صدر حديثا

هل المصريون عرب، وما علاقة العرب بالجزيريين “الساميين”؟ ج3 من 3

بيدر ميديا.."

هل المصريون عرب، وما علاقة العرب بالجزيريين “الساميين”؟ ج3 من 3

علاء اللامي*

نستمر في هذا الجزء الأخير من المقالة بمناقشة فرضيات لويس عوض حول أصل العرب القوقازي وطبيعة لغتهم ونتساءل: لماذا لم نجد نسبة مهمة عند تحليل المورثات الجينية “الجينات” لسكان الجزيرة العربية ذوي الأصول القوقازية، بل وجدنا جينات لا تختلف عن جينات الرافدانيين واليمنيين والشاميين كثيرا ضمن دائرة الجينوم ج1 وج2؟

هل المصريون عرب؟

وبالمناسبة، فلويس عوض يقول في كتابه “إن المسح الإثنولوجي لمصر والمصرين الناطقين بالعربية أثبت أنهم ينتمون إلى مجموعات إثنولوجية مختلفة عن المجموعات العربية بالإضافة إلى اختلافهم عن العرب. ص 10 م.س”، وقد فندت الدراسات الجينولوجية الحديثة هذا الرأي، وأثبتت أن المصرين لا يختلفون عن غيرهم من الناطقين باللغة العربية بين المحيط والخليج بانتمائهم إلى الجينومين ج1 وج2، وقد تطرقتُ لهذا الموضوع في مقالة سابقة اقتبست فيها ما قاله أحد مؤسسي علم الجينولوجيا، العالم  الروسي – الأميركي أناتولي كليوسوف، الذي قال حرفيا “إن من الخطأ تسمية المجموعة الجينية “ج1” بالمجموعة الفردانية الكوهينية “اليهودية”، لأنها موجودة عند العرب أيضاً، وهي عند العرب أقدم من وجودها عند اليهود بكثير، فهي موجودة عند العرب الذين يتكلمون العربية ويعيشون في تسع عشرة دولة تنسبها الموسوعات إلى العالم العربي، بدءاً من المغرب العربي حتى سوريا والعراق”.  

وفي أحدث التحليلات الجينية التي أجريت من سنة 2017 وحتى 2020 نجد أن نسبة الجينومين “العربيين” ج1 وج2 هي أعلى من غيرها من شبكة الجينات لدى المصرين، ويخلص هذا التقرير العلمي الموثق بالأرقام والتفاصيل والذي يحمل عنوان (Genetic history of the Middle East) وتحت عنوان فرعي هو (DNA history of Egypt) الى الخلاصة الحاسمة التالية: “يكشف التحليل الجيني للمصريين المعاصرين أن لديهم سلالات أبوية مشتركة بين السكان الأصليين الناطقين باللغة الأفروآسيوية في المغرب العربي والقرن الأفريقي ولدى شعوب الشرق الأوسط؛ كانت هذه السلالات الجينية قد انتشرت خلال العصر الحجري الحديث وتم الحفاظ عليها طوال عصر ما قبل الأسرات” أي بحدود 3100 ق.م.

أما الهابلوغروب أو السلالة ( E) وتفرعاتها المختلفة والموجودة في مصر “فمايزال العلماء مختلفين حول منشئها وهل ولدت في افريقيا أو في الشرق الأدنى “الأوسط”، ومن يقول انها ولدت في الشرق الادنى يقول انها هاجرت هجره عكسيه لافريقيا ، والسبب هو انها بنت السلاله CT“، وسأكتفي بهذا القدر من الشواهد الجينية لأنني لست ملما بهذا العلم إلا بشكل بسيط وكمعلومات عامة.

أما لغويا، فنحن نتساءل: ألم يأتِ “أجداد العرب من القوقاز” معهم بلغتهم أم أنها زالت من الوجود كلغة وكسردية ولم تترك إلا بعض الألفاظ القليلة التي يشهرها لويس عوضا في كتابه دليلا على أن اللغة العربية هي لغة هندوآرية وليست جزيرية “سامية”؟ وهل تخلو أي لغة في العالم المعاصر من مفردات – قلَّت أو كثُرت – قادمة من لغات أخرى؟ وبالمناسبة، فهناك فرضية قديمة يقول أصحابها إن المجموعتين اللغويتين “السامية الحامية” و”الهندوآرية” ربما كانتا مجموعة واحدة وانشطرت لاحقا إلى عدة مجموعات ولكن جمهور الباحثين لا يقر هذه الفرضية لانعدام الأدلة الحاسمة التي تؤيدها، كما قال العلامة طه باقر قبل حوالي ثلاثة أرباع القرن في كتابه “مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة” ج1 ص 94، الصادر سنة 1951.

