مقالات

“ميزوبوتاميا” ترجمة إغريقية لـ “بيث نهرين” الآرامية وليس العكس!

بيدر ميديا.."

“ميزوبوتاميا” ترجمة إغريقية لـ “بيث نهرين” الآرامية وليس العكس!

علاء اللامي*

يعتقد كثيرون أن مصطلح “بلاد ما بين النهرين/ بلاد الرافدين” هو ترجمة عربية مأخوذة عن المصطلح الإغريقي “ميزوبوتاميا/ ميتسوبوتاميا”، وهذا كلام خاطئ يتكرر في الموسوعات المعلوماتية على النت وفي الدراسات الإناسية الاستشراقية والعربية وهو غير دقيق تماما؛ فعبارة “بيث نهرين” الآرامية، هي الأصل وكانت متداولة في عهد الدولة  الآشورية التي تأسست في بلاد الرافدين خلال القرن الرابع عشر ق.م، وزالت من الوجود كدولة في القرن السابع ق.م؛ هذه العبارة “بيث نهرين” هي الأقدم تاريخيا من ترجمتها الإغريقية “ميزوبوتاميا”، ثم الروماني لفترة قصيرة كاسم لمقاطعة محتلة من قبل الرومان في شمال بلاد الرافدين في عهد الإمبراطور تروجان سنة 116 م، حتى انسحاب الرومان منها في عهد هادريان بعد سنوات قليلة، والتي ولدت في القرن الثاني ق.م، واللفظة الأصلية الآرامية “بيث نهرين” هي الأطول والأوسع استعمالا والأقدم من ميزوبوتاميا الإغريقية بعدة قرون، ومرادفها العربي الصحيح والحرفي هو بلاد “ما بين النهرين”، واختصرت في الاستعمال اليومي إلى “بلاد الرافدين” لخفتها وسلاستها النطقية. والنسبة إليها “الرافداني” على منوال “البحراني” كما ورد في لسان العرب. وإليكم هذه الحيثيات والمعطيات التاريخية التي تؤكد هذا المعنى وقد جمعتها من مصادر عديدة تجدونها في نهاية المنشور:

*”بيث نهرين” هو اسم العراق القديم في اللغة الآرامية – وهي أقرب اللغات الجزيرية “السامية” إلى العربية، وقد تطورت الآرامية لاحقا إلى السريانية، ويعتقد باحثون أنها هي نفسها تقريبا، ولكن المسيحيين العرب والشرقيين نأوا بأنفسهم عن اسم “الآرامية” لأنه ذو محمولات وثنية؛ وتعني عبارة “بيث نهرين” باللغة العربية “بين نهرين”. وهي المناطق الواقعة بين نهري دجلة والفرات ومحيطهما وكذلك روافدهما. ويشير أيضا إلى المنطقة باعتبارها حول الأنهار، وليس فقط حرفيا بين الأنهار. ومنه اشتقاق “نهرايا”، وهو المعادل الآرامي لـ بلاد ما بين النهرين”.

* الاسم الآرامي موثق منذ اعتماد الآرامية القديمة كلغة مشتركة للإمبراطورية الآشورية الحديثة في القرن الثامن ق.م، أما الاسم اليوناني ميزوبوتاميا فقد صيغ لأول مرة كترجمة لبيث نهرين الآرامية في القرن الثاني ق.م من قبل المؤرخ بوليبيوس خلال الفترة السلوقية. هناك صيغ أخرى قريبة في السريانية الكلاسيكية “الآرامية” الأقل شيوعاً الأخرى للاسم منها بيت ناهراواتا (بين الأنهار)، و (Meṣʿaṯ Nahrawwāṯā) أي (وسط الأنهار).

*استخدم مصطلح بلاد ما “بين نهرين” في جميع صفحات الترجمة السبعينية اليونانية للتوراة (حوالي250 قبل الميلاد) كترجمة معادلة للآرامية والعربية نهرايم (Naharaim). وهناك استخدام يوناني سابق لاسم بلاد ما بين النهرين بصيغته الآرامية في “أناباسيس الإسكندر= تاريخ رحلات الإسكندر الحربية” بلفظة بوتاموس نهرايم  Naharaim .. ( potamos = النهر)، ورد هذا الاستخدام في الأناباسيس في عهد الإسكندر، الذي كتب في أواخر القرن الثاني الميلادي، ولكنه يشير على وجه التحديد إلى مصادر أقدم من زمن الإسكندر الأكبر. ويشمل المصطلح آنذاك مقاطعة تشكل جزءاً من بلاد الرافدين القديمة وهذا الجزء يشمل الأرض الواقعة شرق نهر الفرات في شمال سوريا الحالية.

