مقالات

الماركسية الرومانسية(إي بي طومسون)٣/٣

بيدر ميديا.."

الكاتب/ طلال الربيعي.

يعود الجزء الثاني من الكتاب بكامله في النهاية إلى خاتمة تدور حول النقد الرومانسي الثوري لمجمل الحضارة البرجوازية التي أدخلت التصنيع الرأسمالي من خلال الإكراه والسلب والانتهاك الصارخ للأعراف والقيم الاجتماعية والمؤسسات قبل الرأسمالية.

“أي تقييم لنوعية الحياة يجب أن يستلزم تقييمًا للتجربة الحياتية الإجمالية، والإرضاء أو الحرمان المتنوع، ثقافيًا وماديًا، للأشخاص المعنيين”عندما يقوم طومسون بهذا التقييم، عندما يفحص مجمل الخبرة، عندما ينظر إلى الثورة الصناعية, وعلى حد تعبير ألبرتو توسكانو في سياق آخر، “ينبغي النظر اليها بمجملها”، لا يمكن الهروب من المعاناة والبشاعة الشاملة التي انطوت عليها.”
(البرتو توسكانو (مواليد 1977) ناقد ثقافي إيطالي ومنظر اجتماعي وفيلسوف ومترجم. قام بترجمة أعمال آلان بادو، بما في ذلك كتاب بادو “القرن ومنطق العوالم”و شغل منصب محرر ومترجم كتابات بادو النظرية و حول بيكيت On Becket.
لم يكن ماركس امبريقيا لأنه لم يؤمن بأن الحقائق “تتحدث عن نفسها”. في رأس المال Das Kapital، تبنى ماركس موقفًا نقديًا، حيث قام بتحليل الهياكل الخفية وراء النشاط الاقتصادي. يعتمد اعتراض ماركس على الامبريقية على هذا: أن اهتمامها موجه حصريًا إلى مصدر المعرفة، ولكن ليس شكل تلك المعرفة. هنا يمكننا أن نرى لماذا اعتبر ماركس أنه من الضروري فحص الأشكال الاقتصادية ولماذا تجاهل الاقتصاد السياسي هذا الأمر. لذا كان الرأسمال نقدا لهذا الاقتصاد السياسي. يهدف ماركس إلى الكشف عن الأنماط الاقتصادية التي يقوم عليها نمط الإنتاج الرأسمالي على عكس الاقتصاديين السياسيين الكلاسيكيين مثل آدم سميث وجان بابتيست ساي وديفيد ريكاردو وجون ستيوارت ميل.
يردد رائد البولشفية الروسية بوغدانوف اصداء انجلز وانضمامه إلى صفوف “مؤيدي وحدة الوجود المعاصرين” كما نوهت في الحلقة الثانية
For me, Marxism includes the denial of
the unconditional objectivity of any truth whatsoever, the denial of every eternal
truth”
“الماركسية تتضمن إنكار الموضوعية غير المشروطة لأي حقيقة مهما كانت، إنكار الحقيقة الأبدية.”
اي بكلمات اخرى, الحقيقة يمكن ان تكون موضوعية، ولكن فقط ضمن حدود حقبة معينة، أي بالنسبة إلى نمط التنظيم الجماعي الراسخ تاريخيًا
Bogdanov, A. A. (2016). The philosophy of living experience: Popular outlines (Historical Materialism), translated, edited and
introduced by D. G. Rowley. Leiden: Brill
https://www.amazon.com/Philosophy-Living-Experience-Historical-Materialism/dp/1608467015
P. 11–12
وبالتالي ان مفاهيم “المادة” و”الروح-الرب-العقل الذكي-الله” هي أدوات لتنظيم الخبرة: “المادة والروح يرتبطان بالنشاط الاجتماعي، والأول ضروري كجسم او موضوع او محتوى الخبرة، الثاني كشكل تنظيمي لها (بوغدانوف 2016 ، 64). وهذا ايضا يلخص الفرق الجوهري بين ماركس في رأس المال والاقتصاديين الرأسماليين, كما ورد اعلاه. على الرغم من أن المادية “أقرب إلى النظرة السائدة للعمل” من المثالية، كلا الموقفين الفلسفيين هما في