أما الباحث العراقي عامر سليمان فقد أكد في كتابه “التراث اللغوي – الوارد في حضارات العراق”- ج1 ص312، الصادر سنة 1985، أن البحث اللغوي المقارن والذي يأخذ بنظر الاعتبار التزمين والتدرج من الأقدم إلى الأحدث، أكد الأصول الرافدانية الأقدم للعديد من المفردات التي دخلت في اللغة الإنكليزية وبعض اللغات الأوروبية عن طريق اللغة اليونانية يورد قائمة بمفردات بعضها أساسي ومهم.

ومع كل ما تقدم، فإن هذا الرأي للويس عوض ومن يؤيده يبقى فرضية ترجيحية لا أكثر، وكان مؤسفا وتعسفيا القرار الحكومي المصري بحظر توزيع وتداول كتابه في مصر منذ صدوره في الثمانينات، مع أنه كان مطبوعا ومتداولا خارج مصر.

قبل فرضيات عوض طُرحت فرضيات عديدة في إطار ما سمي “المعضلة السومرية” الباحثة عن أصول إلى هذا الشعب ولغته؛ منها ما يذهب إلى إنهم قَدِموا من شمال الهند وبلاد السند، ومنهم من يقول أنهم قدموا من شبه الجزيرة العربية ومنهم من يقول إنهم قدموا من شمال بيث نهرين “الرافدين” أو من جبل أرارات وبلاد أرمينيا، أو من وسط إيران، أو من جنوب الخليج العربي، وهناك مَن يقول إنهم لم يأتوا مهاجرين من أي مكان آخر، بل وجدوا في بلادهم في جنوب العراق القديم وفيه اندمجوا بالجزيريين الذين عاشوا إلى جوارهم حتى غطى حضورهم السكاني على الحضور السومري، وأنا أميلُ شخصيا الى هذه الفرضية، وهناك فرضية مثيرة أخرى قال بها الباحث العراقي د. نائل حنون قبل سنوات قليلة، تقترب من هذه الأخيرة، وتذهب إلى عدم وجود شعب سومري أصلا، وكل ما وجد هو لغة اسمها السومرية ابتكرها سكان المنطقة الجنوبية من العراق القديم واستعملتها شعوب عديدة متعاقبة، فاللغة كما يقول حنون “ليست دائما دليلا على وجود شعب تكلم بها” ويضرب على ذلك مثال اللغة السنسكريتية وكنت قد ناقشت رأيه هذا في مناسبة سابقة من باب الاختلاف البحثي معه. ووجهة نظر حنون قريبة من وجهة نظر جورج رو التي “تضع حلاً وسطاً مفاده أن السومريين كانوا نتاج تمازج عدد من الأجناس التي توطنت المنطقة على مراحل مختلفة”. وهذه كلها فرضيات قابلة للنقاش.

الاستناد إلى التوراة:

يستند المؤلف – صباح كنجي – في بعض مواضع الكتاب إلى التوراة التي يقول عنها إنها ” تؤرخ للكثير من تسميات هذه الشعوب والقبائل، وإن لم يكن ما ورد في التوراة من باب المسلمات التاريخية المطلقة والعلمية ولكنها تترادف مع المكتشفات الآثارية ولا تبتعد عنها في الكثير من التسميات أحيانا. ص 323″. وهذا كلام متناقض، فكيف يمكن الاستناد علميا لوثيقة غير علمية وغير مُسَلَّم بها كالتوراة؟ وكيف تترادف تسميات التوراة غير العلمية مع المكتشفات الآثارية ولا تبتعد عنها كثيرا؟ وأين هي تلك المكتشفات الآثارية التي لا تبتعد عما ذهبت إليه التوراة؟ إن الدراسات الحديثة حول التوراة انتهت إلى الجدار في ما يخص الميدان العرقي الإثنولوجي والتأريخي وقد لخص ذلك أحسن تلخيص البروفيسور “الإسرائيلي” زئيف هرتسوغ، رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب بدراسته الآثارية المثيرة والتي تقول كل شيء في عنوانها وهو: “التوراة: لا إثباتات على الأرض” بمعنى لا توجد أدلة آثارية “أركيولوجية” على الأرض تؤيد الروايات التوراتية.