*كما ورد استخدام مصطلح “بيريتم ناريم / بيريتم  biritum / birit narim ذو الأصل الآرامي في التوراة مرات عديدة أيضا.

*يشمل إقليم “بيث نهرين” الرافدين الأراضي الواقعة بين النهرين الفرات ودجلة، اللذين ويغطي حوالي 35،600 كيلومتر مربع ويضم قديما جميع مناطق الجمهورية العراقية وأجزاء من جنوب شرق تركيا وشمال غرب إيران، شمال شرق سوريا.

*بعد زوال الحضارات الرافدانية القديمة ومع الاحتلال الفارسي الأخميني ثم الساساني حتى الفتح العربي الإسلامي، ظل مصطلح بلاد الرافدين “ما بين نهرين” مستعملا بصيغة “آرام نهريم” في الآرامية القديمة “السريانية، وظل مستعملا من قبل رجال الدين والمتدينين اليهود المتعاملين مع كتابهم المقدس “التوراة” ولم تستعمل صيغة “ميزوبوتاميا” الإغريقية إطلاقا.

*وبخصوص صفة النسبة إلى الرافدين بصيغة الرفع “الرافداني وهي على منوال “بحراني” وليس ” بحريني” فكنت قد كتبت في مقالة سابقة الآتي نصه:

*إنَّ لفظ “بحريني”، هو تعريب لكلمة النسبة الإنكليزية إلى البحرين (Bahraini). هذا ما يؤكده علي إبراهيم السلاطنة في مقالة موثقة له بعنون (بحراني … بحريني … قراءة تاريخية). أي أنه يعتقد أن لفظ ” بحريني” على النصب والجر بالياء والنون في التثينة، لفظ أعجمي غير عربي في أصله كنسبة إنكليزية، ولكنه عربي من حيث ملفوظه العربي بالياء والنون قبل أن يأخذه المعجم الإنكليزي ويثبته بهذا اللفظ، وكلام السلاطنة صحيح، ويمكن التأكد من صحة ما يقوله بمراجعة أي قاموس عربي إنكليزي أو بكتابة عبارة “رجل بحريني” في المترجم التلقائي في غوغل مثلا لتظهر هذه الكلمة (Bahraini) كمعنى لها. أما لفظة “بحراني” على الرفع بالألف والنون للتثنية، فتعني النسبة العربية القديمة والشائعة والمتفق عليها بين اللغويين القدماء كنسبةٍ عَلَميَّةٍ الى بلاد البحرين، وبهذا المعنى وردت في المعاجم العربية القديمة بما يؤكد أن لا علاقة له أبدا بالشّيعة والسُّنة، وهذه بعض التوثيقات من أمهات الكتب اللغوية التراثية وبهذا المعنى وردت في المعاجم العربية القديمة كلسان العرب لابن منظور حيث نقرأ الآتي (وقال الليث: رجل بحراني منسوب إلى البحرين قال: وهو موضع بين البصرة وعمان؛ ويقال: هذه البحرين وانتهينا إلى البحرين. وروي عن أبي محمد اليزيدي قال: سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى حصنين: لم قالوا حصني وبحراني؟ فقال الكسائي: كرهوا أن يقولوا حصناني؛ لاجتماع النونين، قال: وقلت أنا: كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر. ويقتبس السلاطنة عن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت173 هـ) قوله: رجل بحراني، منسوب إلى البحرين، وهو موضع بين البصرة وعمان.

-وعن سيبويه (ت180هـ) ورد قوله: تقول في بهراء بهراني، وفي صنعاء صنعاني، كما تقول بحراني في النسب إلى البحرين وهي مدينة.