نهاية المطاف أشكال من الفتشية او الصنمية التي تمثل المادة والروح على أن كل منهما “شيء غير نسبي أو مطلق”، موجود” لنفسه وبنفسه”. وهدم اطار الفتشية هنا مهم ايضا في عدم خلق حواجز كونكريتية (نظرية-مسطرية مسبقة) بين البروليتاريا والطبقة العاملة, وهي حواجز يخلقها الماركسيون الباردون=الفتشيون. والفتشية هنا هي ايضا خطيئة منطقية بعرف عالم الرياضيات والفيلسوف نورث وايتهيد, الذي كان استاذا لبرتراند رسيل وزميله في كتابة العمل الضخم المؤلف من ثلاث مجلدات بخصوص اسس الرياضيات Principia Mathematica
The Universe of Discourse
1+1=2
https://blog.plover.com/math/PM.html
وبهذا الصدد يقول Bortoft في معالجته لعلم الشاعر غوته
The failure to notice the dimension of mind which is intrinsic to observation leads –dir–ectly to the most popular misunderstanding of scientific knowledge, namely, naive empiricism-which could also be called “factism”. This is the viw that that there are “facts” , which are independent of any ideationalelement and to which we have “–dir–ect access” showed y sense perception. …This purports to show that scientific laws are empirical generalizations reached by abstracting what is common to a number of observations. (The philosopher) David Hume showed long ago that scientific laws “cannot ̀” be derived from facts in this way…there is actually a nonsensory factor in every fact”
“يؤدي الفشل في ملاحظة بُعد العقل المتأصل في الملاحظة مباشرةً إلى سوء الفهم الأكثر شيوعًا للمعرفة العلمية، أي التجريبية الساذجة – والتي يمكن أيضًا تسميتها ب”الواقعية”. هذه هي الحقيقة القائلة بأن هناك “حقائق” مستقلة عن أي عنصر فكري وانه لدينا “مدخل مباشر” عن طريق الإدراك الحسي يرمي هذا إلى إظهار أن القوانين العلمية هي تعميمات تجريبية يتم التوصل إليها من خلال تجريد ما هو مشترك في عدد من الملاحظات. (الفيلسوف) ديفيد هيوم أظهر منذ فترة طويلة أن القوانين العلمية “لا يمكن” أن تُشتق من الحقائق بهذه الطريقة … هناك في الواقع عامل غير حسي في كل حقيقة”
The Wholeness of Nature : Goethe s Way of Science
by Henri Bortoft (Author)
https://www.amazon.com/Wholeness-Nature-Goethes-Way-Science/dp/0863152384
Pp 144-5
الواقعية الساذجة تلغي دور الدماغ في الادراك الحسي, والمحللون النفسيون سيضيفون ايضا العقل الباطن.
ومبدأ الحقائق الساذج لا ينحصر دوره الضار في العلم فقط, بل يتعداه ليشمل جوانب الفن المختلفة, كالواقعية الاشتراكية في الفن والسينما اثناء الحقبة الستالينية والتي شكلت نقيضها الواقعية (الجديدة) الايطالية.
Italian Neorealism
https://www.movementsinfilm.com/italian-neorealism