إن التوراة فيها من الأخطاء الانثروبولوجية والإثنية والتأريخية ما يشب لهوله الوِلْدان؛ فهي مثلا تعتبر العيلاميين من الجنس السامي وهم الأقرب الى الشعوب الآرية، وقد هاجروا الى جنوب إيران من شمالها وتطبعوا لاحقا بطابع الثقافات والديانات واللغات الرافدانية، فيما تعتبر الكنعانيين الذين هم سكان فلسطين الأصلين من غير الساميين أي من الحاميين الذين حكم عليهم “رب التوراة” بأن يكونوا عبيدا لأبناء سام، رغم أن الكنعانيين كما كررنا هم الأقرب لغة وحضارة إلى الشعوب الجزيرية الأخرى، وهم أصحاب اللغة التي تفرعت عنها لغات عديدة أخرى كالفينيقية الشرقية والفينيقية الغربية في قرطاجنة والعمونية والمؤابية والإدومية والعبرية والآرامية. ويمكن أن نسرد هنا قائمة طويلة بالآثار المكتشفة التي تؤكد أخطاء الرواية التوراة بما فيها “نقش سلوان” الذي حاول التوراتيون توظيفه بشكل احتيالي لتأكيد روايتهم وقد فشلوا فشلا ذريعا، كما بيتُ في مقالة نشرتها قبل أيام قليلة*تجد رابطها في نهاية هذه المقالة.

جدالات قومية خارج سياق البحث العلمي:

كنت أتمنى أن لا ينزل المؤلف بسوية كتابة وتحليلاته الى اعتماد بعض الآراء التي يكررها بعض كتبة مواقع التواصل وصانعي النكات والطرائف من قبيل أن “تسمية العرب جاءت من اللغة السريانية وتطلق على البدو الرحل المتنقلين تسمية “آربايا” وقد اشتقت منها العربة التي هي وسيلة التنقل والحركة. ص 324″، ومعلوم لدى عدد من الباحثين أن اسم “السريان” واللغة السريانية هو ذو حمولة طائفية دينية للغة الآرامية التي جُعلت حكرا على الشعب الآرامي الوثني فيما اختار المسيحيون تسمية السريان لينأوا بأنفسهم عن الوثنية، ومعلوم أيضا اسم السريان مشتق من اسم “سوريا” وكلاهما مشتق من آشوريا أي بلاد آشور لولاية سلوقية ثم رومانية لاحقا؟ ثم هل يمكن أن نأتي بديل مشتق من لفظة معينة بعد قرون عديدة لتأكيد فرضية قبله فنقول إن اسم العرب اشتق منه اسم ” العربة للتنقل” على اعتبار العرب بدو رحل؟ وهل يتنقل البدو العرب في رحلاتهم الطويلة بالعربات أم على الجمال؟

العرب ليسوا أصل الجزيريين بل شعب منهم:

إن العرب ليسوا هم البدو، بل أن البدو ” الأَعراب” جزء من العرب الذين سكنوا المدن وبعضهم اختار حياة الرعاة الرحل كسائر الشعوب القديمة ومنها النوميديين وغيرهم. وهم – بالمعنى الإناسي كما أسلفنا – شعب جزيري “سامي” حديث وفتي وليس هو أصل الجزيريين، دخل هذا الشعب تاريخ الشرق وقلبه رأساً على عقب في القرن السابع الميلادي، وأسس دولا وإمبراطوريات بلغت ذروتها مع الحضارة العربية الإسلامية في العهد العباسي والفاطمي بمصر والأموي في الأندلس وكانت مثالا بارزا على المشاركة الفعالة من قبل شعوب المنطقة من الشرق والغرب في صنع تلك الحضارات البائدة المتقدمة معياريا وتقنيا في زمانها، ولم يقل أحد بأنهم أصل الشعوب الجزيرية القديمة إلا بعض البسطاء وغير المتخصصين بالعلوم الحديثية كالذين لا يفرقون بن العرب والأعراب البدو، فالفرع لن يكون أصلا والأصل لن يعتبر فرعا.