-وعن يحيى اليزيدي (ت 202 هـ) قوله: إنما قالوا بحراني في النسب إلى البحرين، ولم يقولوا بحري ليفرقوا بينه وبين النسب إلى البحر.

اسم العراق في الشعر الجاهلي، وفي وثيقة آشورية من القرن 12 ق.م، كشف عنها أولمستيد في مؤلفه “تاريخ آشور”! مؤسفٌ أن نرى بعض الباحثين والمترجمين والإعلاميين العرب –  وحتى بعض العراقيين- يصرون على استعمال الترجمة الإغريقية “ميزوبوتاميا” للمصطلح الآرامي العريق دون الإشارة إلى أنها ترجمة، و يصرون أحيانا بكل جهل على أنها الاسم الأصلي، ومنهم من لا يستعمل بلاد الرافدين أو ما بين النهرين بإصرار عجيب بل يكرر الترجمة الإغريقية “ميزوبوتاميا” بالحرف العربي؛ أما عبارة “العراق القديم” فهي من المهملات أو ربما المحرمات عند بعضهم، ولهذا التصرف تفسيراته التي لا علاقة لها بالموضوعية البحثية بل الجانب النفساني والسلوكي للباحث الفرد وخصوصا ببعض تجليات “عقدة الخواجة”! وقد شاهدنا باحثين وإعلاميين عرب ممن يشتغلون لدى دول الخليج لا يجرؤون على ذكر العراق حتى في نشرة الطقس اليومي أو أسعار العملات.

كان ما تقدم من ملاحظات بخصوص الترجمة اليونانية لبلاد الرافدين أو ما بين النهرين، فماذا بخصوص اسم العراق ومتى ظهرت هذا الاسم وماهي أقوى التفسيرات والتأويلات له؟

*أصل تسمية عراق: يعتقد كثيرون أن اسم العراق هو اسم حديث جاء به العرب المسلمون الفاتحون في القرن السابع الميلادي وهذا خطأ شائع. فقد ورد اسم العراق بلفظه العربي الحالي في الشعر الجاهلي في عصر ما قبل الإسلام كثيرا. وعلى سبيل المثال يذكر سالم الآلوسي الذي خصَّ اسم العراق بكتاب عنوانه “اسم العراق: أصله ومعناه عبر العصور التاريخية” ما قاله الشاعر المتلمس الضبعي (ت 580 م) في هذا البيت الجميل:

إنَّ العِراقَ وَأَهلَهُ كانُوا الهَوى **** فَإِذا نَأى بيَ وُدُّهُم فَليَبعُدِ

والملتمس الضبعي هو خال الشاعر طَرَفَة بن العبد، وكانا شاهدي عيان على ما كان فيه ملك الحيرة العربي في جنوب العراق عمرو بن المنذر المشهور بعمرو بن هند وأخوه قابوس من ترف واستبداد وظلم، فنظما أشعاراً في هجائهما فقرر الملك الانتقام منهما بحيلة الرسالة المختومة فقُتِلَ طرفة ونجا المتلمس.

وخلال بحث سريع في المصادر والمراجع عن أمثلة أخرى وجدت هذه الأمثلة:

لعنترة بن شداد العبسي قصيدة يذكر العراق فيها مرتين ويقول مطلعها:

تَرى عَلِمَت عُبَيلَةُ ما أُلاقي **** مِنَ الأَهوالِ في أَرضِ العِراقِ

أما مليح الهذلي فذكر العراق المساحل للبحر في بيت له قال:

مساحلة العراق البحر حتــى رفعنَ **** كأنمّا هّن القصـــور

وهذا التاريخ – القرن الخامس والسادس بعد الميلاد – لا يعني تاريخ ولادة اسم العراق بل هي مجرد إشارة إلى ان الاسم كان متداولا بين العرب قبل هذا التاريخ بفترة لا يمكننا الجزم بها بدقة وقد تصل إلى عدة قرون.

تتأكد هذه الحيثية المؤكدة لأصالة اسم العراق باللفظ العربي الحي بالكشف المهم الذي أعلن عنه المؤرخ الأميركي ألبرت أولمستيد في مؤلفه “تاريخ آشور”، وهو كتاب مهم لم يترجم إلى العربية حتى الآن رغم أن طبعته الأولى صدرت في 1923 وصدرت منه طبعات لاحقة لكونه مرجعا في موضوعه.

