرت بلداننا ونهبت ثرواتنا

وجه المفارقة الآخر انطلق من الجانب الاقتصادي للحرب في أوكرانيا، إذ ارتفعت أسعار البترول والغاز عالميا، ما يعني أن أرباحا ستصب في خزائن دولنا في الشرق الأوسط من مالكي النفط والغاز، لكن بكائيات من نوع آخر، وجشع من نوع متفرد، انطلق في أسواقنا، متمثلا في ارتفاع مفاجئ في أسعار المواد الغذائية، المضحك المبكي أن الأزمة في أسواقنا انطلقت حتى قبل الدول التي تأثرت، أو يمكن أن تتأثر بشكل مباشر بالحرب، مثل دول أوروبا الغربية، إذ رفع تجارنا أسعار الخبز والزيت والسكر واللحوم بشكل كبير، ما إن سمعوا في التلفزيون أصوات صفارات الإنذار التي انطلقت في كييف. أما المواقف الصادمة في شارعنا فقد ولدت مع ظاهرة فتح باب القتال لـ»المرتزقة» من شباب الشرق الأوسط للقتال في الحرب الأوكرانية وعلى جهتي النزاع. إذ فتحت روسيا الباب رسميا لتجنيد ميليشيات من الشرق الأوسط لدعم الانفصاليين الروس في إقليم الدونباس، ردا على فتح الحكومة الأوكرانية باب التطوع للمقاتلين من مختلف دول العالم، ضمن ما سمي «الفيلق الدولي للدفاع عن اوكرانيا». وقد أشارت بعض التقارير الغربية التي نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية ووكالة رويترز إلى سوابق مماثلة لاستخدام ميليشيات من الشرق الأوسط في النزاع المسلح الذي دار في أقليم ناغورنو كارباخ، بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020، إذ جندت تركيا مقاتلين سوريين لدعم أذربيجان، بينما جندت موسكو مقاتلين سوريين لدعم القوات الأرمنية. أجواء الحماسة كانت طاغية على مجتمعات مدن محور المقاومة في سوريا ولبنان، الذي يطلق تسمية حماسية على الرئيس الروسي هي (أبو علي بوتين) باعتباره أبرز الداعمين الدوليين لمحور المقاومة، لكن ربما تكون بغداد قد بزتهم في حماسة بعض المؤيدين لبوتين في قرار غزوه لأوكرانيا، إذ شهدت منطقة الجادرية في قلب بغداد (وهي منطقة نفوذ الإسلام السياسي الشيعي) تعليق صورة عملاقة للرئيس بوتين قرب جامعة بغداد، كتب عليها تعليقاً باللغة الإنكليزية « We Support Russia» التي تعني «نحن ندعم روسيا»، مصحوبا بامضاء باسم «أصدقاء الرئيس»، لكن القوات الأمنية رفعت هذه الصورة لاحقا من دون أي توضيح للموضوع. من جانبها القنصلية الروسية في البصرة جنوب العراق كتبت في الثالث من آذار/ مارس 2022 على صفحتها الرسمية على منصة فيسبوك منشوراً تضمن معطيات عن تلقّيها طلبات من عراقيين للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة الروسية، وأنهت المنشور بشكر المتحمسين على تضامنهم مع روسيا، وبأن القوات الروسية «لديها القوة الكافية لحل هذه المشكلة والقنصلية العامة لا تجنّد المتطوعين»، لكن سرعان ما قامت القنصلية بحذف المنشور بعدما أثار ضجة بين العراقيين.
على الجانب الآخر نقلت عدة قنوات تلفزيونية، ومنصات تواصل اجتماعي صورا ومقاطع فيديو لطوابير متطوعين عراقيين للقتال في أوكرانيا، إذ انتشرت معلومات لا يعرف مصدرها عن دفع الغرب لمرتبات مغرية للمقاتلين الأجانب تصل إلى 4 آلاف دولار في الشهر. كما أشار باحثون إلى موضوع تجنيد عراقيين للحرب مع القوات الأوكرانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إذ أشار البعض إلى أن «هناك أطرافا ترتبط بالمعسكرين، سواء الروسي أو الأوكراني، تسعى لاستقطاب مقاتلين من أجل أن تكون المعركة هي معركة المرتزقة، وذلك عبر توظيف أكبر عدد من هؤلاء ليكونوا ضمن أحد المعسكرين، ولاحظنا إعلانات تدعو للانخراط في الصراع الروسي – الأوكراني. وأن كثيراً من الشباب العراقيين قد يسعون إلى الذهاب للقتال مع أوكرانيا للحصول على الجنسية الأوكرانية، أو محاولة استغلال الوضع في أوكرانيا وما يترتب عليه كهجرة جماعية للحصول على فرصة للانطلاق من هناك إلى أوروبا». ومن تشابك خيوط المواقف من الحرب في أوكرانيا، يمكننا أن نشير إلى الموقف الإيراني وما يرتبط به من مواقف الميليشيات والأحزاب الولائية، إذ كان الموقف الرسمي الإيراني الأولي يعتبر حلف شمال الأطلسي «ناتو» بقيادة الولايات المتحدة هو الجهة الجانية، وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إن توسّع حلف الأطلسي شرقاً يمثل تهديداً خطيراً لأمن واستقرار الدول المستقلة. كما أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في مناسبات عدة أن الأزمة «متجذرة في الناتو»، لكنها دعت إلى حلها بالوسائل الدبلوماسية.
لكن المتغيرات ابتدأت تلوح في الأفق عبر التداعي السريع لحل أزمة الملف النووي الايراني في مفاوضات فيينا، ليتسنى رفع الحضر عن البترول الإيراني سريعا ليدخل إلى السوق العالمي بقوة ليسد النقص الحاصل في سوق الطاقة نتيجة العقوبات على روسيا، ومع التلويح بتقارب إيراني أمريكي، ابتدأت بوادر تراجع في الموقف الإيراني من النزاع في أوكرانيا. هذا الأمر دفع موسكو للتلويح بالانسحاب من المفاوضات الجارية في فيينا وعدم التوقيع على الاتفاق النووي، إن لم تقدم واشنطن ضمانات بأن لا تمس العقوبات الأمريكية عليها العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا. فهل ستتغير مواقف الأحزاب والميليشيات الولائية بعد تمرير الاتفاق النووي الجديد، وما قد يفرزه من تقارب أمريكي إيراني؟ هذا ما ستفرزه الأيام القليلة المقبلة.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com