ومن هذ الخلل النهجي والافتراض غير الدقيق نتجت سلسلة استنتاجات وأحكام متسرعة وغير دقيقة من  قبيل “العرب يدعون أنهم أقدم سكان المنطقة في الجزيرة العربية ومنها هاجروا إلى بقية المناطق في العراق والشام/ 325” فالهجرات القديمة التي يفترضها بعض الباحثين قبل الإسلام كانت تخص شعوبا جزيرية أخرى كالأكديين وغيرهم وهجرة العرب كانت قبل الإسلام بقرون قليلة ولكنهم بنوا ممالكهم على حواف الرافدين غربا كمملكة المناذرة ذوي الأصول اليمنية والغساسنة والكنعانيين والآراميين والأموريين في ما يسميها العرب بلاد الشام والأنباط والعمونيين وغيرهم في حواف الشام الصحراوية الغربية وتحديدا في الأردن اليوم، وبعض الباحثين يذهب إلى هذه الهجرات وصلت الى مصر وشمال أفريقيا. أما الهجرات العربية الواسعة النطاق فقد جاء في القرن الثامن الميلادي خلال حروب الفتح العربي الإسلامي.

وعلى هذا، فإن قول المؤلف مثلا إن علم العروض هو علم انتحله العرب من غيرهم ونسبوه لأنفسهم، هو قول صحيح تأريخيا، ولكنه موظَف بشكل خاطئ يهدف إلى الانتقاص والرد على مبالغات النثر السياسي القومي المتطرف، فالعرب لم يعرفوا قط علم العروض، ولم يكن لبحور الشعر العربي وجود لدى العرب في عصر “الجاهلية”، بل كانوا يقولون الشعر على سليقتهم، وأول من أسس وكتب في العروض الشعري العربي واستخرجه من الشعر العربي القديم هو الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري في القرن الثامن الميلادي، أكثر من ذلك يمكنني القول إن العرب لم يعرفوا علم النحو العربي ولم يكونوا يعرفون قواعد النحو بل كانوا يستعملونها تلقائيا ويتكلمون الفصحى على السليقة والفطرة وقد تأسس النحو العربي لاحقا بعد شيوع اللحن والغلط في اللغة نتيجة اختلاط المسلمين من غير العرب بالعرب ودخول شعوب وبلدان أخرى في إطار الحضارة العربية الإسلامية لتسهيل اللغة عليهم، وأول علماء ومؤسسي النحو العربي هم من غير العرب غالبا من أمثال سيبويه في نهايات القرن الثامن الميلادي،  ونفطويه في منتصف التاسع الميلادي، أما واضع أسس النحو البدائية البسيطة فهو أبو الأسود الدؤلي الكناني في القرن السابع الميلادي، أي بعد اكتمال فتح العراق والشام ومصر، فأوجد الدؤلي قاعدة بسيطة لتمييز الفاعل والمفعول والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم. وفي القرون التالية تطور النحو العربي ونشأت مدارسه المعروفة في العراق “البصرية والكوفية والبغدادية المتوسطة بينهما”. وعلى هذا، فلم يكن لعرب الجزيرة علاقة لا بعلم العروض ولا بالنحو العربي ولا بالتنقيط الذي ينسبه بعض الباحثين إلى الدؤلي وبعضهم الآخر إلى نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني في عهد عبد الملك بن مروان الأموي.

أما وجود كلمة شعر في اللغات القديمة كالسومرية والأكدية والآشورية وفي العربية أيضا لا يعني إلا تواشج وتمازج هذه الشعوب الجزيرية الشقيقة والمتجاورة إناسيا ورجوعها إلى أصل إناسي مشترك قيد الأبحاث، أما وجودها في لغات غير جزيرية كالفارسية والتركية فهو يمكن أن يكون من باب التفاعل والاستعارة الحضارية لتلك الشعوب من السومريين والجزيريين لأنهم الأقدم.

الحضارة العربية الإسلامية التعددية:

 إن الدفاع عن مبدأ وقاعدة مشاركة شعوب المنطقة في الحضارة العربية الإسلامية ليس مِنَّةً من أحد وليس نظرية جديدة ملهمة بل هو واقع تاريخي موثق يدخل في عداد البديهيات الشائعة وهو مما ينبغي أن يفتخر به العربي التقدمي وغير العربي المنصف لكون العرب المسلمين هم مَن قدموا وقادوا عملية تأسيس وبناء حضارة تعددية لغوية وثقافية، ساهمت في صنع أمجادها كل شعوب الشرق التي انضوت في حدود تلك الحضارة، وبالتالي لا يمكن أخذ بعض مزاعم القوميين والعرقيين المتطرفين من العرب في بعض الشوارد ضمن الخطاب السياسي مأخذ الجد في الدراسات الإناسية والتاريخية التي تتوخى العلم مثلما لا يمكن بالمقابل أخذ ردود الأفعال العرقية المتطرفة المضادة والمعادية للعرب والعروبة مأخذ الجد في هذا النوع من الدراسات، وعموما فكلام الطرفين لا يعول عليه عليما وليس مفيدا زج البحث العلمي الرصين في الجدالات والمكايدات السياسية ذات المنحى القومي والقومي المضاد لأن ذلك سيكون على حساب رصانة البحث الإناسي الرصين والذي لا علاقة له بهذا النوع من الجدالات.