يقول كشف أولمستيد كما يخلص لنا سلام طه في ورقة اعدها حول الموضوع ” إن أول استعمال لكلمة العراق وردت في العهد البابلي الكاشي / الكيشي” في وثيقة ترقى إلى حدود القرن الثاني عشر قبل الميلاد عن العاهل الآشوري أورتا توكلتي  وجاء فيها اسم إقليم على هيئة لفظة “أراكيا – أريقا” والذي صار فيما بعد الأصل العربي لبلاد بابل ، وأن أوضح استعمال شاع لمصطلح العراق بدأ ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين” وهذا يعني أن اسم العراق الذي شاع في الشعر الجاهلي وفي لغة العرب في هذين القرنين يجد امتداده القديم ربما في هذا الكشف الممتد حتى عهد الملك الآشوري أورتا توكلتي في القرن الثاني عشر ق.م.

ويبقى، إذن، أقرب التفاسير الإيتمولوجية إلى الصحة لاسم العراق، إضافة الى تفسير أولمستيد باسم إقليم “أريكا – أريقا”، هو الذي قال به العلامة العراقي الراحل طه باقر وبعض زملائه وتلامذته من أنه لفظ عربي حديث قبل الإسلام بعدة قرون لاسم أوروك السومري بقلب الهمزة عينا والكاف قافا ومد الراء بالألف وليس بالواو. بمعنى أن “لفظ العراق يرجع في أصله الى تراث لغوي قديم أما من السومريين أو من قوم آخرين من غير السومريين كالساميين الذين استوطنوا السهل الرسوبي منذ ابعد عصور ما قبل التاريخ. وان لفظ العراق مشتق من كلمة تعني المواطن / المستوطن ولفظها (أوروك) او (أونوك)، وهي الكلمة التي سميت بها المدينة السومرية الوركاء.

أما أضعف تفسير فهو ذلك الذي يقول إن العراق هو ترجمة عربية لعبارة فارسية تعني البلاد المنخفضة أو البعيدة، وهذا تفسير متهافت فالعراق بلد مجاور لإيران وليس بلدا بعيدا عنها، ثم أن هذا التفسير أو الاسم لم يرد في أية وثيقة أو دليل آثاري فارسي قديم، بل على العكس نجد في اللغة الفارسية مصطلح “میانرودان ميان رودان” وهذه ترجمة لاسم العراق الآرامي ” بيث نهرين” مثلما ترجمت العبارة إلى الإغريقية حرفيا بلاد “ما بين النهرين“!

وأخيرا فإن من المؤسف أن هذا الكشف والنظرية التفسيرية التي بنيت عليه، التي قدمها المؤرخ أولمستيد قبل حوالي القرن لم تنل الاهتمام البحثي والعلمي اللازم من قبل المتخصصين العراقيين ومن المؤسسة الإركيولوجية العراقية، فكتاب أولمستيد لم يترجم إلى العربية حتى اليوم رغم أهميته الفائقة فيما يخص الحضارة الآشورية الرافدانية، والذين قرأوه بلغته الأصلية وكتبوا عنه لم يهتموا بأمر وثيقة “أورتا توكلتي” ويحاولوا الحصول عليها ودراستها بحثيا، وطلاب العلم في فروع الآثاريات بالجامعات العراقية ربما لا يعلمون حتى بوجودها!

المراجع:

*موسوعة stringfixer القسم العربي مادة بيث نهرين.

*موسوعة “المعرفة” مادة بلاد الرافدين بمراجع كثيرة.

*موسوعة ويكيبيديا مادة “بلاد الرافدين” موثقة بـ 22 مرجعا عربيا وأجنبيا مباشراً و19 مرجعا أجنبيا ثانويا.

*موسوعة “ويكيبيديا” مادة “بيث نهرين” موثقة بستة مراجع أجنبية.

*مقالات ودراسات أخرى منها لسلام طه ورفعت عبد الرزاق محمد وأحمد عواد الخزاعي.

رابط مقالة حول اشتقاق النسبة من الأسماء المنتهية بالألف والنون للمثنى:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=641517

 

 

(Inget ämne)

Re: مقال

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com