ومبدأ الحقائق الساذج هو جوهر الماركسية العلمية بصيغتها السائدة وان كانت غير المعلنة رسميا: الستالينية سابقا وحاليا, و هو احد مظاهر علم الموت Thanatology ١لذي يجزئ الظاهرة الحية الى مفردات امبريقية -فتيشات تشكل في عالم السياسة الصنمي قائمة كمية او عددية للوصول الى استنتاج سياسي لا بد ان يكون هو ايضا بدوره خطأ قاتلا. الامثلة عديدة اذكر بعضها فقط: دخول الحزب الشيوعي العراقي في تحالف مع حزب البعث في سبعينات القرن الماضي باعتبار ان تغييرات كمية طرأت على حزب البعث وادت الى تغيير نوعي (اسمع يا هيغل ايها المسكين كيف جرى تمزيق اوصال فلسفتك!), حيث يُسمح بموجبه بتقييم البعث كحزب “ديموقراطي ثوري”: انه هراء! وهو استنتاج من يرفعون راية علم الموت. وعلم الموت هو من قرر مصير هذه الجبهة بقتل وتعذيب وتشريد آلاف عديدة من اعضاء وانصار الحزب عندما, كما يقول اتباع سياسة صالونات الدبلوماسية المهذبة وجنتلمانات الشيوعية الرقيقون-الباردون-العلميون (لغة الدبلوماسيين او حديثهم بارد برودة الموت رغم رومانسية اللغة الفرنسية: المحتوى الامبريقي للغة الدبلوماسية وليس الشكل!), العلميون فوق العادة وحتى النخاع, “انفرط عقد الجبهة-انفرط!؟ نحتاج الى جواهرجي لاصلاحهWOW”!”. وعلم الموت-الكمي هو الذي حمل الحزب ولا يزال على تسمية الحزب الشيوعي العراقي لنفسه ك”حزب الشهداء!” وكأن تكاثر عددهم دليل على ولوج ابواب جنة الارض او السماء وليس جحيمهما! ونغس منطق علم الموت هذا لا يزال بمسك بخناق الحزب ويمنع الاوكسجين عن الوصول الى دماغه فيكتقي امبريقيا بحواسه عندما يعتقد السيد رائد فهمي ورفاقه الميامين بمبدأ تغيير ميزان القوى لاحداث تغيير في نظام الحكم (سياسة فيزياء العتلات!). واني سبق لي ان عالجت من قبل خرافة امكانية التغيير الجذري من داخل النظام نفسه وباستخدام آلياته في التغيير المفترض.
-تخبط الحركة الشيوعية العالمية والانتخابات البرلمانية-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=500892
انهم بحثون خطاهم بطواعية لا مثيل لها الى مقصلة الموت, و ليس هناك من قوة عقلية او فكرية قادرة من وئد انصياعهم لغريزة الموت. انهم بنصاعون لها لانها هي, بعرف المحلل النفسي جاك لاكان, المتعة الزائدة Jouissance, وهي احدى مشتقات غريزة الموت. ولكن البعض يصر على ان يلفظ ما تبقى له من انفاس لان قوة وقدرة المتعة الزائدة لا تُقهر لمن لم تتوفر له بصيرة ادراكها وكبح جماحها, والا فطريقه هو طريق الفناء وليس له من منقذ!
Jouissance and death drive in Lacan’s teaching
https://www.redalyc.org/journal/3765/376563855006/html/
وغريزة الموت يمكن فهمها بشكل آخر باستخدام نظرية المعلومات لكلوديه شانون, الذي اشرت اليه في الحلقة السابقة. دافع الموت، مع الموت كمبدأ داخلي، هو مسألة إنتروبيا، وهو مبدأ ديناميكي وحيوي. يمكن ربط مبدأ النيرفانا، الذي يتم فيه خفض التوتر إلى الصفر، بالانتروبيا. يشير دافع الموت إلى الاتجاه الحتمي, حتمية الماركسية العلمية=الستالينية, لجميع الأنظمة في الطبيعة. إنها فكرة بايو فيزيائية تخفي التحديدات الفردية للموضوع. إنها لا تعلمنا أي شيء. دلالاتها نظرية.
ونحن نعلم ان النيرفانا و الراحة الأبدية هي الموت بعينه حيث يتحقق فيه اعلى معدل للانتروبيا.
Beyond the death drive: Entropy and free energy
Thomas RabeyronORCID Icon
Pages 878-905 | Published online: 21 Jul 2021
https://cogentoa.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/00207578.2021.1932514?journalCode=ripa20
ط.ا.)