إيجابيات منهجية:

رغم الهنات الفنية والمضمونية التي تقدم ذكرها، فالمرجَح هو أن كتاب الباحث صباح كنجي سيحتل مكانا مفيدا في المكتبة العراقية والعربية كمرجع غني في ميدان البحث الإناسي والمثيولوجي والتأريخي عموما، وحول الطائفة الأيزيدية خصوصا، وقد يُنَشِّطُ عملية البحث والتأليف في هذه الميادين باتجاهات جديدة واعدة.

إن من الجدير بالملاحظة الإيجابية هو أن الباحث لم يبالغ في التعويل على تحليلاته واستنتاجاته التأثيلية “الإيتمولوجية” لما أورده من حيثيات في أغلب فصول الكتاب، ولم يزعم – كما يفعل بعض الباحثين المتسرعين- الذين يعلنون عن تحليلاتهم واستنتاجاتهم الشخصية وكأنها فتوح نظرية واختراعات عجيبة ونظريات قاطعة ثابتة لم يسبقهم إليها أحد ولا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، في حين أنها لا تعدو كونها احتمالات وفرضيات وترجيحات؛ على العكس من هؤلاء نجد المؤلف – كنجي –  يختم بعض تحليلاته كما في مثل “رابعة العدوية وعلاقتها بالإزيدية” بالقول المتواضع، إن هذا الموضوع “يحتاج إلى المزيد من البحث والتقصي وسيكون موضع اهتمام من يسعى للكشف عن حقائق التاريخ المغيبة. ص197”. وفي مناقشته لأصول التشكيل اللغوي بين العربية والفارسية حيث ينتهي إلى خلاصة متواضعة يعتقد بموجبها أن هذا الموضوع “يتطلب البحث والاستقصاء من لدن الباحثين والمتخصصين وعدم التسرع في طرح الاستنتاجات. ص 317″، أو أنه يكتفي بالتساؤل بعد تقديم وجهة نظره حول علاقة القوالين في الفرق الموسيقية الغنائية الدينية الإيزيديين بفرق الكهنة ورجال الدين في العهد السومري واسمهم (كالا GALA) أو عند الأكديين (كالو KALUبالقول “فهل هناك ثمة ربط بين الطرفين، أم أنها مجرد مصادفة لغوية وترادف لكلمات وألفاظ متقاربة؟”؛ ومن الواضح أن الكاتب يقصد حرف القاف الحميرية أو القاف القاهرية والتي تكتب في العراق “گ” وليس حرف الكاف في كلمة (كالا GALA).

أختم بالتنويه والإشادة بوفاء الباحث كنجي لهويته الطبقية ومهنته وشهادته الدراسية، ففي بادرة شجاعة، ندر أن نقرأ مثيلا لها في المشهد الثقافي والعلمي العراقي والعربي، عَرَّفَ المؤلف بنفسه في آخر صفحة من كتابه بالكلمات التالية؛ المهنة: عامل، أكمل الإعدادية حين كان عاملا في مخبز الربيع. فكم هو رائع هذا الصدق مع الذات والآخر والتواضع الملحوظ من باحث مجتهد!

*رابط مقالة: نقد الترجمات التوراتيّة لنقش سلوان

https://al-akhbar.com/Opinion/329924/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D8%A9-%D9%84%D9%86%D9%82%D8%B4-%D8%B3%D9%84%D9%88%D8%A7

*الشرق الأدنى هو ذاته الشرق الأوسط وكلا الاصطلاحين أورومركزيين يصفان هذه المنطقة من حيث موقعها الى أوروبا الغربية، وفي بعض الاستعمالات تضاف إيران وقبرص إلى الشرق الأوسط الذي يضم العراق وبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، ومصر تركيا.

*كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com