ويخلص طومسون إلى أنه “خلال السنوات 1780 – 1840 عانى الشعب البريطاني من تجربة التململ immiseration، حتى لو كان من الممكن إظهار تحسن إحصائي صغير في الظروف المادية, تم إغواء البعض من سكان الريف بسبب بريق ووعد الأجور في المدن الصناعية؛ لكن اقتصاد القرية القديمة كان ينهار على ظهورهم. لقد تحركوا اقل بمحض إرادتهم مما تحركوا بسبب الإكراهات الخارجية التي لم يستطيعوا التشكيك فيها: التضييق، الحروب، القوانين السيئة، تدهور الصناعات الريفية، والموقف المضادة للثورة لحكامهم.

على الرغم من “ظهور مهارات جديدة”، وحقيقة أن “الرضا القديم استمر”، فإن الشعور السائد بعيدًا عن القراءة المتأنية لهذه الفترة هو “الضغط العام لساعات طويلة من العمل غير المرضي في ظل انضباط شديد لأغراض غريبة. بعد أن تتلاشى كل الانطباعات الأخرى، يبقى هذا جنبًا إلى جنب مع فقدان أي تماسك محسوس في المجتمع، باستثناء ما بناه العاملون، في تناقض مع عملهم ومع أسيادهم، لأنفسهم ”

مقاومة البتلرة Resisting Proletarianization
ومع ذلك، فإنه في الجزء الثالث من الكتاب، في قياسه النوعي الواسع لوجود الطبقة العاملة، نواجه أكثر المقاطع إيحائية حول الديالكتيك الطوباوي الثوري للماضي ما قبل الرأسمالي والمستقبل الاشتراكي.

على وجه التحديد، نجد هذه الأفكار في دفاع طومسون عن Luddism كحركة شبه متمردة، والتي يقدمها كبديل للرأي القائل بأن “Luddism باقية في العقل الشعبي” ، والتي بموجبها تعتبر شأنًا عفويًا غير مهذب للحرفيين الأميين، المعادين للمكننة.
( Luddism هي مقاومة التغيير التقني. سميت كذلك نسبة الى Ned Ludd, عامل إنجليزي يقال انه حطم آلات النسيج حوالي عام 1779. ط.ا.)

في إطار عمل طومسون، يجب فهم Luddism على أنها “تنشأ عند بلوغ مرحلة الأزمة في إلغاء التشريع الأبوي وفرض الاقتصاد السياسي المنفلت بالضد من إرادة وضمير الشعب العامل.”

على عكس الرأي السائد، فإنLuddism, بالنسبة الى طومسون, لم تكن “معارضة عمياء للآلات”، بل كانت معركة ضد “حرية” الرأسمالي في تدمير تقاليد التجارة، سواء عن طريق آلية جديدة، من قبل نظام المصنع، أو عن طريق المنافسة غير المقيدة، تخفيض الأجور, وتقويض المنافسين، وهدم معايير الحرفية.

إذا نظرنا إليها من منظور طومسون ، “فإن المرء لا يصدم بتخلف الحركة بقدر ما يتعلق الامر بنضجها المتزايد بعيدًا عن كونها “بدائية”. تميزت الحركة بالانضباط وضبط النفس الى درجة عالية.”

نظرًا لأن الحركة مستمدة من الحقوق الاجتماعية المتخيلة جزئيًا والتي تم تذكرها من الماضي، قاوم حرفيو ما قبل الرأسمالية تحطيمهم في ظل تقدم الحضارة البرجوازية، وبدأوا في التحول بشكل هجومي إلى النضال المنظم والمنضبط من أجل الحقوق الجديدة والمعايير الاجتماعية. تتميز حركة Luddism، كما أحياها طومسون في جميع أشكالها شبه المتمردة، بالعناصر التي لا تعد ولا تحصى في ثورة Löwy في الديالكتيك الطوباوي الثوري، حجر الزاوية في الماركسية الرومانسية.

لقد كانت Luddism موجهة ضد “المجتمع الاستحواذي”
(كتب آر إتش تاوني كتابه “المجتمع الاستحواذي” البالغ الاهمية والمثير للجدل ونشر في عام 1920, حيث ينتقد فيه تاوني الفردية الأنانية للمجتمعات الصناعية الحديثة ويجادل بأن الرأسمالية تٌفسد من خلال تعزيز المصلحة الذاتية الاقتصادية، مما يؤدي إلى إنتاج بلا هدف استجابة للجشع والامتلاك النهم، وبالتالي لانحرافات الصناعة ويؤكد كذلك على أن الوطنية، بالتبعية ، تؤدي إلى انحراف إمبريالي وإلى إستراتيجية توازن فاشلة بالضرورة، مما يؤدي إلى حروب لا داع لها
The Acquisitive Society
By R. H. Tawney
http://www.historyinreview.org/rhtawney.html
ط.ا.)

ولكن من خلال المأساة، توصل طومسون إلى خلاص جزئي للطبقة العاملة، موضحًا أنه “لا ينبغي أن يُنظر إلى العمال على أنهم مجرد أعداد لا تعد ولا تحصى من الخلود الضائع. لقد غذوا أيضًا، لمدة خمسين عامًا، وبقوة لا تضاهى، شجرة الحرية. قد نشكرهم على هذه السنوات من الثقافة البطولية.”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com